< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/09/04

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثاني: الطريق الثاني والثالث والرابع لثبوت الهلال

 

التواتر هو عبارة عن إخبار جماعة كثيرين يمتنع تواطئهم على الكذب ويمتنع اتفاق خطأهم في فهم الحادثة كما نصّ على ذلك الشيخ محمد رضا المظفر في الجزء الثالث من المنطق.

والتواتر يثبت الهلال لأنه حجةٌ قطعية فإذا اجتمعت شروط التواتر التي ذكرها علماء الدارية تحقق القطع واليقين بالخبر.

والفرق بين التواتر الذي هو الطريق الثاني والشياع المفيد للعلم الذي هو الطريق الثالث: أن التواتر عبارة عن إخبار جماعة عن الرؤية ويمتنع تواطئهم واتفاقهم على الكذب، وأما الشياع فهو عبارة عن ذياع خبر الرؤية بين الناس دون تكذيب، فلم يؤخذ في التواتر حيثية الذياع وعدم التكذيب بينما الشياع أخذ فيه عنوان ذيوع وانتشار الخبر وعدم تكذيبه فكأنه أصبح من المسلمات، لذلك ذكر بعض الفقهاء الذياع والشياع المفيد للعلم ولم يذكر التواتر.

جاء في موثقة عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: <صمّ للرؤية وأفطر للرؤية، وليس رؤية الهلال أن يجيء الرجل والرجلان فيقولا: رأينا، إنما الرؤية أن يقول القائل: رأيت، فيقول القوم: صدق>[1] .

وقد يستدل على التواتر برواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: <سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن هلال رمضان يغم ـ أي يخفى ـ يغم علينا في تسعٍ وعشرين من شعبان، فقال ـ عليه السلام ـ : لا تصم ذلك اليوم إلا أن يقضي أهل الأمصار فإن فعلوا فصمه>[2] .

وحديث عبد الرحمن يحتمل أن يكون ناظراً إلى التواتر فيحمل قوله ـ عليه السلام ـ : <أن يقضي أهل الأمصار فإن فعلوا فصمه> على التواتر، ويحتمل قوياً أن يراد به الشياع فإذا أردنا الاستدلال على التواتر ربما لا نجد إلا رواية عبد الرحمن تصلح للاستدلال على كون التواتر طريقاً لثبوت الهلال.

لكنه لا شكّ ولا إشكال ولا ريب في حجية التواتر شرعاً وعند العقلاء في الموضوعات والأحكام معاً لذلك لا داعي لإطالة البحث في إثبات حجية التواتر مطلقاً وفي خصوص ثبوت الهلال.

الطريق الثالث لإثبات الهلال الشياع المفيد للعلم

والشياع قد يفيد العلم والاطمئنان وقد يفيد الظن وقد يكون مجرد شياع عملي لا يفيد العلم ولا يفيد الظن وإنما شاع في مقام العمل وانتشر هذا الخبر بين الناس من دون أن يوجب لهم ظناً فضلاً عن العلم، والطريق الثالث هو خصوص الشياع الموجب للعلم واليقين، ويدل عليه عدة روايات:

الرواية الأولى موثق عبد الحميد الأزدي الخفاف قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ : <أكون في الجبل في القرية فيها خمسمائة من الناس، فقال ـ عليه السلام ـ : إذا كان كذلك فصم لصيامهم وافطر لفطرهم>[3] .

وفي سند الرواية علي بن محمد بن يعقوب وهو حسنٌ ولو لم يكن ثقة، كما أن عبد الحميد الأزدي قد حسنه النجاشي، وقلنا: إن الرواية موثقة لاشتمالها على علي بن الحسن بن فضال شيخ الفطحية.

الرواية الثانية صحيح العيص بن القاسم: <أنه سأل أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الهلال إذا رأه القوم جميعاً فاتفقوا أنه لليلتين أيجوز ذلك؟ قال: نعم>[4] .

وقد ورد في هذه الرواية عنوان اتفاق القوم والظاهر في الشياع الموجب للعلم لهم.

الرواية الثالثة موثقة سماعة: <أنه سأل أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن اليوم في شهر رمضان يختلف فيه، قال: إذا اجتمع أهل مصرٍ على صيامه للرؤية فاقضه إذا كان أهل مصرٍ خمسمائة إنسان>[5] .

وقد ورد فيها <إذا اجتمع أهل مصرٍ> ومن الواضح أن خمسمائة إنسان لا خصوصية له وإنما هو تشخيصٌ من الإمام ـ عليه السلام ـ في أن خمسمائة إنسان يعد اجتماع لأهل مصر يعني اجتماع لقومٍ كثيرين، وسيأتي الحديث أنه هل توجد خصوصية للخمسمائة أو أن ذكر خمسمائة رجل إشارة إلى الكثرة الكاثرة التي تستدعي أن يكون الشياع موجباً للعلم والاطمئنان، وسيأتي هذا الحديث عند بحث الخامس وهو طريق البينة.

هذا تمام الكلام في الطريق الثالث لرؤية الهلال وهو الشياع الموجب للعلم.

الطريق الرابع مضي ثلاثون يوماً من الشهر الفائت وهو أمارة على حلول الشهر الجديد لأن الشهور القمرية لا تزيد على ثلاثين يوماً ويدل على هذا الطريق الرابع جملة من الروايات، بل ادعي عليه ضرورة الدين فضلاً عن الإجماع، وسنقرأ عبارة الشيخ صاحب الجواهر ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ فبالإضافة إلى دعوى الإجماع وضرورة الدين دلت الروايات الشريفة على ذلك، وهي كما يلي:

الرواية الأولى صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفرٍ ـ عليه السلام ـ قال في حديثٍ: قال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : <إذا رأيتم الهلال فافطروا أو شهد عليه عدلٌ من المسلمين إلى أن قال: وإن غمّ عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم افطروا>[6] .

وقوله ـ عليه السلام ـ : <أو شهد عليه عدلٌ من المسلمين> لا يراد به العدل الواحد وإنما يراد به جنس العدل أي شهد عليه عدول، لأن العدل الواحد لا يثبت الهلال بشهادته كما سيأتي إن شاء الله وهو قولٌ شاذٌ ونادرٌ عندنا.

الرواية الثانية صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ في حديثٍ قال: <وإذا كانت علةٌ فأتم شعبان ثلاثين>[7] .

الرواية الثالثة موثق إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في حديثٍ قال: <إن خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين>[8] .

الرواية الرابعة موثق عمر بن خالد بن أبي خالد الواسطي عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ في حديثٍ قال: إن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قال: <إذا خفي الشهر فأتموا العدة شعبان ثلاثين يوماً وصوموا الواحد والثلاثين>[9] .

واختلف في أبي خالد الواسطي أنه عامي أو شيعي إمامي أو شيعي زيدي والبعض يرى أنه شيعي زيدي والأمر سهل، القدر المتيقن أن تكون هذه الرواية موثقة.

هذا تمام الكلام في الطرق الأربع الأول، وهي:

    1. الرؤية للرائي.

    2. التواتر.

    3. الشياع المفيد للعلم.

    4. مضي ثلاثين يوم من الشهر الماضي.

ومن الواضح أن هذه الطرق الأربعة أسباب توجب العلم والقطع واليقين خصوصاً السبب الأول والرابع فالسبب الأول وهو الرؤية من يعاين الهلال يقطع بوجوده فهو قاطعٌ ومتيقن بخروج الهلال وكذلك الطريق الرابع وهو مضي ثلاثون يومياً لأن الشهور القمرية لا تزيد على ثلاثين يوماً، لذلك الطريق الأول والطريق الرابع ادعي عليهما الإجماع بل ادعي على الرابع ضرورة الدين، ولننقل كلام صاحب الجواهر ـ رض ـ في الطريق الأول وبالنسبة إلى الطريق الرابع وكذلك الثالث، إذ أن صاحب الجواهر ذكر الرؤية والشياع ومضي ثلاثين يوماً، ولم يذكر التواتر.

قال الشيخ محمد النجفي ـ قده ـ : <لا إشكال ولا خلاف بيننا في أنه يعلم الشهر برؤية الهلال وحينئذٍ من رأه وجب عليه الصوم ولو انفرد، وكذا لو شهد فردت شهادته، وكذا يفطر لو انفرد برؤية هلال شوال، كل ذلك لصدق الرؤية المأمور بالصوم والإفطار لها وصدق شهادة الشهر وللسنة المستفيضة أو المتواترة والإجماع بقسميه> يعني المنقول <والمحصل خلافاً لما عن بعض العامة من عدم صوم المنفرد وفطره إلا في جماعة الناس وهو محجوجٌ بالكتاب والسنة والإجماع>[10] .

نقل الإجماع على أن الرؤية توجب ثبوت الهلال العلامة الحلي في المنتهى[11] والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع[12] والسيد علي الطباطبائي في الرياض[13] .

وأما آراء العامة الذين خالفوا في صوم المنفرد يراجع المغني لابن قدامه[14] والشرح الكبير[15] وبداية المجتهد[16] .

هذا بالنسبة إلى الأمر الأول الطريق الأول الرؤية.

بالنسبة إلى الطريق الثالث الشياع، قال صاحب الجواهر ما نصّه: <أو يرى رؤية شائعة على وجهٍ تفيد العلم الذي هو مدار التكاليف فيجب الصوم حينئذٍ بلا خلاف>[17] كما في المعتبر للعلامة الحلي[18] ومنتهى المطلب للعلامة الحلي[19] .

أما بالنسبة إلى مضي ثلاثون يوماً فقد ادعي عليه الضرورة والإجماع، قال صاحب الجواهر ـ ره ـ : <أن يمضي من شعبان ثلاثون يوماً فيجب الصوم حينئذٍ إجماعاً أو ضرورة من الدين>[20]

نقل الإجماع المحقق محمد باقر السبزواري[21] ، والمحقق الشيخ يوسف البحراني[22] ، وأما من نقل أنه من ضرورات الدين فهو صاحب المدارك السيد محمد العاملي[23] ، والفيض الكاشاني في المفاتيح[24] .

والخلاصة:

إن هذه الطرق الأربعة أسباب توجب تحقق العلم، ويمكن الاستدلال عليها أيضاً من الروايات الشريفة.

يبقى الكلام في الخامس من طرق ثبوت الهلال

الخامس البينة الشرعية

يأتي عليها الكلام، وصلى الله على محمدٍ وآل بيته الطيبين الطاهرين.

 

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo