< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم الهبة والهدية والجائزة

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي رحمه الله في العروة الوثقى:

«بل الأحوط ثبوته مطلق في الفائدة وإن لم تحصل بالاكتساب كالهبة والهدية والجائزة».[1]

عدة موارد ينبغي بحثها في خمس أرباح المكاسب

تطرق السيد اليزدي رحمه الله إلى عدة موارد ومصاديق ينبغي بحثها في المورد السابع وهو خمس أرباح المكاسب.

وقد اتضح أن الخمس لا يختص بخصوص أرباح المكاسب من التجارات والصناعات والزراعات والإيجارات بل الخمس يتعلق بكل فائدة فهو يثبت لمطلق الفوائد.

 

ومن هنا وقع الكلام في موارد:

المورد الأول

الهبة والهدية والجائزة

وهذه العناوين الثلاثة وإن اختلفت بلحاظ الاعتبار لكنها متحدة من ناحية الحكم يراد بها مطلق الإعطاء والهدية يراد بها خصوص الهبة على نحو المحبة، والجائزة يراد بها الهبة الصادرة من العالي إلى الداني، فهذه العناوين الثلاثة تختلف في أنحائها والاعتبارات المأخوذة فيها لكن حكمها واحد، ومن هنا نبحثها أولاً من ناحية الأقوال، وثانياً من ناحية الأدلة.

الأمر الأول

الأقوال في المسألة

يوجد ثلاثة أقوال

القول الأول عدم وجوب الخمس في مطلق الهدية، وهو قول الحلي في السرائر، إذ نسب الوجوب إلى أبي الصلاح الحلبي في كتاب الكافي ثم أنكر عليه، وقال: ولم يذكره أحدٌ من أصحابنا إلا المشار إليه، ولو كان صحيحا لنقل أمثاله متواتراً والأصل براءة الذمة[2] .

ويظهر من كلام ابن إدريس الحلي أن المشهور قد ذهب إلى عدم وجوب الخمس في الهدية بل قد يدعى قيام الإجماع بل التسالم على عدم الوجوب، وأن أبا الصلاح الحلبي قد تفرد برأيه حينما قال بوجوب الخمس في الهدية.

القول الثاني وجوب تخميس الهدية مطلقاً وهذا ما يظهر من المحقق الحلي في المعتبر والشهيد الأول في الدروس إذ نسب الوجوب إلى الأصحاب[3] .

فقد أسند الخلاف في الدروس إلى خصوص ابن إدريس، وفي المعتبر أسند الخلاف إلى بعض أصحابنا ويريد به ابن إدريس فكان المشهور بل الإجماع بل المتسالم عليه عند الأصحاب بناءً على دعوى المحقق في المعتبر والشهيد الأول في الدروس هو عدم وجوب تخميس الهدية وشذ عن ذلك خصوص ابن إدريس الحلي.

وأما الشهيد الثاني ـ رحمه الله ـ والشيخ الأنصاري فقد ادخلا عنوان الهبة تحت عنوان التكسب نظراً إلى أن الهبة معاملة فيها إيجاب وقبول، وهي بحاجة إلى القبول، والقبول نوع من أنواع التكسب فتشملها كلمات الفقهاء من وجوب الخمس فيما يحصل بالاكتساب، وبالتالي تكون على القاعدة فيجب تخميس الهدية عند قبولها لأنها نحو من أنحاء التكسب[4] .

يراجع المسالك للشهيد الثاني وكتاب الخمس للشيخ الأنصاري[5] ووافقهما سيد أساتذتنا السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إذ قال: «ولا بأس بما ذكرا».

إختلاف الأعلام والمحشون على العروة

وقد اختلف أعلام العصر والمحشون على العروة الوثقى، وقالوا بثلاثة أقوال:

القول الأول عدم الوجوب وفاقاً لابن إدريس الحلي، وذهب إلى ذلك السيد الإمام روح الله الموسوي الخميني، والسيد القائد السيد علي الحسيني الخامنئي.

القول الثاني الوجوب مطلقاً وذهب إلى ذلك السيد أبو القاسم الخوئي، والمرجع الكبير السيد علي الحسيني السيستاني والكثير من الأعلام العصر.

القول الثالث التفصيل بين الهدية الخطيرة فيجب تخميسها والهدية الحقيرة واليسير فلا يجب تخميسها وذهب إلى ذلك الشيخ مرتضى الحائري ابن مؤسس الحوزة في قم الشيخ عبد الكريم الحائري[6] ، ومال إلى ذلك شيخنا الأستاذ الميرزا جواد التبريزي[7] ـ رحمه الله ـ .

هذه أقوال ثلاثة، وقد اتضح أن هناك دعويين للشهرة أو الإجماع أو التسالم، وهما على طرفي نقيض، وهناك دعوة للوجوب تفهم من كلام المحقق في المعتبر والشهيد الأول في الدروس، وهناك دعوى الشهرة على عدم الوجوب وهي تفهم من كلام ابن إدريس الحلي ولا يهم الآن تحقيق دعوى الخلاف وأن الشهرة على أي قول وأن أي النسبتين هي صحيحة إذ لم يثبت إجماع لا على القول الأول ولا على القول الثاني فالمهم هو تنقيح الأدلة.

والصحيح هو القول الثاني وهو وجوب تخميس الهدية والهبة والجائزة مطلقاً سواء كانت كبيرة وخطيرة وسواء كانت حقيرة ويسيرة، والذي يدل على الوجوب:

الإستدلال على وجوب تخميس الهدية والهبة والجائزة بالكتاب والسنة

أولاً الكتاب الكريم إذ يشمل الهدية عموم قوله تبارك وتعالى: ﴿واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه﴾[8] والغنيمة أعم غنيمة دار الحرب والآية الكريمة لم تقل: «واعلموا أنما اغتنم» أي اكتسبتم، بل قالت: «واعلموا أنما غنمتم» أي استفدتم من شيء.

فالمراد بالغنيمة ليس خصوص غنائم دار الحرب بل المراد بالغنيمة ما يستفيده الشخص إما مطلقاً أو بقيد عدم المشقة كما ورد في بعض كلمات اللغوي لكن قيد عدم المشقة قد يخرج غنيمة دار الحرب التي هي أبرز مصاديق الغنيمة لكن حتى لو التزمنا بهذا القيد فإن الهدية والهبة والجائزة تندرج تحت عموم «واعلموا أنما غنمتم من شيء» فالآية الكريمة بنفسها ولوحدها تكفي في إثبات وجوب الخمس للهدية والهبة والجائزة، والله العالم.

ثانياً الاستدلال على وجوب الهدية تخميس الهدية بعدة من الأخبار، والكثير منها ضعيف السند، وبعضها فيه إشعار لكن المعتبر ثلاث روايات بعضها عام وبعضها خاص.

الرواية الأولى

صحيحة علي بن مهزيار الطويلة، قال ـ ـ عليه السلام ـ ـ ما نصّه: «والجائزة من الانسان للإنسان التي لها خطر»[9] .

فقد عدّ الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ من أنواع الفائدة الجائزة التي لها خطر

وقد يقال: إن هذا القيد احترازي فنتمسك بقاعدة احترازية القيود أو بمفهوم الوصف فنلتزم بالقول الثالث وهو التفصيل ونقول بوجوب تخميس خصوص الهدية الخطيرة دون الهدية الصغيرة والحقيرة.

وفيه

أولاً أننا قد نحمل صحيحة علي بن مهزيار الطويلة على كون الإمام في مقام بيان الحكم الولائي فبعض الموارد من وجوب الخمس ألغاها الإمام عن شيعته تخفيفاً عليهم وبعض الموارد خففها كالضيع وقال بنصف السدس.

فالإمام ـ عليه السلام ـ في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة لم يكن في مقام بيان تمام موارد ومصاديق وجوب الخمس بل كان في مقام التخفيف على شيعته، وبيان الحكم الولائي.

فبناءً على ذلك لا يثبت مفهوم الوصف أو أن يكون قيد الخطيرة احترازياً إذ أن الإمام أثبت وجوب الخمس في الخطيرة وإثبات وجوب الخمس في الخطيرة لا ينفي وجوب الخمس في اليسيرة والحقيرة إذ أن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.

وثانياً لو تنزلنا وقلنا إننا نحمل على أن الإمام ـ عليه السلام ـ في مقام بيان موارد وجوب الخمس، فنقول أيضاً إن التقييد بالخطير لا يدل المفهوم بالمعنى المصطلح بل غايته الدلالة على عدم تعلق الحكم بالطبيعي الجامع، ولعل وجه التقييد بالخطيرة هو أن الهدية اليسيرة والصغيرة لا تبقى إلى نهاية السنة بل تصرف في مؤونة السنة فالجائز اليسيرة والحقيرة تكون من مؤونة السنة فلا يثبت فيها الخمس بخلاف الجائزة الكبيرة والخطيرة فإن بعضها يصرف في مؤونة ولعل بعضها الآخر يبقى بعد انتهاء السنة فتكون من فاضل مؤونة السنة فيثبت فيها الخمس.

هكذا أجاد وأفاد سيد وأساتذتنا السيد الخوئي[10] ـ رحمه الله ـ ، وهذا مذكور في كلمات الشيخ الأعظم الأنصاري ـ رحمه الله ـ في كتاب الخمس وهو استظهار متين.

فهذه الرواية بالنسبة إلى الهدية اليسيرة لا تدل على الوجوب لكنها لا تدل على عدم الوجوب.

فهناك ثلاثة أمور:

الأمر الأول الرواية أثبتت الوجوب للهدية الخطيرة.

الأمر الثاني الرواية لم تثبت الوجوب للهدية اليسيرة.

الأمر الثالث الرواية لا تدل عدم وجوب تخميس الهدية اليسيرة فهذا مسكوت عنه.

وبالتالي يمكن إثبات وجوب الخمس للهدية الخطيرة بمقتضى صحيحة علي بن مهزيار كما يمكن إثبات الوجوب للهدية اليسيرة تمسكاً بعمومات الأدلة كالآية الكريمة والروايات الآتية، هذا إذا بنينا على عدم القول بالفصل أي أنه يوجد قولان لا ثالث لهما القول الأول للوجوب القول الثاني عدم الوجوب فنلتزم بالإجماع المركب وأنه لا قول بالفاصل وهو التفصيل بإيجاب الخمس في خصوص الخطيرة دون الحقيرة.

لكن القول بالفصل قد ثبت والكثير من محشي العروة الوثقى من أعلام العصر قد التزم بالتفصيل بين الهدية الخطيرة والهدية الحقيرة.

نتيجة

والخلاصة الاستدلال بصحيحة علي بن مهزيار الطويلة على وجوب تخميس الهدية مطلقاً تامٌ لا غبار عليه ولا نلتزم بالتفصيل.

الرواية الثانية

موثقة سماعة قال سألت أبا الحسن ـ عليه السلام ـ عن الخمس، فقال: «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير»[11] .

وهذه الرواية ليست من الروايات الخاصة في الجائزة كصحيحة علي بن مهزيار بل هي من الروايات العام ونتمسك بالعموم الوضعي إذ قال الإمام ـ عليه السلام ـ : «كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير» فهذه الرواية تدل على تعلق حكم الخمس بمطلق الفائدة الذي يشمل الهدية وغيرها.

الرواية الثالثة

معتبرة أبي بصير وهي ما رواه ابن إدريس الحلي في آخر السرائر نقلاً من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن هلال العبرتائي عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ قال: «كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب ـ عليه السلام ـ الخمس في ذلك»[12] .

وهذه الرواية من الروايات الخاصة في الهدية، وهي ظاهرة الدلالة على وجوب تخميس الهدية، إنما الكلام في السند فقد ورد فيه أحمد بن هلال العبرتائي وابن إدريس الحلي قد أورد هذه الرواية في آخر السرائر في الروايات التي استطرفها وسميت بمستطرفات السرائر، ولم يذكر طرقه إلى أرباب الكتب قد يقال أنه لم تثبت طرق ابن إدريس الحلي إلى أرباب هذه الكتب فلا يعتمد عليها كما يقول السيد الخوئي[13] وإن استخرج شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري ـ حفظه الله ـ طرق ابن إدريس إلى هذه الكتب من إجازات البحار الواردة في خاتمة البحار، وعرضها على السيد الخوئي، وقال: إن السيد الخوئي قد قبلها وعدل عن رأيه فيما استطرفات السرائر، وأن الروايات خرجت من حدّ الإرسال إلى حدّ الإسناد.

لكن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في قوله السابق كان يستثني الروايات روايات مستطرفات السرائر المروية من كتابه أول جامع البيزنطي نظراً لشهرته وهذا لا يحتاج إلى النظر في السند، والثاني ما رواه ابن إدريس الحلي عن كتاب محمد بن علي بن محبوب لأن ابن إدريس الحلي ـ رحمه الله ـ روى روايات محمد بن علي بن محبوب في مستطرفات السرائر عما رآه من خطّ جده الشيخ الطوسي، والشيخ الطوسي له طريق صحيح إلى روايات محمد بن علي بن محبوب.

نطبق الصغرى على الكبرى إذا مع رواه ابن إدريس الحلي عن خطّ جده الشيخ الطوسي وإن كان مرسلاً في خصوص مستطرفات السرائر لكن الشيخ الطوسي له طريق صحيح إلى روايات محمد بن علي بن محبوب، فتكون هذه الرواية معتبرة وصحيحة السند.

وبذلك نتخلص من هذا الإشكال وهو أن رواية مستطرفات السرائر مرسلة بل أصبحت مسندة.

تبقى إشكالية أخرى

وهي أن ابن إدريس روى هذه الرواية عن أحمد بن هلال العبرتائي وهو فاسق ينسب إلى الغلو مرة وإلى النصب مرة أخرى بل عن شيخنا الشيخ مرتضى الأنصاري ـ رحمه الله ـ أن مثله لم يكن يتدين بدين لما بين النسبتين من بعد المشرقين نسبة الغلو ونسبة النصب[14] .

ولكن الظاهر أنه ثقة في نقله ويؤخذ بكلامه قبل فسقه فهو وإن كان فاسد العقيدة لأنه توقف ولم يقبل سفارة أبي جعفر وهو السفير الثاني محمد بن عثمان بن سعيد العمري ولم يقبل نيابته عن الإمام حسداً منه له لأنه كان يرى نفسه أحق بالنيابة.

لا الحسين بن روح ذاك الشلمغاني.

السفير الأول أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري.

السفير الثاني أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري.

السفير الثالث أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي السمان.

الثاني الخلاني يبع الخل.

السفير الرابع أبو الحسن علي بن محمد السمري.

ابن أبي العزاقر الذي هو الشلمغاني صاحب كتاب التكليف حسد السفير الثالث الحسين بن روح السمان وكان يرى أنه أحق بالسفارة منه، وأحمد بن هلال العبرتائي حسد السفير الثاني أبا جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري الخلاني، وكان يرى أنه أحق بالنيابة منه.

لكن هذا لا ينافي ما نصّ عليه النجاشي من كونه صالح الرواية[15] .

الظاهر أن هذه الرواية معتبرة خصوصاً أنها مروية في كتاب محمد بن علي بن محبوب أي أن العبرتائي رواها قبل فسقه وانحرافه فيؤخذ بها.

النتيجة النهائية دلت الآية الكريمة وثلاث روايات على وجوب تخميس الهدية مطلقاً، وهناك روايات قد تكون مؤيدة أو مشعرة بوجوب تخميس الهدية لا داعي للتطرق لها.

هذا تمام الكلام في المورد الأول فإذا قول صاحب العروة بل لا يخلو عن قوه تام لا ريب فيه.

المورد الثاني المال الموصى به يأتي عليه الكلام.


[7] التنقيح في شرح العروة الوثقى، تنقيح مباني العروة الوثقى، كتاب الخمس، الشيخ ميرزا جواد التبريزي، ص268.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo