< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/07/22

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وتسعة وستون: الوجه الثالث لتعلق الخمس من باب الحق بالعين

 

الوجه الثالث لتعلق الخمس من باب الحق القائم بالعين ما ورد من التعبير عن الخمس الحق في كثير من الروايات كما في صحيحة الفضلاء التي تقدمت في الطائفة الثالثة وصحيحة الحارث بن المغيرة وغيرهما من الروايات فإنها ظاهرةٌ في أن الخمس حق لأرباب الخمس لا أنهم شركاء في أموال الملاك.

وفيه: إن الحق في الاصطلاح يطلق على ما يقابل الملك، ولكن لو رجعنا إلى اللغة والعرف سنجد أن الحق من الملك، وقد أطلق الحق كثيراً على الملك خصوصاً إذا دخلت كلمة «في» على الأموال وغيرها، فيقال: حق في الأموال وحق في الدار ولفلان حق في البستان أي أنه يملك شيئاً من البستان.

ومما يشهد لذلك ما ورد في صحيحة مسمع بن عبد الملك «وقد كان حمل إلى أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ مالاً في تلك السنة فرده عليه» إلى أن يقول في الرواية: «إني قلت له حين حملت إليه المال: إني كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم وكرهت أن احبسها عنك وأعرض لها وهي حقك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا»[1] .

فهذه الرواية ذكر مسمع بن عبد الملك لفظ الحق لكنها ظاهرة في الملك لا الحق، وهذا شاهد على أنه في اللغة وفي العرف يستعمل الحق بمعنى الملك.

الوجه الرابع لو كان تعلق الخمس بالمال على نحو الشركة لم يجز للمالك التصرف في المال وفرز الخمس بدون إذن أرباب الخمس ولم يحق للمالك دفع القيمة أو أداء الخمس من مال آخر ولم يشترط في صحة الخمس قصد القربى فإن أداء مال الشركة يحصل بمجرد الوصول إلى الشريك ولا يتوقف على قصد أصلاً فضلاً عن قصد القربى.

وفيه: إن هذا يتم إذا كان الشريك شخصاً معيناً ولم يصدر منه إذن عام في ذلك، وأما إذا كان الشريك جهة عامة كفقراء السادة أو كان مأذوناً بالإذن العام فلا مانع حينئذ من أن يكون له حق الفرز أو الدفع من القيمة أو مال آخر.

وأما اعتبار قصد القربى فلا بد من القول بأنه من باب التعبد وفي اشتراطه واعتباره لا يفرق بين القول بالحق وبين القول بالشرك ولعل اعتبار قصد القربى يكون سبباً لتطهير المال.

هذا تمام الكلام في مناقشة الوجوه الأربعة التي قد أقيمت على أن تعلق الخمس بالعين من باب حق أرباب الخمس في العين كما ذهب إلى ذلك السيد محسن الحكيم[2] ـ رحمه الله ـ فقد ذهب إلى أن الخمس يتعلق یتعلق بالعين من باب الحق دون الشركة، وذهب إلى أن الحق هو عبارة عن حق الرهانة أو المضاربة لا حق غرماء الميت.

هذا تمام الكلام في المسلك الأول مسلك الحق، واتضح أنه ليس بتام.

المسلك الثاني إن تعلق الخمس بالعين يكون من باب الشركة، وهنا توجد ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الأول الشركة في العين على نحو الإشاعة كما ذهب إلى ذلك السيد أبو القاسم الخوئي[3] .

الاتجاه الثاني تعلق الخمس بالعين على نحو الشركة في المالية، وقد ذهب إلى ذلك السيد الشهيد محمد باقر الصدر، وسيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي[4] .

الاتجاه الثالث تعلق خمس بالعين على نحو والكلي في المعين، وقد ذهب إلى ذلك السيد الماتن السيد محمد كاظم اليزدي في المسألة التالية ستة وسبعين من العروة، وذهب إلى ذلك شيخنا الأستاذ الداوري[5] ـ حفظه الله ـ .

الفارق بين هذه الاتجاهات الثلاثة، والنسبة بين هذه الاتجاهات الثلاثة هي نسبة الأقل والأكثر فإن مقتضى الاتجاه الأول وهو الشركة بنحو الإشاعة هو أن صاحب الخمس شريك في كل جزءٍ جزءٍ من المال المعين الخارجي.

وبناءً على الاتجاه الثاني وهو الشركة في المالية تحصل الشركة في المالية دون العين الخارجي، والفرق بين الاتجاهين أن اتجاه الإشاعة يرى أن الخمس قد تعلق بالعين بما هي عين خارجية فقد تعلق بالغنيمة أو الثوب بما هي عين في الخارج.

بينما اتجاه الشركة في المالية يرى أن الخمس قد تعلق بالعين لكن لا بما هي عين خارجية بل بما هي مالٌ خارجي.

فالاتجاه الأول والثاني يشتركان أولاً في أن الخمس قد تعلق بالعين وثانياً في الشركة قد تعلقت بكل جزء جزء وبكل فرد فرد من الأعيان الخارجية لكنهما يفترقان في أن الاتجاه الأول وهو الإشاعة يرى أن أرباب الخمس شركاء مع المالك في العين الخارجية بما هي عين.

بينما الاتجاه الثاني وهو الشركة في المالية يرى أن أرباب الخمس شركاء مع المالك في العين الخارجية لا بما هي عين خارجية بل بما هي مالٌ موجودٌ في الخارج.

وأما بناءً على الاتجاه الثالث وهو الكلي في المعين فإنه تحصل الشركة مع المالك في مقدارٍ معين من المال وهو خصوص مقدار الخمس من العين الخارجية ولا تحصل الشركة في جميع العين فهو كقولهم: باع صاعاً من صبرتٍ.

فعلى الاتجاه الثالث تكون الشركة لاحظ معي الاتجاه الثالث يشترك مع الاتجاه الأول الإشاعة أن الشركة في العين الخارجية.

والفارق بينهما أن الاتجاه الأول وهو الإشاعة يرى أن الشركة في كل جزءٍ جزءٍ من العين الخارجية بينما يرى الاتجاه الثالث وهو الكلي في المعين أن الشركة في خصوص مقدار الخمس المتعين وهو مقدار عشرين في المئة لا أن الشركة في كل جزء جزء من العين الخارجية.

ويترتب على هذه الاتجاهات الثلاثة لوازم فلا يجوز بناءً على الاتجاه الأول وهو الإشاعة أن يتصرف المالك في كل جزء من المال الذي تعلق به الخمس فلا يجوز بيعه إلا بإذن صاحب الخمس وإلا كان بيعاً فضولياً في كل جزء منه بناء على الإشاعة.

وأما بناءً على الاتجاه الثالث وهو الكلي في المعين فإن الشركة على نحو الكلي في المعين فيجوز للمالك التصرف في العين والمال حتى يبقى مقدار الخمس، ويجوز له البيع ويكون بيعه نافذاً بمقدار أربعة أخماس ولا يكون بيعه فضولياً. نعم، لو باع جميع العين فإن بيعه يكون فضولياً في خصوص مقدار الخمس، فإذا باع العين توقفت صحة البيع بمقدار الخمس على إجازة صاحب الخمس لأنه بيع فضولي بمقدار الخمس.

وأما بناءً على الاتجاه الثاني وهو الشركة في المالية فيجوز للمالك التصرف في العين إذا لم يؤدي إلى النقص في المالية وإلا لم يجوز التصرف، وهنا توجد نظرتان:

النظرة الأولى أن تكون الشركة في المالية بنحو كلي، وحينئذ يجوز للمالك التصرف في المال بمقدار أربعة أخماس دون مقدار الخمس بشرط أن لا تنقص المالية.

النظرة الثانية عدم جواز التصرف في المال الخارجي لأن الشركة المالية ليست بنحو كلي وإنما هي في كل جزء جزء من المال الخارجي ولا يجوز التصرف في مال الشريك بدون إذنه.

ومن هنا ذهب السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إلى أنه حتى لو التزمنا بأن الشركة بنحو المالية فإنه لا يجوز التصرف في المال الخارجي لأن الشركة ليست بنحو كلي بل في كل جزء جزء من المال الخارجي[6] .

وقد ذهب السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إلى مبنيين في الزكاة والخمس، فقال: إن ظاهر الأدلة في الزكاة هو تعلق الزكاة بالعين بنحو الشركة في المال، لكن ظاهر الأدلة في كتاب الخمس هو تعلق الخمس بالعين بنحو الإشاعة، فيشترك كتاب الزكاة والخمس في أن الزكاة إنما يتعلقان بالعين لا بالذمة، ويفترقان في أن تعلق الزكاة بالعين بنحو الشركة في المال وتعلق الخمس بالعين بنحو إشاعة، ويشتركان أيضاً في أن التعلق إنما يكون في كل جزءٍ جزء لا بشكلٍ كلي.

لذلك حتى لو التزمنا بأن الشركة المال ظاهر أدلة الزكاة فإنه لا يجوز التصرف في العين التي تعلق بها الزكاة لأن الشركة في المال ليست بنحو كلي بل الشركة في كل جزءٍ جزء من العين الزكوية فلا فرق في التعلق بكل جزء بين مبنى الإشاعة وهو المسلك الأول وبين الشركة المالية وهو المسلك الثاني. نعم، الفارق بينهما في الخمس أو الزكاة هل يتعلق بالعين الخارجية بما هي عين متشخصة في الخارج أو بما هي مال موجود في الخارج؟

ومن هنا ذهب السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إلى عدم جواز التصرف مطلقاً في العين التي تعلق بها الخمس أو الزكاة.

لكن بناءً على النظرة الأولى وهي أن الشركة في المالية بنحو كلي لا بكل جزء جزء يجوز للمالك دفع القيمة أو الدفع من مال آخر بدلاً عن المالية بلا حاجة إلى إذن صاحب الخمس وغير ذلك من اللوازم التي تترتب على هذه الأقسام.

هذا تمام الكلام في بيان المسلك الثاني وهو تعلق الخمس بالعين على نحو الشركة في مقابل المسلك الأول للسيد محسن الحكيم وهو تعلق الخمس بالعين بنحو الحق في المال.

وقد ذكرنا اتجاهات ثلاثة في تعلق الخمس بالعين بنحو الشركة فينبغي أن نستظهر من الأدلة.

الحق والإنصاف إن ظاهر الأدلة هو أن الخمس يتعلق بالعين الخارجية بنحو الإشاعة أي أن أرباب الخمس شركاء مع المالك في كل جزء جزء من العين الخارجية هذا هو ظاهر الأدلة كما صرح به سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي[7] .

نعم، لإثبات الاتجاه الثاني وهو الشركة المالية أو الاتجاه الثالث وهو الكلي في المعين لابد من إقامة القرائن لرفع هذا الظهور فإن تمت هذه القرائن كما تمت القرائن عند سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي وذهب إلى الاتجاه الثاني الشركة في المال.

أو تمت عند شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري فذهب إلى القول الثالث قول صاحب العروة الكلي في المعين فنحن هذا القرائن.

وإن لم تثبت هذه القرائن التزمنا بمقتضى ظهور آية الغنيمة والروايات الشريفة الظاهرة في القول بالاتجاه الأول وهو مسلك الإشاعة الذي قال به سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ .

ومن هنا نشرع ببيان الأدلة التي أقيمت على الاتجاه الثاني وهو الشركة المالية يتضح عدم تماميتها، الاستدلال على أن الشركة بنحو الشركة في المال يأتي عليها الكلام.


[1] تهذيب الأحكام، ج4، ص126، الحديث 402.وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص548، الباب4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 12، مع اختلاف يسير.
[2] مستمسك العروة الوثقى، ج9، ص557.وفي نسخة تحقيق السيد القاضي، ج16، ص294.
[3] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص287.
[4] كتاب الخمس، ج2، ص333 إلى ص338.
[5] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ص261.
[6] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص284.
[7] كتاب الخمس، ج2، ص333.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo