< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: خصائص تعريف الشهيد الصدر لعلم الأصول

 

ضابط القاعدة الأصولية وفقاً لتعريف الشهيد الصدر ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ فقد عرف الشهيد الصدر علم خصائص تعريف الشهيد الصدر لعلم الأصول تطرق أستاذنا المرجع الديني المرحوم السيد محمود الهاشمي الشاهرودي في تقريره للدورة الثانية لبحث الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر إلى أربع خصائص لتعريف السيد الشهيد الصدر لعلم الأصول ثم بعد ذلك تطرق إلى التقسيم الصحيح لمباحث علم الأصول فقسمها إلى خمسة مباحث بلحاظ نوعية الدليل فالدليل إما لفظي وإما شرعي وإما عقلي فهذه ثلاثة والدليل العقلي إما استقرائي وإما برهاني وإما أصل عملي فالمجموعة خمسة:

الدليل اللفظي والدليل الشرعي والأقسام الثلاثة للدليل العقلي، الدليل العقلي الاستقرائي والدليل العقلي البرهاني والدليل العقلي العملي.

هذه الخصائص الأربع التي تطرق إليها السيد محمود الهاشمي ـ رحمه الله ـ:

الخصيصة الأولى أن يكون عنصر مشتركاً،

الخصيصة الثانية أن يكون العنصر المشترك من عناصر الاستدلال الفقهي،

الخصيصة الثالثة أن يكون هذا العنصر المشترك مرتبط بطبيعة الاستدلال الفقهي خاصة،

الخصيصة الرابعة أن يكون هذا العنصر مما يستعمله الفقيه في الاستدلال الفقهي على الجعل الشرعي الكلي،

هذه الخصائص الأربعة لم ترد في التقريرات الثلاثة للشهيد الصدر، تقرير الدورة الأولى للسيد كاظم الحائري تحت عنوان مباحث الأصول وتقرير الدورة الثانية للشيخ حسن عبد الساتر تحت عنوان بحوث في علم الأصول، تقرير الدورة الأولى والثانية للشهيد الصدر الثاني تحت عنوان محاضرات في علم أصول الفقه.

لم ترد هذه الخصائص الأربعة كما أن التقسيم الخماسي ليس له عينٌ ولا أثر في هذه التقريرات الثلاثة والعكس بالعكس، فما أخذناه في ضابطة علم الأصول من اشتراط أمرين:

أولاً أن تكون القاعدة الأصولية لا بشرط من جهة المادة

الثانية أن تكون المقدمة في القياس الأخير للاستدلال الفقهي

فهذان الشرطان ليس لهما عينٌ ولا أثر في تقرير السيد محمود الهاشمي، مع أنهما وردا في التقريرات الثلاثة.

ولو راجعنا الحلقات الأولى والثانية والثالثة للشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ لما وجدنا الخصائص الأربع وما وجدنا الأقسام الخمسة وما وجدنا عنوان اللابشرط وأن تكون المقدمة في القياس الأخير للاستنباط ولكن يمكن الجمع فالمسألة ليست مانعة جمع بل يمكن الجمع بينهما.

اليوم إن شاء الله نذكر تعريف الشهيد الصدر حسب ما ذكره السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله ـ ونذكر الخصائص الأربع وفي ضمن ذكره للخصائص الأربعة سيتضح أن عنوان اللابشرط موجود وعنوان كون المقدمة في القياس الأخير للاستنباط أيضاً موجود ولكن من دون التصريح بذلك.

قال المرحوم السيد محمود الهاشمي (المختار في التعريف والصحيح في تعريف علم الأصول بنحوٍ تعالج به كل المشاكل المثارة بوجهه أن يقال علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة، التي يستعملها الفقيه كدليل على الجعل الشرعي الكلي)[1] صفة الكلي لم ترد إلا في تعريف السيد محمود الهاشمي ولم ترد في الحلقات الثلاث ولا في التقارير الثلاثة وأما صفة خاصة فقد وردت في بعض التعاريف ولم ترد في التعاريف الأخرى فمثلاً لم ترد في الحلقات الثلاث.

ونلاحظ أن هذا التعريف يضع للمسألة الأصولية عدة خصائص ولعل هذه الخصائص قد ذكرها المرحوم السيد محمود الهاشمي مما استفاده من درس أستاذه الشهيد الصدر يعني تحليل السيد محمود لخصائص تعريف أستاذه وإن لم يصرح بها.

الخصيصة الأولى أن تكون عنصر مشتركاً لا يختص بـ بابٍ دون باب من أبواب الفقه، وتوضيح ذلك إن الأدلة التي يمارسها الفقيه في مجال استنباط الحكم الشرعي تكون على قسمين:

القسم الأول ما يكون دليلاً خاصاً معتمداً في استنتاج حكمٍ فقهي معين، من قبيل البحث عن مدلول كلمة الصعيد لغة فإنه قد يستند إليه الفقهية كدليل على إثبات حكمٍ شرعي في الفقه إلا أنه لا يكون عنصراً مشتركاً يستدل به في أبواب فقهيه متنوعة.

هذا الشرط الأول مرجعة إلى أن تكون المقدمة بشرط شيء من ناحية المادة فاستظهار كلمة الصعيد في مطلق وجه الأرض أو خصوص التراب الخالص مرجعه إلى أن هذه المسألة اللغوية بشرط شيء من جهة مادة الصعيد.

القسم الثاني ما يكون دليلاً مشتركاً سيالاً في مختلف الأبواب الفقهية كالبحث عن تحديد مدول صيغة الأمر أو النهي فإنه يوفر للفقيه قاعدة عامة في تشخيص مداليل النصوص الشرعية المتكلفة لأمر أو نهي والأمر والنهي لا يختصان ببابٍ فقهي دون باب.

في هذا المقطع للسيد محمود الهاشمي ـ رحمه الله ـ يمكن استفادة الشرط الثاني بنكتيه:

النكته الأولى أن تكون المقدمة الأصولية لا بشرط من جهة المادة.

النكته الثانية المقدمة الأصولية التي هي لا بشرط من جهة المادة ولكنها من جهة نوع الحكم الشرعي إما أن تكون لا بشرط أو أن تكون بشرط شيءٍ فإن كانت المادة مادة الاستدلال الأصولية بشرط شيء من ناحية نوع الحكم الشرعي فحينئذٍ لا بدّ أن تكون سيالة في جميع أبواب الفقه، هذه سياله جعلها السيد كاظم الحائري في كتابه مباحث الأصول ج 1، صـ 37 جعلها قيد ثاني عبر بالقيود.

إذاً هذا المقطع للسيد محمود الهاشمي ـ رحمه الله ـ يذكر القيد الثاني أن تكون المادة مادة الاستدلال الأصولية لا بشرط من جهة المادة فالمقدمة إما أن تكون لا بشرط من ناحية المادة ونوع الحكم معاً هذا القسم الأول، وإما أن ـ القسم الثاني ـ أن تكون المقدمة الأصولية في الاستدلال الفقهي لا بشرط من جهة المادة ولكنها بشرط شيء من جهة نوع الحكم الشرعي فيحينئذٍ يشترط أن تكون سياله في جميع أبواب الفقه.

ثم يتكلم عن كيفية انفصال علم الأصول عن علم الفقه وهذا مذكور في التقريرات، يقول ما نصّه (وقد لوحظ من خلال توسع الممارسات الفقيه الاستدلاليه وتطورها تدريجياً أن القسم الثاني من عناصر الاستنباط) [2] القسم الثاني يعني ما أخذ بلا شرط من جهة المادة الفقهيه يعني ما يكون دليلاً مشتركاً وسيالاً، مشتركاً هذا ناظراً إلى اللابشرط من جهة المادة، وسيالاً ناظر إلى القيد الآخر أنه إذا كان بشرط شيء من جهة نوع الحكم الشرعي لا بدّ أن يكون سيالاً في جميع أبواب الفقه، يقول السيد محمود ـ رحمه الله ـ (وقد لوحظ من خلال توسع الممارسات الفقيه الاستدلاليه وتطورها تدريجياً أن القسم الثاني من عناصر الاستنباط هذه باعتبار اشتراكه في أكثر من باب فقهي وعموميته في عمليات الاستنباط يكون أوسع من البحث الفقهي في هذا الباب أو ذاك بحيث لم يكن من الصحيح اعتباره جزءً من بحوث مسألة فقهية معينة أو تكرار البحث عنه في كل مسألة بل الصحيح إفراد الحديث عنه في فصل مستقل تدرس فيه تلك العناصر كبروياً ثم تطبق النتائج المنقحة هناك في البحوث الفقهية) [3] .

إلى هنا السيد محمود ـ رحمه الله ـ ذكر في الخصيصة الأولى من الخصائص الأربعة التي ذكرها لتعريف الشهيد الصدر قد ذكر الضابطة الأصولية التي ذكرت في التقارير الثلاثة، الضابطة فيها أمران، قيدان، نكتتان، الأولى أن تكون مقدمة الاستدلال لا بشرط من جهة المادة، الثانية أن تكون هذه المقدمة قد وردت في القياس الأخير للاستنباط الفقهي.

هنا نلاحظ السيد محمود ذكر لا بشرط من جهة المادة وأن تكون سياله في جميع المباحث الفقهية ذكره في القسم الثاني من الخصيصة الأولى ولم يذكر نكتة أن تكون المقدمة واردة في خصوص القياس الأخير للاستنباط هذا لم يذكره لا تصريحاً ولا تلويحاً ولكن لا بشرط يمكن أن تلوح من كلامه ذكرها تلويحاً.

الخصيصة الثانية أن يكون هذا العنصر المشترك من عناصر الاستدلال الفقهي ونعني بالاستدلال الفقهي الاستدلال الذي يقوم به الفقيه لتحديد الوظيفة تجاه الجعل الشرعي الكلي يعني ناظر إلى الجعل الكلي وليس ناظر إلى الموضوعات، أحياناً القاعدة تحدد وتنقح الموضوع وأحياناً تنقح الحكم الذي هو جعل كلي.

يقول السيد محمود (فما لا يدخل في نطاق هذا الاستدلال) يعني على الجعل الكلي (لا يكون أصولياً كقاعدة الفراغ أو أصالة الصحة لأنها وإن كانت عنصر مشتركاً ولكنها مختصة بالشبهات الموضوعية ولا تقع عنصر في الاستدلال المحدد للوظيفة تجاه جعل شرعي كلي)[4] .

قاعدة الفراغ (كل ما مضى منك فأمضى كما هو) انتهيت من الصلاة وفرغت منها شكيت صلاتي سجدت فيها أو لا ركعة أم لم أركع؟ صليت ثلاث ركعات أم أربع؟ كل ما مضى منك فأمضه كما هو فقاعدة الفراغ تمضي صحة الموضوع، الموضوع الذي جئت به الصلاة التي أتيت بها، وهكذا أصالة الصحة حمل عمل المسلم على الصحة وغير ذلك هذا عمل المسلم موضوع خارجي، فقاعدة الفراغ وأصالة الصحة قد أخرجهما السيد محمود ببركة الخصيصة الثانية وهي أن تكون القاعدة الأصولية داخلة في الاستدلال الفقهي على الجعل الكلي وليس موضوع الجعل الكلي يعني تكون المقدمة داخلة في تنقيح الحكم الكلي لا تنقيح موضوع الحكم الكلي، وهذا جديد لم يتطرق إليه في التقارير الثلاثة فهنا خرج قاعدتين فقهيتن بلحاظ الاستدلال على الجعل الكلي لا على موضوعه، بينما في ضابطة المسألة الأصولية في التقارير الثلاثة الشهيد الصدر خرج القواعد الفقهية لأنها بشرط شيء من جهة المادة أو قد تكون لا بشرط من جهة المادة كـ قاعدة إن الدليل الذي يدل على مطهرية شيء يدل على طهارته فهذا قد يقال إنه لا بشرط من جهة المادة وبشرط شيء من ناحية نوع الحكم الشرعي وهو الطهارة ولكنه ليس بسيالٍ.

إذاً يمكن تخريج القواعد الفقهية من تعريف علم الأصول، بثلاث نكات:

النكتة الأولى أن القاعدة الفقهية بشرط شيء، وهذا ورد في التقريرات الثلاثة.

النكتة الثانية أن القاعدة الفقهية قد تكون لا بشرط شيء من جهة المادة وبشرط شيء من ناحية نوع الحكم الشرعي ولكنها ليست سيالة في جميع أبواب الفقه، كقاعدة إن الدليل الدال على مطهرية شيء يدل على طهارته.

النكتة الثالثة أن تكون القاعدة الفقهية ليست استدلالاً فقهياً على الجعل الكلي وإنما تنقح موضوع الجعل الكلي كأصالة الصحة وقاعدة الفراغ.

أي هنا قد ينقد على التعريف السابق يقال قاعدة الفراغ هي لا بشرط من ناحية المادة خصوصاً إذا لم نخصصها بخصوص الصلاة، فلو خصصناه بخصوص الصلاة صارت بشرط شيء بشرط مادة الصلاة ولكن الفقهاء يلتزمون بتعميمها لغير الصلاة وهكذا أصالة الصحة ليست خاصة بمادة معينة فهي أولاً لا بشرط من جهة المادة وثانياً هي بشرط شيء من ناحية نوع الحكم، نوع الحكم الصحة، وثالثاً هي سيالة في جميع الأبواب الفقهية أصالة الصحة وقاعدة الفراغ سياله.

ولكن ورد هناك في بعض التعاريف خصوصاً في تعريف الشهيد الصدر في الحلقة الثالثة ورد الجعل الشرعي من دون إضافة قيد الكلي والجعل يكون كلياً فيمكن تخريج أصالة الصحة وقاعدة الفراغ ببركة عنوان الجعل وهذا عنوان الجعل أيضاً ورد في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر ورد في الحلقة الثالثة، نعم لا يوجد إشارة هناك أن أصالة الصحة وقاعدة الفراغ تخرج ببركة قيد الجعل الشرعي، وهذا الذي دعاني إلى ذكر ما أورده السيد محمود الهاشمي الزيادة هنا.

وهذه موجودة لأنه لا بشرط يقول في الاستدلال على الجعل الكلي في الاستدلال على الجعل الشرعي فالتخريج فهذه القضية، أو القياس الأخير في الاستدلال على الجعل الشرعي.

الخصيصة الثالثة أن يكون هذا العنصر المشترك مرتبطاً بطبيعة الاستدلال الفقهي خاصة وليس من العناصر المشتركة في عمليات الاستدلال على العموم وإلا كان بحثه وظيفة علم المنطق لا الأصول فإن علم الأصول بمثابة المنطق للفقه خاصة فهو يبحث العناصر المشتركة للاستدلال الفقهي بينما يبحث المنطق عن المشتركة في طبيعة الاستدلال.

أقول إن هذه الخصيصة الثالثة الناظرة إلى فائدة قيد خاصة يلوح منها الشرط الأول والقيد الأول من ضابطة المسألة الأصولية وهو كون المقدمة من مقدمات القياس الأخير في الاستدلال الفقهي على الجعل الشرعي.

حينما يقول لاحظ التعريف (علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة)[5] والمراد بالاستدلال الفقهي خاصة يعني ليس مطلق الاستدلال فالمنطق علم المنطق يدرس مطلق الاستدلال ولكن القاعدة الأصولية تدخل في الاستدلال الفقهي خاصة يعني المقدمة الأصولية مقدمة في خصوص القياس الأخير للاستنباط الفقهي والاستدلال الفقهي على الجعل الكلي.

إذاً الضابطة الثانية أن تكون القاعدة لا بشرط من جهة المادة وأن تكون سياله في جميع أبواب الفقه إذا كانت بشرط شيء من ناحية نوع الحكم الشرعي قد وردت في القسم الثاني من الخصيصة الأولى، وأما الأمر الأول القيد الأول في ضابط المسألة الأصولية وهي أن تكون المقدمة في القياس الأخير للاستنباط فقد وردت في الخصيصة الثالثة التي ذكرها السيد محمود الهاشمي لتعريف الشهيد الصدر.

الخصيصة الرابعة أن يكون هذا العنصر المشتركة مما يستعمله الفقيه في الاستدلال الفقهي دليلاً على الجعل الشرعي الكلي ومن دون فرق بين أنحاء الدليلية من كونها لفظية أو عقلية أو شرعية.

إذاً الخصيصة الرابعة المهم أن يكون دليلاً من دون فرق بين أنحاء الدليلية ثم يذكر السيد محمود الهاشمي ـ رحمه الله ـ تقسيم علم الأصول بلحاظ أنحاء الدليلية يعني الأساس في التقسيم الخماسي نحو الدليلية وقد صرح بذلك في كتابه أضواء وآراء ج 1، صـ 22 صرح مرتين في بداية التقسيم وفي نهايته يقول الصحيح في تقسيم مباحث الأصول بلحاظ نوع الدليلية، ما هو نوع الدليل؟ هل هو لفظ؟ فهو دليل لفظي، هل هو دليل شرعي؟ هل هو دليل عقلي؟ وهذا الدليل العقلي هل هو برهاني أم استقرائي أم أصل عملي؟

فالأقسام خمسة: الدليل اللفظي، الدليل الشرعي، الدليل العقلي البرهاني، الدليل العقلي الاستقرائي، الدليل العقلي العملي.

نحن نقرأ هذا لأن بعد ذلك سنأتي في الدرس القادم بخمس مناقشات إن بقينا أحياء.

وتوضيح ذلك إن الأدلة التي يعتمد عليها الفقيه في استدلاله الفقهي على أقسام: أولاً الدليل الفظي ويراد به كل تكون دلالته على أساس الوضع اللغوي أو العرفي العام فيشمل دلالة الفعل والتقرير أيضاً[6] ،

والقسم الأول من هذه الأقسام يشمل مباحث الألفاظ والدلالات فإنها طرا يكون البحث فيها عن الدليلة اللفظية وتحديد مدلول ألفاظ عامة تعتبر عناصر مشتركة لاستنباط الحكم الشرعي في أبواب فقهية متنوعة.

القسم الثاني الدليل العقلي البرهاني وهو الدليل الذي تكون دلالته على أساس علاقات وملازمات واقعية تثبت بحكم العقل البديهي أو بتوسط برهان. [7]

والقسم الثاني يشمل بحوث الملازمات العقلية الثابتة بين الأحكام أو بين متعلقاتها كبحث وجوب المقدمة واقتضاء الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، واجتماع الأمر والنهي، واقتضاء النهي للفساد وبحوث اشتراط القدرة في متعلق التكليف وإمكان أخذ القيود المختلفة في موضوع التكليف أو متعلقة وغير ذلك من المسائل العقلية الأصولية التي يكون البحث فيها عن سنخ العلاقة الثابتة بين حكمين أو بين الحكم ومتعلقة أو موضوعه والتي يستدل بها الفقيه على إثبات حكم آخر أو نفيه أو تحديد موضوع الحكم ومتعلقة ويكون ملاك الدلالة في جميع هذه البحوث عقلياً برهانياً.

القسم الثالث الدليل العقلي الاستقرائي وهو الدليل القائم دلالته على أساس حساب الاحتمالات الذي هو الأساس العام في الأدلة الاستقرائيه. [8]

والقسم الثالث يشمل مسألة حجية الإجماع والسيرة والتواتر فإن دليلة مثل هذه الأدلة تكون استقرائية لا برهانية هذا بحث الشهيد الصدر.

إذا استثنينا بعض المسالك في حجية الإجماع وهو المسلك الذي اختاره الشيخ الطوسي ـ قدس سره ـ المعبر عنه بقاعدة اللطف إذ بناءً عليه تكون دليلة الإجماع برهانية، الشيخ الطوسي يرى هكذا مقتضى لطف الإمام ـ عليه السلام ـ أمته قد أجمعت ولم يلقي بينهم الخلاف هذا خلاف اللطف، مقتضى لطف الله عزّ وجل أن الإمام ـ عليه السلام ـ أن الإمام ـ عليه السلام ـ يتدخل لكي لا تنحرف الأمة، يصير هذا بحث برهاني أما إذا قلنا الإجماع حجيته على أساس حساب الاحتمالات فتكون هنا حجية الإجماع استقرائية.

القسم الرابع الدليل الشرعي وهو ما جعله الشارع دليلاً لتشخيص الوظيفة العملية تجاه الحكم الشرعي المشتبه،[9] القسم الرابع يشمل بحوث الحجج والقواعد المقررة شرعاً لإثبات الوظيفة العملية وهي على قسمين:

الأمارات والأصول العملية، يعني الأصول العملية الشرعية، مثل ماذا؟ الاستصحاب لأن الأصل العملي إما شرعي مثل البراءة والاستصحاب، وإما عقلي مثل التخيير العقلي أو البراءة العقلية قبح العقاب بلا بيان.

القسم الخامس والأخير الدليل العقلي العملي وهو كل كبرى عقلية تشخص الوظيفة تجاه الواقع المشكوك تعذيراً أو تنجيزاً كـ قاعدة البراءة والاحتياط العقليين. [10]

عندنا قاعدة البراءة العقلية وهي مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وعندنا البراءة الشرعية وهي مفاد الرواية رفع عن أمتي ما لا يعلمون، وعندنا الاحتياط الشرعي وهو مفاد الروايات مثل رواية (أخوك دينك فاحتط لدينك)[11] وعندنا قاعدة الاحتياط العقلي المستفادة من منجزية العلم الإجمالي، وعندنا تخير شرعي بين الروايتين (فبأيهما أخذت من باب التسليم وسعك)[12] وعندنا تخيير عقلي.

إذاً عندنا تخيير عقلي عند التعارض والتساقط، وعندنا تخيير شرعي، وعندنا براءة عقلية وشرعية، وعندنا احتياط عقلي وشرعي، هذا تمام الكلام في مباحث علم الأصول.

إلى هنا أخذنا تعريف الشهيد الصدر لعلم الأصول وذكرنا خصائصه والأقسام المترتبة عليه يبقى الكلام في مناقشة تعريف الشهيد الصدر يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo