< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/10/21

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وتسعة وثمانون: اشتراط الفقر في مستحق سهم السادة

 

اشتراط الفقر في الأيتام هو المشهور بين الفقهاء، وعن الشيخ الطوسي في المبسوط[1] وابن إدريس الحلي في السرائر[2] وجماعة[3] ، عدم اعتبار الفقر.

وقد وقع الخلاف في أن الموضوع هل هو خصوص عنوان اليتيم الذي ليس له أب سواء كان له مال أو لم يكن له مال؟ فالموضوع هو خصوص عنوان اليتيم فقيراً كان أو غنياً.

أو أن الموضوع هو الفقر مجرداً وإنما خصّ اليتيم بالذكر لتأكد فقره ولمزيد العناية والاهتمام به نظراً لشدة احتياج اليتيم الذي فقد أباه.

وقد ذهب المشهور إلى القول الثاني.

وربما يفهم من الأصناف الثلاثة، وهي: اليتامى والمساكين وابن السبيل، أن المراد به الفقير من السادة، وأبرز مصاديق فقر السادة هو يتاماهم ومساكينهم ومن انقطع به الطريق منهم في السفر وهو ابن السبيل، فمصرف سهم السادة هو طبيعي الفقير منهم، وأبرز مصادقه الأصناف الثلاثة.

إلى هنا ذكرنا قولين فلنشرع في بيان أدلة القولين:

أدلة القول الأول وهو أن المدار على اليتم مطلقاً، ويمكن أن يستدال بدليلين:

الدليل الأول التمسك بإطلاق الآية الكريمة و(اليتامى والمساكين)[4] فإن لفظ اليتامى جمع يتيم وهو لفظ مطلق يشمل الغني الفقير معاً.

وفيه: إن إحراز الإطلاق في الآية الكريمة مشكلٌ بل لا يبعد أن يقال بانصراف اليتيم في العرف إلى خصوص الصغير الفاقد للأب الذي لا يقدر بنفسه على تأمين معيشته وليس له كفيل يؤمن له المعيشة، فليس المراد خصوص عنوان اليتيم ولا موضوعية له، بل له طريقه وإشارة إلى شدة الاحتياج.

الدليل الثاني التمسك بما ورد في صحيحة الريان: «وأما قوله: واليتامى والمساكين فإن اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من الغنائم ولم يكن له فيها نصيب، وكذلك ذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب من المغنم ولا يحل له أخذه»[5] .

 

تقريب الاستدلال:

إن الظاهر من جهة المقابلة بين اليتيم والمسكين أن الموضوع هو خصوص عنوان اليتيم دون الفقر لذلك جعل غاية اليتم أن يرتفع يتمه ولم يقل أن ترتفع مسكنته أو فقره، بخلاف المسكين فإنه قد جعل غايته ارتفاع المسكنة.

وفيه: إن المراد بانقطاع يتم اليتيم ليس كبر سنه بل ارتفاع فقره خصوصاً إذا رجعنا إلى نفس الرواية ونظرنا إلى قرينة فيها، وهي قوله ـ عليه السلام ـ بعد ذلك: «وسهم ذي القربى قائمٌ إلى يوم القيامة فيهم للغني والفقير لأنه لا أحد أغنى من الله ولا من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ».

إذاً أدلة القول الأول لا يمكن المساعدة عليها.

أدلة القول الثاني وهو اشتراط الفقر في اليتيم، وقد ذهب المشهور إلى اشتراط الفقر، ويمكن أن يستدل على اعتبار الفقر بوجوه:

الوجه الأول اشتراط الفقر في الزكاة، وبما أن الخمس عوض عن الزكاة فيعتبر في الخمس ما يعتبر في الزكاة.

وفيه: إن روايات البدلية ضعيفة السند، ولو سلمنا بثبوت البدلية فإن البدلية لا تثبت مطلقاً، وتعدية خصائص الزكاة إلى الخمس تحتاج إلى دليل، ومنها اشتراط الفقر في الخمس والزكاة.

الوجه الثاني التمسك بقاعدة الاشتغال «فالاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني» فإنه مع إعطاء غير الفقير يشك في براءة الذمة.

وقد يناقش بأن هذا المورد من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير، فالمكلف هل هو مخير بين مطلق اليتيم سواء كان فقيراً أو غنياً؟ أو المكلف مكلف بأمرٍ معين وهو خصوص اليتيم الفقير؟ فيشك في هذا القيد الزائد، وهو الفقر، وفي موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير تجري البراءة عن الشرط الزائد، ويثبت التخيير.

الوجه الثالث التمسك بالروايات الواردة في المقام كمرسل حماد «يقسم بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم فإن فضل شيء فهو للوالي»[6] .

ومرفوعة أحمد بن محمد فقد جاء فيها ما نصّه: «فهو يعطيهم على قدر كفايتهم فإن فضل منهم شيء فهو له، وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمه لهم من عنده»[7] .

وفيه: هذه الروايات ضعيفة السنة فهي تصلح للتأييد ولا تصلح للاستدلال.

الوجه الرابع إن المستفاد من الروايات أن العلة في تشريع الخمس سدّ حاجة بني هاشم كالزكاة لغير بني هاشم فإنها لسد حاجتهم فلا خمس للغني وإن كان هاشمياً، كما لا زكاة له فهو خارج موضوعاً.

وقد قبل شيخنا الأستاذ الداوري هذا الوجه، وقال: «والظاهر تمامية هذا الوجه المؤيد بالروايتين المتقدمتين كما هو قول المشهور»[8] .

وفيه: أن لنا أن نشخص علة التشريع فلعلها حكمة وليست علة، والفرق بينهما أن العلة يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً بخلاف الحكمة التي لا يدور الحكم مدارهاً وجوداً وعدماً فأنى لنا أن ننقح مناط الأحكام وأن ندعي أن العلة في سهم السادة هو خصوص رفع فقرهم وعجزهم، فلعل العلة تكريم أبناء الرسول حتى لو كانوا أغنياء.

كما أن الروايات التي يستفاد منها هذه العلة حسب مدعى شيخنا الأستاذ أكثرها ضعيفة السند فلا يتم هذا الاستدلال.

الوجه الخامس وهو الصحيح بنظرنا ما ذهب إليه سيدنا الأستاذ المرحوم السيد محمود الهاشمي الشاهرودي[9] ـ رحمه الله ـ إذ قال ما نصّه:

«إن الارتكاز العقلائي والمتشرعي المحفوف بالخطاب يقتضي انصراف العناوين المذكورة في مصارف الحقوق والأموال العامة إلى صورة الحاجة واللزوم، والحاجة في اليتيم والمسكين تساوق الفقر لا محالة، فعنوان اليتيم لغةً وإن كان مطلقاً يشمل كل من كان صغيراً ولم يكن له أب إلا أن المقيد اللبي المذكور يجعله منصرفاً في هذا السياق إلى الصغير الذي لا أب له.

وبالتالي لا يوجد كفيل لإعاشته كما هو الغالب، بل لعل إطلاق اليتيم غالباً يكون استطراقاً إلى هذا المعنى حيث إن الصغير لا يتمكن من العمل عادة وإنما يكفل حياته الأب وإنما ذكر اليتيم مع ذكر الفقير أو المسكين الشامل بإطلاقه لليتيم الفقير أيضاً باعتبار أهميته والتأكيد عليه لأن حيثية تجعله اشد حاجة وفي معرض الضياع والحرمان من الفقير الكبير». انتهى كلامه زيده في علو مقامه.

وخلاصة الوجه الخامس هو دعوى انصراف الآية والروايات والأدلة إلى خصوص الفقير من اليتامى لا مطلق اليتامى فالآية والأدلة بإطلاقها تشمل الغني والفقير معاً لكنها منصرفة إلى خصوص الفقراء منهم، وهذا الانصراف بسبب وجود قرينة لبية، هذه القرينة هي عبارة عن الارتكاز العقلائي والمتشرعي فيكون المرتكز في أذهان متشرعة أن سهم السادة لرفع حاجة وسد نقص وفقر السادة النجباء فلا يشمل الغني منهم، والله العالم.

والظاهر أن هذا الوجه تامٌ فهذا هو المرتكز عند المتشرعة والعقلاء، والله الهادي إلى سواء السبيل والصواب.

يبقى الكلام في ابن السبيل، قال صاحب العروة ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ :

«ويشترط في الثلاثة الأخيرة الإيمان، وفي الأيتام الفقر، وفي أبناء السبيل الحاجة في بلد التسليم وإن كان غنياً في بلده».

من الواضح اشتراط الحاجة الفعلية لأبناء السبيل، وكلمة ابن السبيل أي ابن الطريق واضحةٌ في ذلك بمعنى الذي انقطع به الطريق في سفريه كما لو سرقه قطاع طرق أو ضاعت أمواله وليس له مأوى ويريد الرجوع إلى وطنه فابن السبيل ملازمٌ للطريق ولا يمكنه مفارقته لعجزه عن الوصول إلى وطنه، من دون فرق بين أن يكون في وطنه غنياً أو فقيراً فالمعتبر فقره وحاجته في سبيله وطريقه.

نعم، لو تمكن من تأمين سفره إلى بلده ولو باتصال هاتفي وحوالة بنكية أو الاقتراض فحينئذ لا يعطى من الخمس، ويؤيد هذا بما ورد في تفسير علي بن إبراهيم القمي من قول العالم الإمام الكاظم ـ عليه السلام ـ : «وابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله فيقطع عليهم ويذهب مالهم فعلى الإمام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات»[10] .

لكن هذه الرواية واردة في الزكاة لا الخمس إلا أن تفسير معنى السبيل لا يختص بالزكاة يشمل الزكاة ويشمل الخمس ويشمل آية الفيء فلا إشكال في دلالة الرواية.

لكنها ضعيفة من جهة الإرسال فلا تصلح للاستدلال لكنها تصلح للتأييد، كما هو حال مرسل حماد ومرفوعة أحمد بن محمد.

يبقى الكلام هل يشترط أن يكون سفر ابن السبيل سفر طاعة أو يشمل مطلق السفر وإن كان سفر معصية؟

ذهب صاحب العروة إلى السفر مطلق، واشترط الكثير من المعاصرين أن يكون سفر طاعة، قال صاحب العروة ـ رحمه الله ـ ما نصّه:

«ولا فرق بين أن يكون سفر في طاعة أو معصية».

إذاً يوجد في المسألة قولان:

القول الأول لا يعتبر في سفر ابن السبيل أن يكون سفر طاعة، وهو قول صاحب العروة.

القول الثاني اشتراط أن يكون سفره سفر طاعة، وذهب إلى ذلك السيد أبو الحسن الاصفهاني والسيد حسين البروجردي والسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي[11] .

فما هي أدلة القولين؟

أدلة القول الأول مطلق السفر، ويمكن أن يستدله بأن مقتضى إطلاق الآية الشريفة عدم اعتبار كون السفر في طاعة، بالإضافة إلى عدم ثبوت بدلية الخمس عن الزكاة حتى يكونا من مورد واحد، لذلك ذهب صاحب العروة إلى اعتباره في الزكاة ولم يعتبره في الخمس، فكما أنه يعتبر في الزكاة أن لا يكون السفر سفر معصية فكذلك يعتبر في الخمس أن لا يكون السفر سفر معصية، هذا لو قلنا بالبدلية، وأما إذا أنكرنا البدلية فلكل حكم خصوصيته.

وأما رواية علي بن إبراهيم في التفسير والتي جاء فيها: «الذين يكونون الأسفار في طاعة الله»[12] فلا يمكن التمسك بها لضعفها بالإرسال، وبالتالي لا يوجد دليل على اشتراط أن يكون السفر سفر طاعة.

أدلة اشتراط أن يكون سفر ابن السبيل سفر طاعة، ويمكن أن يستدله بأمرين بل أمور:

الأمر الأول ما يظهر من الأدلة من كون الخمس إنما شرع بالنسبة للأصناف الثلاثة «اليتامى والمساكين وأبناء السبيل» لرفع الحاجة وسد الخلة والإرفاق بهم، ومن المعلوم أن سفر المعصية من الحاجات الشرعية بل هو مبغوض للشارع ومنهي عنه، ولا سيما إذا كان الإرفاق موجباً للإغراء بالقبيل.

الأمر الثاني ما تقدم من أن المستفاد من الأدلة أن حكمة تشريع الخمس بالنسبة لهذه الأصناف هي تكريم للأصناف الثلاثة فالخمس كرامة لهم والكرامة من الله لمن يطيعه لا لمن يعصيه بهذه الكرامة.

الأمر الثالث يمكن أن يقال بوجود الدليل على عدم استحقاق ابن السبيل للخمس وعدم جواز إعطائه منه إذا كان سفره سفر معصية، وهو أن الخمس أمر عبادي فلا يمتثل بما هو حرام ومبغوض لله تعالى جزماً، وذلك لأن الإعطاء حينئذ إما أن يكون إعانة على الحرام، فلو قلنا بحرمتها فمن الظاهر حرمة الإعطاء ضرورة أن الحرام لا يكن مصداقاً للواجب.

وكذا لو قلنا بعدم حرمة الإعانة واختصاص الحرمة بالتعاون على الإثم والعدوان، لكون الإعطاء حينئذ مبغوضاً للمولى جل شأنه جزماً فلا يرضى الشارع بأن يقع مثله مصداقاً للخمس الذي هو واجب عبادي.

نعم، لو تاب وأراد الرجوع إلى وطنه فحينئذ يصرف له من سهم السادة النجباء.

وهذه الأمور الثلاثة قد يتأمل في بعضها إلا أن الصحيح هو الأمر الرابع وهو ما أفاده سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي[13] ـ رحمه الله ـ إذ قال ما نصّه:

«والصحيح أن يقال بأن قيد الحاجة المأخوذ لباً أو لفظ في مصرف الخمس والزكاة منصرفٌ إلى الحاجة المشروعة لا غير المشروعة أي ما يكون حاجة بحسب نظر المشرع، ولا حاجة كذلك نحو سفر المعصية فلا يكون مشمولاً لإطلاق المصرف المقرر فيكون خارجاً عنه لا محالة، فلا يجوز الإعطاء إليه لظهور الآية في تحديد المصرف المقرر للخمس فيما ذكرها من العناوين لا أكثر، وبهذا التقريب تثبت شرطية ذلك في باب الزكاة أيضاً».

وخلاصة الوجه الرابع أن هذه العناوين تنصرف إلى الحاجة بنظر الشرع، وسفر المعصية لا يمثل حاجة بنظر الشارع، فلا يجوز صرف سهم السادة النجباء على الهاشمي الذي انقطع به السفر في سفر معصية، والله العالم.

هذا تمام الكلام في هذه الخصائص، يبقى أمر آخر: هل تشترط العدالة في الأصناف الثلاثة أم يجوز الصرف حتى على فساقهم؟

هذا ما سيأتي عليه الكلام.


[1] المبسوط، ج1، ص262.
[2] السرائر، ج1، ص501.
[3] الدروس الشرعية، الشهيد الأول، ج1، ص62، وهو ظاهر كلام العلامة في تذكرة الفقهاء، ج5، ص435، المسألة 327.
[5] وسائل الشيعة، ج9، ص515، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 10.
[6] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج4، ص112، الحديث 365.وسائل الشيعة، ج9، ص513، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.وأيضاً في نفس وسائل الشيعة، ج9، ص520، الباب3 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1.
[7] تهذيب الأحكام، ج4، ص11، الحديث 313.وسائل الشيعة، ج9، ص521، الباب3 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2 مع اختلاف يسير.
[8] الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص346.
[9] كتاب الخمس، ج2، ص406.
[11] العروة الوثقى، ج4، ص305.
[12] وسائل الشيعة، ج9، ص211، الباب1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.
[13] كتاب الخمس، ج2، ص407.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo