< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/09/24

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثالث عشر: عدم ثبوت الهلال بقول المنجمين وعدم ثبوته بغيبوبة في الليلة الأخرى

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى:

<ولا يثبت بقول المنجمين>[1] .

إذا رجعنا إلى النصوص الشريفة نجد أنه يستفاد من مجموعها حصر طريق ثبوت الهلال في أحد أمرين:

الأول الرؤية.

الثاني عدّ ثلاثين يوماً.

أما الأول وهو الرؤيا فيراد به الأعم من رؤية الشخص بنفسه أو بغيره المستكشف من الشياع أو البينة ونحوهما فثبوت فثبوت الهلال بغير الرؤيا وعدّ الثلاثين يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه في المقام.

كما أن قول المنجمين غايته الظن وهو لا يغني من الحقّ شيئا والظن ليس بحجة بالأدلة الأربعة إلا فيما قام عليه الدليل بالخصوص كما في باب القبلة فقد ورد ما نصّه: <يجزئ التحري أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة>[2] ولم يقم الدليل على حجية الظن الحاصل من قول المنجمين.

إذا لا دليل على حجية قول المنجمين إلا أن بعض العامة ذهب إلى حجية قول المنجمين

ونسب إلى شاذ منا القول بثبوته بقول المنجمين، وقد نقل عنه الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف[3] ، قال صاحب الجواهر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ : <فما عن الجمهور وشاذ منا لم نتحققه من الثبوت به لقوله تعالى: ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾[4] >[5] .

إذا ما نسب إلى منا في كتاب الخلاف ونقله صاحب الجواهر نصّ على أنه لم يتحقق من هذا الشخص الذي شذّ عن مذهب أهل البيت ولم نعرفه.

وهكذا نقل عنه السيد محسن الحكيم في المستمسك[6] وكأنما نقل عن صاحب الجواهر والشيخ الطوسي في الخلاف.

وعمدة ما يمكن أن يستدل به للجمهور دليلان:

الدليل الأول التمسك بقوله تعالى: ﴿وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ[7] .

الدليل الثاني جواز العمل بالظن في القبلة وكذلك يجوز العمل بالظن في رؤية الهلال ومنه العمل بقول المنجمين.

وقد ناقش كلا الدليلين السيد الحكيم ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ :

أما التمسك بالآية الكريمة على جواز الاهتداء بالنجوم فالآية الكريمة تدل على جواز الاهتداء بالنجوم لا العمل بقول المنجمين تعبداً بلا اهتداء.

وأما الدليل الثاني وهو التمسك بالدليل الذي دلّ على جواز العمل بالظن في تحديد القبلة فهذا لا يقتضي جواز العمل بالظن الحاصل من قول المنجمين لأنه في القبلة دلّ الدليل على جواز العمل بالظن عند صدق التحري الكافي ولم يدل الدليل على جواز العمل بالظن الحاصل من قول المنجمين بل يصدق عليه عنوان التظني المنهي عنه[8] .

هذا تمام الكلام في عدم صحة العمل بقول المنجمين.

قال صاحب العروة ما نصّه:

<ولا بغيبوبة الشفق في الليلة الأخرى>.

المراد بالشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها بعد الغروب أول الليل واختلف في أن غيبوبة الهلال بعد زوال الشفق أي بعد زوال هذه الحمرة في المغرب هل تثبت كون الهلال لليلتين وأن غيبوبته قبل الشفاق تثبت كون الهلال لليلة واحدة أو لا؟

ذهب الشيخ الصدوق في المقنع[9] على أن غيبوبة الهلال بعد الشفق تثبت كون الهلال لليلتين بينما غيبوبته قبل الشفق تدل على أنه لليلة واحدة.

قال الشيخ الصدوق ـ رحمه الله ـ ما نصّه:

<واعلم أن الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين، واذا رؤي فيه ظل الرأس فهو لثلاث ليال>.

انتهى كلامه زيد في علو المقامة ولم يذكر مستنده ومن المعلوم أن المقنع هو عبارة عن نصوص روايات مثل كتاب النهاية للشيخ الطوسي عبارة عن نصوص روايات وكتاب المقنع كتاب فتوائي للشيخ الصدوق وهو عبارة عن نصوص روايات.

ومن هنا قال صاحب الجواهر ـ رحمه الله ـ ولعله لقول الصادق في خبر إسماعيل بن الحرّ، وسيأتي ما يمكن أن يستدل به على قول الصدوق ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ وأن رواية إسماعيل ابن الحرّ هل هي رواية أو روايتان.

إلا أن المشهور لم يعمل بهذه الرواية وذهب إلى خلاف ذلك فالمشهور أنكروا دلالة غيبوبة الهلال بعد الشفق على كون الهلال لليلتين وادعى السيد الحكيم في المستمسك أن رواية إسماعيل ابن الحرّ مهجورة وادعى صاحب الجواهر أنه يمكن قيام الإجماع على خلاف ذلك، فالمدار عند المشهور على الرؤية لا على الغيبوبة بعد الشفق.

ويمكن الاستدلال لما ذهب إليه الشيخ الصدوق بروايتين الرواية الأولى ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن إسماعيل بن الحسن، وفي نسخة بحر عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: <إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة وإذا غاب بعد الشفاء فهو لليلتين>[10] .

إذا رجعنا إلى نسخ الوسائل القديمة نجد أن هذا الرجل مردد بين إسماعيل بن الحسن أو إسماعيل بن بحر والظاهر أنه من غلط النساخ والصحيح إبراهيم بن الحرّ إسماعيل بن الحرّ والموجود في الطبع الحديثة إسماعيل بن الحرّ، وعنوان إسماعيل بن الحرّ هو الوارد في نسخة الكافي والفقيه والتهذيب[11] .

نعم حكي عن بعض نسخ الكافي وعن بعض نسخ التهذيب غير المطبوعة عنوان إسماعيل بن الحسن[12] .

والكل متفق على أنه ابن الحرّ وليس من لفظ بحر عين ولا أثر وعلى كل تقدير الرواية ضعيفة السند فإن إسماعيل بن بحر غير مذكور أصلاً وابن الحرّ وابن الحسن مجهولان فهذي الرواية ضعيفة السند، يراجع في تحقيق سند هذه الرواية والرواية الثانية المستند في شرح العروة الوثقى[13] .

الرواية الثانية نفس الرواية لكن بإسناد الكليني عن الصلت الخزاز عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ [14] وهي رواية أيضاً ضعيفة لجهالة الصلت وكذلك جهالة عبد الله بن الحسن أو ابن الحسين على اختلاف النسخ.

إذا هاتان الروايتان وفي الحقيقة هي رواية واحدة لها أسانيد لذلك نصّ صاحب الجواهر وسيد المستمسك على أنها رواية واحدة هذه الرواية أو هاتان الروايتان معارضتان بصحيحة أو معتبرة أبي علي بن راشد الصريحة في عدم العبرة بالغيبوبة، قال: <كتب إلي أبو الحسن العسكري ـ عليه السلام ـ كتاباً وأرخه يوم الثلاثاء لليلةٍ بقيت من شعبان، وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومئتين وكان يوم الأربعاء يوم الشكّ فصام أهل بغداد يوم الخميس وأخبروني أنهم رأوا الهلال ليلة الخميس ولم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل.

قال: فأعتقدت أن الصوم يوم الخميس وأن الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء.

قال: فكتب إلي زادك الله توفيقاً فقد صمت بصيامنا.

قال: ثم لقيته بعد ذلك فسألته عما كتبت به إليه.

فقال لي: أولم اكتب إليك؟! إنما صمت الخميس ولا تصم إلا للرؤيا>[15] .

هذه الرواية صحيحة السند، أبو علي بن راشد ثقة وهو من أصحاب الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ والرواية مروية عن الإمام الهادي، وقوله: <لليلة بقيت من شعبان> فيه إيعاز إلى أن أول شهر رمضان هو يوم الخميس، وقول الراوي: <فأعتقدت أن الصوم يوم الخميس> أي من إخبار الإمام ـ عليه السلام ـ أن الخميس هو أول شهر رمضان، وكلام الإمام صريح <إنما صمت الخميس ولا تصم إلا للرؤيا> يعني يردعه عن اعتبار دلالة غيبوبة الهلال بعد الشفق على كونه الليلة الثانية.

ولو سلمنا المعارضة تصل النوبة إلى التساقط ويكون المرجع العمومات التي تأمر <صمّ للرؤية وافطر للرؤية>.

إذا لا دلالة على غيبوبة الهلال بعد الشفق على كون الهلال لليلةٍ ثانية خصوصاً أن هذه الرواية لم ينقل أنه قد عمل بها إلا الصدوق والصدوق أفتى بذلك ولا نعلم مستنده، قال السيد الحكيم: <ولكنها مهجورة ومعارضة بما هو ظاهر رواية الحسن بن راشد> إلى أن يقول: <من عدم الاعتبار مع فرض الغياب بعد الشفق بزمان طويل، وعن الشيخ في كتابي الأخبار حمل الأولى على ما إذا كان في السماء علة من غيم أو ما يجري مجراه. وفيه: لانه لا شاهد له> [16] يعني حمل رواية إسماعيل ابن الحرّ على أنه إذا كان في السماء غيم أو علة، ولكن لا شاهد على هذا الحمل ولا قرينة تدل على ذلك.

قال صاحب الجواهر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ في مقام الاستدلال لقول الصدوق قال ما نصّه: <ولعله لقول الصادق ـ عليه السلام ـ في خبر إسماعيل بن الحرّ إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة وإن غاب بعد الشفق فهو لليلتين الذي هو مع ضعفه معلوم القصور عن معارضة غيره من وجوه، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، مضافاً إلى ما سمعته من دعوى الوجدان الذي لا تصلح هذه الأخبار لمعارضته والله اعلم>.[17] .

صاحب الجواهر يدعي الوجدان أن هذه ليست بالوجدان، قال في جواهر الكلام جو سطاعش صفحة ثلاث مئة واربعة وستين وجزء سبعطعش صفحة ثلاث مئة وواحد وثلاثين من نسخة جماعة المدرسين قال: <بل لعل الوجدان على أنه قد يكون كذلك فيما هو معلوم إنما هو هلال ليلته إذا كان الشهر تاماً>[18] .

النتيجة النهائية:

لم تثبت دلالة قول المنجمين على ثبوت الهلال ولم تثبت دلالة غيبوبة الهلال بعد الشفق على أنه لليلتين، والله العالم.

هذا تمام الكلام في هذا الفرع يأتي فرع آخر وهو قول صاحب العروة: <ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال> يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo