< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وتسعة وسبعون: لو جعل الغوص أو المعدن مكسباً له

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى المسألة الثانية والثمانون:

«لو جعل الغوص أو المعدن مكسباً له كفاه إخراج خمسهما أولاً ولا يجب عليه خمس آخر من باب ربح المكسب بعد إخراج مؤونة سنته».

إذا جعل المكلف الغوص أو المعدن مكسباً له فهنا توجد صورتان:

الصورة الأولى أن لا يصل كل من الغوص أو المعدن إلى حدّ النصاب فلا يتعلق بهما الخمس بعنوان الغوص أو المعدن وفي هذه الصورة لا ريب أنه لا يجب الغوص لا يجب الخمس من جهة العنوان الخاص. نعم، يدخل الباقي الذي هو أقل من حدّ النصاب في عنوان أرباح المكاسب ويجب تخميسه بعد المؤونة.

الصورة الثانية أن يصل كل من الغوص أو المعدن إلى حدّ النصاب فيجب إخراج الخمس عنوان أنه غوصٌ أو معدن، وهنا يقع السؤال فبعد إخراج خمس الغوص أو المعدن هل يجب إخراج الخمس بعنوان أرباح المكاسب أو الفوائد في المقدار الذي بقي منه وزاد عن المؤونة أو لا؟

وهذا هو موطن البحث المسألة اثنين وثمانين أي الصورة الثانية، يوجد قولان:

القول الأول ووجوب التخميس ثانياً بعنوان خمس أرباح المكاسب والفائدة نظراً لتعدد العنوان الموجب لتعدد الحكم، فكما أن المال إذا تعلقت به زكاةٌ وبقي إلى آخر السنة وجب فيه الخمس بعد استثناء المؤونة، فكذلك إذا أخرج الخمس بعنوان الغوص ثم تكسب به وبقي شيء منه فإنه يجب تخميسه، والأصل عند تعدد الأسباب عدم تداخل المسببات والتداخل يحتاج إلى دليل.

واختار هذا القول منهم المحقق الشيخ ضياء الدين العراقي ـ رحمه الله ـ في تعليقته على العروة الوثقى الجزء الرابع صفحة ثلاث مئة وثلاثة.

القول الثالث عدم وجوب الخمس ثانياً ويكفي إخراج خمس واحد بعنوان الغوص أو المعدن وهو المشهور وهو الصحيح عندنا وعند سيد أساتذتنا السيد الخوئي[1] وشيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري[2] .

وقد ذكروا وجوهاً لعدم وجوب الخمس ثانياً، وهي كما يلي:

الوجه الأول إن عنوان التكسب لم يرد في شيء من الروايات وإنما ورد في كلمات الفقهاء نعم الوارد في الروايات هو عنوان الفائدة كقوله ـ عليه السلام ـ : «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير»[3] .

أو التمسك بعنوان الغنيمة الوارد في الآية الكريمة (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة) بناءً على أن معنى الغنيمة مطلق الفائدة لا خصوص الفائدة الحربية فالموضوع واحدٌ وهو مطلق الفائدة، والغوص والمعدن من مصاديق الفائدة والغنيمة بالمعنى الأعم لا أن الغوص والمعدن عنوانان وسببان آخران بل جميع الموارد السبعة للتخميس كلها أو أكثرها يندرج تحت عنوان الغنيمة بالمعنى الأعم. نعم، مثلاً: المال المختلط بالحرام يجب التخميس للتطهير أو الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم يجب الخمس كضريبة على الذمي وأما بقية الموارد فمعنى الغنيمة بالمعنى الأعم ظاهرٌ فيها كالغنيمة الحربية والكنز والغوص والمعدن فهذه ليست عناوين أخرى بل هي نفس عنوان الغنيمة بالمعنى الأعم أو مطلق الفائدة.

إذاً تعلق الخمس بالمعدن أو الغوص نظراً لكونهما من مصاديق الفائدة فليس في المقام عناوين وأسباب متعددة وعناوين متكثرة حتى يتمسك بأن الأصل عدم تداخل الأسباب والمسببات. نعم، قد يكون لبعض هذه العناوين حكم خاص فالعنوان العام هو مطلق الفائدة ولكن خصوص عنوان الغوص له نصاب معين وخصوص عنوان الكنز له نصاب معين أو المعدن.

كما هو الحال في الغوص والمعدن فالمستفاد من الأدلة أن الخمس يجب فيهما فوراً ولا يتوقف على عدم الصرف في المؤونة فإذا بلغ حدّ النصاب وجب التخميس فوراً، وكذلك الكنز والأرض التي يشتريها الذمي من المسلم والمال الحلال المختلط بالحرام فإن وجوب الخمس فيها فوري ولا تستثنى منه المؤونة فإذا أدى الخمس من جهة هذه الموارد فائدة خاصة يعني هي مطلق الفائدة ولكن هناك حكم خاص لهذه الفائدة الخاصة فلا يبقى موضوعٌ لوجوب أداء الخمس ثانياً من جهة كونه فائدة عامة وغنيمة مطلقة ويندرج تحت عنوان الغنيمة والفائدة لكن جعلت أحكام خاصة لبعض هذه الفوائد هذا تمام الكلام في الوجه الأول.

الوجه الثاني التمسك بظاهر النصوص الواردة في خصوص الغوص والمعدن والتي دلت على أن الباقي بعد إخراج الخمس منها وهو مقدار أربعة أخماس إنما يكون ملكاً للمالك وقد ورد التصريح بذلك في المال الحلال المخلوط بالحرام مع أنه على القول بتعلق الخمس به من باب آخر وهو باب الفائدة والمكسب ثانياً لا يكون الباقي وهو أربعة أخماس بأجمعه ملكاً للمالك بل يكون للمالك منه ثلاثة أخماس خمس للعنوان الخاص وخمس للعنوان العام وثلاثة أخماس تبقى للمالك وهذا خلاف ظاهر الأدلة.

الوجه الثالث ما يستفاد من الروايات الواردة في المقام يعني الواردة في أرباح المكاسب بخلاف الوجه الثاني التمسك بالروايات الواردة في خصوص المعدن والغوص أو المال المخلوط بالحرام.

منها هذه الروايات ما ورد في كتاب تحف العقول لابن شعبة الحراني عن الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ في كتابه إلى المأمون قال: «والخمس من جميع المال مرة واحدة»[4] .

ومنها ما ورد من النهي عن تثنية الزكاة على من وجبت عليه في عام مرتين[5] .

ومنها ما ورد من أنه لا يزكى المال من وجهين في عام واحد[6] .

وهذا الاستدلال مبنيٌ على أن حكم الخمس هو حكم الزكاة إلا ما خرج بالدليل وهذا ليس بتام، كما أن هذا الاستدلال مخدوشٌ من جهة ضعف هذه الروايات والمناقشة في أسنادها فهذه الروايات ليست تامة سنداً وقابلة للمناقشة دلالةً إذ أن أكثرها ناظرٌ إلى الزكاة وتسرية حكم الزكاة إلى الخمس وهذا ليس بتام.

إذا الوجه الثالث ليس بتام لكنه يمكن أن يصلح مؤيداً ولو بعض الشيء للوجه الأول والثاني التامين بلا إشكال هذا تمام الكلام في المسألة اثنين وثمانين.

المسألة ثلاثة وثمانين:

«المرأة التي تكتسب في بيت زوجها ويتحمل زوجها مؤونتها يجب عليها خمس ما حصل لها من غير اعتبار إخراج المؤونة إذ هي على زوجها إلا أن لا يتحمل».

هذه المسألة ناظرة إلى اكتساب المرأة في بيت زوجها ولا موضوعية لاكتساب الزوجة كما سيأتي إن شاء الله تعالى فالمرأة التي تكتسب وهي تسكن في بيت زوجها توجد لها صورتان:

الصورة الأولى أن يتحمل الزوج جميع مصارفها ومؤونتها بحسب شأنها ولا تحتاج إلى الصرف من عندها وكسبها وحينئذ لا شك في تعلق الخمس بكسبها والفوائد التي تحصل عليها من هدايا وهبات وغير ذلك، ولا تستثني مؤونة سنتها لعدم الموضوع لها إذ أن المدار على المؤونة المصروفة فعلاً لا تقديراً وهذه المرأة تصرف مؤونتها فعلاً من إنفاق زوجها عليها.

ومن هنا تستثنى المؤونة المصروفة من الربح إذا كانت قد صرفت من مال نفسها أي إذا صرف المكلف من مال نفسه، وأما إذا كان الصرف من مال غيره وتحمل الغير ذلك سواء كان هذا التحمل واجباً عليه كالزوج أو الأب أم كان تبرعياً فلا مؤونة عليه حتى تستثنى من الربح فيجب عليه في هذه الحالة إخراج الخمس فوراً من دون استثناء المؤونة.

الصورة الثاني أن لا يتحمل الزوج نفقتها سواء كانت واجبة عليه كما لو كانت مطيعة أو غير واجبة كما لو كانت ناشزة أو صرفت الزوجة على نفسها من مالها من في مؤونتها الفعلية إرفاقاً بحال الزوج فإن حاله ضعيف وأحبت أن تساعده فحينئذ لا يجب عليها الخمس إلا بعد إخراج المؤونة.

وهذه المسألة لا تختص بعنوان الكسب ولا تختص بالزوجة نعم أبرز مصاديق هذه المسألة اكتساب الزوجة فلو كان المكلف الرجل يعمل ويكتسب وعنده أرباح ولكن تكفل بمؤونته تاجر أحبه، وقال له: لا أجيز لك أن تصرف من مالك وقام فعلاً هذا التاجر بدفع جميع مؤونة الرجل أفهل يحق للرجل حينئذ أن يستثني مؤنته ومؤنة عياله من أرباح مكاسبه وقد صرفها فعلاً من مال ذلك التاجر؟

كلا وألف كلا لأن الصرف الفعلي لم يكن من ماله وإنما كان من مال ذلك التاجر نعم لو صرف بعض المؤونة من ماله وخالف ذلك التاجر فحينئذ يحق له أن يستثني هذه المؤونة المصروفة فعلاً، وبالتالي هذه المرأة يجب على زوجها أن ينفق عليها فلو كانت لا تكتسب لكن تأتيها هدايا وعطايا كثيرة فإن هذه المسألة تأتي حتى لو لم تكن تكتسب، فإذا لم يصرف عليها زوجها أو صرفت من عطاياها في مؤونتها إرفاقاً بحال زوجها فإنها تستثني هذه المؤونة.

وأما إذا كان زوجها ينفق عليها ولم تصرف من مالها في مؤونتها فحينئذ لا يحق لها أن تستثني مؤونة نفسها لأنها لم تصرف فعلاً.

هذا تمام الكلام في المسألة ثلاثة وثمانين.

مسألة أربعة وثمانين هي ختام هذه المسائل ويدخل في فصل جديد قسمة الخمس ومستحقة.

مسألة أربعة وثمانين يأتي عليها الكلام.


[1] المستند في شرح العروة الوثقى، السيد الخوئي، ص304.
[2] الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص296.
[3] الكافي، الكليني، ج1، ص624، كتاب الحجة، باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 11.وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص503، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
[4] تحف العقول، ص415.وسائل الشيعة، ج9، ص490، الباب2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 13.
[5] مستندرك الوسائل، المحدث حسين النوري، ج7، ص70، الباب12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2.
[6] الكافي، ج3، ص13، كتاب الزكاة، باب زكاة المال الغائب والدين والوديعة، الحديث 1.تهذيب الأحكام، ج4، ص32، الحديث 85.وسائل الشيعة، ج9، ص100، الباب7 من أبواب ما تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo