< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: إذا مات المكتسب في أثناء الحول

 

المسألة ثمانين وستين

قال السيد محمد كاظم الي يزدي رحمه الله العروة الوثقى المسألة ثمانين وستين:

«إذا مات المكتسب في أثناء الحول بعد حصول الربح سقط اعتبار المؤونة في باقيه فلا يوضع من الربح مقدارها على فرض الحياة»[1]

اتضح أن الاعتبار بالمؤونة الفعلية للمؤونة التقديرية فلا يستثنى من الربح إلا المقدار الذي صرفه فعلا بالخارج فلو قتر على نفسه ولم يصرف مقدار مؤونته فحينئذ لا يعدل مقدار الباقي مؤونة ولا يستثنى من المؤونة.

وكذلك الحال لو مات نفس المكتسب أو من يعوله في أثناء الحول فإنه يصير سالبة بانتفاء الموضوع فبموته تنتفي المؤونة وبالتالي لا يحسب مقدار المقدر إلى آخر السنة من المؤونة بل تنتفي المؤونة بموته ويستثنى خصوص المقدار الذي صرفه خارجاً أيام حياته، وأما مقدار الربح الذي يبقى بعد وفاته فإنه يدخل تحت عموم وجوب الخمس في كل فائدة فتأتي القاعدة التركة بعد إخراج الديون والوصايا فيخرج الخمس وسائر الديون والوصية ثم يقسم باقي الربح على ورثته.

هذا تمام الكلام في المسألة ثمانية وستين.

المسألة تسعة وستين

«إذا لم يحصل له ربح في تلك السنة وحصل في السنة اللاحقة لا يخرج مؤونتها من ربح السنة اللاحقة»[2]

هذا الحكم واضح سواء قلنا بمسلك المشهور وهو أن يجعل للأرباح عاماً واحداً مبدأه أول الشروع في الاكتساب أم قلنا بمسلك السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وهو أن لكل ربح عاماً مبدأه ظهور الربح، فعلى كلا التقديرين لا تحسب المؤونة التي صرفها في السنة السابقة من أرباح السنة اللاحقة، لظاهر الدليل الذي يستفاد منه أن المؤونة تستخرج من ربح نفس السنة لا من ربح سنة أخرى.

فظاهر الرواية الخمس بعد المؤونة[3] أي مؤونة نفس السنة، فإذا كانت المؤونة لسنة سابقة والربح لسنة لاحقة فإنه لا تستثنى مؤونة السنة السابقة من ربح السنة اللاحقة.

لو كان الربح والمؤونة للسنة الواحدة تفاوت الحكم على المبنين

نعم، لو كان لسنة واحدة فإنه يظهر الفرق بين القولين.

على القول الأول وهو أن مبدأ السنة الشروع في الاكتساب فإن المؤونة السابقة على الربح اللاحق من نفس السنة تستثنى من ربح نفس السنة،

على القول الثاني بخلاف القول الثاني إذ أن المؤونة السابقة تقدمت على ظهور الربح ومبدأ السنة هو ظهور الربح فلا تستثنى المؤونة السابقة من الربح اللاحق.

إذاً تظهر الثمرة بين القولين فيما لو كانت المؤونة والربح في سنة واحدة لا في سنتين.

هذا تمام الكلام في المسألة تسعة وستين.

المسألة سبعون

«مصارف الحج من مؤونة عام الاستطاعة فإذا استطاع في أثناء حول حصول الربح، وتمكن من المسير بأن صادف سير الرفقة في ذلك العام احتسب مخارجه من ربحه، وأما إذا لم يتمكن حتى انقضى العام وجب عليه خمس ذلك الربح فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة الآتية وجب وإلا فلا.

ولو تمكن وعصى حتى انقضى الحول فكذلك على الأحواط، ولو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعددة وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة، وأما المقدار المتمم لها في تلك السنة فلا يجب خمسه إذا تمكن من المسير، وإذا لم يتمكن فكما سبق يجب إخراج خمسه»[4]

الصور الأربعة في المسألة

المسألة السبعون فيها أربع صور:

الصورة الأولى إذا استطاع أثناء حول الربح وأتى بالحج في عام الاستطاعة، فلا إشكال في احتساب مصارفه من المؤونة بل هذا المصارف من أوضح مصاديق المؤونة فلا يجب فيها الخمس قطعاً.

إذ أن الحج قد وجب عليه في هذه السنة وتوفر المال واستطاع أن يحج فيكون قد صرف المال في مؤونة نفس السنة فلا يجب عليه الخمس فيما صرفه مؤونة الحج.

الصورة الثانية إذا استطاع أثناء سنة الربح ولكنه لم يتمكن من المسير إلى الحج حتى انقضى العام فلا ينبغي الإشكال في هذه الصورة في وجوب الخمس في ذلك الربح لأن عدم التمكن من الحج كاشفٌ عن عدم وجوب الحج عليه، فلم تكن هناك مؤونة للحج لكي تستثنى، فلا بد من إخراج خمس المال فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة الآتية وجب الحج، وإن لم تبقى الاستطاعة فلا يجب عليه الحج.

إذاً المال الذي بقى وهذا الربح الذي أعده لكي يحج لكنه لم يستطع الحج والذهاب إلى الحج فهذا يكشف عن عدم وجوب الحج عليه في هذه السنة فيكون هذا الربح قد تعلق به الخمس ويجب عليه أن يخرج الخمس.

الصورة الثالثة إذا استطاع وتمكن من الحج ولكنه عصى ولم يسر إلى الحج حتى انقضى الحول، وقد احتاط السيد الماتن ـ رحمه الله ـ وجوباً بإخراج الخمس حينئذ، ولكن أكثر المحشين حكموا وافتوا بوجوب الإخراج[5] .

ولا يوجد فرق بين هذه الصورة وهي صورة العصيان، والصورة السابقة وهي صورة عدم التمكن، لأن المناط في المؤونة هو الصرف الفعلي فإذا بقى المال عنده ولم يصرفه في الحج سواء كان من جهة عدم التمكن أم من جهة العصيان فإن هذا المال يكون قد تعلق به الخمس.

بل زاد بعضهم كالسيد البروجردي ـ رحمه الله ـ وقال بوجوب إخراج الخمس في المقدار المتمم للمال الذي حصله في عام الوجود وجوب الحج إذا عصى ولم يسر في عامه، كما لو كان هذا المال والربح لوحده لا يكفي للمسير إلا الحج فتممه بمال آخر وعصى ولم يذهب إلى الحج فإنه يجب عليه الخمس في جميع ذلك.

وكلام السيد البروجردي تام لا غبار عليه كما سيتضح إن شاء الله.

الوجه في احتياط صاحب العروة

لكن السيد محمد كاظم اليزدي حكم بالاحتياط ولم يفتي، ولعل الوجه في احتياط صاحب العروة هو احتمال كون المال من المؤونة فإنه وان لم يصرف المال فعلاً في الحج لعصيانه امتثال الحج إلا أنه مأمور بالاتيان به في العام القادم فيجب عليه إبقاء المال حتى يتمكن من تداركه، ومع إلزام الشارع بذلك يعد هذا المال من المؤونة ولا يحسب من الأرباح، فلا يجب عليه إخراج خمسه.

وقد ورد نظير ذلك في الزكاة في أنه لو وجب الصرف في موردٍ لم تجب الزكاة لعدم تمكنه من التصرف في المال فكذلك هنا، فلو وجب عليه أن ينفق على ولده أو في مورد خاص وكان بحيث إذا أخرج الزكاة لا يتمكن من الإنفاق على الولد أو الصرف الخاص فقالوا هناك لا تجب الزكاة فكذلك المقام.

وبهذا الوجه تمتاز الصورة الثالثة عن الصورة الثانية، ففي الصورة الثانية حيث لم يتمكن من المسير إلى الحج فهذا كاشف عن عدم استطاعته وبالتالي لا يجب عليه الحج حتى يلزم عليه صرف المال في الحج، وهذا بخلاف الصورة الثالثة فإن وجوب الحج ثابت عليه فحتى لو عصى يبقى توجه وجوب الحج إليه.

ومع ذلك لم يجزم السيد الماتن بعدم وجوب الخمس لأن الثابت هو وجوب الخمس على ذمة المكلف سواء كان بهذا المال أو بغيره أو بإتيانه الحج متسكعاً لا أنه يلزم بالإتيان بالحج من خصوص هذا المال بلا فرق بين العاصي وغيره فلا يستثنى المال الباقي من الخمس. وأما المتمم للمال من أرباح العام الذي يحج فيه فالحكم فيه مشكل أيضاً ومقتضى الاحتياط هو إخراج خمسه كالباقي.

وقد أيد شيخنا الأستاذ الداوري الاحتياطي الذي ذهب إليه صاحب العروة إذ قال: «وهو في محله»[6] .

والصحيح ما ذهب إليه سيد أساتذتنا المحققين السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ من أن الأظهر هو تعلق الخمس لا الاحتياط بإخراجه إذ أن المدار على صدق المؤونة عرفاً، والمراد بالمؤونة الصرف الفعلي خارجاً فحتى لو التزمنا بوجود الأمر الشرعي وإلزام الشارع له بالحج إلا أن المؤونة يتوقف صدقها على الصرف الخارجي والفعلي لا التقديري كما أفاد السيد ـ رحمه الله ـ .

وبما أن هذا المال لم يصرفه فعلاً في مؤونة الحج إذ أنه قد عصى فإن هذا المال لم يصرف في المؤونة فعلا فيتعلق به وجوب الخمس وإن ألزمه الشارع بالحج.

هذا تمام الكلام في الصورة الثالثة.

الصورة الرابعة إذا كانت الاستطاعة قد حصلت من أرباح سنين عديدة، وقد حكم الماتن ـ رحمه الله ـ بوجوب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة، وأما المقدار المتمم لها في تلك السنة فحكمه حكم الاستطاعة بتمامها في عام الربح فلا يجب تخميسه إذا تمكن من المسير وأداء الحج.

وإذا لم يتمكن فأيضاً يجب إخراج خمسه.

وإذا تمكن وعصى فيأتي ما تقدم في الصورة الثالثة من أنه السيد صاحب العروة والشيخ الداوري يحتاطون والسيد الخوئي يفتي[7] .

توضيح مبنى آخر في الصورة الرابعة

ولكن يوجد مبنى آخر قد يلتزم به في الصورة الرابعة وفي الصورة الثالثة فقد يقال إن إخراج الخمس في الأرباح إنما يجب فيما لم يكن من شأنه جمع الأرباح حتى يستطيع فإذا كان المتعارف هو تحصيل الأرباح تدريجاً في السنوات المتعددة نفس السيد أشار إليه إلى أن يستطيع فلا يجب الخمس حينئذ على تلك الأرباح.

وبالتالي إذا تحققت الصغرى وهي كون تحصيل الاستطاعة بهذا النحو أمراً متعارفاً في الخارج فلا بأس بناء على هذا المبنى وإلا فلا بد من إخراج الخمس كما ذكره السيد الماتن، وهذا يجري فيما لو كان العرف في بلد أنه لكي تبني منزلاً فإنك تجمع المال عدة سنوات حتى تستطيع بناء المنزل، فلو سلمنا بهذا الأمر العرفي أن حاجة المسكن في مثل هذا البلد مؤونة تأمين السكن تتحقق بتجميع المال عدة سنوات.

وهكذا يقال في الصورة الثانية فيما لو استطاع في عام الربح ولكن لم يتمكن من المشي وذهبت الرفقة عنه، فقد يقال إذا كان هو الاكتساب وجمع المال تدريجياً حتى يستطيع فلا يجب عليه الخمس في هذه الحالة.

لكننا لا نبني على ذلك لأن المال لم يصرفه فعلاً فلو جمع المال لبناء السكن وجمعه خلال ثلاث إلى خمس سنوات فإنه يخمس ما جمعه خلال أربع سنوات. نعم، مال السنة الخامسة لا يخمسه إذا صرفه فعلاً في البناء.

وهكذا لو جمع للحج خمس سنوات وحج أو فاتته الرفقة وبقي المال واستطاع أن يحج في السنة الخامسة فإنه يخمس الأرباح التي جمعها في أربع سنوات، وأما الربح ربح السنة الخامسة إذا صرفه في الحج فإنه لا يخمس.

هذا تمام الكلام في المسألة السبعين.

المسألة واحد وسبعين يأتي عليها الكلام.


[6] الخمس في فقه أهل البيت (ع)، الشيخ مسلم الداوري، ج2، ص196.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo