< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/09/28

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس السابع عشر: عدم الأمارة الثانية شهر رمضان تامٌ دائماً وشهر شعبان ناقصٌ دائماً

 

ذهب ثقة المحدثين الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه إلى أن شهر رمضان تامٌ لا ينقص أبداً، وأما شهر شعبان ناقصٌ دائماً[1] .

وقد دلّ على ذلك قرابة أربعة عشر نصّاً، أكثرها أو قرابة سبعة منها روي عن حذيف بن منصور عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: <شهر رمضان ثلاثون يوماً لا ينقص واللهِ أبداً>[2] .

الرواية الثانية حذيفة بن منصور يروي عن الإمام الصادق مباشرة من دون واسطة معاذ بن كثير، قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أن الناس يقولون: أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ صام تسعة وعشرين أكثر مما صام ثلاثين، فقال: <كذبوا ما صام رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ منذ بعثه الله تعالى إلى أن قبضه أقل من ثلاثين يوماً، ولا نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات والأرض من ثلاثين يوماً وليلة>[3] .

وروى الشيخ الطوسي ـ رحمه الله ـ رواية ثالثة روى الشيخ الطوسي بإسناده عن يعقوب بن شعيب عن أبيه قال: قلت لأبيه عبد الله ـ عليه السلام ـ إن الناس يقولون: إن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ صام تسعة وعشرين يوماً أكثر مما صام ثلاثين يوماً. فقال: <كذبوا ما صام رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إلا تاماً، وذلك قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ فشهر رمضان ثلاثون يوماً وشوال تسعة وعشرون يوماً وذو القعدة ثلاثون يوماً لا ينقص أبداً لأن الله تعالى يقول: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً﴾[4] وذو الحجة تسعة وعشرون يوماً ثم الشهور على مثل ذلك شهر تام وشهر ناقص وشعبان لا يتم أبداً>[5] .

فهذه الرواية دلت على أن شهور السنة الاثني عشر مرتبة فالأول ناقص والثاني تام بدءً من شعبان شعبان تسعة وعشرين شهر رمضان ثلاثين، شوال تسعة وعشرين ذي القعدة ثلاثين، ذي الحجة تسعة وعشرين وهكذا محرم ثلاثين.

وقد وردت بعض الأخبار التي تدل على هذا المضمون وهو أن شهر رمضان دائما وأبداً ثلاثين يوماً ولا ينقص أبداً وشعبان دائماً تسعة وعشرين يوم ولا يزيد أبداً.

قال الشيخ الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه بعد ذكر هذه الأخبار ما لفظه:

<من خالف هذه الأخبار وذهب إلى الأخبار الموافقة للعامة في ضدها اتقي كما يتقى العام، ولا يكلم إلا بالتقية كائناً من كان إلا أن يكون مسترشداً فيرشد ويبين له فإن البدعة إنما تمات وتبطل بترك ذكرها، ولا قوة إلا بالله>[6] .

ونسب هذا القول إلى الشيخ المفيد القول بالعدد في بعض كتبه وصرح بهذه النسبة الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناضرة[7] .

وهذا من الغرائب والعجائب إذ لم يذهب إلى القول إلا الشيخ الصدوق ـ رحمه الله ـ في كتاب من لا يحضره الفقيه، وقد أعرض عن هذا القول وهو أن شهر رمضان يثبت بالعدد الأصحاب قاطبة قبل الصدوق وبعد الصدوق، ومنهم أستاذ الشيخ المفيد جعفر بن محمد بن قولويه صاحب كامل الزيارة، ومن جاء بعده كالشيخ المفيد إلى عصرنا هذا بل حتى الشيخ الصدوق أعرض عن هذا القول في مكان من نفس كتاب من لا يحضره الفقيه فقد عقد باباً باسم الصوم والإفطار للرؤية وذكر فيه أنه إذا أفطر يوم الشك ثم ظهر أنه من شهر رمضان يقضيه فهذا يعني أن شهر شعبان قد يكون تسعة وعشرين يوماً وقد يكون ثلاثين يوماً فلو كان شهر شعبان دائماً تسعة وعشرين يوم لا معنى لأن يكون يوم الثلاثين من شهر شعبان يوماً للشكّ بل نجزم أنه من شهر رمضان وليس من شهر شعبان إذا التزمنا بأن شهر شعبان دائماً تسعة وعشرين يوماً.

كما أن نسبة هذا القول إلى الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ غير صحيحة إذ أن الشيخ المفيد ألف رسالة مشهورة معروفة باسم الرسالة العددية في جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية وهي مطبوعة ضمن موسوعة مصنفات الشيخ المفيد[8] فقد صرح في هذه الصفحة أن الراوين لروايات أن شهر رمضان كغيره من الشهور قد يزيد وقد ينقص أقطاب الطائفة من الرواة وقد وردت روايات عن فقهاء أصحاب أبي جعفر الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ إلى الإمام أبي محمد الحسن العسكري من أصحاب الإمام الباقر إلى أصحاب الإمام العسكري، يقول:

<هؤلاء الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتية والأحكام الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم وهم أصحاب المدونة والمصنفات المشهورة وكلهم قد أجمعوا نقلاً وعملاً على أن شهر رمضان يكون تسعة وعشرين يوماً نقلوا ذلك عن أئمة الهدى وعرفوه في عقيدتهم واعتمدوه في ديانتهم>[9] .

وهكذا أنكر الثبوت بالعدد الشيخ الطوسي[10] قال:

<فمن زعم أن العدد للأيام والحساب للشهور والسنين يغني في علامات الشهور عن الأهلة أبطل معنى سمات الأهلة والشهور الموضوع في لسان العرب على ما ذكرناه، ويدل على ذلك فزع المسلمين في وقت النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ومن بعده إلى هذا الزمان في تعرف الشهر إلى معاينة الهلال ورؤيته، وما ثبت أيضاً من سنة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أنه كان يتولى رؤية الهلال ويلتمس الهلال ويتصدى لرؤيته وما شرعه من قبول الشهادة عليه والحكم في من شهد بذلك في مصر من الأمصار وجاء بالخبر به عن خارج الأمصار> إلى آخر كلامه ـ قدس الله نفسه الزكية ـ .

وهكذا قال المحقق الحلي في المعتبر في شرح المختصر[11] ما نصّه:

<ولا بالعدد فإن قوماً من الحشوية يزعمون أن شهور السنة قسمان: ثلاثون يوماً وتسعة وعشرون يوماً، فرمضان لا ينقص أبداً وشعبان لا يتم أبداً محتجين بأخبار منسوبة إلى أهل البيت ـ عليهم السلام ـ يصادمها عمل المسلمين في الإفطار بالرؤية وروايات صريحة لا يتطرق إليها الاحتمال فلا ضرورة إلى ذكرها>.

ومن هنا قال السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في المستند في شرح العروة الوثقى[12] ما نصّه :

<ونظن والله العالم أنها نسبة كاذبة لإصراره على إبطال القول المذكور في الرسالة المزبورة كما سمعت> يعني نسبة القول إلى المفيد بأنه قال بالعداد نسبة كاذبة.

وإذا رجعنا إلى هذه الروايات نجد أن أكثرها تنتهي إلى حذيفة بن منصور عن معاذ، وإذا أردنا أن نحقق أكثر بالنسبة إلى الروايات سنجد أن هذه الروايات تقريباً أربعة عشر رواية، سبعة منها ينتهي إلى حذيفة بن منصور وهو تارة ينقل عن معاذ بن كثير وتارة ينقل عن الإمام الصادق مباشرة، والسبعة الباقية تنتهي إلى خمسة أشخاص وسنذكر أسماء هؤلاء، وهم:

الأول حذيفة بن منصور.

الثاني معاوية بن عمار.

الثالث محمد بن يعقوب بن شعيب عن أبيه.

الرابع محمد بن إسماعيل.

الخامس أبو بصير.

السادس ياسر خادم الرضا ـ عليه السلام ـ .

يراجع وسائل الشيعة[13] وكتاب الصنف الشريعة الإسلامية الغراء للشيخ جعفر السبحاني حيث أحصى الرواة الذين رووا الروايات العددية، وأحصى الرواة الذين رووا أن شهر رمضان كسائر الشهور قد يزيد وقد ينقص، والروايات الواردة في ذلك متواترة أو مستفيضة، وقد يدعى فيها التواتر الإجمالي، وهي تدل على أن شهر رمضان كسائر الشهور يزيد وينقص، فقد يكون ثلاثين يوماً وقد يكون تسعة وعشرين يوماً.

والرواة الذين رووها من أعاظم الطائفة نذكر عشرين واحداً منهم:

الأول محمد بن مسلم.

الثاني إسحاق بن جرير.

الثالث حماد بن عثمان.

الرابع زيد الشحام.

الخامس سماعة.

السادس محمد بن الفضل.

السابع الحلبي.

الثامن عبيد بن زرارة.

التاسع هشام بن الحكم.

العاشر أبو خالد الواسطي.

أحد عشر الحلبي.

الثاني عشر جابر.

الثالث عشر عبد الله بن سنان.

الرابع عشر أحمد بن عمر بن الربيع.

الخامس عشر صابر مولى أبي عبد الله.

السادس عشر يعقوب الأحمر.

السابع عشر قطر بن عبد الملك.

الثامن عشر عبد الأعلى بن أعين.

التاسع عشر هارون بن حمزة.

العشرون محمد بن قيس.

يراجع كتاب الشيخ جعفر السبحاني الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء[14] يرجع إلى المصدر الأصلي وسائل الشيعة[15]

وقد ذكر الطوسي الروايات العددية وأن شهر رمضان لا ينقص أبداً ثم علق على الخبر الذي يقول: <كذبوا ما صام رسول الله منذ بعثه الله إلى أن قبضه أقل من ثلاثين يوماً>[16] .

قال ما نصّه: <إن هذا الخبر لا يصح العمل به من وجوه:

الأول أن متن هذا الحديث لا يوجد في شيء من الأصول المصنفة وإنما هو موجود في الشواذ من الأخبار.

الثاني إن كتاب حذيفة بن منصور ـ رحمه الله ـ عري منه، والكتاب معروف مشهور، ولو كان هذا الحديث صحيحاً عنه لضمنه كتابه.

الثالث أن هذا الخبر مختلف الألفاظ مضطرب المعاني ألا ترى أن حذيفة تارة يرويه عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ، وتارة يرويه عن أبي عبد الله بلا واسطة، وتارة يفتي به من قبل نفسه فلا يسنده إلى أحد، وهذا الضرب من الاختلاف مما يضعف الاعتراض به والتعلق بمثله.

الرابع لو سلم جميع ما ذكرناه لكان خبر واحد لا يوجب علماً ولا عملاً وأخبار الآحاد لا يجوز الاعتراض بها على ظاهر القرآن والأخبار المتواترة>[17] .

وخلاصة الملاحظات على هذه الروايات الأربعة عشر خمسة أمور:

الأول الإعراض المشهور عنها.

الثاني مخالفتها للروايات المستفيضة بل المتواترة أو التي قد يدعى التواتر الإجمالي فيها من أن شهر رمضان كسائر الشهور قد يزيد وقد ينقص.

الثالث انتهاء أكثرها إلى حذيفة بن كثير وليس في كتابه أثر لهذه الروايات.

الرابع اشتمالها على العلل الضعيفة، مثل: الاستدلال ﴿ولتكملوا العدة﴾ أو غيرها من الآيات وما دخل إكمال العدة بكون شهر دائماً يكون ثلاثين يوماً، أو الاستدلال بقوله تعالى: ﴿وواعدنا موسى ثلاثين ليلة﴾ ما دخل مواعدة موسى ثلاثين ليلة بحيث يكون شهر رمضان منذ أن خلق الله البسيطة إلى يومنا دائماً يصير ثلاثين يوماً، هذه علل واهية وضعيفة.

الخامس مخالفتها للسنة التكوينية فإن معنى الروايات أن للقمر حركة بطيئة في خصوص شهر ما وسريعة في خصوص شهر آخر، والحال أن حركة القمر ثابتة وحركة الشمس ثابتة فلا معنى أنه دائماً تسعة وعشرين ودائماً ثلاثين كأنما الإشارة إلى أن الحركة الفلكية هكذا قد تكون وهكذا قد تكون.

إذا الأمارة الثانية وهي الأمارة العددية أن شهر رمضان دائماً ثلاثين يوماً وشهر شعبان دائماً تسعة وعشرين يوماً لم تثبت هذه الأمارة.

الأمارة الثالث جعل رابع شهر رجب أول شهر رمضان، فلو كان شهر رجب يوم السبت كان أول شهر رمضان يوم الثلاثاء لأنه رابع يوم من شهر رجب يكون أول يوم من شهر رمضان.

ومدرك ذلك:

بعض الروايات التي دلت على أنه تحسب تسعة وخمسين يوماً من رجب يعني رجب ثلاثين يوم وشعبان تسعة وعشرين يوم المجموع تسعة وخمسين يوم، اليوم الستين يكون شهر رمضان.

هذه الروايات تؤيد الأمارة الثانية أن شهر ثلاثين يوم وشهر تسعة وعشرين يوم، لكنها جعلت العلامة حساب تسعة وخمسين يوماً من شهر رجب من هلال أول رجب.

مدرك ذلك ما رواه الصدوق في كتاب فضائل شهر رمضان عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن إبراهيم بن هاشم عن حمزة بن يعلى عن محمد بن الحسين بن أبي خالد رفعه إلى أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: <إذا صح هلال رجب فعدّ تسعة وخمسين يوماً وصمّ يوم الستين>[18] .

ولكن الرواية ضعيفة السند لجهالة أبي خالد، ولو أمكن تصحيحه لرواية ابن أبي عمير عنه لكنها مرفوعة رفعه إلى أبي عبد الله فالرواية ضعيفة السند.

كما أن هذا الأمر غير قابل للتصديق فقد يتفق أن كلا الشهرين أو عدة شهور متتالية على ثلاثين يوم أو تسعة وعشرين يوماً فقد يكون كلاً من شعبان وشهر رمضان تاماً وقد يكون كل منهما ناقصاً.

فإذاً لا يوجد مقتضي لهذا القول بعد ضعف المستند وعدم قبوله للتصديق[19] . يراجع المستند في العروة الوثقى السيد أبو القاسم الخوئي جزء اثنين وعشرين صفحة مئة وعشرة ومائة واحدى عشر

إذاً الأمارة الثالثة وهي عدّ أربعة أيام من رجب أو عدّ تسعة وخمسين يوماً من هلال شهر رجب بحيث يكون اليوم الستون هو شهر رمضان لم يثبت.

الأمارة الرابعة يأتي عليها الكلام.


[15] ج7، الباب5 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1 و 2 و 3 و 4 و 6 و 7 و 9 و 10 و 13 و 16 و 17 و 18 و 19 و 20 و 21 و 22 و 23 و 24.الوسائل، ج7، الباب3 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 15.الوسائل، ج7، الباب5 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 11.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo