< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وثمانية وستون: المقام الثاني أنحاء تعلق الخمس بالعين

 

هل يتعلق الخمس بالعين بنحو الحق القائم بالعين أو بنحو الشركة فيها؟

من هنا يقع الكلام في مسلكين:

المسلك الأول مسلك الحق.

المسلك الثاني مسلك الشركة.

المسلك الأول مسلك الحق، وقد اختار جماعة من الفقهاء أن الخمس المتعلق بالعين يتعلق بها من باب الحق القائم بالعين.

بيان ذلك:

إن الحق القائم بالعين يمكن أن يتصور على أنحاء أربعة:

النحو الأول حقّ النذر للمنذور له، فإن الناذر إذا نذر التصدق بشيء من أمواله غير المعينة للفقه فإن النذر يوجب حكماً تكليفياً على الناذر فيجب عليه أن يوفي ويؤدي المنذوب، ويستتبع ذلك الحكم التكليفي حكماً وضعياً وهو تعلق حق الغير بأمواله إلا أن ذلك لا يخرج شيئاً من أمواله عن ملكه بل يبقى للمالك حق التصرف في أمواله وأملاكه كيفما شاء، ولا يدخل شيء منها في ملك المنذور له ما لم يعطي الناذر المنذور خارجاً إلى من نذر له.

النحو الثاني حق غرماء الميت المتعلق بالتركة، فتركة الميت يتعلق بها الشغل فلا يجوز للورثة التصرف في عين تركة الميت قبل أداء حق الغرماء والديانة، ومن هنا قيل تقسيم التركة على الورثة بعد إخراج الديون والوصايا. نعم، يجوز التصرف في العين بعد إبراء الحق وبما أن الحق أمر كلي فيجوز إبراؤه بأي شيء يقع مصداقاً له ولو كان من مال آخر، فإن هذا حق الديانة والغرماء من مال آخر يكون أداءً إذا لنفس الواجب ولنفس الحق لا أنه بدل عنه.

النحو الثالث حق الرهانة والجعالة، وهو حق متعلق بالعين المرهونة على مالكها من حيث كونها وثيقة عليه ومؤداه ونتيجة هذا الحق أنه يجوز للمرتهن أن يستوفي مقدار دينه من العين المرهون، ولا يجوز للمدين أن يتصرف في العين المرهونة ما لم يؤدي دينه للدائن كما أن للدائين حق الاستيفاء من العين المرهونة إذا امتنع المدين عن أداء الدين، وهكذا بالنسبة إلى حق الجعالة وهو المال المجعول مقابل عمل معين.

النحو الرابع حق الجناية المتعلق بالعبد الجاني خطأ، فلا تشتغل ذمة المولى بشيء إذا جنى عبده ولا يخرج العبد عن ملك المولى بل المولى مخير بين أحد أمرين:

الأول دفع العبد للاسترقاق.

الثاني دفع قيمة العبد.

فالحق متعلق بالعين فقط إلا أنه يتعلق بين الجامع بين نفس العبد أو قيمته، فيجوز للمالك بيع العبد لكن حق أولياء الجناية يتعلق بقيمة العبد هذه أنحاء أربعة يمكن أن تتصور في الحق.

والظاهر أن من يقول بأن تعلق الخمس بالعين بنحو الحق مراده أحد القسمين: الثالث حق الرهانة أو الجعالة أو الرابع حق الجناية دون الأولين، وهما: حق النذر وحق غرماء الميت.

أما النحو الأول وهو أن يكون على نحو حق النذر فهذا خلاف ظاهر الأدلة من عدم جواز التصرف في المال قبل التخميس، والحال أن الناذر يجوز له أن يتصرف في المال قبل إخراج النذر، وأما النحو الثاني وهو أن يكون على نحو حق الغرماء فهو خلاف المتسالم عليه بين الفقهاء لأنه بناء على حق الغرماء لا يقسط الحق على المال إذا تلف جزء منه إذ الحق متعلق بالمجموع من حيث المجموع فما دام حق الغرماء يتعلق بمجموع التركة وإذا لم يكن الدين مستوعباً للتركة بأكملها وتلف منها شيء مما زاد عن الحق فإن النقص لا يرد على الغريم بل يكون النقص وارداً على ما بقي للورثة من التركة مما لم يتعلق به حق الغريم.

فمثلاً: لو كانت التركة ألف دينار وكان الميت غريماً للدائنين بألف دينار وتلف من التركة مقدار ألف دينار فإنه لا يقال بالتقسيط ودخول النقص على الاثنين فيقال هذه الألف دينار تقسم بين الورثة والدائنين فيصير الدائنين خمس مئة دينار و للورثة خمس مئة دينار، بل حق الدائنين تعلق بمجموع التركة بما هو مجموع فلهم ألف دينار من التركة فتعطى الألف للدائنين والغرماء ولا يحصل الورثة على شيء.

فإذا كان الخمس حقاً متعلقاً بالعين بنحو حق الغرماء وتلف جزء من المال قبل إخراج الخمس فإنه لا يقسط الحق على المال ولا يرد النقص على أرباب الخمس وهذا خلاف المتسالم عليه بين الفقهاء ـ رحمهم الله ـ بل يرون أن النقص يدخل على الخمس ويقسط المبلغ فيصير خمسمئة دينار خمس وخمسمئة دينار للورثة.

إذاً الاحتمال الثاني أو الحق بنحو حق الغرماء خارج عن مسألة كخروج حق.. فيدور الأمر بين أن يكون المقصود من الحق هو حق الرهانة أو الجعالة وهو النحو الثاني أو حق الجناية وهو النحو الرابع، وقد صرح بعضهم أنه على نحو حق الجناية.

وإذا رجعنا إلى مستمسك العروة الوثقى سنجد أن فقيه الطائفة السيد محسن الحكيم ـ رحمه الله ـ في ثلاثة مواضع وهو ممن يقول بأن تعلق الزكاة بالعين وتعلق الخمس بالعين بنحو الحق أما في الزكاة فقد جزم بأنه بنحو الحق وأما في الخمس فإنه تردد بين أن يكون تعلق الخمس بالعين بنحو الحق أو بنحو المشاع الذي قال به السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ .

لكن السيد الحكيم في مواضع ثلاثة من كتابه حينما ترجح أن يكون بنحو الحق ذكر تارة بنحو حق الرهان أو الجعالة وتارة بنحوه حق الجناية[1] .

يراجع مستمسك العروة الوثقى الجزء التاسع ثلاثة مواضع:

الموضع الأول صفحة مئة وأربعة وثمانين.

الموضع الثاني صفحة مئة وستة وثمانين هذا في كتاب الزكاة لأن المسألة التي تطرقت إلى هذا الموضوع هي مسألة واحد وثلاثين من كتاب الزكاة، ومسألة خمسة وسبعين من كتاب الخمس هي التي تطرقت إلى أن نتعلق الزكاة أو الخمس بالعين أو بالذمة المسألة واحد وثلاثين من كتاب الزكاة تطرقت إلى أن الزكاة تتعلق بالعين ومسألة خمسة وسبعين من كتاب الخمس تطرقت إلى أن الخمس يتعلق بالذمة.

الموضع الثالث الجزء التاسع صفحة خمسمئة وسبعة من الطبعة القديمة، ومن الطبعة الحديثة تقرير تحقيق السيد محمد القاضي الجزء السادس عشر صفحة مئتين وأربعة وتسعين فيكون موضع كتاب الخمس موضع الثاني المسألة خمسة وسبعين من كتاب العروة.

كيف كان وعلى أي تقدير فقد استدل على أن الخمس يتعلق بالعين بنحو الحق بوجوه أربعة:

الوجه الأول ما ورد من التعبير بكلمة «على» في بعض الروايات كمرسلة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ : «إن الخمس على خمسة أشياء: الكنوز والمعادن» إلى آخر الحديث[2] .

فإن ظاهر هذه الرواية بأن الأشياء المذكورة كالكنوز والمعادن متعلقة للخمس والخمس حق واقع عليها. نعم، وردت كلمة في بعض الروايات كصحيحة عمار بن مروان قال: «سمعت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر» إلى أن تقول الرواية: «الخمس»[3] .

كما ورد في بعضها كلمة «من» كقوله في مرسل حماد عن العبد الصالح ـ عليه السلام ـ أي الإمام الكاظم قال: «الخمس من خمسة أشياء من الغنائم والغوص» إلى آخر الحديث، فالتعبيران الثاني والثالث، التعبير الثاني هو التعبير بـ «في» الثالث التعبير بـ «من».

إذا عندنا ثلاثة تعابير: الأول «على» والثاني «في» والثالث «من» فالتعبير بـ «في ومن» وإن كانا لا يدلان على المقصود وهو الحق بل إن الثاني وهو «في» ظاهر في الإشاعة أكثر لكن ظهور الأول وهو لفظ «على» في كون الخمس حقاً مفروضاً على العين واضح وهو أقوى فلا بد من صرف ظهور الثاني «في» والثالث «من» إلى الأول وهو «على».

هذا تمام الكلام في الوجه الأول.

وفيه على ما ذكره شيخنا الأستاذ الداوري[4] ـ حفظه الله ـ وهذه من إبداعات سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي كتاب الخمس الجزء الثاني وشيخنا الأستاذ الداوري عنده حسن بيان ـ حفظه الله ـ .

ويرد على الوجه الأول أن ما ورد من كلمة «على» في كلام الإمام ـ عليه السلام ـ إنما هو قد ورد في روايتين فقط وهما مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه، وهي: «قال: سألته عن معادن الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص، فقال: عليها الخمس جميعا»[5] .

وبعد التأمل في الرواية لم يظهر أن الإمام ـ عليه السلام ـ كان في مقام بيان كيفية تعلق الخمس وأنه على نحو الحق أو نحو الشركة بل الظاهر أن الإمام ـ عليه السلام ـ كان في مقام بيان موضوع ومتعلق الخمس، والشاهد على ذلك أنه ورد في كثير من روايات هذا الباب أي باب المعدن التعبير بكلمة «في»، وكذلك وردت في روايات الكنز والغنائم بل جمع بين لفظة «في» ولفظة «على» في صحيحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن العنبر وغوص اللؤلؤ؟ فقال: عليه الخمس، وسألته عن الكنز كم فيه؟ قال: الخمس، وعن المعادن كم فيها؟ قال: الخمس، وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان بالمعادن كم فيها؟ قال: يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضة»[6] .

فإن هذا التفنن والتعدد في التعبير وإن كان قد ورد في كلام السائل لا الإمام لكن يمكن أن يستأنس بإمضاء الإمام ـ عليه السلام ـ ، وأما سائر الروايات فقد ورد فيها كلمة «من» أكثر الروايات ورد فيها كلمة «من» وهي صالحة للحمل على الشركة والحق، وأيضاً ورد فيها كلمة «في» الظاهرة في الشركة وأكثر الروايات ورد فيها لفظة «في» أكثر من «من وعلى» أقل شيء كلمة «على»، وقد تقدمت روايات الطائفة الأولى التي كثر فيها كلمات «في» وهي واضحة الدلالة على المراد، فمقتضى الصناعة صرف غيرها وهو «على» إليها يعني إلى لفظة «في» الظاهرة في ماذا؟ في الشركة بنحو إشاعة.

إذا الوجه الأول ليس بتام.

الوجه الثاني إن الظاهر من أدلة الزكاة جعلها في أموال الأغنياء أو أنها تؤخذ من أموالهم بنحو الحق كما في قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة)[7] وكذلك إطلاق الصدقة على ما يؤدى زكاةً كل ذلك يدل على أن المال مالهم وملكهم وإنما الزكاة حق قائم بالعين لا أن الزكا شركة في العين، وحيث إن الخمس والزكاة من باب واحد والخمس بدل عن الزكاة ويتحدان في كثير من الأحكام فيكونان على حد واحد في كيفية تعلقهما بالمال.

وفيه إنه لا يوجد دليل معتبر يدل على أن الخمس بدل الزكاة كما تقدم سابقاً هذا أولاً.

وثانيا لو سلمنا أن الدليل دلّ على أن الخمس بدل الزكاة فلا دليل على أنه بدل مطلقاً وعوض بنحو مطلق بحيث يشمل أنه من باب الحق.

وثالثاً لو سلمنا بأن الخمس عوض وبدل عن الزكاة مطلقاً فإننا لا نسلم بأن تعلق الخمس بالزكاة بنحو الحق بل سيتضح إن شاء الله أن تعلق الخمس والزكاة بالعين صحيح لكنه ليس بنحو الحق بل بنحو الشركة بأنحائها إن شاء الله راح نرجح أحد الأنحاء الثلاثة، فتراجع المسألة واحد وثلاثين من العروة الوثقى من كتاب الزكاة التي تطرق فيها السيد محمد كاظم اليزدي إلى أن الزكاة تتعلق بالعين، وتراجع المسألة التي نحن فيها مسألة خمسة وسبعين من العروة الوثقى التي تطرق فيها السيد اليزدي إلى أن الخمس يتعلق بالعين لا بالذمة لكن بأحد الأنحاء الشركة الثلاثة لا بنحو ماذا؟ الإلحاق.

هذا تمام الكلام في مناقشة الوجه الأول والثاني.

الوجه الثالث يأتي عليه الكلام.


[1]  .
[2] كتاب الخصال، الصدوق، ج1، ص322، الباب5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2، مع اختلاف يسير.
[3] الخصال، الصدوق، ج1، ص321، باب5، الحديث 51.وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص494، الباب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
[4] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص253.
[5] تهذيب الأحكام، ج4، ص106، الحديث 344.وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص491، الباب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
[6] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج4، ص107، الحديث 345.وسائل الشيعة، ج9، ص498، الباب7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.وسائل الشيعة، ج9، ص498، الباب7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.وسائل الشيعة، ج9، ص492، الباب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo