< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وسبعة وستون: الطائفة الخامسة الخمس عوض عن الزكاة

 

الطائفة الخامسة ما ورد في أن الخمس عوض عن الزكاة وبمقتضى العوضية فإن الخمس يتعلق بالعين كما أن الزكاة يتعلق بالعين لا بالذمة.

ويمكن الاستدلال ببعض الروايات:

منها مرسلة حماد المتقدم في الطائفة الرابعة، وجاء فيها «وإنما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات الناس»[1]

ومنها مرفوعة أحمد بن محمد، وجاء فيها: «والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد ـ عليهم السلام ـ الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة عوضهم الله مكان ذلك بالخمس»[2] .

يضاف إلى هاتين الروايتين ما ورد في الزكاة من أن الفقراء شركاء في أموال الأغنياء، ومن ذلك موثقة أبي المغراة وفي وسائل الشيعة أبي المغراء عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ قال: «إن الله تبارك وتعالى الشركاء بين الأغنياء والفقراء في الأموال فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم»[3] .

وغيرها من الروايات ومقتضى الشركة في الأموال أن يكون الخمس كالزكاة متعلق بالعين وإلا لم يكن للشركة في المال معنى هذا تمام الكلام في الاستدلال بالطائفة الخامسة.

ولكن يمكن المناقشة في هذا الوجه بأمرين:

الأول منع الصغرى.

بيان ذلك:

ما ورد من أن الخمس عوض عن الزكاة عبارة عن ثلاث روايات وكلها ضعاف فلا يمكن الاعتماد عليها الأولى مرسلة والثانية مرفوعة إلا أن يقال بصحة مرسلة حماد بن عيسى غريق الجحفة فيكون المدار على منع الكبرى.

وبالإضافة إلى هاتين الروايتين توجد رواية ثالثة وهي رسالة الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ في الخمس التي رواها ابن شعبة الحراني في كتابه تحف العقول عن آل الرسول إلا أن روايات هذا الكتاب مرسلة ولم يثبت اعتبارها فلا يتم الاستدلال.

الوجه الثاني منع الكبرى بأن يقال إن العوضية أي كون عوض عن الزكاة لا تستلزم أن يكون العوض وهو الخمس مماثلاً للمعوض وهو الزكاة في جميع الأحكام فلعل هذه الروايات التي تثبت العوضية جعلت العوضية عن الزكاة من حيث كونه حقاً مجعولاً للأصناف المذكورين في آية الخمس الفقراء والمساكين وابن السبيل وقصرت هذه الروايات التعويض على نفس الحق.

يعني كما أن الزكاة حق للفقراء والمساكين وابن السبيل لكن خصوص الفقراء والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم لا يحق لهم الزكاة وعوضهم الله عنها بالخمس.

فالخمس مجعول لهذه الأصناف عوضاً عن أوساخ ما في أيدي الناس ولا نظر لهذه الروايات التي تثبت العوضية إلى مساواة الخمس للزكاة في جميع الأحكام وأنه لا يوجد أي اختلاف بين العوض وهو الخمس والمعوض عنه وهو الزكاة في جميع الأحكام الشرعية وهذا ليس بعزيز.

فإذا تمت المناقشة وهي ليست ببعيدة والقدر المتيقن من التنزيل هو التنزيل في أصل الحق لا في جميع خصوصيات الحق لكي نقول بأن الزكاة كما تتعلق بالعين كذلك الخمس أيضاً يتعلق بالعين فإذا لم تتم الطائفة الخامسة من الروايات فإنه تكفي الطوائف الأربع المتقدمة، والله العالم.

وبذلك يظهر أن القول بتعلق الخمس بالعين قوي وهو ظاهر الأدلة كما أن القول الخمس بالذمة ضعيف جداً.

لكن يمكن الاستدلال على صحة القول بأن الخمس يتعلق بالذمة بوجهين:

الوجه الأول ما ورد في بعض الروايات من التعبير في وجوب الخمس بكلمة «على» الظاهرة في ثبوت الشيء في الذمة:

منها صحيحة علي بن مهزيان فقد جاء فيها «فقال لي: بعضهم وأي شيء حقه؟ فلم أدري ما أجيبه، فقال ـ عليه السلام ـ : يجب عليهم الخمس»[4]

تقريب الاستدلال:

قال يجب «عليهم» يعني في ذمتهم الخمس.

ومنها معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: «كتبت إليه في الرجل» إلى أن يقول: «وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً فهل عليه الخمس؟

فكتب ـ عليه السلام ـ : أما ما أكل فلا وأما البيع فنعم هو كسائر الضيع»[5] .

لكن يشكل على هذا الاستدلال بأن لفظة «على» وردت في كلام السائل إذا السائل قال: «هل عليه الخمس؟» لكن يجاب عن ذلك بأن الإمام ـ عليه السلام ـ أقر ذلك وجواب الإمام في مقام الإجابة على هذا السؤال فيتم الاستدلال بمعونة تقرير الإمام ـ عليه السلام ـ ويتم المطلوب.

ومنها صحيحة أبي عبيد الحذاء قال: «سمعت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ يقول أيما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإن عليه الخمس»[6] .

الشاهد قوله ـ عليه السلام ـ : «فإن عليه الخمس».

ومنها صحيحة الريان بن الصلت قال: «كتبت إلى أبي محمد ـ عليه السلام ـ » والرواية طويلة إلى أن يقول: «فكتب يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى» لم يقل يجب فيه الخمس أو فيها الخمس، قال: يجب عليك فيه الخمس»[7] .

وظاهر هذه الروايات تعلق الخمس بالذمة لأن كلمة «على» مفادها الاستعلاء والاستعلاء والعلو الحقيقي غير ممكن في المقام فيكون المراد به أن هذا التكليف ثابت في ذمة المكلف، ويكون لسانها لسان قوله تعالى: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) سورة البقرة آية مئة وثلاثة وثمانين، وقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) سورة ال عمران آية سبعة وتسعين أي يثبت الحج في ذمة المستطيع من الناس.

ومن الواضح أن المال الخارجي لا يقع ذمة المكلف وإنما يقع في ذمة المكلف المال الذمي الذي يثبت في ذمته للعين الخارجية لعدم السنخية حينئذ بينهما فما يجب على المكلف هو الحق أو الدين في الذمة وليس المال الخارجي.

هذا تمام الكلام في بيان الوجه الأول في الاستدلال على ثبوت الخمس في الذمة.

الوجه الثاني أن تشريع الخمس هو الزكاة واحد على الظاهر من الأدلة لما ورد في بعض الروايات من أن الخمس عوض الزكاة هذه الجهة الأولى.

والجهة الثانية ورد في صحيحة عبد الله بن سنان قال: قال: «أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ أنزلت آية الزكاة خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها» سورة التوبة آية مئة وثلاثة «وأنزلت في شهر رمضان فأمر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ مناديه فنادى في الناس إن الله قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة وفرض الله عزّ وجل عليهم من الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير والتمر فنادى فيهم بذلك في شهر رمضان وعفا لهم عما سوى ذلك عما سوى ذلك»[8] .

ومقتضى هاتين الجهتين:

الجهة الأولى ما ورد من أن عوض عن الزكاة.

والجهة الثانية الرواية الشريفة التي جاء فيها «إن الله قد فرض عليكم الزكاة» فالزكاة تثبت عليكم أي في ذمتكم وما يقوم مقامها وهو الخمس أيضاً يثبت عليكم فمقتضى هاتين الجهتين تعلق الخمس بالذمة كالزكاة التي تتعلق بالذمة وتعلق الزكاة بالذمة يستفاد من هذه الصحيحة لعبد الله بن سنان.

هذا تمام الكلام في بيان الوجه الثاني.

وكلا الوجهين ليس بتام، وذلك:

أولاً إن ظاهر كلمة «على» وإن كان هو الاستعلاء إلا أنه لا بد من المسانخة بين متعلق الاستعلاء وبين المستعلى عليه، وهي ذمة المكلف، ولكن لا يجب أن يكون متعلقه هو المال بل المتعلق هو أداء المال وإخراجه وهو مسانخ لذمة المكلف بمعنى أن أدائه كان على عهدة المكلف.

وعليه لا يستلزم ذلك أن يكون المال ذمياً فالروايات التي تقول: «ثبت عليكم الخمس والزكاة» أي يجب عليكم أداء الخمس والزكاة.

والشاهد على ذلك أن بعض الروايات جمعت بين لفظ «على» ولفظ «في» و«في» ظاهرها في الظرفية وتعلقها بالمال كصحيحة علي بن مهزيار في قوله عليهم ـ عليه السلام ـ : «يجب عليهم الخمس» إلى أن يقول: «في أمتعتهم وضياعهم»[9] .

فكيف نجمع بين قوله «عليهم» وبين قوله «في أمتعتهم وضياعهم»؟

والجمع يكون بحمل تعلق الخمس نفس الأمتعة والضياع أي تعلقه بالعين ويثبت في الذمة وجوب الأداء وجوب أداء الخمس أو الزكاة من العين.

وثانياً لو تنزلنا جدلاً، طبعاً هذا التعبير «على وفي» ورد أيضاً في صحيحة الريان بن الصلت ومعتبرة أبي بصير وغيرها من الروايات فيها «على وفي» في نفس الرواية[10] .

ولكن ثانيا لو تنزلنا وقلنا ماذا؟ لابد من رفع اليد عن ظهور هذه الروايات بما تقدم من يعني لو لو قلنا ماذا لو قلنا هذه الروايات ظاهرة في ثبوت الخمس في الذمة، والجواب الأول ليس بتام بعد صار تعارض بين هذه الروايات والطوائف الخمس المتقدمة أو الأربع بالإضافة إلى الاستدلال بالآية الكريمة آية الغنيمة.

وبالتالي لابد من رفع اليد عن ظهور الروايات الدالة على تعلق الخمس بالذمة بما تقدم من الآية والروايات والطوائف الخمس الدالة على تعلق الخمس بالعين.

بالإضافة إلى ما تقدم من إشكال العوضية وأنه لم يثبت مطلق العوضية وأن القدر المتيقن من كون الخمس عوضاً عن الزكاة وفي خصوص أصل ثبوت الحق لا مطلق الخصوصيات هذا أولاً.

وثانياً من قال إن الزكاة تتعلق بالذمة حتى تستدل بأن الخمس الذي يقوم مقام الزكاة أيضاً يتعلق بالذمة فثبت العرش ثم النقش بل نحن نلتزم أن الزكاة تتعلق بالعين وكذلك الخمس يتعلق بالعين فلا يتم هذا الاستدلال.

النتيجة النهائية في المقام الأول ظاهر الأدلة هو تعلق الخمس بعين المال لا الذمة.

ومن هنا يقع الكلام في نحو تعلق الخمس بالمال وبالعين وأنه على أي نحو من الأنحاء هذا ما سنبحثه في المقام الثاني.

المقام الثاني يأتي عليه الكلام.

 


[1] وسائل الشيعة، ج9، ص513، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 10.
[2] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج4، ص11، الحديث 363.وسائل الشيعة، ج9، ص514، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9.
[3] الكافي، ج3، ص535، باب الرجل يعطي من الزكاة من يظن أنه معسر ثم يجده موسراً، الحديث 3.وسائل الشيعة، ج9، ص215، الباب2 من أبواب المستحقين للزكاة ووقت التسليم والنية، الحديث 4.
[4] تهذيب الأحكام، ج4، ص118، الحديث 352.الاستبصار، ج3، ص74، الحديث 188.وسائل الشيعة، ج9، ص500، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3، مع اختلاف يسير.
[5] وسائل الشيعة، ج9، ص504، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.
[6] تهذيب الأحكام، ج4، ص108، الحديث 354.ونفس المصدر ص122، الحديث 392.وسائل الشيعة، ج9، ص505، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
[7] تهذيب الأحكام، ج4، ص122، الحديث 393.وسائل الشيعة، ج9، ص504، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9.
[8] الكافي، ج3، ص409، كتاب الزكاة، باب فرض الزكاة وما يجب في المال، الحديث 2.من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج2، ص13، الحديث 1600.وسائل الشيعة، ج9، ص53، الباب8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه، الحديث 2، مع اختلاف يسير فيهما.
[9] تهذيب الأحكام، ج4، ص108، الحديث 352.وسائل الشيعة، ج9، ص500، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
[10] وسائل الشيعة، ج9، ص504، الباب2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo