< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/07/24

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وواحد وسبعون: الأدلة على أن تعلق الخمس بالعين بنحو الشركة في المعيّن

 

وقد ذهب إلى القول بالشرك في العين على على نحو الكلي في المعيّن جماعة من الأعاظم منهم المحقق الشيخ أحمد النراقي[1] والمحقق العراقي والسيد محمد كاظم اليزدي[2] وقد رجح هذا القول شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري[3] واستدل بوجهين كل منهما قابل للمناقشة.

الوجه الأول ظاهر بعض الروايات الدالة على الكلي في المعيّن منها مصحح عبد الله بن سنان قال: «قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ : على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة ـ عليها السلام ـ ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس» إلى آخر الرواية حتى يقول: «حتى الخياط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منها دانق»[4] .

وفيه: إن السند قد اشتمل على عبد الله بن القاسم الحضرمي وهو ضعيف، وفي رواية الاستبصار عبيد الله بن القاسم الحضرمي.

والصحيح هو عبد الله بن القاسم الحضرمي الذي ترجمه النجاشي قائلاً كذاب غالٍ يروي عن الغلاة لا خير فيه ولا يعتد بروايته[5] .

وقد صححها شيخنا الأستاذ الداوري بحجة أن كتب عبد الله بن سنان مشهورة ومعروفة قد رواها جماعات من الناس فلا تحتاج إلى النظر في سندها، ونحن لا نبني على هذه الدعوة التي يلتزم بها شيخنا الأستاذ الداوري في كثير من الأحيان فيكتفي بمجرد دعوى كون الكتاب مشهوراً أو الكتب مشهورة ويغض النظر عن النظر في السند.

والحال أن شهرة الكتاب لا تعني شهرة نسخ الكتاب فقد ذكر الشيخ الطوسي في كتاب الفهرست في ترجمة العلاء بن رزين أربعة نسخ لكتابة وذكر أسانيد لهذه النسخ الأربع، فكون أصل الكتاب مشهوراً كالكافي لا يعني اشتهار نسخ الكتاب وقد يكون للكتاب نسخاً متعددة فلا بد من إحراز أن النسخة المشهورة أن النسخة أن هذا الكتاب المشهور قد أخذت هذه الرواية من نفس النسخة المشهورة بناءً على دعوى شيخنا الأستاذ الداوري.

وكيف كان في الرواية ضعيفة ولا يمكن تصحيحها بهذا المبنى الذي تطرقنا إليه في دورة تحقيق المباني الرجالية هذا من جهة السند.

وأما من جهة الدلالة فقد ادعى شيخنا الأستاذ الداوري أن دلالتها واضحة والحال أنها تحتمل كلا الوجهين فكما تحتمل الكلي في المعيّن تحتمل الشركة بنحو إشاعة إذ قال ـ عليه السلام ـ : «حتى الخيام ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانق» فكما يحتمل أن هذا الدانق هو عبارة عن الكلي في المعيّن وهي الخمسة يحتمل أن يكون هذا الدانق دانقاً من الدوانق الخمسة بنحو إشاعة، فظاهر هذه الرواية لا يمنع من ظهور الروايات والآية الكريمة الظاهرة في الشركة بنحو الإشاعة فلا يتم الاستدلال بهذه الرواية سنداً ودلالة.

الرواية الثانية رواية أبي حمزة عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: «قرأت آية الخمس، فقال: والله لقد يسر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربهم واحداً وأكلوا أربعة أحلاء»[6] .

وفيه: إن في سندها أبو محمد وهو شيخ الصفار ولم يعرف لذلك هذه الرواية يصلح أن تكون مؤيدة ولا يصلح أن تكون دليلاً.

الرواية الثالثة..

نعم الدلالة قد تكون ظاهرة في الكل في المعيّن «جعلوا لربهم واحدا وأكلوا أربع أحلاء» ولكنها لا تمانع من ظهور الشركة بنحو الإشاعة إذ قد يلتزم بأن واحد من بين الخمسة خمس فهذا تصوير بنحو الكلي في المعيّن، وقد يلتزم بأنه واحد من بين الخمسة على نحو الشركة في الإشاعة إلا أن رب قد أجاز وحلل الأربعة الباقية إذا أخرج ماذا؟ إذا أخرج واحد من بين الخمسة، فالرواية كما تحتمل الكلي في المعيّن يحتمل أيضاً الشركة بنحو الإشاعة.

يعني هو له حق مشترك يعني ولي الخمس يشترك مع مالك المال في الدراهم الخمسة على نحو الإشاعة لكنه اكتفى بإخراج دانق وحلل حصته من الدوانق الأربعة الباقية.

فالرواية تحتمل الوجهين وإن كانت أظهر في الكلي في المعيّن لكنها لا تمانع من الحمل على الإشاعة فلا يتم الاستدلال بها سنداً ودلالة.

الرواية الثالثة صحيحة أبي سيار مسمع بن عبد الملك أنا من اسمع هذا أتذكر أستاذنا السيد كاظم الحائري ـ حفظه الله ـ حضرنا عنده بحث الخمس هذه كررها كثيراً يا أبا سيارة المال كله لنا حلوه هذه الرواية.

مسمع بن عبد الملك قال: «قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ إني كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم وكرهت أن احبسها عنك وأعرض لها وهي حقك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا» من هذه اللفظة وهي حقق يستظهر ماذا؟ الحق الخمس منها هو الحق هذا هذا كلام مسمع كلام السائل وليس كلام الإمام.

فقال ـ عليه السلام ـ : «وما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس؟! يا أبا سيار! الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا، قال: قلت له: أنا أحمل إليك المال كله» أتذكر السيد كاظم الحائري قال: أتورط هاي أبو سيار قال شو اسوي هسه؟ شو اسوي هسه؟ أنا جبت الثمانين الأربعمئة ألف كلها أجيبها؟! الله يطول بعمره ويعافيه.

«فقال لي:: يا أبا سيار! قد طيبناه لك وحللناك منه فضم إليك مالك وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ومحلل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم قسط ما كان في أيدي سواهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم يخرجهم منها صغرته»[7] .

وهذه الرواية أدل على الشركة بنحو الإشاعة أكثر من الكلي في المعيّن، وهي صحيحة من ناحية السند فهي تدل على أن المال كله والأرض كلها ملك للإمام ـ عليه السلام ـ غاية ما في الأمر أنه قد طيب مقدار أربعة أخماس لخصوص الشيعة واكتفى بأخذ خمس واحد فهي لا تدل على الكلي في المعيّن.

ولو استظهر الكلي في المعيّن بدعوى أن الإمام اكتفى بكلي الخمس من المال المعيّن فاكتفى بكلي الثمانين ألف درهم من المال المعيّن وهو أربعمائة ألف التي اكتسبها أبو سيار من الغوص فإن هذا لا ينفي الشركة بنحو إشاعة أيضاً إذ أن كل المال ملك للإمام ـ عليه السلام ـ أي كل حصص المال ملك للإمام ـ عليه السلام ـ غاية ما في الأرض أن الإمام ـ عليه السلام ـ قد طيب مقدار الأربعة أخماس.

ولا أقل من الشك بل حتى لو تنزلناه واستظهرها منها الكلي في المعيّن فإنها لا تقاوم ظهور الآية الشريفة والروايات الكثيرة الظاهرة في الشركة بنحو الإشاعة.

هذا تمام الكلام في الوجه الأول واتضح أن الوجه الأول لا يدول على أن الخمس بالعين بنحو الكلي في المعيّن.

الوجه الثاني إن لازم الإشاعات أن يكون لصاحب الخمس سهمٌ معين في كل جزء من أجزاء العين فيكون له في كل حبةٍ من الحنطة أو الشعير مثلاً سهمٌ وتكون حصته منتشرة كما هو مقتضى الشركة والإشاعة الحقيقيين.

ولازم ذلك أن يكون المدفوع إلى أرباب الخمس من العين معادلاً لحصته لحصة ولي الخمس لا نفس الحصة والفرض بالذات، فما يدفع لولي الخمس كطن من خمسة أطنان من الحنطة أو درهم من خمسة دراهم إنما يكون بحسب الشركة على نحو الإشاعة معادلاً لحصته لا أن المدفوع هو نفس الحصة ونفس الفرض بالذات، والحامل على معادل الحصة لا نفس الحصة والفرض مخالف ظاهر النصوص فإنها كادت أن تكون صريحة بمقتضى الفهم العرفي في أن المدفوع ونفس الفرض بعينه وهو نفس الحصة لا أن المدفوع شيء آخر وبدل عنه.

وفيه إن هذا تدقيق عقلي خارج عن الظهور العرفي كما أنه لا ينفي حمل تعلق الخمس بالعين على الشركة بنحو الإشاعة فقد يلتزام بأن ما أخرجه هو عبارة عن معادل الحصة لا نفس الحصة، ولكن ما المانع أن يطلق عليه بحسب المحاورات العرفية لفظ يدل على أنه هو الحصة فلا مانع من ذلك.

يعني الآن لو كانت الشركة بنحو الإشاعة، وكان عنده خمسة دراهم، وقال له الإمام: أخرج درهماً من خمسة دراهم، فهل يلزم على الإمام أن يقوم للمكلف إن الدرهم الذي تخرجه ليس هو نفس الخمس بل هو معاد للخمس لأن الخمس قد تعلق بالدراهم الخمسة بنحو الإشاعة ولنا في كل درهم من الدراهم الخمسة حصة خاصة ويجب أن تخرج حصة حصة الخمس من الدراهم الخمسة لكننا تسهيلاً عليك نلتزم ببدلها فيكفي أن تخرج درهم واحد فيصير من هذا الدرهم مقدار الخمس من نفس الدرهم وأربعة لو ثمانين بالمئة أربعة أخماس الدرهم ما يعادل الدراهم الأربعة التي حللناها لك.

هل يلزم على ـ عليه السلام ـ أن يوضح بهذا النحو أم أن الإمام ـ عليه السلام ـ في مقام بيان التكليف للمكلف؟ ويكفي أن يقول للمكلف أخرج درهماً من الدراهم الخمسة وحللنا لك الأربعة، أما أن وجه ذلك أن هذا الدرهم عبارة عن كلي كلي الخمس في المعيّن في المال المعيّن وهو الدراهم الخمسة أو أنه بنحو الإشاعة فحينئذ لا يجب على الإمام ـ عليه السلام ـ أن يبين هذه النكتة للمكلف السائل.

الوجه الثاني لا يفيد تعيين الخمس في خصوص الكلي في المعيّن، وبالتالي الروايات الشريفة والآية الكريمة بحسب ظهورها الأولي ظاهرة في الشركة بنحو الإشاعة، ولم ينهض ظهور مقابل لهذا الظهور يوجب رفع اليد عنه.

فالأدلة التي ذكرها شيخنا الأستاذ الداوري في أن الخمس يتعلق بالعين بن الكلي في المعيّن من روايات ومن هذا اللازم لا ترقى إلى مرتبة الظهور الذي يوجب رفع اليد عن ظهور الآية والرواية في الشركة بنحو الإشاعة.

كما أن الأدلة التي ذكرها سيدنا الأستاذ المرحوم السيد محمود الهاشمي ـ رحمه الله ـ في كتاب الخمس الجزء الثاني صفحة ثلاثمائة وواحد وثلاثين إلى ثلاث مئة وثمانية وثلاثين للدلالة على أن تعلق الخمس بالعين بنحو الشركة في المالية لم ينهض وجه منها للدلالة على أن الشركة بنحو الشركة في المالية فنلتزم بالظهور الأولي للآية الكريمة (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة) فالخمس تعلق بنفس الشيء وبنفس الغنيمة فهو ظاهر التعلق بالعين لا الذمة.

وظاهر قوله تبارك وتعالى: (فأن لله خمسة) أي خمس الشيء بنحو الشركة على نحو الإشاعة لا الكلي في المعيّن ولا المالية.

فيظهر من الآية الكريمة والروايات الشريفة أن الخمس يتعلق بالعين لا الذمة ويتعلق بها لا بنحو الحق كما ذهب إليه سيد المستمسك ولا بنحو الكلي في المعيّن كما ذهب إليه صاحب العروة ولا بنحو الشركة في المالية كما ذهب إليه الشهيد الصدر بل بنحو الشركة على نحو الإشاعة كما ذهب إليه سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[8] .

هذا ما وصل إليه النظر القاصر الفاتر من أن الخمس يتعلق بالعين بنحو الشركة على نحو الإشاعة، والله العالم.

هذا تمام الكلام في الحكم الأول وهو أن الخمس يتعلق بالعين لا الذمة بنحو الإشاعة.

الحكم الثاني تخير المالك بين دفع خمس العين أو الدفع من مال آخر نقداً أو عيناً يأتي عليه الكلام.


[1] مستند الشيعة، ج10، ص138.
[2] العروة الوثقى، مسألة 76، ج4، ص298.
[3] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص261.
[4] تهذيب الأحكام، ج4، ص107، الحديث 347.والاستبصار، ج2، ص73، الحديث 180.وسائل الشيعة، ج9، ص507، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8، مع اختلاف يسير فيهما.
[5] رجال النجاشي، ص226، ترجمة 594.
[6] وسائل الشيعة، ج9، ص485، الباب1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
[7] وسائل الشيعة، ج9، ص548، الباب4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ـ ع ـ، الحديث 12.
[8] كتاب الخمس، المستند في شرح العروة الوثقى، ج25، موسوعة الإمام الخوئي، ص293.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo