< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تحقيق الكلام في الفرض الثاني

 

محل البحث: المسألة واحد وسبعين من كتاب العروة-في المسالة فروض ثلاثة-تم الفرض الأول-ادامة الكلام في الفرض الثاني

 

في الفرض الثاني ثلاثة أقوال

والفرض الثاني ما إذا كان الدين في عام سابق على عام الربح.

القول الأول يرى أن المؤونة لهذا العام لا تصدق فعلاً على الدين الذي استدين للسنوات السابقة.

القول الثاني يرى أن نفس عنوان الوفاء بالدين هو من مؤونة نفس السنة الفعلية والحالية وإن كان الدين لسنوات سابقة.

القول الثالث يرى التفصيل بين التمكن من الوفاء في العام السابق فلا يحسب من المؤونة وبين إذا لم يتمكن من الأداء فيجوز له الوفاء من أرباح هذه السنة، فما هو الصحيح من هذه الأقوال الثلاثة؟

أقول عنوان المؤونة ورد في الروايات الشريفة كقوله ـ عليه السلام ـ : «الخمس بعد المؤونة»[1] ، وكقوله ـ عليه السلام ـ : «بعد مؤونته ومؤونة عيال»[2] وهاتان العبارتان ظاهرتان في مؤونة المعيشة لا مؤونة تحصيل الربح، لكن الروايات الشريفة لم توضح حدود مؤونة المعيشة.

قاعدة مرجعيت العرف في حدود المفهوم أو الموضوع

وهنا تأتي القاعدة وهي أنه إذا ورد عنوان أو موضوع وتم بيان حدوده في الروايات أو الآيات فهو وإن لم تنص الروايات والآيات والشريعة على حدود المفهوم أو الموضوع فالمرجع هو العرف لأن الشارع المقدس يخاطب العرف.

ومن هنا لابد من الرجوع إلى العرف في تشخيص المؤونة والدين وما يتعلق به.

وبعد التأمل اتضح والله العالم أن الصحيح هو ما ذهب إليه المشهور وهو القول الثاني إذ أن نفس عنوان الوفاء بالديون سواء كانت حالية أو سابقة من مؤونة نفس السنة الحالية، وعنوان المؤونة الوارد في الروايات يحمل على المؤونة الفعلية لا المؤونة التقديرية، ولا شك ولا ريب أن من مؤونة سنة الربح الفعلية هي أداء الديون السابقة.

فالديون وإن كانت لمؤون سنوات سابقة لكن أداء هذه الديون والوفاء بهذه الديون من مؤونة السنة الفعلية لعام الربح، وبالتالي تستثنى من أرباح نفس العام.

إذاً عنوان الوفاء بالدين ولزوم الوفاء بالديون سواء كانت حالية أو سابقة يعدها العرف من مؤونة السنة الفعلية، خصوصاً مع كثرة مطالبة الدائنين.

نعم، يعتبر في الديون السابقة أن تكون لمؤونة تلك السنوات فلو كانت تلك الديون السابقة لأمر سفهي أو إسراف أو تبذي فإنه وإن احتاج أن يفي بدينه في سنة الربح نظراً لضغط ومطالبة الدائنين، لكن العرف يرى أن هذه الديون التي لابد أن يفي بها لم تكن لمؤونة السنوات السابقة، بل كانت مجرد إسراف وتبذير فإنه وإن وجب عليه الوفاء بالديون السابقة لكن العرف لا يرى أن وفاء الديون التي لأمر سفهي من مؤونة السنة الحالية.

بقي أمران:

الأمر الأول

الإشكال والجواب عنه

قد أشكل على قول المشهور نقضاً أنه يلزم على هذا القول وهو أن مجرد عنوان الوفاء من مؤونة السنة الفعلية والحالية هو أن يكون أداء الدين من المؤونة مطلقاً سواء كانت الديون للمؤونة أو للتجارة أو لأمر سفهي، فيمكن للمكلف التخلص من خمس الأرباح التي يصرفها سفهاً ومن غير حاجة مع عدم بقاء مقابلها، وذلك بالاستدانة لأجل الصرف في الأمور السفهية ثم إيفاء تلك الديون بتلك الأرباح من غير تخميس.

والجواب عن هذا الإشكال واضح فإن أداء الدين الذي يعد من المؤونة هو الدين الذي اقترض للمؤونة لا الدين الذي حصل على وجه الإسراف والعصيان والتبذير، وأما الدين الذي يعد في نظر العرف سفيهياً فهو خارجٌ عن المؤونة على ما يستفاد من الروايات الشريفة.

الأمر الثاني نسب السيد محسن الحكيم في المستمسك[3] إلى صاحب الجواهر عند اختياره لقول المشهور أن أداء الديون السابقة من المؤونة بلا شرط، وأما الدين المقارن فيشترط في اعتباره من المؤونة الحاجة إليه.

ثم ذكر اعتراض الشيخ الأنصاري ـ رحمه الله ـ على صاحب الجوهر[4] بأن وفاء الدين إذا فرض أنه بنفسه من مصاديق المؤونة فلا فرق في الاستدانة للحاجة وغيرها بين أداء دين سابق أو لاحق ما دام عنوان وفاء الدين هو موضوع المؤونة الفعلية.

وأيد ذلك بأن صرف المال في وفاء الدين ليس تضييعاً ولا صرفاً له فيما ينبغي فكيف لا يكون من المؤونة؟!.

وقد ضعفه سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي ـ رحمه الله ـ هذه النسبة إلى كلام صاحب الجواهر فراراً من الإشكال، وقال: بأنه لا يستفاد هذا الفرق من كلامه بل مراده غير ذلك[5] .

وكلام صاحب الجواهر قابل للتوجيه، ولعل مراد صاحب الجواهر ـ رحمه الله ـ من الحاجة هي المؤونة فإنه إذا كان محتاجاً عد حينئذ من المؤونة فلكي يصدق عليه عنوان المؤونة لابد من الحاجة إليه في نفس العام لا أن مراده ـ رحمه الله ـ من عدم اعتبار الحاجة في الزمان السابق حتى ما كان للسرف والزينة وأمثالهما وبذلك يمكن دفع الاعتراض عن صاحب الجواهر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ .

هذا تمام الكلام في الفرض الثاني من المسألة واحد وسبعين.

الفرض الثالث الديون التي لم تقع مقابلة للمال كالنذور كفارة والديات والشروط وأرش الجنايات وقيم المتلفات وغيرها.

والظاهر من الأعلام المعلقين على متن العروة الوثقى التسالم على أنها تعد من المؤونة مطلقاً فهي تعد من مؤونة سنة الأداء والدفع وإن كان سببها قد تحقق في السنوات السابقة، فالمعيار فيها هو وقت الأداء أي وقت دفع الكفارة أو أرش الجناية فإن أدائها من أرباح السنة.

فإذا أداها من أرباح السنة عدت من المؤونة، وإن آخر ولم يؤدها لم تستثنى من الربح بل يخرج الخمس أولاً ثم الأداء من الباقي[6] .

وظاهر كلامهم هو الإطلاق أي سواء كانت الجنايات عمدية أو غير عمدية كالخطأ.

ولكن تقدم الاستشكال من صاحب الجواهر ـ رحمه الله ـ في مسألة المؤونة عندما شرحنا مسألة واحد وستين، وقد أيدنا إشكاله، وقلنا أن العرف لا يرى أن عرش الجناية العمدية من المؤونة فالمتلف والأروش العمدية وكذلك الكفارات ككفارة الإفطار العمدي في شهر رمضان أو كفارات الإحرام عمداً وغير مما يكون أصل العمل محرماً لا يبعد أن تكون خارجة عن المؤونة المستثناة وأن رواية المؤونة منصرفة عنها فأدلة المؤونة غير شاملة لها.

ولا أقل من الشك نشك هل أرش الجنايات العمدية يعد من المؤونة أو لا؟

فإن لم نستظهر من الروايات اقتصرنا على القدر المتيقن، والقدر المتيقن هو أن المؤونة تشمل الجنايات الخطئية ولا تشمل الجنايات العمدية وهذا هو مقتضى الاحتياط، فالأحوط عدم احتسابها من المؤونة، والله العالم.

هذا تمام الكلام في المسألة واحد وسبعين فهي مسألة مهمة وعملية.

المسألة اثنين وسبعين مسألة تتعلق بزمان تعلق الخمس بالربح وهي مسألة مهمة جداً وفيها تفصيل يأتي عليه الكلام.


[6] تعليقة العروة الوثقى، ج4، ص293، التعليقات 15.مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم، ج9، ص550.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo