< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/10/12

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وواثنان وثمانون: معالجة الروايات المفسرة لذوي القربى بمطلق قرابة النبي ـ ص ـ

 

قلنا يوجد موردان وقع الاختلاف فيهما:

الأول هل الأقسام ستة كما عليه الشيعة الإمامية أو خمسة؟ كما في بعض أقوال العامة واتضح أن الصحيح أنها ستة.

المورد الثاني في الأصناف، وهنا دعويان:

الأولى أن المراد بذوي القربى هو خصوص المعصوم ـ عليه السلام ـ ومن بحكمه كالصديقة الزهراء ـ عليها السلام ـ في مقابل قول بعض العامة أن المراد بذوي القربى مطلق قرابة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ .

توجد دعوة للإجماع وعدم الخلاف من أحد من الأصحاب على أن المراد بذوي القربى وخصوص الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ .

ويمكن الاستدلال لهذا القول بعدة روايات منها صحيحة البزنطي وصحيحة محمد بن مسلم المتقدمتين وغيرهما من الروايات.

وفي مقابل ذلك توجد روايات تفسر المراد من ذوي القربى بمطلق قرابة النبي.

منها رواية زكريا بن مالك عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ : «أنه سأله عن قول الله عزّ وجل: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)[1] فقال: أما خمس الله فللرسول يضعه في سبيل الله، وأما خمس الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ فلأقاربه، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه، واليتامى يتامى أهل بيته»[2] .

ومنها رواية العياشي عن محمد بن مسلم عن أحدهما ـ عليهما السلام ـ قال: «سألته عن قول الله عزّ وجل: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى).

قال: هم قرابة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ .

فسألته: منهم اليتامى والمساكين وابن السبيل؟

قال: نعم»[3] .

ومنها مرسلة عبد الله بن بكير وجاء فيها: «وخمس ذي القربى لقرابة الرسول والإمام»[4] .

ومنها صحيحة ربعي بن عبدالله وجاء فيها: «ثم يقسم الأربعة أخماس بين ذوي قرب واليتامى والمساكين وأبناء السبيل»[5] .

ولكن يلاحظ على هذه الروايات أنها ضعيفة السند عدا صحيحة ربعي بن عبد الله، لكنها لا تدل على المطلوب.

فلو سلمناه دلالة هذه الروايات على أن المراد بذوي القربى هو مطلق أقرباء النبي فحينئذ تكون هذه الروايات مطلقة للتقييد، وقد قيدت بالروايات المتقدمة الظاهرة في أن ذوي القربى هم خصوص الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ .

فقد جاء في صحيحة البزنطي «للرسول وما كان لرسول الله فهو للإمام»[6] .

كما أن الروايات المطلقة موافقة للعامة فيحكم بشذوذها كما يمكن حملها على التقية وطرحها والعمل بما عمل به المشهور.

هذا تمام الكلام في الدعوة الأولى، واتضح أن المراد بذوي القربى ليس مطلق أقرباء النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بل المراد به خصوص النبي أو الإمام المعصوم ومن بحكمه كالزهراء ـ عليها السلام ـ .

الدعوة الثانية اختصار الأصناف الثلاثة وهم: اليتامى والمساكين وأبناء السبيل بخصوص السادة النجباء أقرباء النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ .

وهذه الدعوة قد تسالم عليها الأصحاب وقد ادعى غير واحد عليها الإجماع، وإلا لو كنا نحن والآية المباركة فقط فهي مطلقة بحسب الظاهر تشمل أقرباء النبي ومن لا يمت للنبي بقرابة من المسلمين، فالآية الكريمة كما تشمل أقرباء النبي من مساكين واليتامى وأبناء السبيل تشمل غيرهم خصوصاً إذا لاحظنا آية الفيء، وهي قوله تبارك وتعالى: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)[7] .

نعم، قد يتأمل في كلا آيتين إذ أن اللام قد دخلت على الأصناف الثلاثة الأول دون الأصناف الثلاثة الأخر، فقالت الآية: «فلله وللرسول ولذي القربى» لكن عندما جاءت إلى الباقي قالت: «واليتامى والمساكين وابن السبيل».

وهكذا أيضاً في آية الخمس (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة وللرسول ولذي القربى) بعد ذلك لم تدخل اللام، قالت: «واليتامى والمساكين وابن السبيل».

فقد يقال: إن الأصناف الثلاثة اليتامى والمساكين تابعة لذوي القربى وتنتسب إليهم لذلك لم يحتج إلى ذكر اللام فيها، ومع غمض النظر عن هذا الاستظهار فإن الآية الكريمة تحمل على خصوص بني هاشم، والدليل على ذلك التسالم أولاً والروايات الكثيرة ثانياً.

ومن هذه الروايات ما يلي:

الرواية الأولى رواية سليم بن الهلالي قال: «سمعت أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ يقول: نحن والله الذين عنا الله بهم القربى الذين قرنهم الله بنفسه وبنبيه، فقال: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين) منا خاصة».

فرواية سليم بن قيس يمكن أن يستدل بها على الدعوة الأولى والدعوة الثانية.

أما بالنسبة إلى الدعوة الأولى وهي أن المراد بذوي القربى هم خصوص الإمام المعصوم فيتمسك بقول أمير المؤمنين: «نحن والله الذين عنا الله بذي القربى الذين قرنهم الله بنفسه وبنبيه».

كما يمكن أن يستدل على الدعوة الثانية وهي أن الأصناف الثلاثة هم من خصوص أقرباء النبي لا مطلقاً بقوله ـ عليه السلام ـ : «والمساكين منا خاصة»[8] .

لكن هذه الرواية ضعيفة السند بأبان بن أبي عياش الراوي لكتاب سليم بن قيس الهلالي، والبحث فيه يحتاج إلى دروس مفصلة في البحث في كتاب سليم بن قيس الهلالي وانحصار روايته بـ أبان بن أبي عياش.

على كل في كتب الرجال لا توثيق لأبان بن أبي عياش.

لكن شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الدواري ـ أيده الله ـ يصحح هذه الرواية بنظرية التعويض إذ عبر عنها بمعتبرة سليم بن قيس، إذ قال حفظه الله ما نصّه[9] :

«وإنما عبرنا عنها بالمعتبرة مع وجود أبان وهو أبان بن أبي عياش الضعيف فيها لما ذكرنا في كتابنا أصول علم الرجال[10] من إمكان التلفيق بين سند الكليني إلى حماد وهو عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد وهو صحيح وسند النجاشي من حماد إلى سليم بن قيس وهو عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن سليم وهو صحيح أيضاً.

وبهذا يتشكل سند واحد صحيح إلى الرواية من صاحب الوسائل ـ رحمه الله ـ ويمكن القول باعتبارها».

وفيه إننا لا نقبل التعويض بهذه الكيفية، فالتعويض يتم في موارد واضحة كما لو جاءنا سندٌ فيه رجلٌ ضعيف أو لم يوثق، وجاءت نفس هذه الرواية في كتاب الصدوق وفيها سندان: السند هو نفس هذا السند الضعيف الذي نقله الشيخ الطوسي مثلاً، والسند الثاني سندٌ صحيح، وثبت أن الشيخ الطوسي ـ رحمه الله ـ يروي جميع كتب وروايات الشيخ الصدوق فحينئذ يمكن تعويض السند الضعيف بالسند الصحيح نظراً لاتحاد الرواية.

وأما إذا جاءتنا كما في مقام رواية يرويها الكليني وفي سندها أبان بن أبي عياش الضعيف ويوجد سند آخر صحيح في رواية أخرى، فكيف نلفق بين سند الكليني ـ رحمه الله ـ الضعيف والسند الآخر الذي يبدأ بحماد غريق الجحفة والذي هو صحيح، هذا لا يتم إلا إذا كان الكليني يروي جميع كتب وروايات حماد بن عيسى أولاً.

وثانياً لا بد أن نحرز أن هذه الرواية أيضاً من روايات حماد بن عيسى غريق الجحفة، فلعل الراوي الضعيف وهو أبان بن أبي عياش قد كذب هذه الرواية فحينئذ لا يمكن التلفيق بين السندين والأخذ بنظرية التعويض.

وتفصيل هذا البحث قد بحثناه في الرجالية عندما تطرقنا بشكل مفصل إلى نظرية تعويض الأسانيد لكن شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ يجري نظرية التعويض إذا كان مثلاً الكتاب مشهوراً معروفاً.

نعم، هذه الرواية قد يمكن الوثوق والاطمئنان بها نظراً لوقوعها في الكافي للكليني، ونحن وإن لم نلتزم بصحة جميع روايات الكافي لكن كلام شيخ أساتذتنا الميرزا النائيني قوي جداً إذ يقول: «المناقشة في أسناد الكافي حرفة عاجز» وليس المراد به أن كل واسطة وردت في إسناد الكافي فهي ثقة وعدل، وإنما المراد أن الكافي الذي كتبه الكليني كرسالة عملية خلال عشرين سنة قد أخذ من كتب موثوقة ومعتبرة لا تحتاج إلى النظر في السند.

وبعبارة علمية كلام الميرزا ناظر إلى تصحيح المروي لا تصحيح الراوي فتكون الثمرة روائية وليست رجالية، وتفصيل ذلك في علم الرجال.

الرواية الثانية التمسك بمرسل حماد عن العبد الصالح، قال: الخمس من خمسة أشياء إلى أن يقول: «وله نصف الخمس كملاً ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم» إلى أن يقول: «وإنما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات الناس تنزيها من الله لهم لقرابتهم برسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ »[11] .

ومنها مرفوعة أحمد بن محمد[12] ، ومرسل عبد الله بن بكير[13] ، ورواية المحكم والمتشابه، ورواية العياشي[14] ، المنهال ابن عامر[15] وسائل الجزء التاسع صفحة خمس مئة وثمنتاش الباب الأول من أبواب قسمة الخمس

هذا تمام الكلام في بيان القول الأول من الدعوة الثانية وهو أن المراد بالأصناف الثلاثة ليس مطلق المساكين واليتامى وأبناء السبيل بل خصوص الأصناف الثلاثة من قرابة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ .

وفي مقابل هذا القول يوجد قول للعامة وهو أن المراد بالأصناف مطلق اليتامى والمساكين وأبناء السبيل، وسنتطرق إن شاء الله في الدرس القادم إلى أدلة الإطلاق وكيفية معالجة ومناقشة أدلة الإطلاق، تتمة الكلام يأتي عليها الحديث إن شاء الله.


[2] وسائل الشيعة، ج9، ص509، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1.والرواية أيضاً ذكرها في من لا يحضره الفقيه والشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام.
[3] تفسير العياشي، ج2، ص56، سورة الأنفال، الحديث 50.وسائل الشيعة، ج9، ص516، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 13.
[4] تهذيب الأحكام، ج4، ص110، الحديث 63.وسائل الشيعة، ج9، ص510، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2.
[5] تهذيب الأحكام، ج4، ص212، الحديث 364.وسائل الشيعة، ج9، ص510، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2.
[6] وسائل الشيعة، ج9، ص512، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 6.
[8] الكافي، ج1، ص612، كتاب الحجة، باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 1.وسائل الشيعة، ج9، ص511، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 4.
[9] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص313.
[10] أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق، ج1، ص491.
[11] وسائل الشيعة، ج9، ص513، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.
[12] وسائل الشيعة، ج9، ص514، الباب ا من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9.
[13] وسائل الشيعة، ج9، ص510، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2.
[14] وسائل الشيعة، ج9، ص516، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 12 و 13.
[15] وسائل الشيعة، ج9، ص518، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 20.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo