الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه
45/04/27
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: كتاب الخمس/الوجه الثاني الاستدلال بالآية الكريمة بمعونة الأخبار التفسيرية/
هذه الرواية دلت على أن الغنيمة في الآية هي ما يستفيده المكلف من قليل أو كثير، فما يستفيده المكلف في يومه يجب فيه الخمس.
لكن هذه الرواية قد يناقش بعض الفقهاء في سندها، ومن هنا ذهب سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله إلى أن الروايات المفسرة للآية جميعها ضعيفة السند وقابلة للمناقشة في الدلالة عدا صحيحة علي بن مهزيار فإنه سلم بصحة سندها إلا أنه ناقش في دلالتها.
ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرض الله عليهم، وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليها الحول، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفاً مني عن مواليه ومناً مني عليهم لما يغتال من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم.
فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام قال الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[4] .
والغانم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر عظيم، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولابن، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب، ومن ضرب ما صار إلى قوم من موالي من أموال الخرامية الفسقة» الخرمية كانوا يقولون بالتناسخ.
«فقد علمت أن أموالاً عظاماً صارت إلى قومٍ من موالي فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصل إلى وكيله، ومن كان نائياً بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله ولو بعد حين فإن نية المؤمن خير من عمله، فأما الذي أوجب من الغلاة والضياع في كل فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمؤونته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف السدس ولا غير ذلك»[5] [6] [7] .
وهذه الصحيحة وقعت مورداً للاختلاف من جهة فقه الحديث، فقال بعضهم: إن فيها اضطراب ولم يعمل بها وإن كانت صحيحة سنداً إلا أنها مضطربة متناً، ومن أهم الأمور والملاحظات على متنها إن ظاهرها وجوب الخمس في الذهب والفضة إذا عليهما الحول وهو غير معهود، وإيجاب نصف السدس في الضياع والغلاة كذلك كما أن مقتضاها اندراج الجائزة الخطيرة، والميراث الذي لا يحتسب، والمال الذي لا يعرف صاحبه، وما يحل تناوله من مال العدو في اسم الغنائم، فيكون مصرف الخمس مصرف الغنائم.
وهنا بحث لو جاءتنا رواية صحيحة السند لكن في متنها اضطراب وبعض مقاطع الرواية تام الدلالة والبعض الآخر مضطرب الدلالة، فهل تسقط الرواية بسبب الاضطراب في بعض مضامينها أم أننا نلتزم بحجية ظاهر الدلالة منها، وأما مضطرب الدلالة فتسقط حجيته؟
الصحيح هو الثاني، فلو سلمنا بوجود اضطراب في بعض مضامين هذه الرواية إلا أنه لا شكّ ولا ريبّ أن الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ قد ذكر الغنيمة بمعنى مطلق الفائدة، واستدل بالآية الكريمة، مما يعني أن معنى قوله تعالى: ﴿إنما غنمتم﴾ أي استفدتم، فإن الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ ذكر قبل الآية وبعد الآية ما نصّه:
أما قبل الآية قال ـ عليه السلام : فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كل عام، قال الله تعالى: ﴿واعلموا أنما غنمتم من شيء﴾ ومن الواضح أنه يقصد بالغنائم الفوائد.
وبعد الانتهاء من الآية قال الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ في هذه الصحيحة لعلي بن مهزيار ما نصّه: «والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها» إلى آخره الصحيحة مما يعنيه أن الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ ذكر الغينمة بمعنى مطلق الفائدة واستدل بالآية الكريمة وهذا يكفي لإثبات المطلوب.
يبقى الكلام في تمامية دلالة الصحيحة وسيتضح إن شاء الله تعالى أنه لا يرد عليها شيء من الإشكال وقبل أن نشرع في ردّ هذه الإشكالات لا بأس بشرح بعض مضامينها، وقد شرح سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى كتاب الخمس جزء خمسة وعشرين من موسوعة الإمام الخوئي صفحة مئتين ثلاثة[8] وأخذ بشرح بعض فقرات الحديث الشريف، ولنتطرق إلى بعضها.
قوله عليه السلام : «في سنتي هذه» وهي سنة وفاته ـ عليه السلام ـ ولعله إلى ذلك أشار ـ عليه السلام ـ بقوله «لمعنى من المعاني وكره تفسيره كله» فأراد عليه السلام تطهير مواليه في السنة الأخيرة من عمره الشريف، اقتداءً بالنبي إلا المأمور بالأخذ والتطهير في قوله تعالى: ﴿خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها﴾
وقوله عليه السلام : «ولم أوجب عليهم ذلك في كل عام» أي من أعوام حياته علماً منه عليه السلام بعدم بقائه.
قوله عليه السلام : «وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه» يعني أن الكيفية التي اختارها ـ عليه السلام ـ للتطهير تختص بهذه السنة وهي إيجاب الخمس في خصوص الذهب والفضة قد حال عليهما الحول وإسقاط الخمس عن ما عداهما من المتاع والآنية والدواب والخدم والربح والضيعة إلا في ضيعة خاصة أشار ـ عليه السلام ـ إليها بقوله: «سأفسر لك أمرها» يعني بذلك ما سيذكره ـ عليه السلام ـ في نهاية صحيحة علي بن مهزيار من التفصيل بين من كانت ضيعته تقوم بمؤونته ففيها نصف السدس وإن لم تقم بمؤونته فلا شيء عليه.
إلى هنا أسقط الإمام الجواد عليه السلام ـ الخمس عما سوى في هذه السنة بالخصوص، ولم يبين ـ عليه السلام ـ وجهه وكره تفسيره فيحتمل أن الوجه هو علمه بموته ـ عليه السلام ـ في تلك السنة فأراد ـ عليه السلام. تطهيرهم إلا في خصوص الذهب والفضة.
وقد تطرق صاحب المدارك[9] لهذه الصحيحة، وذكر أن فيها إشكالاً من جهات تمنعنا عن الأخذ بها، وأنه لا بد من طرحها بالرغم من صحة السند.
ولكن ما ذكر من إشكالات لا يوجب طرح الرواية كما ذكره صاحب المدارك كما أن دلالة الرواية على استعمال لفظ الغنيمة بمعنى مطلق الفائدة والفوائد تامٌ، ولا داعي للمناقشة فيه كما ناقش سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي[10] حيث ذكر أن الروايات المفسر الآية كلها ليست تامة سنداً وقابلة للمناقشة دلالةً إلا صحيحة علي بن مهزيار فإنها تامة سنداً لكنها ليست تامة دلالةً فهو لم يطرح على اضطراب الرواية كما عليه صاحب المدارك وتبعه بعض المعاصرين لكنه ناقش من الدلالة وقال أن الإمام ـ عليه السلام كان في مقام بيان موارد ومصاديق وجوب الخمس وأخذ الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ بالتعداد.
أقول الإمام الجواد عليه السلام وإن كان في مقام بيان مصاديق الفوائد والغنائم لكن لا يخفى أنه ذكر الغنيمة بمعنى مطلق الفائدة، ولنجيب على هذه الإشكالات التي طرحت، وقد أجاد واختصر شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري ذلك في كتاب الخمس في فقه أهل البيت الجزء الثاني صفحة واحد وستين.
فالإمام عليه السلام بناء على هذا التوجيه الأول لم يقصد ذات الذهب والفضة كما هو الحال في الزكاة إذ تجب الزكاة في النقدين بل يقصد الربح الحاصل من الذهب والفضة، فالمراد بالذهب والفضة يعني الدنانير والدراهم التي هي أرباح يحصل عليها الإنسان في التجارة.
فبناءً على هذا التفسير الأول يندرج الذهب والفضة تحت عنوان أرباح المكاسب فيكون الإمام ـ عليه السلام ـ قد استثناهما من الأرباح التي أسقط عنها الخمس لأنه بولايته سلام الله عليه أسقط الخمس عن جملة من الأمور التي يجب فيها الخمس تسهيلاً للمكلفين في سنة وفاته لكنه استثنى خصوص الأرباح من الذهب والفضة هذا الاحتمال الأول.
وقد ورد هذا صريحان في الرواية الأولى وهي مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني ستأتي إن شاء الله ورد صريحاً في مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني للإمام الهادي ـ عليه السلام ـ نقرأ هذه المكاتبة ونختم بها.
مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني عن علي بن مهزيار قال: «كتبت إليه» إبراهيم بن محمد الهمداني «أقرئني علي كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضيع أنه اوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة وأنه ليس على من لم تكن ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة مؤونة الضيعة وخراجها لا مؤونة الرجل وعيال. فكتب وقرأه علي بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤنته ومؤونة عياله وبعد خراج السلطان»[11] [12] [13] .
وهذا يدل على أن الخمس ثابتٌ في الضيعة وقد أكد ذلك الإمام الهادي عليه السلام ـ وأن نصف السدس الوارد في مكاتبة علي بن مهزيار إنما كان تسهيلاً وتخفيفاً من الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ لشيعته في سنة وفاته.
واتضح أن الآية الكريمة تدل بكلا التقريبين والوجهين على وجوب الخمس في أرباح المكاسب، والله العالم.
هذا تمام الكلام في الاستدلال على وجوب الخمس القرآن الكريم،