< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/09/02

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الرابع والعشرون: الدليل الثاني على عدم اشتراط وحدة الأفق

 

الدليل الثاني على عدم اشتراط وحدة الأفق بين البلدان في الرؤية النصوص الخاصة.

ولقد أجاد وأفاد سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ في عرض أربع من الروايات الخاصة والاستظهار منها على عدم اشتراط اتحاد البلدان في الأفق، نذكرها تباعاً[1] .

الرواية الأولى صحيحة هشام بن الحكام عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أنه قال: «في من صام تسعة وعشرين، قال: إن كانت له بينة عادلة على أهل مصرٍ أنهم ثلاثين على رؤيته قضى يومه»[2] .

تقريب الاستدلال:

دلت الرواية بمقتضى إطلاقها بوضوحٍ على أن الرؤية في مصرٍ والتنوين للتنكير والتنكير العموم فهذه الرؤية في بلدين كافية لسائر الأمصار وإن لم يرى فيها الهلال من غير غيم أو أي مانع آخر، ولم يقيد فيها بوحدة الأفق مع أن آفاق البلاد تختلف جداً حتى في الممالك الصغيرة كالعراق فإن شمالها عن جنوبها كشرقها عن غربها يختلف اختلاف فاحشاً فعدم التقييد والحالة هذه وهو ـ عليه السلام ـ في مقام البيان يكشف طبعاً عن الإطلاق.

الرواية الثانية صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: «سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن هلال شهر رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان، قال: لا تصم إلا أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه»[3] .

دلت هذه الرواية على كف الرؤية في بلد آخر سواء اتحد أفقه مع البلد أم اختلف بمقتضى الإطلاق، ولو كان يشترط في البلد الآخر الاتحاد في الأفق لنصّ عليه الإمام ـ عليه السلام ـ وهو في مقام البيان من هذه الجهة وهو أن الرؤية في البلد الآخر تكفي بالنسبة إلى البلد فالإطلاق محكم.

الرواية الثالثة صحيحة إسحاق بن عمار قال: «سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن هلال شهر رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان، فقال: لا تصمه إلا أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه»[4] .

تقريب الاستدلال:

التمسك بقول الإمام ـ عليه السلام ـ فإن شهد أهل بلد آخر فلو كان يشترط في البلد الآخر أن يكون متحداً في الأفق مع نفس البلد لوجب على الإمام أن ينص عليه، وعدم نصه يكشف عن شهادة وكفاية شهادة مطلق الأمصار والبلدان الأخر، فالإطلاق محكم.

الرواية الرابعة أوضح من الجميع، وهي صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ : «أنه سئل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان، فقال: لا تقضه إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر؟ وقال: لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى إلا أن يقضي أهل الأمصار، فإن فعلوا فصمه»[5] .

فإن قوله ـ عليه السلام ـ «جميع أهل الصلاة» فيه دلالة واضحة على عدم اختصاص رأس الشهر القمري ببلد دون بلد وإنما هو حكم وحداني عامٌ.

السيد محمد سعيد الحكيم في مصباح المنهاج نقل عن السيد الخوئي هذه العبارة، وذكر: «حكم واحد آني»، والشيخ جعفر السبحاني ذكرها «حكم وجداني» المهم والأمر سهل.

يعني حكم واحد عام لجميع المسلمين على اختلاف بلادهم من حيث اختلاف الآفاق واتحادها فمتى قامت البينة على الرؤية من أي قطر من أقطار هذا المجموع المركب وهم كافة أهل الصلاة كفى كما أن قوله ـ عليه السلام ـ في الذيل يقضي أهل الأمصار مؤكد لهذا المعنى وأنه لا يختلف مصر عن مصر في هذا الحكم بل هو عام لجميع الأقطار والأمصار وشامل لجميع بقاع الأرض بمختلف آفاقها.

في الختام يقول السيد الخوئي:

«إذن فمقتضى هذه الروايات الموافقة للاعتبار عدم كون المدار على اتحاد الأفق ولا نرى أي مقتضي لحملها على ذلك إذ لم يذكر أي وجه لهذا التقييد عدا قياس أمر الهلال بأوقات الصلوات الذي عرفت ضعفه وأنه مع الفارق الواضح بما لا مزيد عليه»[6] انتهى كلامه زيده في علو مقامه.

ولقد أجاد وأفاد في الدفاع عن الإطلاق وأن مقتضى إطلاق الروايات الخاصة وهذه الروايات الأربع موردها واحد وهو الشهادة الموجبة للقضاء وليست شهادة على أداء الصوم أي أن المكلف صام تسعة وعشرين يوماً وبعد انتهاء صيام شهر رمضان قامت عنده شهادة من أمصار أخر والإمام ـ عليه السلام ـ له أقضي فبالنسبة إلى الشهادة على الأداء لا يتصور أن يكون البلد بعيداً لأن الشهادة في نفس أيام العيد أو في نفس أيام ثبوت شهر رمضان لا بد أن تكون من بلد مجاور بحسب الوسائل النقلية في ذلك الزمان لأنه يخرج من بلده إلى البلد الآخر خلال يوم يومين ثلاثة أيام لا يتجاوز الستين كيلو متراً فحينئذ تثبت دعوى انصراف البلدان إلى خصوص البلدان المتحدة في الأفق.

ولكن بعد التدقيق وجدنا أن هذه الروايات الأربعة واردة في قضاء شهر رمضان قضاء يوم من شهر رمضان والشهادة على القضاء يمكن أن تكون من بلد غير مجاور إذ أن المكلف يصوم تسعة وعشرين يوماً ولربما بعد شهر أو شهرين أو ستة شهور يأتي شاهد من بلد بعيد ويذكر أنه رأى الهلال فيشمله عموم إطلاق الروايات الشريفة فإن شهد شاهدٌ من بلد أهل الصلاة أو من الأمصار قضى.

فالإطلاق الذي ذهب إليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ محكمٌ ولا يرد عليه، طبعاً هذا بالنسبة للروايات الخاصة وأما الروايات المطلقة ففيها مناقشة، فلا يرد عليه ما ذكره الشيخ جعفر السبحاني[7] ـ حفظه الله ـ إذ قال ـ حفظه الله ـ ما نصّه:

« إن الاستدلال بهذه الإطلاقات مع العلم بأن الوسائل النقلية المتاحة آنذاك كانت محدودة جداً فالمسافر الذي ينقل الخبر يأتي من بلد إلى بلد تكون المسافة بينهما خمسين كيلو مترا أو قريباً منه وهذا المقدار من المسافة بل أكثر منها بكثير كما عرفت لا تؤثر في وحدة الأفق، وقلما يتفق أن يخرج إنسان من مصر ويدخل بغداد حاملاً خبر الهلال ويكون قوله حجة لأهل بغداد التي تقع في الجانب الشرقي بالنسبة إلى مصر.

وإن كنت في شك فلاحظ حديث الخزاز حيث يقول: «وإذا كانت في السماء قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر»[8] فإن الخبر ظاهر في أن البينة رأت الهلال قبل يوم ودخلت مصر بعد يوم ومن المعلوم أن مثل هذا لا يصدق للمسافات الشاسعة.

ومنه يعلم أن الاستدلال بصحيحة أبي بصير التي جاء فيها إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر في غير محله فإن قوله من جميع أهل الصلاة ناظر إلى عمومية الحكم لجميع المسلمين على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم لا على اختلاف بلادهم في الآفاق.

كما أن المراد من قوله: «أهل الأمصار» في نفس الصحيحة هي الأمصار المتقاربة التي كان الرجل يقطع بينهما حسب الوسائط النقلية المتوفرة في يوم أو يومين ويحمل خبر الرؤية».

أقول:

إن النقض على السيد الخوئي بخبر الخزاز ليس في محله لأن خبر الخزاز واردٌ في شهادة أداء شهر رمضان بخلاف الصحاح الأربع التي تمسك بها السيد الخوئي فإنها واردة في قضاء شهر رمضان، ويتصور القضاء بالنسبة إلى البلدان الشاسعة ولا تأتي فيها هذه القرينة من أن الوسائل النقلية آنذاك متاحة ليوم أو يومين هذا بالنسبة للأداء وأما بالنسبة إلى القضاء فإنه يمكن في شهور.

وكقرينة على ذلك توجد رواية عامية نقلها نفس الشيخ جعفر السبحاني من كتاب التذكرة للعلامة الحلي فالعلامة الحلي حينما إلى آراء العامة ذكر آراء العامة، والعامة على قولين:

نسب إلى أبي حنيفة الشافعي القول اشتراط وحدة الأفق كما عليه مشهور المتأخرين عند الإمامية، ونسب إلى نفس الشافعي والمالكي وأحمد بن حنبل وبعض الشافعية القول الثاني وهو عدم اشتراط وحدة الأفق.

فلنذكر ما ذكره العلامة الحلي لنرى أن هذه الرواية وهي رواية كريب التي يقول أنا كنت في الشام ورأينا الهلال ليلة الجمعة ولكن سافرت وجئت في أواخر شهر رمضان إلى المدينة رأيت ابن عباس نحن لم يثبت لدينا الهلال ليلة الجمعة بل ثبت ليلة السبت فواصل ابن عباس ولم يقض يوماً، وقال: هكذا أمرنا رسول الله.

فهذه هناك الشام مسافة كبيرة بين الشام والمدينة والشام تقع في غربي المدينة والمسافة شاسعة.

قال العلامة الحلي في التذكرة[9] وضمن الرواية:

«إذا رأى الهلال أهل بلد ولم يره أهل بلد آخر فإن تقاربت البلدان كبغداد والكوفة كان حكمهما واحداً يجب الصوم عليهما معاً وكذا الإفطار، وإن تباعدتا كبغداد وخراسان والحجاز والعراق فلكل بلد حكم نفسه.

قال الشيخ ـ رحمه الله ـ وهو المعتمد وبه قال أبو حنيفة وهو قول بعض الشافعية ومذهب القاسم وسالم وإسحاق».

ما هو دليلهم؟

«لما رواه كريب من أن أم الفاضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال: «قدمت الشام فقضيت بها حاجتي واستهل علي رمضان فرأينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس وذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟

فقلت: ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟

قلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية.

فقال: لكنا رأيناه ليلة السادس فلا نزال نصوم حتى نكمل العدة أو نراه.

فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟

قال: لا هكذا أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ »[10] .

يعني مروية في الصحاح الستة عدا البخاري الصحاح الخمسة مروية، ثم يكمل العلامة الحلي:

«ولأن البلدان المتباعدة تختلف في الرؤية باختلاف المطالع وكرة الأرض فجاز أن يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر لأن حدبة الأرض مانعة من رؤيته» حدبة الأرض ما أشرف من الأرض وغلظ وارتفع كما في لسان العرب[11] .

«وقد رصد ذلك أهل المعرفة وشوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب القريبة لمن جد في السير نحو المشرق وبالعكس» هذا القول الأول وهو موافق لمشهور المتأخرين عند الإمامية اشتراط تعدد الأفق واشتراط اتحاد البلدين في الأفق.

القول الثاني عدم الاجتماع «وقال بعض الشافعية: حكم البلاد كلها واحد متى رؤي الهلال في بلد وحكم بأنه أول الشهر كان ذلك الحكم ماضياً في جميع الأقطار سواء تباعدت أو تقارب اختلفت مطالعها أو لا.

وبه قال أحمد بن حنبل والليث بن سعد وبعض علمائنا لأنه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية وفي الباقي بالشهادة، فيجب لقوله تعالى: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾، وقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ : «فرض الله صوم شهر رمضان»، وقد ثبت أن هذا اليوم منه» انتهى كلامه زيد في علو المقام.

ومن هنا يتضح أنه لا يرد ما ذكره الشيخ مرتضى بني فاضل[12] من أن هذه الروايات المطلق والخاصة تحمل على خصوص البلدان المتجاورة لأنه تمسك بقرينة وهي رواية الخزاز الواردة في خصوص الشهادة على الأداء والحال أن روايات البينة المطلقة الخاصة ناظرة إلى الشهادة على القضاء، قال الشيخ مرتضى بني فضل[13] ـ رحمه الله ـ :

«والجواب عن الاستدلال بهذه الرواية أنها محمولة على ما إذا رؤي الهلال في البلاد القريبة المتفقة الأفق وذلك بقرينة التصريح في بعض الأخبار بأن الشاهدين يدخلان لمصر ويخرجان كما في صحيحة أبي أيوب بن إبراهيم بن عثمان بن الخزاز عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: «قلت له: كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال: إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني» فلا تؤدوه رواية ناظرة إلى الأداء.

«فلا تؤدوا بالتظني وليس رؤية الهلال أن يقوم عدة فيقول واحد: قد رأيته، ويقول الآخرون: لم نرهم، إذا رآه واحد رآه مائة، وإذا رآه مائة رآه ألف، ولا يجزي رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين، وإذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر»[14] .

يقول الشيخ مرتضى بني فضل:

«ومن الواضح أن دخول الشاهدين مصر وخروجهما عنه في عصر الأئمة ـ عليهم السلام ـ وشهادتهما بالرؤية وترتيب الأثر على شهادتهما من أهل مصر بالصوم أو الإفطار إنما يتصور في البلاد القريبة دون البعيدة مع عدم وجود وسائل الارتباط الموجودة في زماننا هذا في تلك الأزمنة».

هذا كلامه صحيح لكن الرواية أجنبية الرواية ناظرة إلى الشهادة على الأداء والروايات التي استدللنا بها ناظرة إلى الشهادة على القضاء.

وفي رواية حبيب الجماعي قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ : «لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة، وإنما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر، وكان بالمصر علة فأخبرا أنه رأياه وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية وأفطروا للرؤية»[15] .

حيث إن الرجلين الشاهدين كانا في بلد قريب من مصر كان فيه عل مانع من الرؤية وقد رأياه في خارج مصر ووردا في مصر وشهدا بالرؤية.

أقول: الإطلاق محكم إذ أن الروايات الشريفة العامة والخاصة وردت في القضاء لا الأداء وإتيان شاهد يقتضي قضاء صوم شهر رمضان إذا افطروا يوم الشك متصورٌ أن يكون شهر أو شهرين أو حتى عشرة شهور.

وكشاهد عليه رواية كريب والتي في نفس شهر رمضان شهد رؤية الهلال في الشام ليلة الجمعة ولم يرى الهلال إلا ليلة السبت في المدينة.

ومن هنا ما ذهب إليه السيد الخوئي صحيح وهذا ما أكده أيضاً السيد محمد الدامام[16] ـ رحمه الله ـ قال:

«ولا يتوهم أن صوم يوم الشاك على ذلك الفرض إنما يتحقق بإمكان وصول خبر الرؤية في ذلك اليوم، وذلك إنما يتصور في البلاد القريبة لعدم وسائل الإعلام في زمن صدور الرواية فيتبادر الذهن إليها فيكون الحق هو الاحتمال الثالث لاتحاد البلاد القريبة في الأفق ويكون عدم الرؤية لعلل سماوية مثلاً، لأن ذلك إنما يتم لو لم يصرح في الرواية بالقضاء ومعه فلا.

فعليه إذا سافر أحد من بلده الذي لم يرى الهلال أفقه إلى بعض البلاد النائية التي يتعارف السفر إليها وشهد أهله على الرؤية يوم الجمعة مثلاً يجب عليه قضاء ذلك اليوم».

والخلاصة:

الدليل الثاني وهو التسمك بالروايات الخاصة تامةٌ، ولا تحمل هذه الروايات على البلدان القريبة والمتحدة في الأفق فدعوى في غير محلها ولا شاهد على هذا الانصراف.

فالدليل الثاني تام.

يبقى الكلام في الدليل الثاني وهو التمسك بصحيحة عيسى بن عبيد يأتي عليها الكلام.


[10] صحيح مسلم، ج2، ص765، رقم الحديث 1087.سنن الترمذي، ج3، ص76، رقم الحديث 693..سنن أبي داوود، ج2، ص299، رقم الحديث 2332.سنن النسائي، ج4، 131.سنن الدار قطني، ج2، ص171، رقم الحديث 21.سنن البيهقي، ج4، ص251
[16] كتاب الخمس والاعتكاف، تقرير الشيخ عبد الله جوادي آملي، ج2، ص51.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo