< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/08/07

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وأربعة وسبعون: عدم جواز التصرف في العين قبل أداء الخمس

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في تتمة المسألة الخامسة والسبعين من العروة الوثقى ما نصه: «ولا يجوز له التصرف في العين قبل أداء الخمس وإن ضمنه في ذمته».

هذا المقطع يتطرق إلى الحكم الثالث لا يجوز للمالك أن يتصرف في العين التي استقر عليها الخمس إلا بعد أداءه، والتصرف تارة يكون خارجياً كالأكل واللبس، وتارة يكون اعتبارياً كالبيع والهبة، وعلى كلا التقديرين الخارجي والاعتباري إما أن يقع التصرف في تمام العين أو في بعض العين فهذه اقسام أربعة.

أما القسمان الأخيران وهما التصرف في بعض العين خارجاً أو اعتباراً فسيتعرض لهما في المسألة القادمة وهي ستة وسبعين، والمقصود بالذكر في هذه المسألة الخامسة والسبعين هو القسمان الأولان أي إذا كان التصرف في تمام العين خارجاً أو اعتباراً.

والمقطع الذي قرأناه يتطرق إلى القسم الأول وهو أن يكون التصرف في تمام العين خارجياً، وهنا صورتان:

الصورة الأولى أن يتصرف المكلف في تمام العين خارجاً ولا يضمنها في الذمة ولا يقصد أداء الخمس.

وهنا لا شك في عدم جواز التصرف على جميع الأقوال في كيفية تعلق الخمس بالعين فلا بد من إخراج الخمس بعد استقراره، وبعد ذلك يجوز له التصرف الخارجي في العين، وأما التصرف قبل أداء الخمس فلا يجوز بلا إشكال.

الصورة الثانية أن يتصرف المكلف في العين تصرفاً خارجياً ويضمن الخمس على نفسه ويجعل مقدار الخمس في ذمته ويقصد أداء الخمس من النقدين أو من مال آخر، فهل يجوز له التصرف الخارجي في العين إذا ضمن الخمس أو لا؟

المسألة محل خلاف، والمشهور المنصور هو عدم الجواز نظراً لعدم قيام الدليل على جواز التصرف في العين بعد استقرار الخمس فيها وقبل إخراج الخمس.

ويوجد قول آخر يرى جواز التصرف مع الضمان وهذا يظهر من المحقق العراقي والمحقق النائيني[1] ـ رحمة الله عليهما ـ . نعم، قيد الميرزا النائيني جواز التصرف مع الضمان إذا لم يمكن المكلف إيصال الخمس إلى أهله فعلاً فحينئذ يجوز له التصرف مع ضمان الخمس في ذمته.

والوجه في الحكم بالجواز مع عدم ورود دليل خاص على جواز التصرف، فالدليل إنما دل على جواز التصرف بعد أداء الخمس خارجاً، وأما قبل الأداء فلم يدل الدليل على جواز التصرف حتى لو ضمن الخمس، لكن قد يقال إن الوجه فيه جواز ذلك هو أن للمالك الولاية على تبديل العين بالقيمة أو بمال آخر، ومقتضى ولاية المالك على تبديل بالقيمة أو بمال آخر هو جواز تبديل المالك للعين بالقيمة أو بجنس آخر في ذمته لعدم الفرق بين التبديل بالعين الخارجية من النقدين أو غيرهما وبين التبديل في ذمته حتى يتمكن من إيصال الخمس إلى أرباب الخمس.

نعم، مقتضى الجمود على الناس هو الاقتصار في جواز التبديل على خصوص التبديل بالعين الخارجية، وأما التبديل في الذمة فلم يثبت جوازه.

وإذا تنزلنا جدلاً وقلنا بصحة هذا الوجه فإنه إنما يتم إذا لم يكن المستحق موجوداً فعلاً كما ذكره المحقق النائيني ـ رحمه الله ـ وأما مع وجود المستحق وإمكان إيصال الخمس إليه فتبديل الخمس من العين إلى الذمة على خلاف القاعدة فيكون التبديل محل إشكال.

وقد يقال أنه مع عدم إمكان الإيصال إذا كان التبديل في مصلحة أرباب الخمس يجوز ذلك بمقتضى ما يستفاد من رواية قرب الإسناد المتقدمة وإلا فلا يجوز، فقد ورد في قرب الإسناد بسنده المعتبر عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ : «عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فاشتري لهم منها ثياباً وطعاماً وأرى أن ذلك خير لهم، فقال ـ عليه السلام ـ : لا بأس»[2] .

وفيه أن هذه الرواية أولاً واردة في الزكاة.

ثانياً لو التزمنا بتعديتها من الزكاة إلى الخمس لكن إنما هي واردة في جواز التصرف بعد أخذ الإذن من الإمام ـ عليه السلام ـ .

ومن هنا نبني على أنه لا يجوز التصرف في العين بعد استقرار الخمس وقبل أدائه نظراً لعدم وجود دليل يدل على الجواز. نعم، لو استأذن من الإمام أو الحاكم الشرعي لجاز كما هو الحال بالنسبة إلى المداورة والإمهال وغير ذلك والله العالم.

استقرار الضمان بعد الإتلاف

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في تتمة المسألة خمسة وسبعين:

«ولو اتلفه بعد استقراره ضمنه».

الحكم الرابع لو اتلف المكلف مقدار الخمس بعد أن استقر عليه فانه يثبت في ذمته مقدار الخمس وهذا الحكم متسالم عليه بين الفقهاء وموافق للقاعدة لأنه اتلف ما ليس له ومن اتلف مع لغيره فهو له ضامن.

الإتجار بالعين قبل إخراج الخمس.

قال السيد اليزدي في تتمة المسألة خمسة وسبعين ما نصّه:

«ولو إتجر به قبل إخراج الخمس كانت المعاملة فضولية بالنسبة إلى مقدار الخمس فإن أمضاه الحاكم الشرعي أخذ العوض وإلا رجع بالعين بمقدار الخمس إن كانت موجودة، وبقيمته إن كانت تالفة، ويتخير في أخذ القيمة بين الرجوع على المالك أو على الطرف المقابل الذي أخذها واتلفها هذا إذا كانت المعاملة بعين الربح.

وأما إذا كانت في الذمة ودفعها عوضاً فهي صحيحة، ولكن لم تبرأ ذمته بمقدار الخمس، ويرجع الحاكم به إن كانت العين موجودة وبقيمته إن كان تالفة مخيراً حينئذ بين الرجوع على المالك أو الأخذ أيضاً».

هذا المقطع يتطرق إلى القسم الثاني وهو التصرف في تمام العين بالتصرف الاعتباري كالبيع والهبة ونحوهما فإذا تصرف المكلف في العين التي ثبت فيها الخمس واستقر لكنه تصرف قبل أداء الخمس، فتارة البيع كلياً ويؤدي في مقام الوفاء من العين المتعلقة للخمس، وأخرى يكون البيع شخصياً بأن يجعل الثمن أو المثمن نفس العين فهنا صورتان:

الصورة الأولى أن يكون البيع كلياً.

ولا إشكال في صحة المعاملة فإذا أدى من العين المتعلق بها الخمس تكون ذمته مشغولة بمقدار الخمس مما أدى أي أن المكلف يكون مؤدياً لما ذمته بسبب المعاملة إلا مقدار الخمس، ويبقى الخمس في العين، وللحاكم أن يسترجعه إذا كان باقياً ومع تلفه يكون كل من البائع والمشتري ضامناً من جهة تعاقب الأيدي فيجوز للحاكم الرجوع إلى أي منهما، فإذا رجع الحاكم إلى المشتري رجع المشتري إلى البائع.

هذا تمام الكلام في الصورة الأولى إذا كان البيع كلياً.

الصورة الثانية إذا كان البيع شخصياً.

بأن باع أو اشترى وكان الثمن نفس العين التي ثبت فيها الخمس أي وقعت المعاملة على نفس العين التي استقر فيها الخمس فالمعاملة بالنسبة إلى مقدار الخمس فضولية لأن البائع باع ما لا يملك خمسه فتتوقف صحة المعاملة في خصوص حصة الخمس على إجازة الحاكم الشرعي فإن أجاز رجع إلى خمس الثمن وإن لم يجز فإن كانت العين باقية استرجعها الحاكم الشرعي بنفسها وإن لم تبقى بأن تلفت فالحكم هنا هو الحكم في الصورة الأولى فيجوز للحاكم الشرعي الرجوع إلى كل منهما فإذا رجع الحاكم الشرعي إلى المالك لم يرجع المالك إلى الآخر، وإذا رجع الحاكم الشرعي إلى المشتري أو غير المالك كان له أن يرجع إلى المالك، وهذا الحكم موافق للقاعدة.

هذا تمام الكلام في المسأل الخامسة والسبعين.

المسألة السادسة والسبعون التصرف في بعض الربح يأتي عليها الكلام.


[1] العروة الوثقى، ج4، ص296 و 297.
[2] وسائل الشيعة، ج9، ص167، الباب14 من أبواب زكاة الفضة والذهب، الحديث 1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo