< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/07/16

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وخمسة وستون: أنحاء تعلق الخمس

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى ـ رحمه الله ـ المسألة الخامسة والسبعون:

«الخمس بجميع أقسامه متعلقٌ بالعين».

تعرض السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في المسألة خمسة وسبعين من العروة الوثقى إلى خمسة أحكام:

الحكم الأول هل الخمس متعلق بالعين أو الذمة؟ وهذا هو العمدة في هذه المسألة، وتترتب عليه ثمرات مهمة سنتطرق إليها، تفصيل الكلام:

إن الصور المحتملة في كيفية تعلق الخمس بالمال واستحقاق أربابه خمسٌ لأن الخمس إما أن يتعلق بالمال على نحو الملكية بمعنى أن لأرباب الخمس حقاً في المال أو لا تعلق بمالٍ، وبناءً على الأول وهو تعلق الملكية بالمال إما أن يتعلق الخمس بالعين من حيث المالية مع خصوصية المال الشخصية وهذه الخصوصية إما بنحو الإشاعة بحيث يكون أرباب الخمس شركاء مع المالك في كل في كل حصة حصة من المال أو على نحو الكلي في المعين أي أن أرباب الخمس يملكون كلي الخمس أي نسبة عشرين في المئة من المال المعين وهو مال المالك.

والفرق بينهما أن الملكية بنحو الإشاعة هي عبارة عن اشتراك أرباب الخمس مع المالك في كل حصة حصة من جميع المال بينما على الكلي في المعين فهم شركاء المالك في خصوص مقدار الخمس وهو عشرين في المئة دون ما عداه وهو ثمانون بالمئة.

وإما أن يتعلق الخمس بالعين من حيث المالية فقط من دون دخل الخصوصيات الشخصية كخصوصية الإشاعة أو خصوصية الكلي في المعين.

والثمرة في ذلك أن المهم أن لا تنقص القيمة المالية وأن لا يتصرف المالك تصرفاً يوجب نقصان المالي لأن أرباب الخمس شركاء معه في مالية المال.

وإما أن لا يتعلق الخمس بالعين من جهة المالية بل إن تعلق الخمس واستحقاق أرباب الخمس له إنما هو من الحق لا من باب الشركة فالخمس حق قائم بالعين لأرباب الخمس فهو كحق الرهان بالنسبة إلى العين المرهونة أو حق الأرش بالنسبة إلى الجناية المتعلقة بالعبد الجاني وغير ذلك.

وإما أن الخمس لا يتعلق بالعين مطلقاً بل هو على ذمة المالك.

ومن هنا اتضح أن الاحتمالات بل الأقوال خمسة لأن الخمس إما لا يتعلق بالعين أصلاً وهو القول الخامس وإما أن يتعلق بالعين، وإذا تعلق بالعين إما أن يتعلق من حيث المالية أو لا من حيث المالية بل يكون حقاً وهذا هو القول الرابع، وإذا تعلق بالعين من حيث المالية إما من حيث فقط وهو القول الثالث وإما من حيث المالية مع خصوصياتها الشخصية، وإذا كان من حيث المالية مع خصوصياتها الشخصية إما أن تكون هذه الخصوصية هي الإشاعة والكسر على نحو الإشاعة، وإما أن تكون من جهة الكل في المعين.

هذه أقوال خمسة نذكرها تباعاً إن شاء الله.

أما أصل تعلق الخمس بالعين الشامل للأقوال الأربعة فهو المشهور والمعروف بين الفقهاء بل المظنون عدم الخلاف فيه إن لم تكن دعوى التسالم، ففي رسالة الشيخ الأعظم الأنصاري[1] ـ رضوان الله عليه ـ أن المظنون عدم الخلاف في تعلق الخمس بالعين، بل ادعى العلامة في التذكرة في كتاب الزكاة نسبة تعلق الزكاة بالعين إلى علمائنا[2] ، كما قال العلامة في المنتهى أنه مذهب علمائنا أجمع[3] هذا في أصل تعلق الخمس بالعين وهو يبحث أيضاً في تعلق الزكاة بالعين.

وقد ذكر سيد المستمسك ـ رحمه الله ـ أنه كان يأمل أن يكتب رسالة في هذه المسألة تعلق الزكاة بالعين، ولكن حالة الظروف من المشاكل التي حصل للطلاب الإيرانيين والعراقيين في النجف الأشرف ولم يكتب رسالة مستقلة[4] .

إذا هذه المسألة مسألة مهمة وعملية وتترتب عليها ثمار لدرجة أن السيد الحكيم ـ رحمه الله ـ كان يأمل ويتمنى أن يكتب رسالة مستقلة في هذه المسألة وهي أن الزكاة هل تتعلق بالعين، ومن ملحقات الزكاة الخمس، هل يتعلق بالعين أو الذمة؟ وإذا تعلق بالعين فبأي نحو؟

الآن نذكر الأقوال الخمسة:

القول الأول تعلق الخمس بالعين على نحو الإشاعة وهو ظاهر جماعة منهم صاحب الجواهر[5] والسيد الخوئي[6] ـ قدس سرهما ـ .

القول الثاني تعلق الخمس بالعين على نحو الكلي في المعين وقد اختاره جماعة منهم السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى[7] .

القول الثالث تعلق الخمس بالعين على نحو الشركة في المالية، واختاره الشهيد السيد محمد باقر الصدر وجمع آخرون[8] .

وقد أبدع سيدنا الأستاذ السيد محمد الهاشمي في هذا الباء كتب تقريباً سبعة عشر صفحة من تقريبًا ثلاثمئة وسبعة وعشرين إلى ثلاثمئة وأربعين أكثر من سبعة عشر صفحة أبدع أصل هذا المبحث هناك.

القول الرابع تعلق الخمس بالعين بنحو الحق القائم بالعين، وهو ظاهر العلامة في التذكرة[9] وظاهر الشيخ الأنصاري[10] وظاهر السيد محسن الحكيم في كتاب الزكاة، لكن السيد الحكيم تردد في كتاب الخمس بين تعلق الخمس بالعين بنحو الحق أو بنحو الإشاعة[11] .

القول الخامس إن الخمس متعلق بالذمة لا بالعين، فقيل: إن قائله مجهول أو شاذ[12] .

وهناك عدة ثمرات تترتب على هذه الأقوال وستتضح حينما نبحث هذه الفروع الخمسة، ولكن لا بأس ببيان ثمرتين:

الثمرة الأولى جواز التصرف في جميع المال ومنه البيع لجميع المال بناءً على القول بتعلق الخمس بالذمة دون غيره من الأقوال الأربعة التي ترى تعلق الخمس بالعين فإن أرباب الخمس لهم حقّ في العين فلا يجوز التصرف في هذه أجمعها.

تفصيل ذلك:

أما بناءً على القول بالإشاعة فإنه يجوز له التصرف فيما لو كان مقدار الخمس باقياً لكن يجوز له التصرف على نحو الإشاعة فيجوز له أن يبيع النصف أو ثلاثة أرباع لكن لا يجوز له أن يبيع أكثر من أربعة أخماس بل لا بد أن يبقى مقدار الخمس هذا على نحو الإشاعة.

وأما بناء على الكلي في المعين فإنه يجوز له التصرف في المال معيناً، وكذلك بناءً على الشركة في المالية فيما إذا كان مقدار الخمس باقياً.

لكن بناءً على القول بأن التعلق بنحو الحق القائم بالعين فإنه لا يجوز له التصرف فيه أصلاً لأنه تصرف في حق أرباب الخمس من دون إذنه.

الثمرة الثانية يجوز أداء الخمس من مال آخر بناء على القول بالشركة في المالية بخلافه على القولين من الإشاعة أو الكلي في المعين.

والمهم في المسألة هو بيان الأدلة والأقوال وتعيين الحق منها مما يستفاد ويستظهر من الأدلة، ومن هنا يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول البحث عن مقتضى الأدلة وأنها هل تدل على أن الخمس يتعلق بالعين أو يتعلق بالذمة؟

المقام الثاني إذا تعلق الخمس بالعين لا بالذمة وثبت ذلك فإنه يأتي البحث في نحو تعلق الخمس بالعين بأحد الأنحاء الأربعة.

المقام الأول يستفاد من الأدلة أن الخمس يتعلق بالعين لا بالذمة وهو الظاهر من الكتاب والسنة.

أما فلقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ﴾[13] ، والظاهر من اللام أنها لام الملكية ومتعلقها هو ما غنمتم والمعنى أن خمس المغنم والفائدة يكون ملكاً لله سبحانه ولرسوله ولذي القربى ولا أقل من دعوى الاختصاص فنحمل اللام على لام الملكية أو لام الاختصاص فالآية الشريفة تثبت حكماً وضعياً لا أن الخمس حكمٌ تكليفي متعلق بذمة الغانمين فقط. نعم، يترتب على الحكم الوضعي وهو ثبوت الخمس في الغنيمة حكم تكليفي وهو وجوب إخراج وأداء الخمس من العين هذا بحسب ظهور الآية، وأما إخراجه من غير العين فهذا يحتاج إلى دليل واستظهار سيأتي إن شاء الله.

وقد أشكل على الاستدلال بالآية الكريمة بأن المأخوذ في الآية هو الغنيمة والفائدة المستندة إلى الشخص المتوقف صدقها على الملكية أي ملكية الشخص، فموضوعه ملكية المالك، وبالتالي لا محالة يكون تعلق الخمس في طول ملكية المالك ولا يعقل إلا بأن يكون حقاً متعلقاً بما استند إلى المالك على وجه الغنم، ولو كان الخمس ملكاً لأرباب الخمس كالإمام أو السادة النجباء لما صح استناد الغنم والغنيمة بتمامها إلى المالك كالمحارب.

وفيه: إن استناد الغنيمة إلى الشخص الغانم لا يتوقف على ملكيته لها بل يكفي مجرد الاحتواء والتسلط على المال فإذا أمسك الغانم بالغنيمة وأطبق عليها صح أن يخاطب بأنه غنيمة، فصدق عنوان غنمتم بالنسبة إلى المحارب لا يتوقف ملكية المحارب للغنيمة بل يكفي تسلطه عليها هذا أولاً.

وثانياً لو سلمنا جدلاً وتنزلنا وقلنا إن مجموع الغنيمة ملكٌ للغانم فإنه بناء على ذلك يكفي في استناد الغنيمة إليه أن يكون أغلب الغنيمة ملكاً له ولا يشترط أن يكون تمام الغنيمة ملكاً له.

ولذا ورد في بعض الروايات الشريفة المتضمنة للآية الكريمة أن للإمام ـ عليه السلام ـ صفو المال من الدابة الفارهة والجارية الحسناء والسيف القاطع وغير ذلك مما يماثله ولا ريب أن هذه الأمور تكون ملكاً للإمام ـ عليه السلام ـ خالصةً له ولا يشاركه الغانمون حتى لو وضعوا يدهم عليها.

وكذلك الخمس حاله حال صفو المال فكما يكون صفو المال للإمام ـ عليه السلام ـ كذلك مقدار الخمس يكون للإمام ـ عليه السلام ـ .

النتيجة النهائية: الآية الكريمة ظاهرة في تعلق الخمس بعين المال، والإشكال على ذلك ليس بتام فلا يستفاد من الآية الكريمة أن الغنيمة ملك للغنمين والخمس يتعلق بذمتهم بل يستفاد من الآية الكريمة أن الخمس يتعلق بالعين لأن الخمس أسند إلى نفس الغنيمة (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) يعني خمس نفس الشيء خمس عين الشيء، وهذا ما سيأتي إن شاء الله من دلالة روايات السنة الشريفة التي تقول: «فيه الخمس، عليه الخمس، أخرج الخمس» وغيرها من الروايات الظاهرة في تعلق الخمس بنفس العين لا تعلق الخمس بالذمة.

هذا تمام الكلام في الاستدلال على تعلق الخمس بالعين لا الذمة بالكتاب الكريم، الاستدلال على ذلك بالسنة الشريفة يأتي عليه الكلام.


[1] كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، ص278.
[2] تذكرة الفقهاء، ج5، ص186، المسألة 123.
[3] منتهى المطلب، العلامة الحلي، ج8، ص244.
[4] مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم، ج9، ص185.
[5] جواهر الكلام، ج15، ص138.
[6] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص237.
[7] العروة الوثقى، ج4، ص296، التعليقات 15.
[8] بحوث في الفقه، السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، كتاب الخمس، ج2، ص328 إلى 329.
[9] تذكرة الفقهاء، ج5، ص186، المسألة 123.
[10] كتاب الخمس، الشيخ الأنصاري، ص278.
[11] مستمسك العروة الوثقى، السيد الحكيم، ج9، ص175 و 176 وصفحة 559.
[12] مستمسك العروة الوثقى، السيد الحكيم، ج9، ص175.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo