< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وواحد وستون: المقام الثاني الحكم بجواز تأخير الخمس

 

المقام الثاني الحكم بجواز تأخير الخمس هل هو إرفاق بالمالك أو لأن الخمس يتعلق بالربح بعد انتهاء السنة؟، فهل وقت تعلق الخمس هو عند ظهور الربح وغاية ما في الأمر أرفق به الشارع المقدس ولم يوجب عليه أن يخرج الخمس فوراً بل أرجئه إلى انتهاء السنة؟ أم أن الخمس لا يتعلق بمجرد ظهور الرابح وإنما وقت تعلق الخمس هو وقت انتهاء السنة؟

فالمشهور هو القول الأول هو أن وقت تعلق الخمس هو ظهور الربح، وجاز للمالك تأخير دفع الخمس إلى نهاية السنة إرفاقاً به، ونسب إلى ابن إدريس الحلي القول الثاني وهو أن وقت تعلق الخمس هو انتهاء السنة، حيث قال ما نصّه: «وأما ما عدا الكنوز والمعادن من سائر الاستفادة والأرباح والمكاسب والزراعات فلا يجب فيها الخمس بعد أخذها وحصولها بل بعد مؤونة المستفيد، ومؤونة من تجب عليه مؤونته سنة هلالية على جهة الاقتصاد»[1] .

لكن لعل مراد ابن إدريس من البعديات هي البعدية الرتبية لا الزمنية أي أن مرتبة إخراج الخمس بعد مرتبة إخراج المؤونة، فيكون كلام ابن إدريس موافقاً للمشهور، وقد ورد مثل تعبير ابن إدريس في كلام العلامة الحلي في منتهى المطلب[2] مع أن العلامة الحلي موافق للمشهور بل ادعى قيام الإجماع على أن الخمس يتعلق بظهور الربح.

ويمكن الاستدلال على القول الثاني وهو أن وقت تعلق الخمس هو انتهاء السنة بوجهين:

الوجه الأول ما ورد في الروايات الدالة على استثناء المؤونة وأن الخمس بعد المؤونة فمقتضى آية الغنيمة (واعلموا أنما غنمتم من شيء)، والروايات الشريفة كموثقة سماعة الدالة على أن الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير[3] .

هو أن الخمس ثابت من حين صدق الفائدة وهو أول ظهور الربح.

إلا أن هذه الرواية تقيد هذه الآيات والروايات تقيد بالروايات الدالة على أن الخمس بعد المؤونة فيكون مقتضى الجمع بينهما أن تعلق الخمس بالربح إنما يكون بعد انتهاء السنة وإخراج المؤونة.

وخلاصة الوجه الأول:

إن مقتضى الجمع بين الروايات الدالة على وجوب الخمس في الربح والروايات الأخرى الدالة على أن الخمس بعد المؤونة هو أن الخمس إنما يتعلق بانتهاء السنة لا بظهور الربح.

وقد أجيب عنه:

أولاً إن الظاهر من البعدية في هذه الروايات ليس البعدية الزمانية حتى يدعو على أن حدوث الخمس متأخر عن إخراج المؤونة بل المراد منها البعدية الرتبية نظير قوله تعالى: (من بعد وصية يوصي بها أو دين)[4] بمعنى أن مرتبة الخمس متأخرة عن مرتبة المؤونة كما أن مرتبة الإرث متأخرة عن الوصية والدين، ولا نظر فيهما إلى الزمان أصلاً.

والسر في ذلك:

أن كلمة بعد لا تدل على الظرفية الزمانية ولا تدل على الظرفية الرتبية، وإنما كلمة بعد ظرف مبهم ويرتفع إبهامه ويفهم معناه بما يضاف إليه فإن كانت لفظ بعد أضيفت إلى زمان أو زمان فإنها تفيد البعدية الزمانية كما لو قلت: بعد دقيقة أو بعد ساعة أو بعد يوم أو بعد حج أو بعد الصيام، وإن كان المضاف إليه مكاناً أو مكانياً فإنها تفيد البعدية كما لو قلت: الكوفة بعد البصرة، وأما إذا كان المضاف إلى بعد هو الحق أو المال فالمراد بها البعدية في الحق والمرتبة كما هو الحال في الآية الكريمة الواردة في الإرث.

وكذلك الحال في ـ عليه السلام ـ الخمس بعد المؤونة فلفظ المؤونة مضاف إليه فيستفاد أن المال المصروف في إعاشة نفسه وعياله حقّ من حقوقه فيكون الظاهر من البعدية عرفاً البعدية الرتبية بمعنى أن حق المكلف في المؤونة مقدمٌ على حقّ صاحب الخمس فيقدم عليه.

وبالتالي لا وجه لرفع اليد عن إطلاق الآية الكريمة (واعلموا أنما غنمتم من شيء) وكذلك لا وجه عن الروايات المفيدة لكون تعلق الخمس بالربح عند ظهوره لأنه يقع متعلقاً للأمر بالخمس من أول الأمر.

نعم، غاية ما في الأمر أن مقتضى الجمع بينهما هو أن الربح وإن كان متعلقاً للخمس من حين حدوث الربح لكنه مشروط بعدم صرفه في المؤونة بنحو الشرط المتأخر كما سيأتي إن شاء الله.

ثانياً لو سلمنا جدلاً وقلنا: إن الخمس يثبت في نهاية السنة ولا يثبت بمجرد ظهور الربح فهذا يلزم منه أنه جواز إتلاف الربح والإسراف في أثناء السنة ويجوز له أن يهبه هبة من غير شأنه أو ينقل هذا المال حيلةً ويبيعه ببيع غبني فيه إجحاف له أو لغيره بحيث لا يبقى موضوع للخمس فإذا انتهت السنة ولم يبقى الربح بناء على ذلك لا يجب عليه الخمس.

وهذا لازم لا يمكن الالتزام به حتى ابن إدريس الحلي ومما يمكن أن يلتزم بأن وقت تعلق الخمس هو انتهاء السنة لا يلتزم بأنه لو اتلف ماله أو تصرف تصرفاً غبنياً في أثناء السنة وانتهت السنة وليس له مال لا يلتزم بأنه لا يجب عليه الخمس بل يرى أن الخمس قد ثبت في حقه.

إذاً الوجه الأول ليس بتام.

الوجه الثاني ما ورد في صدر صحيحة علي بن مهزيار من قوله ـ عليه السلام ـ : «وإنما أوجب عليهم الخمس هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول»[5] .

تقريب الاستدلال:

إن المستفاد من صحيحة ابن مهزيار عدم وجوب الخمس في الذهب والفضة قبل انتهاء السنة، ونضم إلى هذا الاستدلال ضميمة، ونقول: بعدم القول بالفصل في الحكم بين وجوب الخمس في الذهب والفضة وبين غيرهما من سائر ما تعلق به الخمس، وبذلك يتم المطلوب أي أن الخمس في الذهب والفضة وغيرهما من الأجناس لا يجب قبل انتهاء السنة فيتم المطلوب واضح الاستدلال.

وفيه ما تقدم من أن هذه الصحيحة ليست في مقام بيان الحكم الشرعي وأحكام الخمس وإنما الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ كان في مقام بيان الحكم الولائي والتخفيف والعفو عن شيعته ولم يعلم سبب تقييد الإمام ـ عليه السلام ـ بالنسبة إلى الذهب والفضة خصوصاً مع ملاحظة أن قيد الذهب والفضة إنما يعتبر في زكاة النقدين لا في الخمس.

ومن المحتمل أن يكون السبب في التقييد بمرور الحول عليهما هو التخفيف من الإمام ـ عليه السلام ـ على شيعته، لا أن المعنى أن ذلك شرط في التكليف وأن السنة هي موقع تعلق الخمس.

إذا هذه الرواية لا يمكن الاعتماد عليها فالقول الثاني ليس بصحيح ويتعين ما ذهب إليه المشهور من تعلق الخمس بالربح عند حدوثه.

ومقتضى الجمع بين الأدلة هو أن الخمس يتعلق بمجرد ظهور الربح غاية ما في الأمر لا يجب عليه إخراج الخمس إلا عند انتهاء السنة.

ويترتب على ذلك هذه الثمرة: أنه لو أسرف أو اتلف ماله أثناء الحول لم يسقط عنه الخمس وكذا لو وهب ماله هبة لا تليق بشأنه أو اشترى بغبن حيلة في أثناء السنة فإنه لا يسقط عنه الخمس.

هذا تمام الكلام في هذه المسألة واتضح أن الخمس يتعلق بمجرد ظهور الربح غاية ما في الأمر يجوز للمالك تأخير إخراج الخمس إلى انتهاء السنة، بقي شيء مهم وهو أنحاء تعليق الخمس على عدم الصرف في المؤونة بنحو الشرط المتأخر.

قلنا إن مقتضى الجمع بين آية الغنيمة وموثقة سماعة الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير هو أن تعلق الخمس بمجرد ظهور الربح، لكن مفاد الروايات التي تقول: الخمس بعد المؤونة يستفاد منها جواز تأخير الخمس إلى انتهاء السنة.

ومقتضى الجمع بين هذين الدليلين هو التزام بأن وجوب الخمس وتعلق الخمس يتحقق بمجرد ظهور الربح غاية ما في الأمر هذا الوجوب معلق على شرط متأخر وهو عدم الصرف في المؤونة، فإذا صرف هذا الربح والمال في المؤونة لم يجب عليه الخمس، فما هي أنحاء التعليق على الشرط المتأخر؟

توجد ثلاث صور وأنحاء:

النحو الأول تعليق الحكم الوضعي والتكليفي معاً بحيث يعلق الخمس وضعاً وتكليفاً على عدم الصرف في المؤونة بنحو الشرط المتأخر، بمعنى أن الخمس لا يدخل في ملك أرباب الخمس عند ظهور الربح إذا صرف في المؤونة، ولا يجب إخراجه. نعم، يدخل في ملك أرباب الخمس إذا لم يصرف في المؤونة.

النحو الثاني التعليق يكون في الحكم التكليفي دون الحكم الوضعي فيدخل الخمس في ملك أرباب الخمس بمجرد ظهور الربح فالإمام ـ عليه السلام ـ والسادة يملكون الخمس بمجرد ظهور الربح إلا أن المكلف لا يجب عليه تكليفاً إخراج الخمس وأداء الخمس إلا في نهاية السنة، وإذا صرف المال في المؤونة فإن هذا الصرف يسقط ويرفع وجوب الخمس الذي تعلق منذ ظهور الربح.

والفارق بين الأول والثاني أن الصرف في المؤونة في الأول يدفع تعلق الخمس فلا يملك أرباب الخمس مقدار الخمس بمجرد ظهور الربح بينما الثاني يرفع وجوب الخمس الذي تحقق منذ ظهور الربح فوجوب الخمس وتعلق الخمس بالمال يحصل بمجرد ظهور الربح لكن المكلف إذا صرف المال في مؤونته فإن الصرف في المؤونة يرفع ذلك الأثر الوضعي وهو الحكم الوضعي تعلق الخمس بالمال من أول ظهور الربح.

الاحتمال الثالث أو النحو الثالث التفصيل بين مؤونة الاكتساب أي مؤونة التحصيل وبين مؤونة المعيشة، فيقال: إن التعليق في مؤونة التحصيل والربح مطلق يشمل الحكم الوضعي والتكليفي معاً بخلاف التعليق في مؤونة السنة فإنه مقيد بعدم الصرف فيها فهو خاص بخصوص الحكم التكليفي وهو وجوب الخمس ولا يشمل الأثر الوضعي.

وبعبارة أخرى:

إن المشروط بعدم الصرف في مؤونة الاكتساب والربح على نحو الشرط المتأخر هو أصل تعلق الخمس والوجوب وأما في مؤونة السنة فالمشروط بعدم الصرف فيها هو وجوب الخمس لا أصل تعلق الخمس.

هذه وجوه ثلاثة وقد قوى شيخنا الأستاذ الداوري الوجه الأول[6] ، ونسب لأستاذه السيد الخوئي أنه استظهر الأخير وهو الوجه الثالث، والغريب العجيب أن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ نسبت له الأنحاء الثلاثة في تقريراته الثلاثة.

فإذا رجعنا إلى تقرير السيد مجتبى الرودباري كتاب الخمس صفحة أربعمئة وثمانية عشر نجد أن المكتوب فيه مطابق للاحتمال الأول أي أن المرفوع هو الحكم الوضعي والتكليفي معاً.

وإذا رجعنا إلى تقرير الشيخ محمد الجواهري الواضح في شرح العروة الوثقى الجزء السادس صفحة مئتين وأربعة وتسعين ومئتين وخمسة وتسعين فإنه ينسب إلى السيد الخوئي الاحتمال الثاني أي أن المرفوع هو خصوص الحكم التكليفي دون الحكم الوضعي في كلا المؤونتين يعني مؤونة التحصيل ومؤونة المعيشة.

وإذا رجعنا إلى تقرير الشهيد الشيخ مرتضى البروجردي المستند في شرح العروة الوثقى كتاب الخمس صفحة مئتين وأربعة وسبعين ومئتين وخمسة وسبعين سنجد أنه ينسب إلى السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ القول الثالث أي التفصيل بين مؤونة الاكتساب ومؤونة المعيشة بحيث أنه في مؤونة الاكتساب يرتفع كلا الحكمين الحكم الوضعي والحكم التكليفي بخلاف مؤونة المعيشة فإنه يرتفع فيها خصوص الحكم التكليفي دون الحكم الوضعي.

وهذا يخضع للاستظهار والظاهر والله العالم بحسب استظهارنا فإن الصحيح هو النحو الأول وفاقاً لشيخنا الأستاذ الداوري وفاقاً لسيدي أساتذتنا المحقق السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ فلنتأمل في الأدلة لكي نستظهر فإن آية الغنيمة (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة) يظهر منها أن الخمس يتعلق بالغنيمة والفائدة كما أن موثقة سماعة «الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير» يظهر منها تعلق الخمس في كل فائدة فيظهر منهما الحكم الوضعي والتكليفي معاً.

وفي مقابل هذه الأدلة الروايات التي تقول الخمس بعد المؤونة أي أن مرتبة وحق صاحب المؤونة مقدم على مرتبة صاحب الخمس فنفهم من ذلك أنه صاحب المؤونة إذا صرف المال في مؤونته هذا شرط متأخر، هذا الشرط المتأخر يوجب ويقتضي أنه لم يثبت خمس لم يتعلق خمس أصلاً.

وبعبارة أخرى:

آية الغنيمة وموثقة سماعة تقتضي ثبوت الخمس في الفائدة لكن هذا الثبوت وأصل هذا التعلق معلق على عدم الصرف المؤونة فإذا صرف في المؤونة مؤخراً كشف هذا الشرط المتأخر أنه لا تعلق من أول الأمر فضلاً عن الحكم التكليفي، هذا ما نستظهره والله العالم.

والشيخ الجواهري في الواضح يناقش الشهيد البروجردي في المستند في الحاشية رقم أربعة صفحة مئتين وأربعة وتسعين ومئتين وخمسة وتسعين، ويقول: ما نسبه إلى سيدنا الأستاذ ليس بصحيح، ويبدو والله العالم وفقاً لتقرير السيد مجتبى الرودباري أن كلتا النسبتين في الواضح في شرح العروة الوثقى للشيخ الجواهري والمستند في شرح العروة للشهيد البروجردي كلتا النسبتين قابلتين للتأمل فإن كلام السيد الخوئي في تقرير السيد مجتبى الرودباري صريح جداً، والمهم هو ما نستظهره لكن اتضح أن استظهارنا موافق لاستظهار السيد الخوئي في كتاب الخمس للسيد مجتبى الرودباري فلنقرأ ما كتبه السيد مجتبى الردباري كتاب الخمس صفحة أربع مئة وثمانية عشر وهو يدعي أن هذا عين ونص كلمات السيد الخوئي في مجلس الدرس.

قال السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ كما في هذا التقرير:

«فمقتضى الجمع بين هذه الروايات التي دلت على أن الخمس المؤونة وتلك الروايات الدالة على أن الخمس يتعلق من أول الأمر هو أن تعلقه بالربح مشروطٌ بعدم الصرف المؤونة على نحو الشرط المتأخر أي من أول ظهور الربح يتعلق به الخمس مشروطاً بأن لا يصرفه في مؤونته فكل ما يصرفه من الربح في مؤونته فليس فيه الخمس.

وبما أن البعدية رتبة فلا تنافي لتعلق الخمس من الأول غايته أنه كما ذكرناه يكون من قبيل الواجب المشروط أي أن تعلق الخمس مشروط بعدم الصرف».

كلام السيد الخوئي صريح أن التعلق ناظر إلى التعلق وليس الحكم التكليفي أداء الخمس.

ثم قال:

«هذا هو الظاهر من الروايات وأن مقتضى الجمع بينهما على ما عرفت هو أن الخمس يتعلق من أو ظهور الربح ولكن مشروطاً بأن لا يصرف في مؤونته إلى سنة واحدة، فكل ما صرفه في مؤونته فلا يتعلق به الخمس من الأول لأنه مشروط بعدمه وكل ما لا يصرف وبقي كما عبر عنه في رواية الشجاعي بما يفضل عن المؤونة فيتعلق به الخمس وأما المصروف فلا».

كلام السيد الخوئي صريح في ماذا؟ في أن التعليق هو لكلا الحكمين: الوضعي والحكمي معاً.

هذا تمام الكلام في هذه المسألة.

المسألة ثلاثة وسبعين يأتي عليها الكلام.


[1] السرائر، ابن إدريس الحلي، ج1، ص494.
[2] ج9، ص537.
[3] وسائل الشيعة، ج9، ص503، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
[5] وسائل الشيعة، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
[6] الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص218.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo