< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: هل أداء الدين من المؤونة؟

 

المسألة واحد وسبعين

قال السيد محمد كاظم اليزدي رحمه الله في العروة الوثقى المسألة واحد وسبعين:

«أداء الدين من المؤونة إذا كان في عام حصول الربح أو كان سابقاً ولكن لم يتمكن من أداءه إلى عام حصول الربح، وإذا لم يؤدي دينه حتى انقضى العام فالأحوط إخراج الخمس أولاً وأداء الدين مما بقي»[1] .

المقامان في المسألة

يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول في المراد من متن المسألة.

المقام الثاني تفصيل الأقوال في المسألة.

الإحتمالان في المراد من المتن

أما المقام الأول فيوجد تفسيران للمتن:

الأول ما يظهر من بعض الأجلة من أن قوله ـ رحمه الله ـ : «وإذا لم يؤدي دينه حتى انقضى العام» معناه: إذا تمكن من الأداء ولم يؤدي دينه حتى انقضى العام، أي العام السابق، فالأحوط إخراج الخمس أولاً وأداء الدين مما بقي، فتكون جملة إذا لم يؤدي دينه إلى آخره شق آخر لقوله: «ولكن لم يتمكن من أداءه».

الثاني ما يظهر من جماعة من المحشين على متن العروة الوثقى، من أنه بمعنى: إذا لم يتمكن من أداء دينه ولم يوفه من الأرباح في هذه السنة حتى انقضى العام ودخل في العام الثاني، فالأحوط إخراج الخمس أولاً وأداء الدين مما بقي، فهذه الجملة تتمة للجملة السابقة.

محصل المعنى

أنه إذا لم يتمكن من أداء دينه إلى عام حصول الربح، فتارة يؤدي الدين في نفس العام ويحسب من المؤونة، وأخرى لا يؤدي دينه حتى ينقضي العام وحينئذٍ لا يعد من المؤونة، بل الأحوط إخراج الخمس أولاً.

وقال شيخنا الأستاذ الداوري في مقام التعليق على هذين[2] :

«والظاهر أن مراده ـ قدس سره ـ أنه إذا تمكن من أداءه من أرباح هذا العام سواء كان من السابق أو من هذا العام فلم يؤده حتى انقضى العام فالأحوط إخراج الخمس أولاً وأداء الدين مما بقي».

وهذا قريبٌ من المعنى الأول، وهذا هو ظاهر عبارة السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى.

خلاصة هذه المسألة

أن أداء الدين هذا الدين إما أن يكون قبل عام الربح، وإما أن يكون في نفس عام الربح، فأداء هذا الدين إذا تم في نفس عام الربح فهو من مؤونة عام الربح، سواء كان هذا الدين قد حصل في نفس عام الربح أو كان سابقاً على عام الربح، فمن مؤونة عام الربح أن يؤدي دين نفس هذا العالم أو الدين السابق.

ولكن طبعاً بالنسبة إلى الدين السابق إذا لم يتمكن من أداءه سابقاً فيكون من مؤونة العام اللاحق.

ثم يأتي التفريع وإذا لم يؤدي دينه حتى انقضى العام يعني كان قادراً على أداء الدين، لكنه لم يؤده، وانقضى العام، عام الربح، ودخل عام جديد، وأراد أن يؤدي هذا الدين، فحينئذٍ الأحوط أن يخمس هذا الربح ثم يؤدي الدين مما بقي من الخمس، لأن الخمس قد تعلق بالمال الموجود الذي لم يسدد به دينيه في العام الذي انصرم وانقضى.

المقام الثاني تفصيل الأقوال في المسألة

المسألة تتضمن ثلاثة فروض:

الفروض الثلاثة في المسألة

الفرض الأول إذا كان الدين في عام الربح.

الفرض الثاني إذا كان الدين في عامٍ سابقٍ على الربح.

الفرض الثالث النذور والكفارات ونحوهما، هذا ورد في ذيل مسألة واحد وسبعين.

الفرض الأول، وله صور، إذا كان الدين في عام الربح، يعني في نفس السنة استدان وفي نفس السنة أراد أن يسدد هذا الدين، فهل يتعلق الخمس بهذا الدين أم لا؟

نقطة ونكتة مهمة

الدين تابعٌ للمؤونة إن صرفته في المؤونة استثني من الربح، إن لم تصرفه في المؤونة فلا يستثنى من الربح ويتعلق به الخمس، هذه نقطة محورية وجوهرية في كل المسائل، الدين تابع للمؤونة، فإذا استدان شيء وصرفه في مؤونته استثني من الربح، ولكن إذا استدان شيئاً ولم يصرفه في مؤونة سنته فإن هذا الدين لا يستثنى من الربح لأنه لا يعد من المؤونة، بقيت التفاصيل كلها تطبيقات.

الصور الثلاثة في الفرض الأول

الفرض الأول إذا كان الدين في نفس عام الربح، وله صور ثلاث:

الصورة الأولى إذا استدان لشراء شيء من مؤونة سنته كالأكل والشرب لتلك السنة.

الصورة الثاني إذا اشترى شيئاً لا للمؤونة ولا للتجارة بل لأمرٍ زائد، كالزينة وأمثالها مما يعد سرفاً وتبذيراً.

الصورة الثالثة إذا استدان للإتجار والاسترباح.

وفي جميع هذه الصور الثلاث:

إما أن يكون الشيء المشترى باقي وبقيت عينه، وإما أن يكون تالفاً وقد زالت عينه.

الشقان في جميع الصور الثلاثة

إذاً هذه الصور الثلاث يكون فيها شقان:

الشق الأول بقاء العين.

الشق الثاني تلف العين.

ولنشرع في بيان أحكام الصور الثلاث من الفرض الأول.

حكم الصورة الأولى إذا استدان لشراء شيء من مؤونة سنته كما لو اقترض مبلغاً لكي يشتري لأهله وعياله، الأكل والشرب واللباس ويؤمن أجرة السكن فهذا من أظهر مصاديق المؤونة المستثناة من الخمس.

فإن وفى هذا الدين من أرباح السنة فإن هذا الدين يستثنى من أرباح السنة لأنه يعد مؤونة.

وإن لم يوفه من أرباح السنة فلا بدّ من استثناء هذا المقدار من الربح وتخميس الباقي، لأن المستفاد من الروايات أن المقدار المصروف في المؤونة غير متعلقٍ بالخمس والخمس لا يتعلق بمقدار المؤونة سواء صرف المؤونة من عين الربح أو صرفها من مال آخر كالدين، فلا فرق في ذلك.

وبالتالي الدين تابع لمصرف الدين، فإذا صرف الدين في المؤونة فإن هذه المؤونة تستثنى من الربح ولا يتعلق بها الخمس، بل لا يعد هذا المقدار ربحاً في نظر العرف بعدما صرفه في مؤونته أو مؤونة كسبه، سواء كان ما صرفه تالفاً كالأكل والشرب إذا تم أكله وشربه أو كان المقابل باقياً كالفرش والدار.

الحكم في الصورة الأولى واضحٌ لا غبار عليها ولم يستشكل فيها أحد.

حكم الصورة الثانية إذا اقترض للزينة وما يعد سرفاً أو سفهاً ولم يكن القرض لمؤونة سنته ولم يكن للاتجار والاسترباح، والحكم في هذه الصورة الثانية أيضاً واضحٌ فإنه لا يستثنى من المؤونة، فالظاهر من الروايات هو استثناء المؤونة المحتاج إليها واللائقة بشأنه، وأما الخارج عن ذلك فلا يحسب من المؤونة سواء صرفه من نفس الربح أو صرفه من مال آخر أو استدان وجعله في ذمته، وسواء كان ما صرفه تالفاً أو باقياً فالحكم واحد في هذه المسألة.

فإذا كان موجوداً فإنه لا يستثنى من المؤونة ويخمس.

وأما إذا كان تالفاً فإنه وإن كان ملزماً بوفاء الدين ولكن بما أن منشأ هذا الدين هو الإسراف والتبذير فلا يكون مشمولاً بأدلة استثناء المؤونة التي هي عبارة عن الإرفاق بماله، فأدلة استثناء المؤونة منصرفه عن المال الذي صرف في الإسراف والتبذير.

سواء هذا المال المصروف في الزينة والتبذير من نفس ربح العام، أو من مال آخر، أو من دينٍ أو قرض، فإن أدلة استثناء المؤونة الظاهرة في الإرفاق منصرفه عنه ولم تشمله.

حكم الصورة الثالثة، وهي إذا اقترض للإتجار والاسترباح فاقترض المال لكي يعده رأس مالٍ للتجارة، وهنا يوجد احتمالات:

الاحتمال الأول إذا كانت العين المشتراة موجودة وباقية.

الاحتمال الثاني إذا كانت العين المشتراة تالفة.

وفي كلا الاحتمالين، يوجد شقان:

الشق الأول إذا أدى الدين قبل انقضاء الحول.

الشق الثاني إذا لم يؤدي الدين حتى انقضى الحول.

إذاً لا بدّ من دراسة الصورة الثالثة بكلا احتماليها وشقيهما.

الاحتمال الأول إذا اقترض للإتجار وكانت العين المشتراة باقية وموجودة، وهنا شقان:

الشق الأول إذا كان قد أدى الدين قبل انقضاء الحول، فلا شك حينئذٍ أنه يحسب من الأرباح وتقوم العين المشتراة في آخر السنة، ويخرج خمسها سواء قيمتها أقل من الدين أو مساوية له أم أكثر، فيجوز له إيفاء دينه من أرباح السنة لأنه كما يجوز له الإتجار بنفس الأرباح كذلك يجوز له الإتجار من مال آخر أو من الدين والأداء من الأرباح.

الشق الثاني إذا لم يؤدي الدين حتى انقضى الحول، فلا بدّ من تقويم ذلك الشيء المشترى آخر الحول، ويلاحظ الدين الذي عليه، فإذا كانت قيمته زائدة على الدين كما إذا اشتراه بخمسين وكانت قيمته في آخر السنة مائة فالخمسون ربحٌ فيخمسه، وأما الخمسون الأخرى فهي في مقابل الدين فلا تحسب ربحاً.

وأما إذا كانت قيمته مساوية للدين أو كانت أقل منه فلا شيء عليه لأنه ليس بربح حتى يتعلق به الخمس.

هذا تمام الكلام في الاحتمال الأول، بكلا شقيه.

الاحتمال الثاني إذا كانت العين تالفه فإنه قد اقترض للإتجار واشترى عيناً وتلفت هذه العين، وهنا يوجد شقان:

الشق الأول إذا أدى دينه خلال السنة، فهنا لا يوجد إشكال فإن الخروج عن عهدة أداء الدين الثابت عليه يكون من المؤونة سواء كانت قيمة الشيء مساوية للدين أم أقل أم كانت تالفة أصلاً فإن الدين قد تعلق بذمته ويجب عليه وفاء الدين.

الشق الثاني إذا لم يؤدي دينه حتى انقضى الحول كما هو المفروض في المسألة، فإيفاء الدين من ربح السنة واستثناؤه مشكلٌ جداً حيث أنه خسارة وتلف لمال خارج عن الأرباح وعن التجارة.

وهو نظير ما لو اشترى بالمال الآخر شيئاً غير الأرباح وتلف فإنه لا تجبر خسارته من الأرباح لأنه شيء أجنبي عن أرباح السنة وكذلك في المقام.

إذاً لا بدّ من التفريق بين وفاء هذا الدين من الأرباح في أثناء السنة فيجوز ذلك ويعد من المؤونة، وبين عدم وفاءه إلى انقضاء السنة فيجب إخراج الخمس من الأرباح ثم أداء الدين.

طبعاً تأتي هنا تفاصيل بالنسبة إلى رأس مال التجارة أنه هل يخمس أو لا يخمس؟ وهل يعد من المؤونة أو لا يعد من المؤونة؟ على التفصيل المتقدم.

هذا تمام الكلام في الفرض الأول إذا كان الدين في نفس عام الربح.

الفرض الثاني إذا كان الدين في عام سابق على عام الربح تأتي فيه الصور المتقدمة وإن شاء الله يأتي تفصيلها لأن فيها أقوال.

يأتي عليه الكلام.

 


[2] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص198.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo