< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/08/08

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وخمسة وسبعون: التصرف في بعض الربح

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في الوثقى مسألة ستة وسبعين:

«يجوز له أن يتصرف في بعض الربح ما دام مقدار الخمس منه باقياً في يده مع قصد إخراجه من البقية إذ شركته أرباب الخمس مع المالك إنما هي على وجه الكلي في المعين».

هذه المسألة تتطرق إلى جواز التصرف في المال الذي استقر فيه الخمس قبل إخراج الخمس، والقول بجواز التصرف في بعض الربح مبني على بعض المباني:

المبنى الأول الالتزام بأن الخمس يثبت في الذمة لا في العين الخارجية، وما دام الخمس يثبت في الذمة لا في العين الخارجية جاز له أن يتصرف في العين الخارجية على أن يخرج الخمس الذي ثبت في ذمته.

المبنى الثاني الالتزام بأن الخمس يثبت في العين على نحو الكلي في المعين وهو ما التزم به صاحب العروة في هذه المسألة ستة وسبعين وذهب إليه شيخ الأستاذ الداوري[1] .

وهذا المبنى يرى أن الخمس يتعلق بالعين الخارجية لكن بنحو الكلي في المعين، وبالتالي لا شركة في نفس الأشخاص بل العين الخارجية باقيةٌ على ملك المالك فله التصرف في بعض الأطراف ما دام يبقى للكلي مقدارٌ يقبل الانطباق عليه.

لكن هذا المبنى الثاني ليس بتام كالمبنى الأول كما قدم بيانه.

المبنى الثالث الالتزام بثبوت الخمس في العين الخارجية على نحو الشركة في المالية، وقد التزم السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في كتاب الزكاة بأن الزكاة تثبت في العين الزكوية على نحو الشركة في المالية[2] .

لكنه التزم في كتاب الخمس أن الخمس يثبت في العين التي ثبت فيها الخمس في العين الخارجية على نحو الإشاعة[3] .

فلو التزمنا بأن الخمس كالزكاة يثبت في العين الخارجية على نحو الشركة في المالية كما التزم بذلك الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر وتلميذه الوفي سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي ـ رحمه الله ـ فحينئذ قد يقال بأنه يجوز له أن يتصرف في العين التي ثبت الخمس بمقدار لا يزيد على أربعة أخماس، إذ أن الشركة في الماليات تفارق الإشاعة فالشركة بنحو الإشاعة تمنع من التصرف في البعض إذ أن أرباب الخمس شركاء مع المالك في كل فرد فرد من المال.

لكن بناءً على الشركة في المالية قد يقال إنها لا تمنع من التصرف في المال أي بعض المال لا كل المال إذا المالية كل يوم قابل للانطباق على بعض العين فله التصرف فيما شاء من العين على أن يبقي مقدار الخمس.

لكن سيد أساتذتنا السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ لم يلتزم بجواز التصرف حتى بناءً على الشركة في المالية في كتاب الخمس بخلاف كتاب الزكاة، وقد ذكر وجهين لذلك[4] .

الوجه الأول لا موضع لقياس الخمس على الزكاة بعد ظهور الأدلة الواردة في الخمس في الإشاعة بخلاف الأدلة الواردة في الزكاة فهي ظاهرة في الشركة المالية.

الوجه الثاني إن الشركة في المالية مانعةٌ عن التصرف لعدم كون المالية المزبورة كلية وإنما هي ساريةٌ في جميع أجزاء العين فكل جزء من الأجزاء مشترك بين المالك والمستحق لكن لا بشخصيته بل بماليته نظير شركة الزوجة مع الورثة في مالية البناء وإن لم ترث من نفس العين، ومن ثم لم يكن للوارث التصرف في الإرث قبل أداء حق الزوجة ليسريان المالية المشتركة في تمام الأجزاء بالإرث، فالشركة في المالية لا تستوجب جواز التصرف بل هي أيضاً مانعة كما في إرث الزوجة.

فتشترك الشركة في المالية مع الشركة بنحو الإشاعة في أن الخمس يتعلق بالعين الخارجية لا بالذمة، وأن الخمس لا يثبت كحق وإنما يتعلق بالعين الخارجية.

وتفترق الشرك المالية عن الشرك بنحو الإشاعة في أن تعلق الخمس بالعين الخارجية بنحو الإشاعة يتعلق بالعين الخارجية بشخصها، بينما الشركة في المالية تثبت الخمس للعين الخارجية لا بشخصها بل بلحاظ ماليتها.

وعلى كلا المبنيين لا يجوز التصرف في العين التي استقر فيها الخمس قبل أداء الخمس لأن أرباب الخمس شركاء مع المالك في جميع حصص المال، إما شركاء في الشخص أو إما في المالية.

نعم، يجوز التصرف بعض الزكاة في باب الزكاة استناداً إلى ما ورد فيها من نصوص العزل وجواز الإفراز وأن للمالك على تعيين الزكاة في بعض العين، وإذا صح تعيين تمام الزكاة صح تعين بعضها أيضاً جزماً كما لو أراد عزل نصف الزكاة أو ربعها مثلاً لعدم انحصار العزل في خصوص مجموع ما عليه من الزكاة بالضرورة.

وبما أن لازم العزل تعيين حصة المالك في الباقي فنصوص العزل تدلنا بالملازمة العرفية على ولاية المالك على تعيين حصته الشخصية من العين بتمامها وإفرازها عن العين المشتركة، وبالطريق الأولى له تعيين بعض الحصة.

إذاً بهذا البيان يمكن الالتزام بجواز تصرف المالك في بعض العين بالنسبة إلى الزكاة لأن تصرفه في البعض مرجعه إلى تعيين حصته كلاً أو بعضاً وأن هذا له والزكاة في الباقي، فنستفيد من دليل جواز العزل جواز تعيين المالك مقداراً من المال لنفسه بحيث لا يشترك الفقير معه فيه.

إذاً جواز التصرف في المال الزكوي في بعض النصب مستفاد من هذا الدليل الخاص وأما في باب الخمس فلم يرد مثل هذا الدليل الخاص إذا لم يدل أي دليل على جواز العزل في باب الخمس بحيث لو تلف المعزول لم يضمن ومعلوم أن أحكام الزكاة لا تجري بأجمعها في كتاب الخمس فمقتضى القاعدة عدم جواز التصرف في باب الخمس.

لأن التصرف في المال المشترى بدون إذن الشريك يحتاج إلى دليل والدليل مفقود إذ إننا نبني على أن الخمس يتعلق بالعين الخارجية على نحو الإشاعة وجواز التصرف في بعض العين التي ثبت فيها الخمس يصح إما على المبنى الأول وهو تعلق الخمس بالذمة أو المبنى الثاني وهو تعلق الخمس بالعين الخارجية بنحو الكلي في المعين وإما على المبنى الثالث وهو تعلق الخمس بالعين الخارجية بنحو الشركة المالية إذا قلنا أن الذي يثبت كلي المالية لا أشخاص المال كما استظهر السيد الخوئي تعلقه بالأشخاص لا بكلي المال.

ويوجد مبنى رابع لا نلتزم به وهو أن الخمس بدل للزكاة في جميع الأحكام فإذا جاز في الزكاة جاز أيضا في الخمس وجميع هذه المباني الأربعة لا نقبلها فتكون النتيجة على مبنانا وهو المبنى الخامس أن سيتعلق بالعين الخارجية بنحو الإشاعة وبناء على هذا المبنى لا يجوز التصرف في بعض المال قبل أداء الخمس من العين التي استقر فيها الخمس.

قال صاحب العروة في تتمة المسألة:

«كما أن الأمر في الزكاة أيضاً كذلك وقد مرّ في بابها».

ولا بأس أن نتطرق على نحو الاختصار إلى النصوص الواردة في العين الزكوية، وهي على طوائف[5] تفصيل ذلك واختصار ذلك[6] .

الطائفة الأولى: ما هو ظاهر في أن التعلق بنحو الفرد المردد أي الكلي في المعين، مثل قوله ـ عليه السلام ـ : «في كل أربعين شاه شاة» حيث إن ظاهرها إن فرداً من الشاة مردداً بين الأربعين قد تعلق به الزكاة وهو المعبر عنه بالكلي في المعين.

الطائفة الثانية ما هو ظاهرٌ في الإشاعة كقوله ـ عليه السلام ـ : «فيما سقته السماء العشر» فإن التعبير بالكسر المشاع ظاهرٌ في الشركة الحقيقية.

الطائفة الثالثة ما هو صريح في الشركة في المالية مثل قوله ـ عليه السلام ـ : «في كل خمس من الإبل شاةٌ» ومن الواضح أن الشاة ليست من أفراد الإبل فلا معنى للكلي في المعين كما هو ظاهر الطائفة الأولى ولا معنى للإشاعة كما هو ظاهر الطائفة الثانية فهذه الطائفة الثالثة صريحة في الشركة في المالية وليست ظاهرة كالطائفة الأولى والطائفة الثانية.

ونحو ذلك ما ورد في نصاب البقر من أنه قال: «في كل ثلاثين تبيعه وفي كل أربعين مسنة» فقد لا يكون شيء من الثلاثين مشتملاً على التبيعة وقد لا يكون شيء من الأربعين قد اشتمل على المسنة. نعم، لو كان المراد ثبوت الشاة في الذمة ودفعها من خارج العين الزكوية أمكن حينئذ أن يكون التعلق بوجه آخر يعني نقول أن الزكاة والخمس لا يتعلقان بالعين الخارجية بل يتعلقان بما في الذمة لكن هذا المبنى وهو تعلق الزكاة والخمس بالذمة خلاف ما تنادي به الأخبار من أن التعلق بنفسه أعيان وحيث أن الشاة ليست من صنف الإبل فلا جرم أن يكون المعنى أنها ثابتة في ماليتها.

وهذا الاستظهار يعضده ما في بعض الأخبار من أن الله أشرك الفقراء في أموال الأغنياء[7] .

إذا عندنا طائفة صريحة وهي الطائفة الثالثة الدالة على الشركة في المالية، وعندنا طائفتان ظاهرتان: الأولى ظاهرة في الكلي في المعين والثانية ظاهرة في الإشاعة فحينئذ لا مناصب من رفع اليد عن ظاهر الطائفة الأولى والثانية بصراحة الطائفة الثالثة فنحمل الجميع على إرادة الشركة في المالية، إذ أن موارد الزكاة كلها واحدة، ومن المقطوع به أن كيفية تعلق الزكاة بجميع الأجناس الزكوية على نمط واحد وسنخ فارد لعدم احتمال اختلاف الزكاة باختلاف الأجناس ويفصح عن هذا العنوان الواحد التعبير عن الكل بعنوان واحد وهو عنوان الصدقة في كتاب الزكاة كما في قوله تعالى: «إنما الصدقات للفقراء»[8] وورد عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ من فرض الزكاة في تسعة أشياء الظاهر في أن الجميع على نسق واحد[9] هذا في كتاب الزكاة.

وأما في كتاب الخمس فالأدلة بينما هو ظاهر في الإشاعة والشركة الحقيقية وبين ما لا ينافي الإشاعة فنحمل ما لا ينافي الإشاعة على ظاهر الإشاعة، ومن الأدلة التي ظاهرها الشركة الحقيقية بنحو الإشاعة قوله تعالى: «واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه»[10] فقوله تعالى ظاهرٌ في أن المتعلق هو خمس المغنم نفسه على نحو يكون الخمس المشاع للمستحق والأربعة الأخماس الباقية للمالك.

هذا نظير قوله: بعت أو وهبت خمس الدار الذي هو ظاهر في الكسر المشاع بلا إشكال.

وهكذا ظاهر موثقة سماعة هو الشركة الحقيقية بنحو الإشاعة ففي قوله ـ عليه السلام ـ : «ما أفاد الناس من قليل أو كثير ففيه الخمس» ظاهرٌ في أن هذا الكسر المشاع جزء من المركب المشتمل عليه، وبهذه العناية صحة الظرفية إذا الكل مشتملٌ على الجزء نظير قولك: الرأس في الجسد أو اليد في البدن.

وأما ما ورد من أن الخمس على خمسة أشياء أو من خمسة أشياء[11] فمفاده أن الخمس يثبت في هذه الأمور أو يخرج من هذه الأمور وأما نحو كيفية تعلق الخمس بهذه الأمور فالأخبار ليست ناظرة إلى ذلك بل هي ساكتة عن هذه الناحية.

إذا لا مانع من الأخذ بما هو ظاهر في الإشاعة لسلامته عن المعارض.

تبقى دعوة أن الخمس قد شرع لبني هاشم بدلاً عن الزكاة أو عوضاً عنها كما نطقت به النصوص الشريفة ومقتضى عموم البدلية المساواة في جميع الأحكام التي منها كيفية التعلق فكما أن تعلق الزكاة بنحو الشركة في المالية يكون تعلق بالعين بنحو الشركة في المالية.

لكن هذه الدعوة ليست تامة فالبدالية ناظرة إلى نفس الحق أي نفس حق الخمس ثابتٌ لبني هاشم بدلاً عن حق الزكاة الذي ثبت لعموم الناس إجلالاً لهم عن أوساخ الناس وما في أيدي الناس ولا نظر لهذه الروايات إلى الأحكام المترتبة على الزكاة.

هذا تمام الكلام في هذه المسألة المسألة سبعة وسبعين يأتي عليها الكلام.


[1] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص280.
[2] شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي، ج23، ص172 و 173.
[3] المستند في شرح العروة الوثقى، ج25 من موسوعة الإمام الخوئي، ص293.
[4] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ج25، ص290.
[5] شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة، السيد الخوئي، ج23، من ص384 إلى ص390.
[6] شرح العروة، السيد الخوئي، ج25، ص291 إلى 294.
[7] وسائل الشيعة، ج9، ص219، الباب4 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
[8] التوبة: آية 60.
[9] وسائل الشيعة، ج9، ص54، أبواب ما تجب فيه الزكاة إلى آخره، الباب8، الحديث 2 و 3 و 4.
[11] وسائل الشيعة، ج، ص485، أبواب ما يجب فيه الخمس إلى آخره، الباب2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo