« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه

46/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (السابع والأربعون): إذن الإمام المعصوم أو نائبه

الموضوع: الدرس (السابع والأربعون): إذن الإمام المعصوم أو نائبه

الشرط التاسع: إذن الإمام المعصوم أو نائبه العام أو الخاص.

[النقطة الأولى:]

[أقوال العلماء]

ذهب المشهور بل ادُّعي عليه الإجماع إلى أن الجهاد الابتدائي مشروط بإذن الإمام المعصوم عليه السلام أو نائبه الخاص، ولا يشرع الجهاد في عصر الغيبة بدون إذن الإمام أو نائبه الخاص، ولا يكفي إذن النائب العام وهو الفقيه الجامع للشرائط.

وخالف في ذلك بعض متأخر المتأخرين، كالشيخ محمد حسن النجفي في "جواهر الكلام".[1]

وقوّى ما ذهب إليه من مشروعية الجهاد في عصر الغيبة سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله في "منهاج الصالحين".[2]

وتبعه على ذلك تلميذه الوفي أستاذنا الميرزا جواد التبريزي رحمه الله في "منهاج الصالحين".[3]

ووافقهم أيضًا سيدنا الأستاذ المرحوم السيد محمود الهاشمي الشهرودي في "منهاج الصالحين" إذ قال نصه: "فأظهر مشروعية أصل الجهاد في عصر الغيبة، إلا أن القيام به مشروط بأمر ولي الأمر، وهو الفقيه الجامع لشرائط الولاية العامة المتصدي بالفعل لأمور المسلمين"[4] .

ومن القائلين أيضًا بمشروعية الجهاد في عصر الغيبة الكبرى واشتراطه بإذن الفقيه أو ولي الأمر هو ولي أمر المسلمين الإمام السيد علي الخامنئي حفظه الله، إذ ذهب إلى المشروعية واشتراط إذن ولي الأمر.

لكن السيد الإمام الخميني أعلى الله في الخلد مقامه، مع أنه يقول بولاية الفقيه المطلقة، إلا أنه ذهب إلى عدم مشروعية الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة[5] . وليس للفقيه الإذن في الجهاد الابتدائي وفاقًا للمشهور، بل ادُّعي عليه الإجماع.

ووافقه شيخنا الأستاذ الوحيد الخراساني في "منهاج الصالحين" الجزء الثاني صفحة أربع مئة وتسعة وأربع مئة واثني عشر، فذهب إلى ما ذهب إليه المشهور، وقال هو الأقوى والأظهر عدم مشروعية الجهاد في عصر الغيبة.[6]

ونجد أن السيد الخميني لم يذكر أحكام الجهاد الابتدائي، بل بعد كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من "تحرير الوسيلة" ذكر أحكام الدفاع، وهي على قسمين: الأول الدفاع عن بيضة الإسلام، والثاني الدفاع الشخصي.[7] ولم يتطرق إلى أحكام الجهاد كجهاد الدعوة أو الجهاد الابتدائي، جهاد الباغين أو جهاد أهل الكتاب، وهذه طوائف ثلاث تجاهد، وهي الكفار غير الكتابيين والكفار الكتابيين والبغاة.

نعم، في نهاية كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي توسع فيه، ذكر ختام فيه مسائل. وقال في المسألة الثانية: " في عصر غيبة وليّ الأمر وسلطان العصر- عجّل اللَّه فرجه الشريف- يقوم نوّابه العامّة- وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى و القضاء- مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام عليه السلام إلّاالبدأة بالجهاد ".[8]

والسر في ذلك: أن الإمام الخميني رضوان الله عليه يرى ولاية الفقيه المطلقة فضلاً عن العامة، أي أن مطلق ما ثبت للنبي يثبت للفقيه في عصر الغيبة إلا خرج بالدليل، فنحن لا نحتاج إلى دليل لإثبات الصلاحيات التي للنبي وأنها ثابتة للفقيه في عصر الغيبة، فالأصل هو ما يؤكد ما ثبت للنبي، يثبت للفقيه في خصوص الشؤون العامة، لا مطلق ما ثبت للنبي من خصوصياته الشخصية والمعنوية.

والسيد الإمام الخميني يرى أنه قد ثبت المانع وأنه قام الدليل على عدم ثبوت الجهاد الابتدائي والأمر به من قبل الفقيه في عصر الغيبة الكبرى، إما للإجماع أو للشهرة، فإذا قام الدليل على الاستثناء؟ فحينئذٍ التزم السيد الإمام بأنه كل ما للنبي في الأمور السياسية والاجتماعية هو ثابت للفقيه، إلا البدء بالجهاد الابتدائي.

والصحيح ما ذهب إليه صاحب الجواهر أعلى الله في الخلد مقامه، إذ:

أولاً لم ينهض دليل يدل على اشتراط إذن الإمام المعصوم أو نائبه الخاص في خصوص عصر الغيبة الكبرى. نعم، في عصر الحضور يشترط إذن الإمام المعصوم أو نائبه الخاص أو من نصبه لذلك، وأما في عصر الغيبة الكبرى فلم ينهض دليل يدل على اشتراط الجهاد بإذن خصوص المعصوم أو نائبه الخاص.

وثانياً نحن نلتزم بولاية الفقيه المطلقة فضلاً عن العامة، ومن أبرز مصاديق وصلاحيات النبي في الشؤون العامة، كالشأن السياسي هو الأمر بالجهاد ابتدائي، فيثبت هذا الحق للفقيه في عصر الغيبة الكبرى.

وثالثاً لو تنزلنا وقلنا إن ولاية الفقيه العامة أو المطلقة لم تثبت، على أنها ثابتة على مبدأنا وقلنا بأنها ثابتة بنحو الحسبة، أي ما يحتسبه الشارع على نفسه، فإن مقتضى ولاية الفقيه بحسب الحسبة هو ثبوت الجهاد الابتدائي ومشروعيته في عصر الغيبة الكبرى بإذن الفقيه الجامع للشرائط.

وقد ذهب السيد الخوئي وتبعه أستاذنا الميرزا جواد التبريزي إلى ثبوت الإذن والمشروعية من باب ولاية الحسبة لا من باب ولاية الفقيه العامة، بينما صاحب الجواهر ذهب إلى اشتراط الإذن من باب ولاية الفقيه العامة، فهو يرى ولاية الفقيه العامة ويقول إن من ينكرها فكأنما لم يذق من طعم الفقه شيئاً.

هذا تمام الكلام في عرض الأقوال في المسألة، خصوصاً أقوال المعاصرين.

النقطة الثانية:

الاستدلال وعرض الأدلة

وقد أجاد وأفاد سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي في استدلاله واختصاره، ولنقرأ كلامه بتمامه لمزيد الفائدة، وإن اتسع وقتنا نعلق ببعض التعليقات.

قال السيد الخوئي رحمه الله في "منهاج الصالحين"[9] الطبعة الأخيرة التي طبعت في حياته رقم ثمانية وعشرين، طبعة مدينة العلم، في الجزء الأول صفحة ثلاثمئة وستين إلى ثلاثمئة وستة وستين:

" إنّ الجهاد مع الكفّار من أحد أركان الدين الإسلامي و قد تقوّى الإسلام و انتشر أمره في العالم بالجهاد مع الدعوة إلى التوحيد في ظلّ راية النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و من هنا قد اهتم القرآن الكريم به في ضمن نصوصه التشريعيّة،حيث قد ورد في الآيات الكثيرة وجوب القتال و الجهاد على المسلمين مع الكفّار المشركين حتى يسلموا أو يقتلوا، و مع أهل الكتاب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون.

و من الطبيعي أنّ تخصيص هذا الحكم بزمان موقّت و هو زمان‌ الحضور لا ينسجم مع اهتمام القرآن و أمره به من دون توقيت في ضمن نصوصه الكثيرة.

ثم إن الكلام يقع في مقامين:

المقام الأول: هل يعتبر إذن الإمام عليه السلام أو نائبه الخاص في أصل الجهاد في الشريعة المقدسة؟

فيه وجهان: المشهور بين الأصحاب هو الوجه الأول".

هنا علق الشيخ الوحيد في "المنهاج" الجزء الثاني صفحة أربع مئة وتسعة، قال: "وهو الأقوى"، وقوى رأي المشهور.[10]

"وقد استدل عليه بوجهين:

الوجه الأول: دعوى الإجماع على ذلك.

وفيه أن الإجماع لم يثبت، إذ لم يتعرض جماعة من الأصحاب للمسألة، ولذا استشكل السبزواري في "الكفاية" في الحكم بقوله: "ويشترط في وجوب الجهاد وجود الإمام عليه السلام أو من نصبه على المشهور بين الأصحاب، ولعل مستنده أحاديث لم تبلغ درجة الصحة مع معارضتها بعموم الآيات، ففي الحكم به إشكال[11] ".

" ثم على تقدير ثبوته فهو لا يكون كاشفا عن قول المعصوم عليه السّلام، لاحتمال أن يكون مدركه الروايات الآتية فلا يكون تعبديّا.

نعم، الجهاد في عصر الحضور يعتبر فيه إذن ولي الأمر، النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو الإمام عليه السّلام بعده.

الوجه الثاني:الروايات التي استدلّ بها على اعتبار إذن الإمام عليه السّلام في مشروعية الجهاد،و العمدة منها روايتان:

الأولى: رواية سويد القلاء عن بشير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: "قلت له إني رأيت في المنام أني قلت لك إن القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير". فقلت لي: "نعم، هو كذلك"، فقال أبو عبدالله عليه السلام: "هو كذلك، هو كذلك[12] ".

وفيه إن هذه الرواية مضافًا إلى إمكان المناقشة في سندها، على أساس أنه لا يمكن لنا إثبات أن المراد من بشير الواقع في سندها هو بشير الدهان، ورواية سويد القلاء عن بشير الدهان في موردٍ لا تدل على أن المراد من بشير هنا هو بشير الدهان، مع أن المسمى ببشير متعدد في هذه الطبقة، ولا يكون منحصراً ببشير الدهان.

نعم، روى في الكافي هذه الرواية مرسلاً عن بشير الدهان[13] .

وهي لا تكون حجة من جهة الإرسال وقابلة للمناقشة دلالة، فإن الظاهر منها بمناسبة الحكم والموضوع هو حرمة القتال بأمر غير الإمام المفترض طاعته وبمتابعته فيه، ولا تدل على حرمة القتال على المسلمين مع الكفار إذا رأى المسلمون من ذوي الآراء والخبرة فيه مصلحة عامة للإسلام وإعلاء كلمة التوحيد بدون إذن الإمام عليه السلام، كزماننا هذا.

الثانية: رواية عبدالله بن المغيرة، قال محمد بن عبدالله للرضا عليه السلام وأنا أسمع: "حدثني أبي عن أهل بيته عن آبائه أنه قال له بعضهم: إن لي في بلادنا موضع رباط يقال له قزوين وعدو يقال له الديلم، فهل من جهاد؟ أو هل من الرباط؟

فقال عليكم بهذا البيت فحجوه". فأعاد عليه الحديث، فقال: "عليكم بهذا البيت فحجوه، أما يرضى أحدكم أن يكون في بيت وينفق على عياله من طوله ينتظر أمرنا، فإن إدركه كان كمن شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله بدراً، وإن مات منتظراً لأمرنا كان من كان مع قائمنا صلوات الله عليه"[14] .

ولكن الظاهر أنها في بيان الحكم المؤقت للحكم الدائم، بمعنى أنه لم يكن في الجهاد أو الرباط صلاح في ذلك الوقت الخاص، ويشهد على ذلك ذكر الرباط تلو الجهاد، مع أنه لا شبهة في عدم توقفه على إذن الإمام عليه السلام وثبوته في زمان الغيبة، ومما يؤكد ذلك أنه يجوز أخذ الجزية في زمن الغيبة من أهل الكتاب، إذا قبلوا ذلك، مع أن أخذ الجزية إنما هو في مقابل ترك القتال معهم، فلو لم يكن القتال معهم في هذا العصر مشروعًا، لم يُجز أخذ الجزية منهم أيضًا، وقد تحصل ذلك، بأن الظاهر هو عدم سقوط وجوب الجهاد في عصر الغيبة.

هنا علق الشيخ الوحيد الخراساني في "المنهاج" تعليقة 767: "بل الظاهر السقوط"، يعني وافق المشهور.[15]

ويقول السيد الخوئي: "إن الظاهر عدم سقوط وجوب الجهاد في عصر الغيبة وثبوته في كافة الأعصار لدى توفر شرائطه. وهو في زمن الغيبة منوط بتشخيص المسلمين من ذوي الخبرة في الموضوع، أن في الجهاد معهم مصلحة للإسلام على أساس أن لديهم قوة كافية من حيث العدد والعدة لدحرهم بشكل لا يحتمل عادة أن يخسروا في المعركة، فإذا توفرت هذه الشرائط عندهم وجب عليهم الجهاد والمقاتلة معهم.

وأما ما ورد في عدة من الروايات من حرمة الخروج بالسيف على الحاكم وخلفاء الجور قبل قيام قائمنا صلوات الله عليه، فهو أجنبي عن مسألتنا هذه، وهي الجهاد مع الكفار رأساً، ولا يرتبط بها نهائياً.

المقام الثاني: أنا لو قلنا بمشروعية أصل الجهاد في عصر الغيبة، فهل يعتبر فيها إذن الفقيه الجامع للشرائط أو لا؟

يظهر من صاحب الجواهر قدس سره اعتباره بدعوى عموم ولايته بمثل ذلك في زمن الغيبة. وهذا الكلام غير بعيد بالتقريب الآتي، وهو أن على الفقيه أن يشاور في هذا الأمر المهم أهل الخبرة والبصيرة من المسلمين، حتى يطمئن بأن لدى المسلمين من العدة والعدد ما يكفي للغلبة على الكفار الحربيين، وبما أن عملية هذا الأمر المهم في الخارج بحاجة إلى قائد وآمر يرى المسلمون نفوذ أمره عليهم، فلا محالة يتعين ذلك في الفقيه الجامع للشرائط، فإنه يتصدى لتنفيذ هذا الأمر من باب الحسبة، على أساس أن تصدي غيره لذلك يوجب الهرج والمرج ويؤدي إلى عدم تنفيذه بشكل مطلوب وكامل". انتهى كلامه زيد في علو مقامه.[16]

أقول: لقد مضى هذا البحث وتطرقنا إلى هذه الروايات وذكرها صاحب الجواهر رحمه الله بأكملها في "جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام" وابتدأ بخبر بشير الدهان ثم بعد ذلك ذكر خبر عبد الله بن المغيرة، وقد تناولهما السيد الخوئي في "المنهاج"، ثم ذكر موثق سماعه، ثم ذكر خبر أبي بصير، ثم خبر "تحف العقول"، ثم خبر محمد بن عبدالله السمندري، ثم خبر الحسن بن العباس ابن الجريش، ثم خبر عبدالملك بن عامر، إلى غير ذلك من النصوص والفتاوى.

وهذه الروايات بعضها صحيح السند لكنه غير عام في الدلالة، وبعضها ضعيف السند، وأكثرها وارد في زمن الحضور ووارد في عدم مشروعية الجهاد والقتال مع أئمة الجور وبدون إذن الإمام المعصوم في حال حضوره، ولا تشمل الجهاد في عصر الغيبة الكبرى.

لذلك قال صاحب الجواهر رضوان الله عليه في بداية البحث ما نصه: "وعلى كل حال فلا خلاف بيننا بل الإجماع بقسميه عليه في أنه إنما يجب على الوجه المزبور بشرط وجود الإمام عليه‌السلام وبسط يده أو من نصبه للجهاد ولو بتعميم ولايته له ولغيره في قطر من الأقطار ، بل أصل مشروعيته مشروط بذلك فضلا عن وجوبه"[17] .

ثم قال في ختام بحثه: "لكن إن تم الإجماع المزبور فذاك، وإلا أمكن المناقشة فيه بعموم ولاية الفقيه في زمن الغيبة الشاملة لذلك المعتضدة بعموم أدلة الجهاد، فترجح على غيرها"[18] .

هذا تمام الكلام في الشرط التاسع من شروط الجهاد الابتدائي.

واتضح أن الجهاد الابتدائي مشروط بإذن الإمام المعصوم أو نائبه الخاص في عصر الحضور ومشروط بنائبه العام، وهو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى والقضاء في عصر الغيبة الكبرى.

وبهذا الشرط التاسع يكون مسك الختام في شروط الجهاد الابتدائي وأهمها التكليف من بلوغ وعقل وقدرة، إذن الإمام المعصوم أو نائبه الخاص أو العام.

والله ولي التوفيق، وإن شاء الله نشرع في الجهاد الدفاعي.


[4] منهاج الصالحين (الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود)، ج1، ص394.
logo