< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس السابع والخمسون: النظر في منع العلامة بيع ما ينتفع به نادرا

قال الشيخ الأنصاري "رحمه الله" ومما ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره في التذكرة من الإشكال في جواز بيع العلق الذي ينتفع به لامتصاص الدم.[1]

كان الكلام في بيع الحشرات والفئران والجرذان وغيرها مما لا منفعة فيها معتد بها عند العقلاء وانتهينا إلى هذه النتيجة وهو أنه لو وجدت منفعة نادرة في بعض الحشرات والحيوانات لكنها كان معتد بها عند العقلاء ففي هذه الحالة يجوز بيعها وشرائها.

الشيخ الأنصاري يقول من هذه النتيجة التي توصل إليها من أن المنفعة النادرة إذا أصبحت معتداً بها عند العقلاء أثبتت جواز البيع يتضح وجه الخدشة والإشكال فيما ذكره العلامة الحلي في تذكرة الفقهاء إذ قال إن العلق المستخدم في امتصاص الدم الفاسد من الإنسان لا يجوز بيعها مع أن هذه المنفعة للدودة حتى لو سلمنا أنها نادرة لكن يعتد بها عند العقلاء وبالتالي يجوز بيعها وشرائها وهكذا بالنسبة إلى دودة القز التي يصطاد بها السمك أو دودة القز التي تصنع الحرير قال العلامة الحلي هذه دودة القز لا يجوز بيعها لأن استخدامها في صيد السمك نادر ولو قلنا بجواز بيع كل ما فيه منفعة نادرة للزم جواز كل شيء وجواز بيع كل شيء ولزم الالتزام بجواز بيع كل ما فيه منفعة نادرة.

الشيخ الأنصاري "رحمه الله" يعلق ويناقش يقول ولنلتزم بجواز بيع كل ما فيه منفعة نادرة ما المانع من ذلك لا يوجد دليل يمنع من جواز بيع وشراء كل ما فيه منفعة نادرة فيما إذا أصبحت المنفعة الحاصلة منه معتد بها عند العقلاء وإن أشكلت علينا وقلت إنه نحن نمنع البيع لأن البيع عبارة عن مبادلة مال بمال وما دام المنفعة نادرة في دودة الدم أو دودة القز فلا يصدق عليها حينئذ أنها مال حتى تبادل بمال فلا يصح التمسك بعمومات أحل الله البيع ويكون التمسك بعموم أحل الله البيع في صحة بيع دودة القز أو دودة الدم من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لأن هذه الدودة ليست مال البيع مبادلة مال بمال فهذه الدودة إما ليست مال وإما أن نشك في صدق المالية عليها إذا شكينا في صدق المالية على الدودة كيف تتمسك بعموم أحل الله البيع والحال إن الدودة نشك أنها مصداق يندرج تحت عموم أحل الله البيع أو لا.

الشيخ الأنصاري يقول إن أشكلت وقلت لا يمكن التمسك بعموم أحل الله البيع لأن بذل المال في مقابل دودة القز أو دودة الدم قد يشك في صدق عنوان البيع عليه فكيف تتمسك بعنوان أحل الله البيع يكون هذا من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقية يقول الشيخ الأنصاري دعك من التمسك بعموم أحل الله البيع عندنا عمومات أخرى تصدق وهي عموم أوفوا بالعقود ﴿يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود[2] ﴾ ﴿إلا أن تكون تجارة عن تراض[3] وهنا توجد تجارة عن تراض بالتالي تصح هذه المعاملة.

النتيجة النهائية يقول الشيخ الأنصاري لا تقل هذا من باب بذل المال في مقابل الباطل من قال إن هذا باطل وجود منفعة نادرة تقول بذل المال في مقابله بذل المال بإزاء الباطل إذن ما ينفع دليل أنه بذل للمال بالباطل إذا أردنا أن نمنع من بيع دودة الدم أو دودة القز عندنا أحد دليلين:

الدليل الأول الإجماع لو أدعينا وجود إجماع على عدم الاعتناء بالمنافع النادرة

الدليل الثاني الروايات نفهم من الروايات ما نفهمه من الإجماع وهو أنه الأشياء التي لها منافع نادرة لا يجوز بيعها إذن عدم جواز البيع ليس معلقاً على عدم المالية عدم الجواز وعدم صحة المعاملة مبني على عدم الاعتناء بالمنافع النادرة وأنها كالعدم بل حتى الكاف زائدة.

قال ومما ذكرنا من صحة بيع هذه الأشياء إذا عد لها منفعة عرفاً يظهر النظر والتأمل والخدشة فيما ذكره العلامة الحلي في التذكرة ـ تذكرة الفقهاء ـ من الإشكال في جواز بيع العلق الذي ينتفع به لامتصاص الدم ـ الدم الفاسد ـ وديدان القز التي يصاد بها السمك يعني يريد أن يقول هذه منفعة نادرة عادة دودة القز يستفاد منها الحرير، صارت دودة القز لها منفعة عامة صناعة الحرير ولها منفعة نادرة وهي اصطياد السمك.

وديدان القز التي يصاد بها السمك ثم استقرب المنع قال لندور الانتفاع يعني بدودة القز في صيد السمك والعلق في امتصاص الدم فيشبه ما لا منفعة فيه يعني فيشبه استخدام دودة القز في صيد السمك واستخدام العلق في امتصاص يشبه ما لا منفعة فيه يعني فيشبه بيع ما لا منفعة فيه وبيع ما لا منفعة فيه ليس بصحيح إذ كل شيء فله نفع ما [4] فإذا التزمنا أن كل ما فيه نفع ولو نادر يجوز بيعه جاز بيع الكثير من الأشياء التي لها نفع ما، الشيخ الأنصاري يقول وما المانع من بيع جميع الأشياء التي لها نفع ما حتى لو منفعة نادرة ما المانع.

يعلق الشيخ الأنصاري يقول ولا مانع من التزام جواز بيع كل ما له نفع ما حتى إذا له منفعة نادرة ما المانع لكن إذا أصبحت منفعة معتد بها عند العقلاء الآن يريد أن يقول لا يصح التمسك بعموم أحل الله البيع لعدم صدق المالية فيكون التمسك بأحل الله البيع لصحة بيع الديدان من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

الشيخ يقول نتمسك بعموم آخر أوفوا بالعقود تجارة عن تراض.

قال ولو فرض الشك في صدق المال على مثل هذه الأشياء ـ دودة القز وبيع العلق ـ إذا شككنا في صدق المالية المستلزم ـ الشك في المالية ـ للشك في صدق البيع لأن البيع عبارة عن مبادلة مال بمال إذا شكيت في ثبوت المالية شكيت في مبادلة المال بالمال فلا يصح التمسك بعموم أحل الله البيع أمكن الحكم بصحة المعاوضة عليها يعني على هذه الأشياء دودة القز، العلق، إذا سقط عموم أحل الله البيع عمومات أخرى لعمومات التجارة ـ تجارة عن تراض ـ والصلح ـ عموم الصلح في الآية الكريمة ـ والعقود الآية الكريمة ﴿يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود﴾ [5] وعموم الهبة المعوضة وغيرها

من العمومات إذن المقتضي موجود ما هو المقتضي؟ العمومات، عمومات أوفوا بالعقود، عمومات الصلح، عمومات تجارة عن تراض المانع بعد مفقود،

ما هو المانع؟ المانع أكل المال بالباطل هنا لا يصدق أكل المال بالباطل لوجود منفعة لأنه ليس إلا أكل المال يقول وعدم المانع لعمومات التجارة يعني لأن المقتضي موجود وعدم المانع لأنه ليس إلا أكل المال بالباطل والمفروض عدم تحققه هنا إذن العمدة في المسألة ليس هو أنه عدم جواز ما له منفعة نادرة العمدة الإجماع والعمدة الروايات.

قال فالعمدة في المسألة دليلان:

الأول الإجماع على عدم الاعتناء بالمنافع النادرة

الثاني وهو الظاهر يعني عدم الاعتناء بالمنافع النادرة، ظاهر من التأمل في الأخبار أيضا مثل ما دل على تحريم بيع ما يحرم منفعته الغالبة مع اشتماله على منفعة نادرة محللة مثل الشحوم، الشحوم لها منفعة غالبة وهو الأكل ولها منفعة نادرة وهي الاستصباح.

مثل قوله "عليه السلام" (لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها[6] ) مثل ما دل على تحريم بيع ما يحرم منفعته الغالبة يعني تحريم بيع الشحوم لتحريم منفعته الغالبة،

ما هي المنفعة الغالبة؟ أكل الشحوم، مع اشتماله ـ اشتمال الشيء وهو الشحم ـ على منفعة نادرة محللة وهي الاستصباح بالشحم مثل قوله "عليه السلام" (لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها) بناء على أن للشحوم منفعة نادرة محللة على اليهود وهي الاستصباح، زيت يستصبح به يستضاء به لأن ظاهر تحريم الشحوم على اليهود تحريم أكلها أو سائر منافعها ـ منافع الشحوم ـ المتعارفة يعني الله "عز وجل" لما يحرم الشحم على اليهود التحريم ينصب إلى المنفعة الغالبة وهي الأكل أو المنافع المتعارفة لا المنافعة النادرة كالاستصباح.

قال فلولا أن النادر في نظر الشرع كالمعدوم لم يكن وجه للمنع عن البيع إذن هذا هو مدرك فساد البيع أن المنفعة نادرة فهي منزّلة منزلة العدم فلا تصح المعاوضة على المنفعة التي هي بحكم العدم كما لم يمنع الشارع عن بيع ما له منفعة محللة مساوية للمحرمة في التعارف والاعتداد يعني في المتعارف والمعتد به عند العقلاء إذا منفعة مساوية يجوز، عندنا منفعة محرمة وعندنا منفعة مساوية لها الشارع ما حرم المنفعة المحللة المساوية للمنفعة المحرمة إلا أن يقال المنع فيها تعبد يعني المنع في حرمة بيع الشحوم تعبد لا لأنه لا يوجد فيها منفعة من باب التعبد الشرعي للنجاسة يعني الشحوم كما أن الله حرمها على اليهود هي نجسة أيضا عند اليهود بالتالي لا يجوز بيع الشحوم عند اليهود ليس لأنها ليس فيها منفعة لا تأكل بل لأنها نجسة.

سؤال لماذا يحرم بيع الشحم عند اليهود؟ يوجد احتمالان

الاحتمال الأول لا توجد منفعة في الشحم لأن الشحم يحرم أكله وبالتالي لا يصح بيعه.

الاحتمال الثاني لا يجوز بيع الشحم عند اليهود لأن الشحم نجس عند اليهود ولا يجوز بيع النجس.

إلا أن يقال المنع فيها ـ بيع الشحوم ـ تعبد شرعي للنجاسة لأن الشحوم نجسة لا من حيث عدم المنفعة المتعارفة فتأمل لعله إشارة إلى أن الشحوم ليست نجسة عند اليهود فلا ملازمة بين حرمة أكل الشحم وبين نجاسته فنلتزم بالتفصيل إن الشحم كان أكله حراماً عند اليهود لكن كان طاهراً ولم يكن نجساً بالتالي المدرك الثاني تحريم بيع الشحوم للنجاسة ليس بتام.

إلى هنا جاء بشاهد واحد على أن مدرك فساد البيع وفساد المعاملة هو عدم الاعتناء بالمنافع النادرة وضرب مثال عليه وشاهد عليه حرمة بيع الشحوم عند اليهود لا تقل حرم بيع الشحم عند اليهود لأنه نجس كلا عند اليهود الشحم طاهر حرم بيعه لحرمة منفعته الغالبة وهي الأكل وإن كان له منفعة نادرة الاستصباح لكنها كالعدم.

يقول الآن أأتي لك برواية ثانية تصلح شاهد أكثر وأحسن على أن فساد المعاملة بسبب وجود منافع نادرة كالعدم وأوضح من ذلك في أن المدار على عدم الاعتناء على المنافع النادرة قوله "عليه السلام" في رواية تحف العقول في ضابط ما يكتسب به قال (وكل شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك كله حلال بيعه وشراءه) [7] الشاهد هنا من جهة من الجهات.

يقول الشيخ الأنصاري إذا لا يراد منه ـ جهة من الجهات ـ مجرد المنفعة إذا المراد مجرد المنفعة للكثير من الأشياء حلت لنا المراد المنفعة الغالبة جهة من الجهات المتعارفة وليس المراد جهة من الجهات النادرة.

إذا لا يراد منه جهة من جهات الصلاح مجرد المنفعة وإلا لو كان المراد منه مجرد المنفعة لعم الأشياء كلها، يعني لشمل الأشياء كلها لأن أكثر الأشياء فيها منفعة نادرة حتى الخمر وغيره فيه منافع نادرة وقوله في آخره

الشاهد الثاني في آخر رواية تحف العقول إنما حرم الله الصناعة التي يجيء منها الفساد محضاً، كيف يجيء منها الفساد محضاً مع أنه قد يكون فيها منفعة نادرة لكن عبر الفساد محضا ـ الخالص ـ يعني هذه الفائدة الضئيلة النادرة بمنزلة العدم لا تمنع من كون الفساد محضا وخالصاً نظير كذا وكذا في الرواية إلى آخر ما ذكره الإمام الصادق "عليه السلام" رواية تحف العقول فإن كثيراً من الأمثلة المذكورة هناك في رواية تحف العقول لها منافع محللة يبين الآن المنافع المحللة، فإن الاشربة المحرمة ـ الخمر وغيره ـ كثيراً ما ينتفع بها في معالجة الدواب بل المرضى فجعلها مما يجيء منه الفساد محضا باعتبار عدم الاعتناء بهذه المصالح لندرتها يعني الاعتناء بهذه الفوائد النادرة لأنها نادرة.

يبقى الإشكال في تعيين المنفعة النادرة وتمييزها عن غير المنفعة النادرة إذا شكينا نتمسك بعموم تجارة عن تراض ما نتمسك بعموم أحل الله البيع، التمسك بعموم أحل الله البيع فرع ثبوت المالية ومع وجود منفعة نادرة نشك في صدق المالية فنتمسك بعموم أوفوا بالعقود، تجارة عن تراض.

قال إلا أن الإشكال في تعيين المنفعة النادرة وتمييزها عن غيرها ـ عن غير المنفعة النادرة المنفعة الغالبة ـ فالواجب الرجوع في مقام الشك إلى أدلة التجارة[8] ونحوها مما ذكرنا مثل عموم أوفوا بالعقود، عمومات الصلح، عمومات الهبة المعوضة بالتالي ما دام مما ذكرنا يعني إذا وجدت منفعة نادرة إذا هي معتد بها يجوز البيع إذن يجوز أن تبيع جلود السباع ومنه يظهر يعني من ترتب جواز البيع على وجود منفعة معتد بها عند العقلاء حتى لو نادرة.

ومنه يظهر أن الأقوى جواز بيع السباع بناء على وقوع التذكية عليها يعني لو يصح تذكيتها، للانتفاع البين بجلودها ـ انتفاع واضح بجلودها ـ وقد نص في الرواية على بعضها [9] وكذا شحومها وعظامها يعني بعض المنافع إلى الحيوانات التي يحرم أكلها لكن تقع فيها التذكية، قال وأما لحومها ـ لحوم السباع ـ فالمصرح به في التذكرة عدم الجواز معللا بندور المنفعة المحللة المقصودة منه ـ من لحوم السباع ـ كإطعام الكلاب المحترمة وإطعام جوارح الطير[10] ، هذا كلام قديم مال الأول الآن يستفيدون منها في حدائق الحيوان في المتاحف الآن عندهم اسود ونمور يحتاجون إلى لحوم يجوز أنت تشتري لحم السباع وتطعمه للأسد تترتب منفعة محللة.

ويظهر أيضا جواز بيع الهرة وهو المنصوص في غير واحد من الروايات[11] يعني روايات كثيرة دلت على جواز بيع الهرة ونسبه في موضع من التذكرة إلى علماءنا [12] قالوا بجواز بيع الهرة بخلاف القرد قالوا لا يجوز لأن المصلحة المقصودة منه ـ من بيع القرد ـ وهو حفظ المتاع نادر، كلا الآن القرد في حدائق الحيوان أكثر الأطفال يتجمعون عند القرد فيجوز بيع القرد لهذه المنفعة.

هنا عدم المنفعة إما للخسة وإما للقلة هذا تفصيل، ثم أعلم يأتي عليه الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo