< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/06/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الثمرة بين القولين

 

محل البحث: تم الكلام في جعل السنة الخمسية للربح من أنواع متعددة وفي أزمنة متفاوتة وفيه قولان- اليوم نتكلم في الثمرة بين القولين

ذهب المشهور ومنهم صاحب العروة إلى اعتبار رأس سنة واحدة لجميع الأرباح والمكاسب بل مطلق الفوائد، ووافقه على ذلك أكثر المحشين على العروة الوثقى عدا الشيخ ضياء الدين العراقي والسيد أبو القاسم الخوئي والميرزا جواد التبريزي، فقد ذهبوا إلى القول الثاني ووافقوا الشهيد الثاني في الروضة البهية ومسالك الأفهام، فقالوا باعتبار سنة لكل ربح فكل ربحٍ له سنة مستقلة.

فما هي الثمرة بين القولين بين القول بلزوم سنة واحدة لجميع الأرباح والفوائد وبين القول بسنة مستقلة لكل ربح، يمكن أن تذكر عدة ثمار نقتصر على بيان ثمار ثلاث:

نقتصر على بيان ثمار ثلاث

الثمرة الأولى

في المؤون المصروفة بين الربحين، فلو ربح عشرين ديناراً في أول محرم ثم ربح ثلاثين ديناراً في أول شهر رمضان وصرف ما بينهما أربعين ديناراً في مؤونته، فهل هذه الأربعين دينار التي صرفها في مؤونته ومؤونة عياله تستثنى من كلا الربحين أو من ربح واحد؟

فعلى القول الأول وهو لزوم سنة ربحية واحدة يكون مبدأ السنة محرم ونهايتها محرمة التالي، وبالتالي فإن الأربعين دينار التي صرفت في المؤونة تستثنى من مجموع الربحين عشرين وثلاثين دينار المجموعة يصير خمسة يستثنى منها أربعين ديناراً فتكون النتيجة تخميس عشرة دينار فقط فيخرج دينارين فقط هذا بناء على الأول.

وأما بناء على القول الثاني وهو لزوم سنة مستقلة لكل ربحٍ فإن ما صرف في المؤونة وهو أربعين ديناراً إنما صرف بين الربحين أي بين محرم وشهر رمضان، وبالتالي فإنه لا يستثنى من الربح الثاني لأن هذا الصرف المؤونة قد حصل قبل ظهور الربح الثاني، وإنما يستثنى من خصوص الربح الأول، الربح الأول عشرين دينار، وبالتالي لم يربح بأنه صرف في مؤونته أربعين دينار.

الثمرة الثانية

في تخميس الربح المتأخر وعدمه فلو فرض أنه ربح من أول محرم إلى ذي القعدة في كل شهر عشرة دينار وصرفها في مؤونته ومؤونة عياله لكنه في الشهر الثاني عشر وهو شهر ذي الحجة ربح مائة دينار وصرف منها عشرة دينار في مؤونته وبقي منها تسعين ديناراً، فهل تخمس التسعين دينار عنده حلول محرم التالي أو لا؟

بناء على القول الأول: فبناءً على وجود سنة ربحية واحدة وهو القول الأول فإن التسعين دينار تخمس عند حلول محرم التالي إذ به تنتهي السنة الربحية الأولى.

بناءً على القول الثاني: وهو لزوم سنة ربحية مستقلة فإن التسعين ديناراً لا تخمس عند حلول محرمة بل تخمس إن بقيت في ذي الحجة التالية.

الثمرة الثالثة

الخسارة الواقعة على المكلف قبل الربح الثاني فإنها تنقص من الربح المتأخر على القول الأول دون القول الثاني، فلو خسر في رجب فإن هذه الخسارة تنقص من ربح شهر محرم لكنها لا تنقص من أرباح شهر رمضان لأن هذه الخسارة قد وقعت قبل الربح الثاني الواقع في شهر رمضان بخلاف ما لو قلنا بالقول الأول وهو وجود سنة ربحية واحدة فإن هذه الخسارة تنقص من كلا الربحين في شهر محرم وشهر رمضان.

هذا تمام الكلام بيان الثمار وقد تذكر ثمار أخرى.

الثمرتان ذكرها السيد الخوئي

وقد ذكر سيد أساتذتنا السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ثمرتين: الثمرة الأولى والثانية يراجع المستند في شرح العروة الوثقى كتاب الخمس صفحة مئتين وثلاثة وأربعين[1] ، وأيضاً ذكرهما سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي يراجع كتاب الخمس الجزء الثاني صفحة مئتين وأربعة[2] ، وقد ذكرهما شيخنا الأستاذ الداوري وأضاف إليهما الثمرة الثالثة يراجع الخمس في فقه أهل البيت الجزء الثاني صفحة مئة واثنين وأربعين مئة وثلاثة وأربعين.

الرأي المختار

نكتم عن أدلة القولين في مقامين

فهل الصحيح هو القول الأول أو القول الثاني فلابد من التطرق إلى أدلة القولين في مقامين:

المقام الأول

أدلة القول الأول واستدل له بوجوه:

الوجه الأول ما يظهر من صحيحة علي بن مهزيار الطويلة من قوله ـ عليه السلام ـ : «فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليه في كل عام»[3] .

تقريب الاستدلال: قد أخذ في هذه الرواية الفوائد المضافة إلى كل عام فتكون العبرة بملاحظة ربح السنة بما هي سنة، وتعد الأرباح مجتمعةً بمنزلة الربح الواحد في العالم، وهكذا أيضاً تلاحظ مؤونة السنة فالرواية ذكرت عام واحد لجميع هذه الأرباح ولم تلحظ عاماً لكل ربحٍ بشكل مستقل.

مناقشة السيد الخوئي في الوجه الأول

وناقش في ذلك سيد أساتذتنا السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ قائلاً: إن الصحيح غير ناظرة إلى الضم وعدمه وإنما هي بصدد التفرقة بين الغنائم وغيرها حيث إن الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ قد أسقط الخمس في سنته تلك عن جملة من الموارد واكتفى في بعض الموارد بنصف السدس وأما في خصوص الغنائم والفوائد فلم يسقط خمسها بل أوجبه بكامله في كل عام.

وأما كيفية الإخراج وكيفية الوجوب من ملاحظة الأرباح منظمة أو مستقلة فالرواية ليست في مقام البيان من هذه الناحية بتاتاً فلا دلالة لها على ذلك أبداً[4] .

وبعبارة أخرى: إن التمسك بالإطلاق ومقدمات الحكمة فرع كون الإمام ـ عليه السلام ـ في مقام البيان من هذه الجهة، والإمام ـ عليه السلام ـ كان في مقام بيان ما أثبته عليهم في كل عام وما نفاه عنهم في كل عام وما أثبت بعضه، وليس في مقام بيان أن الأرباح كلها تجمع في سنة واحدة أو يجعل ربح لكل سنة أو يجعل تجعل سنة مستقلة لكل ربٍح ليس في مقام البيان من هذه الجهة.

الإشكال على مناقشة السيد الخوئي

وأورد عليه ـ رحمه الله ـ إن هذا وإن كان صحيحاً في الجملة حيث إن الرواية في مقام التفصيل بين موارد الخمس ولكن التعبير ورد بقوله ـ عليه السلام ـ في كل عام مع إمكان تبديله بلفظ آخر ككل يوم أو كل شهر أو دائماً فلعام مدخلية في ملاحظة الفوائد.

الإشكال الثاني على مناقشة السيد الخوئي

وناقشه أيضاً سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي ـ رحمه الله ـ قائلاً: إننا لا نتمسك بالإطلاق ومقدمات الحكمة حتى تتمسك أن الإمام ـ عليه السلام ـ لم يكن في مقام البيان من هذه الجهة بل إننا نتمسك بالعموم الوضعي إذ ورد فيها لفظ كل قال ـ عليه السلام ـ «في كل عام» فنتمسك بالعموم الوضعي ولا نتمسك بالعموم الإطلاقي.

لكن الظاهر تمامية ما أفاده سيد أساتذتنا السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ووافقه أيضاً سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي رغم إشكاله عليه فإن من يقرأ صحيحة علي بن مهزيار بالكامل يجد أن العام في هذا المقطع من كلامه في مقابل ما ورد في صدر الرواية من قوله ـ عليه السلام ـ : «في سنتي هذه»، وقوله ـ عليه السلام ـ في أثنائها «وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه» وقوله ـ عليه السلام ـ في آخرها «فأما الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام فهو نصف السدس»[5] فهو راجع إلى جعل الخمس في قبال ما ذكر في صدر الرواية وأثنائها وذيلها فليس التقيد بكل عام لموضوع الخمس فلا يبقى مفهوم لهذا التعبير، والإمام ـ عليه السلام ـ كان بصدد التفريق بين أقسام الخمس لا في مقام بيان كيفية المؤونة وهذا واضح وجلي لمن يقرأ الرواية بالكامل أن الإمام في أواخر عمره كان بصدد التخفيف على شيعته فأسقط بعض الموارد وأثبت بعض الموارد فلا يفهم من هذا، والإمام ـ عليه السلام ـ ليس في مقام بيان كيفية إخراج الخمس وكيفية وجوب الخمس بل كان في مقام بيان أصل الوجوب في عامه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إذا الوجه الأول ليس بتام.

الإستدلال على القول الأول(السنة الربحية واحدة)على وجوه:

الوجه الثاني

إن لحاظ المؤونة بالنسبة إلى كل ربح ربح وكل فائدة وإيجاد سنة مستقلة لكل ربح بل كل فائدة يوجب الاختلاف والهرج والمرج وهذا ينافي سهولة الأحكام وسماحة الشريعة.

إشكال السيد الخوئي على هذا الوجه

وقد أجاب عن هذا الوجه سيد أساتذتنا السيد الخوئي من أن هذا الوجه لا نعقل له معنى محصلاً حتى في التدريجيات مثل العامل أو الصانع الذي يربح في كل يوم ديناراً مثلاً فإنه إن لم يبقى كما هو الغالب حيث يصرف ربح كل يوم في مؤونة اليوم الثاني فلا كلام، وإن بقي يخمس الفاضل على المؤونة. نعم، لا بأس بجعل السنة لسهولة الأمر وانضباط الحساب كما هو المتعارف عند التجار حيث يتخذون لأنفسهم سنة جعلية يخرجون الخمس بعد انتهائها واستثناء المؤون المصروف فيها وإن كانت الأرباح المتخللة فيها تدريجية الحصول بطبيعة الحال فإن هذا لا ضير فيه إذ الخمس قد تعلق منذ أول حصول الربح غايته أنه لا يجب الإخراج فعلاً بل يجوز إرفاقاً التأخير إلى نهاية السنة والصرف المؤونة فبالإضافة إلى الربح المتأخر يجوز إخراج خمسه وإن لم تنتهي سنته فإن ذلك إرفاق محض ولا يلزم منه الهرج والمرج بوجهٍ كما يجوز أن يخرج الخمس من كل ربح فعلاً من غير اتخاذ السنة[6] .

وخلاصة ما أفاده سيد أساتذتنا الخوئي ـ رحمه الله ـ من أننا لا نرى لزوم وضع سنة خمسية لكل ربح وفائدة بل نرى جواز ذلك فكما يجوز له أن يعمل سنة واحدة لجميع الأرباح والفوائد يجوز له أن يجعل سنة مستقلة لكل ربح ربح وفائدة فائدة هذا أولاً.

الإشكال الثاني على الوجه الثاني

وثانيا إن الخمس يتعلق بمجرد ظهور الربح فيستطيع أن يخرج الخمس من دون سنة بل يستطيع أن لا يجعل له سنة خمسية بأن يخمس الفائدة أو الربح بمجرد الحصول عليه، وإنما التأخير إلى سنة إرفاقاً بالمكلف فما الضير في ذلك؟! فكما أن المكلف يستطيع أن يخرج خمس أي ربح وأي فائدة بمجرد أن يحصل عليه ويجوز له ذلك أيضاً يجوز له أن يجعل سنة مستقلة لهذا الربح أو سنة واحدة لجميع الأرباح والفوائد.

إذاً الوجه الثاني ليس بتام بل هو أشبه بالاستحسان الذي لا ينهض ولا يرقى إلى مستوى الدليل.

الإستدلال على القول الأول(السنة الربحية واحدة)على وجوه:

الوجه الثالث

أن اختيار السنة لمجموع الأرباح واستثناء المؤونة منها موافق للاحتياط بل إن مقدار الاقتصاد على القدر المتيقن من الخروج عن إطلاق الأدلة ذلك فإن القدر المتيقن من المخصص لأدلة الخمس من استثناء المؤونة هو هذا المقدار وأما أخذ سنة مستقلة لكل ربح فهو خارج عن القدر المتيقن.

الإشكال على الوجه الثالث

وفيه أن هذا يتم لو لم يوجد في الروايات ما يكون ظاهراً في القول الثاني فإذا دلت الروايات والأدلة على جواز اتخاذ سنة مستقلة لكل ربح فحينئذ لا يتم التمسك بالقدر المتيقن أو الاحتياط فإذا دل الدليل على ذلك لا تصل النوبة إلى التمسك بالقدر المتيقن أو هذا أولاً.

الإشكال الثاني على الوجه الثالث

وثانياً لو تنزلنا وسلمنا بأن مقتضى الاحتياط هو اتخاذ سنة خمسية واحدة وأن القدر المتيقن من الأدلة هو اتخاذ سنة جعلية واحدة وعدم تعدد السنوات بتعدد مختلف الأرباح والفوائد لكن هذا يجري بخصوص السنة الخمسية الجارية ولكنه لا يقتضي احتساب المؤون السابقة من الربح اللاحق، وكذلك الخسائر والديون فلابد من دلالة الدليل عليه، وبالتالي لا بد من الاقتصار على بعض هذه الآثار دون الجميع فالقدر المتيقن والاحتياط يقتضي اتخاذ سنة جعلية واحدة هذا بالنسبة إلى اتخاذ السنة الخمسية الجعلية.

وأما استثناء مؤونة العيال والخسائر والديون فلا دليل على أن الخسارة المتقدمة على الربح الثاني تكسر من الربح الثاني، هذا يحتاج إلى دليل.

إذاً الوجه الثالث ليس بتام.

الإستدلال على القول الأول(السنة الربحية واحدة)على وجوه:

الوجه الرابع

ما ورد في صحيحة ابن راشد حيث ذكر أن «الخمس واجب على الصانع والتاجر في الأمتعة والصنايع إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»[7] .

وهذه الصحيحة ظاهرة في مؤونة السنة الواحدة لا مؤونة كل يوم يوم بمعنى أنه يخرج المؤونة من مجموع الأمتعة والصنائع في تلك السنة ثم يعطي خمس الزائد على ذلك.

الأشكال على الوجه الرابع

وفيه قد يقال بعدم ظهور الرواية فيما ذكر فإن المذكور فيها هو استثناء المؤونة من الأمتعة والصنائع وهذا الاستثناء كما يمكن أن يكون على نحو المجموع يمكن أن يكون على نحو التعدد كما هو مقتضى القول الثاني، فلا ظهور للجملة في خصوص القول الأول بل كلا الاحتمالين واردان فيمكن أن يستدل بها على القول الأول ويمكن أن يستدل بها على القول الثاني.

إلى هنا اتضح أن الوجوه الأربعاء التي قد يستدل بها على قول المشهور ليست بتام.

يبقى الكلام في المقام الثاني أدلة القول الثاني ثم النتيجة النهائية يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo