< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المورد الثاني حكم المال الموصى به

 

محل البحث: عدة موارد ينبغي بحثها في خمس أرباح المكاسب- تم البحث عن المورد الأول (الهبة والهدية والجائزة)- اليوم نتكلم عن المورد الثاني (المال الموصى به) والثالث (الميراث)

قال السيد محمد كاظم اليزدي رحمه الله في العروة الوثقى:

«والمال الموصى به ونحوها بل لا يخلو عن قوة»[1] .

تطرق صاحب العروة إلى موارد خاصة بعد أن انتهى من بيان المورد السابع من موارد وجوب الخمس وهو مطلق الفائدة:

المورد الأول حكم الهدية.

المورد الثاني الخاص المال الموصى به.

وسيتضح إن شاء الله أن الأقوى وجوب تخميس مال الوصية مطلقاً.

والوصية على قسمين

القسم الأول: الوصية العهدية

فإن الوصية إما أن تكون عهدية بأن يعهد الموصي إلى وصيه أن يعطي شخصاً مقداراً من المال بعد وفاته، كأن يقول لوصية: إذا متّ فأعطي فلان مئة دينار من تركتي، فهذه وصية عهدية وحكمها حكم الهبة، فإن المعطي للشخص إما أن يكون حياً كما في الهبة والهدية والجائزة، وإما أن يكون ميتاً بأن يهب شيئاً عن طريق الوصية العهدية ويتسلمه الموهوب بعد وفاته، فيجري في القسم الأول وهو الوصية العهدية حكم الهبة والهدية وهو وجوب الخمس.

القسم الثاني: الوصية التمليكية

كأن يقول المتوفى: ثلث مالي وثلث تركتي لفلان بعد وفاتي، ومن الواضح أن المكلف يحق له أن يوصي بثلث تركته، ووصيته تنفذ في خصوص الثلث، لا في جميع ماله، وهنا يوجد قولان:

القولان في الوصية التمليكية

القول الأول وهو للمشهور اعتبار القبول من الموصى له فلابد للموصى له أن يقبل فإن لم يقبل لا يملك ثلث التركة فإن قلنا بمقولة المشهور وهي اشتراط قبول الموصى له كان حكم الوصية التمليكية حكم الهبة، فالهبة أيضاً معاوضة تفتقر إلى إيجاب وقبول كذلك الوصية التمليكية فالموصي يوقع الوصية والموصى له يقبل، فيصير حكم الوصية التمليكية حكم الهبة لتوقفها على قبول الموصى له فهي بمثابة جائزة من الموصي الميت إلى الموصى له الحي، ولا يشترط في الهدية حياة المهدي.

القول الثاني ما بنى عليه السيد الخوئي رحمه الله من أن الوصية التمليكية محضّ إنشاء ولا يحتاج إلى القبول. نعم، يمكن للموصى له أن يرد الوصية.

الفارق بين القولين

والفارق بين القول الثاني والأول أن القول الأول يشترط قبول الموصى له لكي تثبت الملكية بينما القول الثاني السيد الخوئي رحمه الله لا يشترط قبول الموصى له فبمجرد أن يوصي الموصي ويموت تثبت الملكية للموصى له لكن يحق له أن يرد ذلك.

فبناء على القول الثاني من عدم اشتراط القبول في الوصية التمليكية في هذه الحالة يدخل المال قهراً في ملكية الموصى له فيدخل تحت عنوان مطلق الفائدة فتشمله الإطلاقات وإن افترق عن الهبة في أن الهبة تفتقر إلى قبول بينما الوصية التمليكية إذا لم نشترط قبول الموصى له تدخل في عنوان مطلق الفائدة لا في خصوص عنوان الهبة.

النتيجة النهائية الوصية بمختلف أنحائها من العهدية والتمليكية وكذلك التمليكية بناء على اشتراط القبول أو اشتراط أو عدم اشتراط القبول فعلى جميع الأقوال نجد أن مقتضى القاعدة وجوب الخمس في الوصية والله العالم.

هذا تمام الكلام في المورد الثاني

المورد الثالث: حكم الميراث

قال صاحب العروة رحمه الله ما نصّه:

«نعم لا خمس في الميراث إلا في الذي ملكه من حيث لا يحتسب فلا يترك الاحتياط فيه كما إذا كان له رحم بعيد في بلد آخر لم يكن عالماً به فمات وكان هو الوارث له»[2] .

المورد الثالث حكم ما يملكه بالميراث، والميراث على قسمين: محتسب وغير محتسب.

الميراث على قسمين

القسم الأول: الميراث المحتسب

وهو الميراث المتوقع عادة، فالمراد بالميراث المحتسب أي الميراث المحتمل عادةً وغالباً.

فما هو هذا الميراث المحتمل والمتوقع؟

بالنسبة إلى المحتسب الكثير من الفقهاء ذكروا مصداقين من أب أو ابن فالميراث المحتسب والمتوقع عادةً من الأب لأن الابن يرث أباه أو الرجل يرث ابنه إن مات في حياته.

والصحيح أن التقييد بالأب أو الابن هو قيد غالبي فإن الأم والبنت كذلك فإن الأم قد ترث ابنها أو ابنتها كما أن الرجل أو البنت قد ترث أمها، فالملاك هو المحتمل عادةً المتوقع غالباً هذا ملاك الميراث المحتسب.

وكذلك الزوج والزوجة ولكن لأن الزوج والزوجة أمر سببي وليس نسبي قد يقع الطلاق والانفصال لم يذكروا بخلاف الأب والأم والابن والبنت هذا أمر نسبي فهذا أبرز المصاديق وإلا يدخل أيضاً الزوج والزوجة.

القسم الثاني: وأما الميراث غير المحتسب وغير المحتمل والمتوقع.

قيدان ذكره صاحب العروة

فقد ذكر له صاحب العروة قيدين:

القيد الأول أن يكون الرحم بعيداً في بلد آخر.

القيد الثاني أن لا يكون عالماً به.

والصحيح أن هذين القيدين من باب المثال، ولتعيين أغلب الأفراد، فلا يشترط ولا يعتبر في صدق الإرث الذي لا يحتسب عدم الكون في بلد الوارث أو عدم العلم بوجوده، فقد يتفق اجتماعهما في بلد واحد ويحصل العلم بالوجود ولكن لا يكون الإرث منه بالحسبان، ويذكر السيد الخوئي[3] ـ رحمه الله ـ مثالاً ويذكره شيخنا الأستاذ الداوري[4] بعينه.

المثال:

لو كان هناك أخوان أحدهما شيخ كبير عمره ثمانين سنة، والآخر أصغر منه سناً، وعنده أولاد من المتوقع أن الصغير يرث الكبير، حصلت زلزلة أو آفة سماوية ومات الصغير بكل أولاده وكل أفراد عائلته، فإن الشيخ الكبير المشرف على الموت ثمانين سنة يرث أخاه الصغير.

وكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر

تزود من الدنيا فإنك لا تدري إذا جن عليك الليل هل تعيش إلى الفجر؟

فمن عاش ألفاً وألفين فلابد من يوم يسير إلى القبر

عليك بتقوى الله إن كنت غافلاً يأتيك بالأرزاق من حيث لا تدري

عموماً إلى هنا اتضح أن المراد بالميراث المحتسب أي المتوقع عادة والمحتمل غالباً، والميراث غير المحتسب غير المتوقع أنت أصبحت في الصباح قالوا: لك مات فلان في أمريكا وليس له وارث إلا أنت، وأنت لا تعرفه ولا تعلم بوجوده وبعيد عنك، هذا مثال غير المحتسب غير المتوقع بخلاف الأب أو الابن أو الأم أو الأخت هذا متوقع.

المناط على العرف أحسنت لأنه هذه قاعدة الموضوع إن ورد في الرواية فهو موضوع مستنبط إن لم يرد في الرواية يوكل إلى العرف، عنوان الميراث المحتسب ورد في خصوص صحيحة علي بن مهزيار ولم توضح الرواية معنى الميراث المحتسب فيرجع فيه إلى العرف، ولو بين الإمام الجواد في صحيحة علي بن مهزيار معنى الميراث المحتسب لالتزمنا بما وضحه فإنه حينئذ يكون من الموضوعات المستنبطة.

ثلاثة الأقوال في خمس الميراث

الأقوال في وجوب تخميس الميراث ثلاثة:

القول الأول القول بعدم وجوب تخميس الميراث مطلقاً سواء كان محتسباً أو غير محتسب، ولعله قول المشهور.

القول الثاني ووجوب تخميس الميراث مطلقاً ونسب إلى أبي الصلاح الحلبي.

القول الثالث التفصيل بين الإرث المحتسب فلا يجب فيه الخمس والإرث غير المحتسب فيجب فيه الخمس.

وسيتضح أن الصحيح من الأقوال هو خصوص القول الثالث وهو الالتزام بالتفصيل والمستند في ذلك صحيحة علي بن مهزيار رضوان الله عليه

رد القول الثاني بأمرين

أما القول بالوجوب مطلقاً وهو قول أبو الصلاح الحلبي فيمكن رده بأمرين:

الأمر الأول عدم صدق الفائدة والغنيمة على الإرث، وقد قيل في وجه عدم الصدق وجوه:

ثلاثة وجوه في عدم صدق الفائدة على الإرث

الوجه الأول ما ذكره السيد الخوئي رحمه الله من انصراف كلمة الغنيمة والفائدة عن مثل الإرث فإن من ورث شيئاً لا يقال إنه استفاد أو أفاد أو غنم[5] .

الوجه الثاني ما ذكره زميل السيد الخوئي المرجع الكبير السيد محمد هادي الميلاني من أن الاغتنام إنما يصدق مع تبدل الأموال وانتقالها بينما المتحقق بنظر العرف الإرث وتبدل الملاك وليس تبدل الأموال فإن الأموال ثابتة وباقية على حالها غاية ما في الأمر أن التبدل إنما طال الملاك بحسب ما يقتضيه نظام الوجود[6] .

الوجه الثالث أن المعتبر في صدق الفائدة والغنيمة أن يكون الربح زائداً عن العوض، وأما إذا كان مساوياً أو أقل فلا يصدق عليه عنوان الفائدة والغنيمة، وبالنسبة إلى الميراث فإن الوارث فقد الميت الذي يعز عليه وفقده لما يعز عليه لا يقاس بالمال الذي انتقل إليه منه ولا يقابل عرفاً بمال بل إن العرف ليشمئز من القول بأنه ربح أو من الميت مهما كان المقدار الذي انتقل إليه.

الوجه الثالث سبب للإنصراف

ولعل هذا الوجه هو سبب الانصراف الذي ذكرناه في الوجه الأول والذي ذكره السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ فلا يلتفت لما يدعى من صدق الربح والفائدة وأن المال الموروث من أوضح مصاديق الاستفادة عرفاً وعقلائياً، وقد أطلق عليه عنوان الغنيمة في صحيحة علي بن مهزيار هذه مجرد دعوى، إذ أن إطلاق الغنيمة والفائدة على الميراث المحتسب في غاية الإشكال.

نعم، إطلاق الغنيمة والفائدة على الميراث غير المحتسب وغير المتوقع ظاهر عرفاً، يقولون: فلان أغبر حصل غنيمة مات فلان وما عنده وارث إلا هو هذه العجوز باركت عليه حصل غنيمة وجائزة عظيمة فيطلق العرف عنوان الغنيمة والفائدة العظيمة على الميراث غير المحتسب بخلاف الميراث المحتسب مات أبوه حتى لو خلف إليه قصور ما يقولون أنه حصل على غنيمة كنز ثمين وإنما يقال له عظم الله اجرك وجبر الله بخاطرك.

هذا الأمر الأول عدم صدق عنوان الفائد والغنيمة على الإرث.

رد القول الثاني بأمرين-الأمر الثاني ما ذكره المحقق الهمداني في مصباح الفقيه[7] ونصّ ما ذكر:

«لا ينبغي الارتياب في عدم تعارفه» أي وجوب الخمس في الميراث «بين المسلمين في زمان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ولا بين الشيعة في عصر أحد من الأئمة ـ عليهم السلام ـ وإلا لمتنع عادة اختفاء مثل هذا الحكم مع عموم الابتلاء به على النساء والصبيان من المسلمين فضلاً عن صيرورته خلافياً بين العلماء أو صيرورة خلافه مشهوراً لو لم يكن مجمعاً عليه فوقوع في مثل المقام أمارة قطعية على عدم معرفيته في أصل الأئمة ـ عليهم السلام ـ بل ولا في زمان الغيبة الصغرى وإلا لقضت العادة بصيرورته من ضروريات الدين لو في عصر النبي ـ صلى الله عليه وآله أو المذهب لو كان في أعصار الأئمة ـ عليهم السلام ـ ».

وفيه إنما أفاده قد يتم في الإرث المحتسب لأنه متوقع لكنه ليس بتام في الإرث غير محتسب لأنه نادر الوجود وشاذ وخارج عن محل إلى عموم الناس فعدم التعرض له في كلمات الفقهاء المتقدمين لا يدل على عدم التزامهم بالوجوب فيه.

والسر في عدم قبول هذا الإدعاء

ولعل السر في عدم قبول هذه الدعوة هو وجود روايات صريحة ومتعددة في الهدية والجائزة بخلاف الميراث فإنه لم يرد في غير رواية واحدة وهي صحيحة علي بن مهزيار التي نوقش في دلالتها، بل إن بعض الفقهاء قد ردّها بأجمعها لاضطراب متنها كالسيد محمد الروحاني رحمه الله في كتابه المرتقى إلى الفقه الأرقى كتاب الخمس فإنه قد ردّ صحيحة علي بن مهزيار على الرغم من صحة سندها لكنه قال إن متنها مضطرب.

الأقوال في صحيحة علي بن مهزيار ثلاثة

القول الأول ردّها بأجمعها وبأكملها لاضطراب سندها، وهو قول السيد محمد الروحاني رحمه الله ـ .

القول الثاني التسليم باضطراب متنها والأخذ ببعض متنها الذي وافقه المشهور كخمس الغنيمة ورد بعض متنها المخالف لمشهور الطائفة كالقول بثبوت نصف السدس في الضيع.

القول الثالث الأخذ بصحيحة علي بن مهزيار بأكملها وأجمعها، وهنا إما أن تحمل على الحكم الولائي وأن الإمام عليه السلام في مقام بيان الحكم الولائي، وإما أن تحمل على أن الإمام في مقام بيان الحكم الشرعي فيعمل جميع المفردات ويؤخذ بقاعدة احترازية القيود ومفهوم الوصف.

وقد ورد في صحيحة علي بن مهزيار الميراث المحتسب والميراث غير المحتسب ورد هذا التفصيل، فبمقتضى قاعدة احترازية القيود يؤخذ بهذا القيد كما أن عنوان الجائزة الخطيرة أخذ فيعمل بقاعدة احترازية القيود.

فمن حمل صحيحة علي بن مهزيار على أن الإمام الجواد ـ عليه السلام في مقام بيان موارد الخمس وأخذ بقاعدة احترازية القيود وأخذ بمفهوم الوصف التزم بالتفصيل بين الجائزة الخطيرة فذهب إلى ثبوت الخمس بخلاف الجائزة الحقيرة فإنه لم يثبت فيها.

وكذلك أخذ بعنوان الميراث المحتسب فقال أن الخمس يثبت في الميراث غير المحتسب، وأما الميراث المحتسب والمتوقع فلا يثبت فيه الخميس.

ونحن نلتزم بالتفصيل في خصوص الإرث دون الجائزة الخطيرة والحقيرة لأنه بالنسبة إلى الإرث نعمل بقاعدة احترازية القيود فنقول: إنه يجب الخمس في خصوص الميراث غير المحتسب وغير المتوقع فعنوان الغنيمة والفائدة يصدق عليه بخلاف الميراث المحتسب والمتوقع فإنه لا يصدق على أنه غنيمة فلا يجب فيه الخمس فعملاً بقاعدة احترازية القيود نلتزم بالتفصيل في خصوص الإرث دون الجائزة الخطيرة فإننا نعمل أيضاً بقاعدة احترازية القيود ومقتضاها ثبوت الخمس في خصوص الجائزة الخطيرة دون الحقيرة لكننا نستظهر من الجائزة الخطيرة أنها استثنيت أو لم تذكر لأن الجائزة الخطيئة الحقيرة واليسيرة عادة تصرف ضمن مؤونة السنة ولا تبقى إلى نهاية السنة بخلاف الجائزة الخطيرة فإنه لو صرف منها في مؤونته فإنها تبقى عادة إلى نهاية السنة.

لذلك لا نلتزم بالتفصيل في الجائزة ونقول الجائزة يصدق عليها العنوان الأولي وهو الفائدة والغنيمة عنوان مطلق الفائدة يصدق على الهبة والجائزة والهدية مطلقاً سواء كانت حقيرة أو خطيرة بخلاف الميراث فإن الميراث المحتسب لا يصدق عليه عنوان الغنيمة بخلاف الميراث غير المحتسب فإنه يصدق عليه.

هذا إذا نظرت إلى خصوص المال لكن إذا نظرت إلى فقده لأبيه أو لابنه؟ هل يقال أنه استفاد من موت أبيه أو ابنه مالاً؟ لا يقال استفاد مالاً من موت أبيه أو من موت ابنه بخلاف إذا الميت بعيد النسب يقولون والله استفاد من موتته حصل على المال لكن لا يقال بالنسبة لمن فقد أباه أو ابنه أنه استفاد مالاً.

هذا تمام الكلام في المورد الثالث.

المورد الرابع حكم حاصل الوقف الخاص يأتي عليه الكلام.


[4] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، الشيخ مسلم الداوري، ج2، ص (100 و 101).
[6] محاضرات في فقه الإمامية، كتاب الخمس، ص92.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo