< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/04/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الثاني الاستدلال بالإجماع والتسالم

 

محل البحث: الإستدلالات على وجوب الخمس فيما بفضل عن مؤونة السنة- تم الإستدلال بالآية الكريمة الأنفال الآية41 والحال الإستدلال بالإجماع والسيرة والإرتكاز

ذكرنا الأول وهو الاستدلال على وجوب الخمس في أرباح المكاسب بل مطلق الفوائد بالقرآن الكريم، والثاني هو الاستدلال بالإجماع، والثالث هو الاستدلال بالسيرة القطعية، والرابع هو الاستدلال بالسنة اللفظية، وسيتضح أن الأدلة الأربعة تامة الدلالة على وجود الخمس في أرباح المكاسب.

الإمر الثاني

الإستدلال بالإجماع على وجوب خمس أرباح المكاسب

ظاهر ابن الجنيد والإسكافي أنه لا خمس في أرباح المكاسب

أما الثاني فالظاهر تسالم الأصحاب واتفاقهم على وجوب الخمس في أرباح المكاسب ولم ينسب الخلاف إلى أحدٍ قديماً أو حديثاً إلا إلى ابن الجنيد الإسكافي وابن أبي عقيل العماني[1] .

ولكن عبارة ابن الجنيد لم تصل إلينا وما نسب إليه من عبارة في الخلاف والمخالفة ليست صريحة، لذلك قال صاحب الحدائق ما نصّه:

ولم نقف لما نقل عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل على دليل معتمد سوى ما نقله في المختلف، فقال: احتج ابن الجنيد بأصالة براءة الذمة، وبما رواه عبد الله بن سنان[2] .

ولو سلمنا جدلا ًوقلنا إن القديمين قد خالفا في هذه المسألة فعلى فرض التنزل لا تضر مخالفتهما بتحقق الإجماع نظراً لكثرة فتاواهما المخالفة والموافقة للعامة خصوصاً ابن الجنيد الإسكافي الذي توافق الكثير من فتاواه فتاوى أبي حنيفة النعمان.

إذا استدل على وجوب الخمس في أرباح المكاسب بالإجماع المنقول والمحصل، ولم ينقل عن جميع علمائنا الخلاف إلا بالنسبة إلى ابن الجنيد وابن أبي عقيل مع أنه يحتمل إرادتهما العفو والتحليل لا نفي أصل ثبوت الخمس وجعله على المكلفين.

كما أن ما نقل عنهما من عبائر ونسب إليهما من قول قد يكون ناظراً إلى وجود اختلاف بين علماء الخاصة والعامة، وقد حمل كلامهما بعض علمائنا على التوقف.

وقد ذكر السيد المرتضى رضوان الله عليه في الانتصار ما نصّه:

ومما انفردت به الإمامية القول بأن الخمس واجب في جميع المغانم والمكاسب، ومما استخرج من المعادن والغوص والكنوز، ومما فضل الأرباح التجارات والزراعات والصناعات بعد المؤونة، والكفاية في طول السنة على الاقتصاد[3] .

المناقشة في الإجماع

لكن هذا الإجماع بكلا قسميه المنقول والمحصل قد يناقش بأنه محتمل المدركية نظراً للآية الكريمة ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾[4] والروايات الشريف التي سنتطرق إليها وهي ما تقرب من عشرين رواية.

ويكفي احتمال المدركية للمناقشة في حجية هذا الإجماع إذ أن الإجماع ملاك حجيته كونه كاشفاً عن رأي المعصوم بالإن أي إن المعلول وهو إجماع المسلمين أو إجماع الطائفة يكشف عن العلة لتلقيهم الدليل من المعصوم ـ عليه السلام ـ .

إذا احتمل وجود المدرك للإجماع

فإذا احتملنا أن الأصحاب قد ركنوا إلى الروايات المتوفرة الدالة على وجوب الخمس في أرباح المكاسب أو ربما ركنوا إلى ما فهموه من عموم آية الغنيمة لأرباح المكاسب فحينئذ تسقط حجية الإجماع إذ أن حجية الإجماع ليست تعبدية بل من باع بالكشف التكويني وبحساب الاحتمالات فإن الإجماع قد يكشف عن قول المعصوم ـ عليه السلام

ومن الواضح أن كشف الإجماع فرع عدم وجود مناشيء استدلالية أخرى واضحة في المسألة كعموم الآية أو الروايات الشريفة فإذا احتملنا إجماع واستناد إجماع المجمعين إلى عموم الآية أو وفرة الرواية فإن هذا الإجماع يسقط عن الاعتبار.

وقع التسالم على الإجماع وهو أعلى من الإجماع

والصحيح الحق والإنصاف إن هذه المسألة لم يقم عليها الإجماع فقط بل أصبحت من مسلمات الطائفة الشيعية المحقة فهذه الفتوى ترقى إلى درجة التسالم، ومعنى التسالم بين الفقهاء كون المسألة ضرورية وبديهية في فقه الشيعة الإمامية.

ومن يتتبع وجوب خمس أرباح المكاسب في كلمات الفقهاء من الأولين والآخرين يجد أن هذا الحكم مسلم لدى الطائفة الشيعية المحقة وفقهائها نظرياً وعملياً لدرجة أنه لا يمكن التشكيك في ثبوته وصدوره عن المعصومين.

كما لا شك ولا ريب أن هذه المسألة كانت مسألة ابتلائية عند عموم الشيعة وكان هذا الابتلاء يدخل في عموم حياتهم الفكرية والسياسية وتكاليفهم المالية والعبادية كما يقول سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي[5] ـ رحمه الله ـ وفي مثل ذلك لا يعقل أن لا يحصل وضوح في الحكم إثباتاً أو نفياً.

إجماع الطائفه يكشف عن قول المعصوم

وحيث أنه قد أجمعت الطائفة على الوجوب فلا شكّ أن هذا الإجماع يكشف عن قول المعصوم ـ عليه السلام ـ ولا يعقل انعقاد الإجماع على خلاف أمر واضحٍ، فلو لم نركن إلى الإجماع فإننا نركن إلى التسالم.

السيد الخوئي ره يناقش الإجماعات لكن يسلم بالتسالم

وسيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ الذي من ديدنه مناقشة الإجماعات خصوصاً المنقولة إلا أنه يسلم بالتسالم، وهذه مسألة فقهية مهمة وسيالة لا بأس بالإشارة إليها ولو من ناحية تاريخية.

تاريخ الإجماعات واستبدالها بالسيرة والإرتكاز

ففي كتب القدماء كالشيخ الطوسي ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ ومن جاء بعده كثر الاستناد إلى الإجماع، واستمر ذلك إلى قرب عهد الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري الذي ناقش في الإجماع وقسمه إلى قسمين فقال:

إن الإجماع أما منقول وإما محصل والمنقول ليس بحجة وهنا مناقشة في الكبرى، والمحصل الذي هو حجة لم يحصل أو صعب الحصول فهذه مناقشة في الصغرى

نشئة التسالم على شكل ضرورات المذهب أو السيره أو الإرتكاز

وبعد عهد الشيخ الأعظم الأنصاري كثرت المناقشات في هذه الإجماعات، وقد نقل صاحب الرياض السيد علي ـ رحمه الله ـ الكثير من هذه الإجماعات المنقولة لكن بعد ذلك كثرت المناقشة في هذه الإجماعات كثر ردّها وعوض عن ذلك بالاستدلال إما بالتسالم الذي يمثل ضرورة من ضرورات المذهب وإما السيرة العملية القطعية كسيرة المتشرعة أو سيرة العقلاء أو الارتكاز المتشرعي أو الارتكاز العقلائي.

الفرق بين الإرتكاز والسيرة

أقسام الإرتكاز والسيرة

وفرق بين الارتكاز والسيرة فالارتكاز في مرتبة العلة والسيرة في مرتبة المعلوم فعندنا ارتكازان وعندنا سيرتان عندنا الارتكاز العقلاء والارتكاز المتشرعي وعندنا السيرة العقلائية والسيرة المتشرعية.

إستبدال السيرة بدلا من الإجماع

فكثرت كثر الاستدلال بالسيرة العقلائية والمتشرعية في كلمات السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ والكثير من المعاصرين بخلاف كتب القدماء التي كثر فيها الاستدلال بالإجماع.

هذا تمام الكلام في الأمر الثاني واتضح أن الاستدلال بالإجماع تامٌ على وجوب الخمس في أرباح المكاسب، ولو تنزلنا جدلاً وقلنا بأنه ليس بحجة لاحتمال مدركيته فإن المسألة ترقى مرتبة التسالم وضرورة وكون ضرورة من ضرورات المذهب.

الأمر الثالث

الإستدلال بالإرتكاز والسيرة

الاستدلال بالارتكاز المتشرع أو السيرة العملية للمتشرعة القطعية المتصلة بزمن المعصومين ـ عليهم أفضل صلوات المصلين ـ الدالة على ثبوت الخمس في أرباح المكاسب والتزام الشيعة بدفعه إلى الأئمة ـ عليهم السلام ـ والتمسك بهذا الدليل تام لا غبار عليه فإما أن نتمسك بالارتكاز المتشرع وإما أن نتمسك بسيرة المتشرعة.

الفرق بين الإرتكاز والسيرة

وفرق بين الارتكاز والسيرة كما أنه يوجد فرق بين سيرة المتشرعة وسيرة العقلاء فكلاهما من السنة، ولكن سيرة المتشرعة تكشف عن الحكم الشرعي عن طريق الإن فالسيرة معلولٌ وكذلك الارتكاز المتشرعي معلولٌ والدليل الشرعي علة.

لماذا إرتكاز المتشرعة حجة؟

فحينما نجد ارتكازاً في أذهان المتشرعة فإن المتشرعة يتصرفون بما هم متشرعون والمراد بالمتشرعة العقلاء الذين يجرون على سجيتهم الدينية والشرعية ومثل هؤلاء لا يرتكز في شيء ينسب إلى الشريعة المقدسة من دون أن يتلقوا دليلاً، ولا يجرون في حياتهم العملية على شيء بما هم متشرعة لا بما هم عقلاء من دون أن يكونوا قد تلقوا دليلاً أو حكما شرعياً.

فإذا وجدنا ارتكازا متشرعياً أو سيرة متشرعية كما هو الحال في بحثنا إذ المرتكز في عموم أذهان الشيعة وجوب الخمس في أرباح المكاسب وهكذا جرت سيرتهم العملية على وجوب في أرباح المكاسب.

فلو فرضنا جدلاً أنه لا يوجد أي دليل لا آية ولا رواية ولا إجماع فإننا نقول يكفي هذا الارتكاز المتشرعي أو هذه السيرة المتشرعية فكل من الارتكاز والسيرة معلولان للحكم الشرعي.

والفرق بين الارتكاز والسيرة أن الارتكاز في مرتبة العلة والسيرة في مرتبة المعلول فالارتكاز المتشرعي يوجب وجود سيرة عملية محكمة ومطبقة على العمل بالحكم الشرعي.

إرتكاز والسيرة العقلاء ليس بحجة إلا اذا امضى المعصوم ع

فإذا

ملاك وحجية سيرة المتشرعة هو الكشف الإني لذلك البعض قد يدرجه ضمن الدليل الشرعي اللفظي لأن سيرته وعملهم قد يكشف عن دليل لفظي وقد يكشف عن دليل فعلي بخلاف سيرة العقلاء بما هم عقلاء أو ارتكازات العقلاء بما هم عقلاء فليس الملاك في حجية الارتكاز العقلائي أو السيرة العقلائية هي نفس السيرة ونفس الارتكاز بل الملاك إمضاء المعصوم ـ عليه السلام ـ .

لذلك نشترط في الارتكاز العقلائي أو السيرة العقلائية المعاصرة ولا نشترط في الارتكاز المتشرعي وسيرة المتشرعة المعاصرة يكفي الكشف الإني.

نعم، لو كان الارتكاز المتشرعي أو السيرة المتشرعية بمرأى من المعصوم ومعاصرة للمعصوم فهذا أقوى في الحجية لكنه ليس ملاك الحجية.

ملاك الحجية في ارتكاز أو سيرة العقلائية و المتشرعية

ومن هنا اتضح أن سيرة العقلاء والارتكاز العقلائي يندرج تحت عنوان السنة الإمضائية وملاك حجية الارتكاز العقلائي والسيرة العقلائية هو إمضاء المعصوم ومن الواضح أن السنة تشمل ثلاثة أمور للمعصوم: الأول قول المعصوم، الثاني فعل المعصوم، الثالث إمضاء وتقرير المعصوم.

فملاك حجية الارتكاز العقلائي والسيرة العقلائية هو إمضاء المعصوم وأما الارتكاز العقلائي أو السيرة العقلائية فبما هي هي ليست حجة، وهذا بخلاف الارتكاز المتشرعي وسيرة المتشرعة فإن الملاك في حجية الارتكاز المتشرعي وسيرة ليس إمضاء المعصوم ـ عليه السلام ـ وهو لا يندرج ضمن القسم الثالث من السنة السنة الإمضائية بل للملاك هو الكشف الإني إن المعلول يكشف عن العلة إن المعلول وهو ارتكاز المتشرع بما هو متشرع أو فعل المتشرع وسيرته بما هو متشرع يكشف عن العلة والعلة هي إما قول المعصوم أو فعل المعصوم أي الدليل.

الإستدلال على الخمس بالإرتكاز والسيرة

وبحثنا هنا في خمس أرباح المكاسب هو الاستدلال أولاً بالارتكاز المتشرعي وثانياً بسيرة المتشرعة المطبقة والمحكمة وهي متصلة بعصر المعصومين ـ عليهم أفضل صلوات المصلين ـ .

وبالتالي هي تكشف عن طريق الإن أن المعلول يكشف عن العلة ويضاف لها مزية أخرى وهي المعاصرة للمعصوم ـ عليه السلام ـ والمعصوم سكت أي يوجد إمضاء أيضاً، فهذه سيرة فيها مزية سيرة متشرعة التي لا تحتاج إلى إمضاء وفيها أيضاً إمضاء الذي تحتاجه السيرة العقلائية.

إذاً الحق والإنصاف أن خمس أرباح المكاسب قام عليه أرقى درجات الإجماع الواصل إلى حدّ التسالم، وقام عليه أرقى درجات الارتكاز المتشرعي وسيرة المتشرعة إذ أنها سيرة عملية قطعية متصلة بعصر المعصومين ـ عليهم أفضل صلوات المصلين ـ .

هذا تمام الكلام في الأدلة الثلاثة على وجوب الخمس في أرباح المكاسب: الأول القرآن الكريم، الثاني الإجماع بل التسالم، الثالث الارتكاز المتشرعي وسيرة المتشرعة، الرابع وهو العمدة الروايات الشريفة هي العمدة وهذه الروايات تصل إلى درجة التواتر الإجمالي، وسنبحثها بشكل مفصل إن شاء الله تعالى.

وقد أتعب سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله ـ نفسه الشريفة في تتبع هذه الروايات ومناقشتها وأحصاها قرابة عشرين سنذكرها بالتفصيل.

الرابع الاستدلال بالسنة إن شاء الله تراجعون بحوث في الفقه كتاب الخمس لسيدنا الأستاذ السيد محمد الهاشمي الشاهرودي الجزء الثاني صفحة تسعة وعشرين[6] يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo