< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/07/26

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وواثنان وسبعون: تخير المالك في دفع الخمس بين خمس العين وقيمته

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى:

«ويتخير المالك بين دقع خمس العين أو دفع قيمته من مال آخر نقداً أو جنساً».

الحكم الثاني هو تخير المالك بين دفع خمس العين أو دفع الخمس من مال آخر سواء كان نقداً أو جنساً، ويقع الكلام في مقامين:

المقام الأول جواز دفع القيمة وعدمه.

المقام الثاني لو بنينا على جواز دفع القيمة، فهل يجوز دفع القيمة من جنس آخر لا من المال سواء كان هذا الجنس مماثلاً للخمس أو لا؟

ولنشرع في تفصيل ذلك:

المقام الأول جواز دفع قيمة الخمس بدل دفع خمس، والمراد بالقيمة كل ما تمحض في المالية من أعيان الأثمان كالدرهم والدينار أو الأوراق المتعارف في هذا الزمان، والمشهور هو جواز دفع القيمة كما يظهر من الشيخ مرتضى الأنصاري، بل يستظهر من حاشية المدقق الخونساري على الروضة البهية في شرح الدمشقية أنه مذهب الأصحاب[1] .

وقد نقل هذا القول عن المحقق الخونساري من حاشيته على الروضة، ويمكن الاستدلال على جواز دفع قيمة الخمس بوجوه ثلاثة:

الوجه الأول الروايات الخاصة، ويمكن ذكر أربع روايات:

الرواية الأولى رواية الحارث بن حصير الأزدي قال: «وجد رجل ركازاً على عهد أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ فبتاعه أبي منه بمائة شاة متبع» إلى أن قال: «فبادر أبي فانطلق يستقيله فأبى عليه الرجل، فقال: خذ مني عشر شياه خذ مني عشرين شاة فأعياه، فأخذ أبي الركاز وأخرج منه قيمة ألف شاة.

فأتاه الآخر وقال له: خذ غنمك واعطني ما شئت، فأبى، فعالجه فأعياه.

فقال: لأضرن بك فاستعدى أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ فلما قص أبي على أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ أمره، قال لصاحب الركاز: أدي خمس ما أخذت فإن الخمس عليك فإنك أنت الذي وجدت الركاز وليس على الآخر شيء لأنه إنما أخذ ثمن غنمه»[2] .

وهذه الرواية تشير إلى أن الأزدي قد اشترى الركاز بمئة شاة، ورجع إلى زوجته ولامته، وتراجع عن البيع، وذهب يستقيل صاحب الركاز فلم يقله، قال له: ادفع لك عشر شاة عشرين شاة وليس مئة شاة ولم يقبل، لكنه لما عالج الركاز ربح منه ألف شاة، فطمع صاحب الركاز ورجع إليه، وقال: خذ غنمك المئة غنمة خذهم لأنه مطلع ألف غنمة خذ مئة غنمة وأعطني ما شئت لأن حصل ألف غنمة هنا لم يقبل لأنه حصل على ألف غنمة يعني ربح تسعمئة غنمة.

لما احتكما إلى أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ أمير المؤمنين قال: الذي أخرج الركاز هو الذي يجب عليه الخمس وليس الأب الذي اشترى الركاز بمئة شاة.

وأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ حكم بإخراج الخمس لا من نفس الركاز بل حكم بإخراج الخمس من المقدار الذي أخذه إذ قال ـ عليه السلام ـ : «أدي خمس ما أخذت» يعني خمس المئة شاة التي استلمها فإن الخمس عليك فإنك أنت الذي وجدت الركاز وليس على الآخر شيء لأنه إنما أخذ ثمن غنمه وهو الركاز الذي ثمن مائة غنمة.

تقريب الاستدلال:

حكم أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ بإخراج الخمس من الثمن من ثمن الركاز وليس من نفس الركاز.

وفيه: هذه الرواية ضعيفة السند من جهة الإرسال ومن جهة أن الحارث الأزدي لم يرد فيه توثيق.

كما أنها ضعيفة الدلالة لأننا لو التزمنا بصحة المعاملة وتعلق الخمس بالثمن كما هو موجود في هذه الرواية، وهذان الأمران وهما: الحكم بصحة المعاملة، وتعلق الخمس بالثمن لا يناسبان تعلق الخمس بالعين سواء قلنا بأنه على نحو الإشاعة أو على نحو الكلي في المعين، وإنما يناسبان تعلق الخمس بالذمة لا بالعين.

ولعل الإمام ـ عليه السلام ـ حكم بتخميس الثمن من باب الحكومة والأمر المولوي لا مطلقاً لا من باب الحكم الشرعي، وبذلك تكون الرواية خارجة عن محل الكلام.

إذ لو التزمنا بأن الخمس يتعلق بالعين سواء على نحو الإشاعة أو على نحو الكلي في المعين أو على نحو المالية فالمدار على مالية نفس الركاز لا على المبلغ الذي دفع في مقابله وهو مائة شاة فهذه الرواية تكون خارجة عن محل كلامنا.

الرواية الثانية صحيحة الريان بن الصلت قال: «كتبت إلى أبي محمد ـ عليه السلام ـ ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحا أرض في قطيعة وفي ثمن سمك وبردي وقصب ابيعه من أجمة هذه القطيعة، فكتب ـ عليه السلام ـ يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى».

وفيه: إن هذه الرواية واردة في تبديل المال وبيعه في أثناء السنة ولا إشكال في جواز ذلك للمالك إذ أنه يتكلم ويشأى عن غلة رحى الأرض لقطيعة له أو ثمان السمك والبردي وثمن القصب الذي يبيعه يعني يسأل عن هذه الأعيان التي بدلها بمال هل يتعلق بها الخمس أو لا؟

الإمام أجابه يجب عليك الخمس فيها فهي خارجة عنه موطن بحثنا، الخمس تعلق بالمال لم يتعلق بها.

الرواية الثالثة رواية أبي بصير قال: «كتبت إليه» إلى أن يقول: «وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً هل عليه الخمس؟ فكتب أما ما أكل فلا وأما البيع فنعم هو كسائر الضياع»[3] .

وفيه: إن هذه الرواية الثالثة كالثانية قد وردت في جواي تبديل المال وبيعه في أثناء السنة ولا إشكال في جواز ذلك ويكون متعلقاً للخمس إذا حل الحول فالرواية الثالثة أجنبية أيضاً.

الرواية الرابعة وهي أحسنها وهي صحيحة مسمع عبد الملك قال: «قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ : إني كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم وكرهت أن أحبسها عنك وأعرض لها وهي حقك الذي جعل الله تعالى في أموالنا»[4] .

تقريب الاستدلال:

إن أبا سيار وهو مسمع بن عبد الملك لم يأتي بالغوص ولم يخرج الخمس من نفس الغوص الذي استخرجه وإنما أخرج الخمس من قيمته فقيمة الغوص أربعمائة ألف درهم، وجاء بخمس هذه القيمة وهي ثمانين ألف درهم فكان مرتكزان في ذهن أبي سيار إخراج قيمة الغوص.

وفيه: أن الحكم بجواز دفع القيمة لم يرد في كلام الإمام ـ عليه السلام ـ وإنما الإمام قال: يا أبا سيار الأرض كلها لنا، المال كله لنا، ثم قال له أبو سيار: أتي بالمال كله، قال: قد طيبناه لك واكتفى بثمانين ألف، فدفع القيمة كان من عمل أبي سيار وعمله ليس بحجة.

وقد يستدل بتقرير الإمام ـ عليه السلام ـ له لكن قد يناقش أن تقرير الإمام ـ عليه السلام ـ ليس بمعلوم لأن الإمام ـ عليه السلام ـ كان في مقام التحليل والتطييب له فقال: أدفع الثمانين والباقي طيبناه لك.

فتقرير الإمام وإقرار الإمام لفعل أبي سيار على أن الحكم الشرعي هو جواز إخراج قيمة الخمس فيه تأمل فلا يمكن الاستدلال بالرواية.

هذا تمام الكلام في الروايات الخاصة.

نعم، رواية أبي سيار سيأتي إن شاء الله نستدل بها أنها قد تثبت سيرة متشرعية مستحكمة فنستدل بالسيرة المتشرعة فإذا دلت على أن سيرة المتشرعة كانت هكذا يكون الدليل هو سيرة متشرعة لا نفس هذه الرواية.

إذا الوجه الأول ليس بتام.

الوجه الثاني ما ورد من جواز إخراج قيمة الزكاة كصحيحة البرقي قال: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني ـ عليه السلام ـ ـ الإمام الجواد ـ هل يجوز أن أخرج عما يجب في من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوى أم لا يجوز؟ إلا أن يخرج من كل شيء ما فيه.

فأجاب ـ عليه السلام ـ أي ما تيسر يخرج».

فإنه ويمكن الاستدلال بهذه الرواية على جواز دفع الخمس بأحد تقريبين:

الأول أن الخمس بدل الزكاة ومقتضى ذلك إلحاق الخمس بالزكاة في الحكم فكما يجوز إخراج قيمة الزكاة كذلك يجوز إخراج قيمة الخمس، وقد تقدم الجواب عن ذلك صغرى وكبرى، وقلنا الصغرى والكبرى معاً.

التقريب الثاني ما ذكره سيد أساتذتنا السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من أن صدر الرواية وإن كان ظاهراً في الزكاة إلا أن ما يجب في الذهاب مطلقٌ يشمل الخمس أيضاً فإن الواجب عليه قد يكون مورداً لنصاب الزكاة كما قد يكون مصداقاً للفائدة والربح.

ومن عدم التقييد بأحدهما يستفاد الإطلاق، وأن الواجب فيه سواء كان من جهة أنه زكاة أو خمس يجوز دفع الدراهم بدلاً عنه.

ومع الإغماض عن ذلك يمكن دعوى القطع بعدم الخصوصية للزكاة في نظر السائل فلم يكن نظره مقصوراً على خصوصها. نعم، لو كان هذا مذكوراً في كلام الإمام ـ عليه السلام ـ لأمكن دعوى الاختصاص وأن للزكاة خصوصية لا نعرفها إلا أنه ما دام مذكورا في كلام السائل فلا يستفاد منه ذلك[5] .

وقد ناقشه شيخنا الأستاذ الداوري[6] بحق:

المناقشة الأولى إن ما ذكره السيد من التمسك بإطلاق ما يجب في الخمس الشامل للخمس والزكاة فهو خلاف الظاهر وذلك لظهور أن الحكم وهو الوجوب متعلق بعنوان الذهب كما هو الحال في الحنطة والشعير لا من جهة كونه مصداقاً للفائدة والربح وإلا فلا وجه لذكر خصوص الذهب والمتعلق بهذا العنوان إنما هي الزكاة فقط دون الخمس.

الحق والإنصاف هذا ظاهر الرواية نرجع إلى صدر الرواية يقول: هل يجوز أن أخرج عما يجب في الحرث من الحنطة والشعير؟ هذا واضح أنه يسأل عن الزكاة.

السؤال الثاني: وما يجب على الذهب، واضح أنه إلى زكاة النقدين، هذا وما يجب على الذهاب هل هو مطلق؟ يشمل الذهب يعني زكاة النقدين ويشمل الذهب يعني مطلق الفائدة الربح والكاسب؟! إنصافاً هذا خلاف الظاهر، يقول يسأل: دراهم قيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شيء ما فيه؟ واضح أنه يسأل عن الزكاة، وذكر الذهب هنا لخصوصية خصوصية زكاة النقدين.

المناقشة الثانية إن ما ذكره السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من عدم كون نظر السائل مقصوراً على الزكاة بل قد يشمل الخمس فإنه ولو كان السائل في الواقع كذلك إلا أن مقتضى الجمود على ظاهر النص هو عدم التعدي إلى مورد آخر هذا هو القدر المتيقن، ومجرد احتمال أن يكون الجواب للأعم لا يكفي في ذلك إلا إذا تم استظهار وهو ممنوع.

إذا الوجه الثاني ليس بتام.

الوجه الثالث وهو تامٌ وهو التمسك بسيرة المتشرعة على دفع القيمة بدلاً عن العين، وهي سيرة مستمرة متصلة بزمان الأئمة ـ عليهم السلام ـ في عصر الغيبة وعصر الحضور فإن الشيعة كانوا يرسلون القيم والأموال إلى الأئمة ـ عليهم السلام ـ وكذا إلى نواب الأئمة ـ عليهم السلام ـ وإلى الفقهاء ولم ينكروا عليهم ذلك.

ولم يكن بناء الشيعة على إرسال نفس الأعيان المتعلقة للخمس على كثرتها كما يظهر ذلك جلياً من صحيحة مسمع المتقدمة وغيرها من الروايات ما كان متعارف أنه يأتي إلا الإمام بحظيرة غنم وحظيرة بقر وحظيرة إبل.

نعم، هذا موجود مثلا شطيطة ـ رحمة الله عليها ـ جاءت بدرهم وقميص كان أيضاً يخرجون أيضاً أعيان كخمس أو كحاق للإمام ـ عليه السلام ـ لكن كان أيضاً متعارف إخراج القيمة كما في صحيحة مسمعة بن عبد الملك أبي سيار ولم ينكروها الأئمة ذلك فيمكن الاستدلال بسيرة المتشرعة على الجواز حيث إن عدم ردع الأئمة وإمضاءؤهم لهذه السيرة دليل واضح على جواز دفع القيمة ولا ينحصر أداء الواجب بإخراج نفس خمس من نفس العين فهذا الوجه تام ومقتضاه تخيير المكلف بين دفع الخمس من العين أو القيمة، والله العالم.

هذا تمام الكلام في المقام الأول جواز إخراج قيمة العين ولا ينحصر أداء الخمس بخصوص إخراج نفس العين.

المقام الثاني جواز دفع غير القيمة جنساً أو منفعة يأتي عليه الكلام.


[1] كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، ص279.
[2] تهذيب الأحكام، ج7، ص202، الحديث 986، الحديث 1 مع اختلاف يسير.
[3] وسائل الشيعة، ج9، ص504، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.
[4] وسائل الشيعة، ج9، ص548، الباب4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ـ ع ـ الحديث 12.
[5] المستند في شرح العروة الوثقى، السيد الخوئي، ج25، موسوعة الإمام الخوئي، كتاب الخمس، ص286.
[6] الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص267.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo