< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/07/12

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وأربعة وستون: ملاك جبر الخسارة بالربح

 

قلنا أن سبب تعدد الأقوال في مسألة الجبر يرجع إلى اختلاف لحاظ الملاك في الجبر، وتوجد احتمالات ثلاثة:

الأول التعميم في الربح والفائدة.

الثاني التعميم في المؤونة.

الثالث اختصاص الربح والفائدة بكل تجارة بخصوصها.

ولتعيين الملاك الصحيح لابد من الرجوع إلى الأدلة والروايات الشريفة فإن استفيد منها تعيين الملاك فهو وإلا فلنرجع إلى العرف وبمراجعة الروايات الشريفة والعرف يمكن استظهار الملاك الثاني وهو التعميم في المؤونة.

فالخسارة والتلاف الذي يصدق عليه أنه مؤونة العمل تشمله أدلة استثناء المؤونة من دون نظر إلى تجارة خاصة أو صناعة خاصة أو زراعة خاصة، فكل خسارة أو تلف في هذه الأمور المختلفة إذا صدق عليه أنه مؤونة العمل فحينئذ تشمله أدلة استثناء المؤونة.

ويمكن استفادة ذلك من عدة روايات:

الرواية الأولى معتبرة محمد بن الحسن الأشعري قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني ـ عليه السلام ـ أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجال من قليل وكثير ومن جميع الضروب وعلى الصناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه: الخمس بعد المؤونة»[1] .

تقريب الاستدلال:

التمسك بجواب الإمام ـ عليه السلام ـ وهو مطلق ولم يستثني منه شيئاً مما ذكر في السؤال، بل جاء في السؤال لفظ من جميع الضروب فيستفاد التعميم، فيعم كل ربح وفائدة وتجارة وصناعة وكل ما يصرف في مؤونتها.

الرواية الثانية صحيحة الريان ابن الصلت قال: «كتبت إلى أبي محمد ـ عليه السلام ـ ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحن في أرض قطيعة لي وفي ثمن سمكٍ وبردي وقصب ابيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب ـ عليه السلام ـ : يجب عليك فيه الخمس أن شاء الله تعالى»[2] .

تقريب الاستدلال:

إن الرواية ورد فيها أرباح مختلفة وعناوين مختلفة فأجاب الإمام ـ عليه السلام ـ بقول مطلق قائلاً: «يجب عليك فيه الخمس» مع أن أسباب الاكتساب المذكورة في الرواية الشريفة مختلفة ومتعددة فيستفاد منها الملاك الأول تعميم الربح والفائدة.

الرواية الثالثة خبر أحمد بن محمد بن عيسى عن يزيد قال: «كتبت جعلت لك الفداء تعلمني ما الفائدة؟ وما حدها؟ رأيك ابقاك الله أن تمن علي ببيان ذلك لكي لا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم، فكتب ـ عليه السلام ـ : الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام أو جائزة»[3] .

ويمكن المناقشة في سند هذه الرواية إذ ورد فيها عنوان يزيد لكن الظاهر أن المراد به يزيد بن إسحاق شعر أي أحيانا يلقبونه بالشعراني بقرينة رواية أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي عنه، ويزيد الشعراني وإن لم يرد فيه توثيق لكن يمكن توثيقه على مبنانا إذ ورد في كتاب نوادر الحكمة بمحمد بن أحمد بن يحيى الأشعري ونحن نبني على أن كل رجل قد ورد في نوادر الحكمة ولم يستثنه محمد بن الحسن بن الوليد والصدوق والسيرافي هؤلاء الأعلام الثلاثة فهو ثقة، وهذا نفسه مبنى شيخنا الأستاذ الداوري[4] وبه صحح هذه الرواية، هذا من جهة السند.

وأما من جهة الدلالة فإن الإمام ـ عليه السلام ـ ذكر أسباب مختلفة للاكتساب وظاهر الرواية أنه لم يذكرها على سبيل الحاصر وإنما ذكرها على سبيل التمثيل فإن الإمام ـ عليه السلام ـ أشار إلى السبب الأول وهو ربح التجارة، والسبب الثاني الحرث والزراعة بعد الغرم والسبب الثالث الجائزة، فهذه أسباب مختلفة لحصول الفائدة فيمكن استفادة التعميم منها.

وبالتالي نقول بعموم الفائدة وعموم المؤونة المستثناة من تلك الفوائد هذه ثلاث روايات، ويمكن تأييدها بروايتين:

الرواية الأولى رواية أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ الرواية طويلة وقد جاء فيها: «لقد يسر الله على المؤمنين أنه رزقهم خمسة دراهم وجعلوا لربهم واحدا وأكلوا أربعة حلالاً» ثم قال: «هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به ولا يصبر عليه إلا ممتحن قلبه الإيمان»[5] .

والسر في جعل هذه الرواية مؤيدة هو ورود لفظ أبي محمد في أول السند وبما أنه ورد في أول السند فهو هو شيخ الصفار لكنه مجهول فهذه الرواية مخدوشة من ناحية السند.

وأما من ناحية الدلالة فقد يقال أن المراد من الفائدة هو مجموع ما يحصل لهم لا ما يحصل منها في كل تجارة تجارة فإن الإمام ـ عليه السلام ـ عبر بالأرزاق وأضافها إلى الناس وإلى المؤمنين فيستفاد من ذلك التعميم إذ قال: «رزقهم خمسة دراهم» أي أن جميع الأسباب من تجارة وصناعة وزراعة وجائزة كلها يصدق عليها رزق الله للمؤمنين فالرواية عممت ولم تفرد الأسباب.

ولكن قد يناقش في الاستدلال بها من أن الإمام ـ عليه السلام ـ كان في مقام بيان أصل التشريع وأن الله عزّ وجل أوجب الخمس على المؤمنين في موارد الخمس مما رزقهم إياه وإخراج الخمس والاستمرار في إخراجه لا يقدر عليه إلا الأوحد من الناس وبذلك تكون غير ناظرة إلى موطن بحثنا ولم تكن في مقام البيان من هذه الجهة.

المؤيد الثاني رواية تحف العقول عن إمامنا الرضا ـ عليه السلام ـ في كتابه إلى المأمون قال: «والخمس من جميع المال مرة واحدة»[6] .

ويستفاد من هذه الرواية أن الخمس متعلقٌ بكل ما يملكه المكلف ويحصله بأي سبب من الأسباب.

لكن هذه الرواية مرسلة فروايات تحف العقول مرسلة وقد شهد المؤلف الحسن بن شعبة الحراني بأن هذه الروايات روايات كتابه تحف العقول كلها مسندة لكنه قد حذف أسانيدها بقصد التخفيف والإيجاز مع الآسف الشديد، وأن ما هو موجود في كتابه نقله الثقات عن الأئمة ـ عليهم السلام ـ .

ومن هنا وقع البحث بين في أن ما ذكره في ديباجة كتابه من شهادة هل توجب التوثيق أو لا؟ وهل توجب تصحيح الراوي؟ الذي هو ثمرة رجالية أو تصحيح المروي الذي هو ثمرة حديثية وروائية أو لا؟

وقد ذكر شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ في كتابه أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق الجزء الأول من صفحة أربعمئة واثنين وثمانين إلى أربعمئة وثلاثة وثمانين هذا البحث وانتهى إلى عدم صراحة شهادته في إرادة وثاقة جميع السند بل هي تحتمل أيضاً إرادة وثاقة الراوي الأخير فقط فلا بد من التعامل مع روايات الكتاب بالاحتياط[7] .

وقد ذكرنا في بحوثنا الرجالية توجيهاً عاماً وهو أن جميع هذه الكتب وديباجاتها لا يستفاد منها توثيق الراوي الذي هو ثمرة رجالية إذ أن المؤلف كالكليني في الكافي والصدوق في من لا يحضره الفقيه فضلاً عن غيرهما من بقية الكتب المعتبر كانوا بصدد اعتبار أصل الكتاب، واعتبار أصل الكتاب لا يتنافى مع وجود روا ضعيفة اعتبار أصل الكتاب أي أنه مأخوذ من أصول معتبرة ومعتمدة عند الطائفة المحقة وهذا لا ينحل إلى رجل رجل وفرد فرد من الرواة الواردين في سلسلة السند، ومن هنا ذهبنا إلى أن ديباجة جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارة لا تفيد توثيق خصوص مشايخه المباشرين فضلاً عن وثاقة جميع الرجال الواردين في السند، وهكذا ما ينسب إلى القمي من ديباجة في تفسيره فإنها لا تدل على وثاق جميع الرجال الواردين في السند وإنما تدل على اعتبار أصل الكتاب.

نعم، بعض التعابير المؤلفين قد يفهم منها التصريح بذلك كقول الكليني ـ رحمه الله ـ وقد أجبنا ما سأل وقمنا بتأليف كتاب كافٍ يكتفي به من يريد العمل بالأخبار الصحيحة، هناك قد صرع بأن الأخبار صحيحة لكنها تحمل على الصحة عند المتقدمين لا الصحة عند المتأخرين والصحة عند المتقدمين هي عبارة عن اعتضاد الخبر بقرائن تفيد الوثوق والاطمئنان بصدوره وهذا يشمل حتى الأخبار المرسلة إذا اعتضدت بقرائن تفيد الوثوق والاطمئنان كما لو ورد في الرواية في أصل عرض على الإمام ـ عليه السلام ـ ككتاب يونس كتاب يوم وليلة ليونس بن عبد الرحمن وغيره مما عرض على الإمام ـ عليه السلام ـ فقال: «هذا ديني ودين آبائي وهو الحق كله» فتكفي هذه القرينة فنستفيد تصحيح المروي لا تصحيح الراوي فتكون الثمرة حديثية وروائية وليست رجالية.

يلا هاي جملة معترضة شوي اشتهينا شوي رجال نريد نرجع للموضوع.

والحاصل بالرجوع إلى الروايات الشريفة يستفاد أن الفائدة والربح يلاحظان بحسب المجموع لا كل على حده كذلك المؤونة، وهذا موافق لنظر العرف فإنهم يحكمون بأن من ربح في نوع من التجارة وخسر في أخرى لا يعد رابحاً ومستفيداً بعد الكسر والانكسار، فإذا بقي من الربح شيء بعد الكسر والانكسار قيل: أنه استفاد هذا المقدار بلا فرق بين أن يكون له دفتر واحد وحساب واحد وبين أن يكون له أكثر من ذلك كما أفاد بعض الأعلام كالسيد الإمام الخميني ـ رضوان الله عليه ـ في تعليقته على العروة الوثقى ففرق بين اتحاد الدفتر واختلاف الدفتر.

والحال أنه لا موضوعية لوحدة الدفتر والحساب عند العرف في الواقع، والفائدة وعدم الفائدة من الأمور الواقعية فإذا بقي له شيء في الواقع بعد الكسر والانكسار صدق عليه أنه ربح عند العرف، وإذا لم يبقى له شيء بعد لحاظ الخسارة والتلف فإن العرف لا يراه أنه قد ربح شيئاً.

ولعله يمكن استفادت ذلك من قوله ـ عليه السلام ـ في موثقة سماعه: «الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير»[8] فإنه يفهم منها أن كل ما استفاده الناس فيه الخمس بناء على كون أفاد بمعنى استفاد ويكون لفظ الناس فاعلاً.

الخلاصة:

التعميم موافق للعرف والروايات الشريفة، فإذا عممنا الربح عممنا أيضاً المؤونة فيوجد تعميم في الربح الذي هو الملاك الأول ويوجد تعميم أيضاً في المؤونة الذي هو الملاك الثاني فبعد ثبوت الدليل على استثناء المؤونة والمؤونة أعم من مؤونة الربح ومال التجارة والاكتساب وأعم من مال المعيشة ومؤونة السنة بالتالي أيضاً يكون الاستثناء أعم.

كما يمكن استفادة التعميم من ظاهر رواية الأشعري الأولى التي ذكرناها الخمس بعد المؤونة بعد تقرير الإمام ـ عليه السلام ـ أن الخمس على جميع الضروب فيفهم منها مؤونة جميع الضروب وهي ظاهرة في مؤونة الجميع.

فتكون النتيجة:

إن ملاك جبر الخسارة بالربح هو أن يصدق على هذه الخسارة أنها مؤونة العمل، مؤونة العمل التجاري أو مؤونة الزراعة أو مؤونة الصناعة وهذا ما ذهب إليه سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي ـ رحمه الله ـ في كتابه الخمس الجزء الثاني صفحة ثلاثمئة وخمسة عشر، وموافق لما ذهب إليه شيخنا الأستاذ الدواري ـ حفظه الله ـ كتاب الخمس في فقه أهل البيت الجزء الثاني صفحة مئتين وثلاثين.

هذا تمام الكلام في المسألة الرابعة والسبعين واتضح أن الخسارة أو التلف تجبر من الربح مطلقاً ولا نلتزم حتى بالتفصيل الذي ذهب إليه سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[9] ـ رحمه الله ـ من أن العبرة بالخسارة اللاحقة للربح لا الخسارة السابقة على الربح لأن مبدأ حساب السنة هو ظهور الربح والخسارة السابقة على الربح لا تعد من نفس هذه السنة فإن المدى كل المدار على مبنانا أن يصدق على هذه الخسارة أنها مؤونة العمل فلو تقدمت الخسارة على الربح وصدق عليها أنها مؤونة لهذا الربح فإنها تستثنى، وهذا أيضا ما التزم به السيد الخوئي فإنه وإن اشترط أن تكون الخسارة لاحقة للربح ولا أن تكون متقدمة عليه لكن قال: إذا كانت الخسارة سابقة وكانت من باب الإعداد للاكتساب فإنها تستثنى لأنها تعد من مؤونة هذا الربح المتأخر والله العالم.

المسألة خمسة وسبعين يأتي عليها الكلام.


[1] وسائل الشيعة، ج9، ص499، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
[2] وسائل الشيعة، ج9، ص504، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.وأصل الرواية في تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي، ج4، ص122، الحديث 392 مع اختلاف يسير.
[3] وسائل الشيعة، ج9، ص503، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.
[4] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص227.
[5] بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، ص94، الباب12 نادرٌ من الباب، الحديث 5.وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص484، الباب1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6، مع اختلاف يسير بين المصدرين.
[6] تحف العقول، لابن شعبة الحراني، الحسن بن شعبة الحراني، ص415.وسائل الشيعة، ج9، ص490، الباب2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 13.
[7] الخمس في فقه أهل البيت، الشيخ الداوري، ج2، ص229.
[8] الكافي، ج1، ص624، باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 12.وسائل الشيعة، ج9، ص503، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
[9] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص283.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo