< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تدريجية الأحكام

 

محل البحث: الإستدلالات على وجوب الخمس فيما بفضل عن مؤونة السنة- الإستدلال بالآية الغنيمة- الوجه الأول للإستدلال، التمسك بالإطلاق اللغوي- المناقشات في الإستدلال بالآية الكريمة- الجواب الثاني للمناقشة الأولى:

 

تأخير ذكر خمس أرباح المكاسب لمصلحة على مبنى تدريجية الأحكام

الجواب عن المناقشة-ثانياً لو سلمنا جدلا أن النبي والأئمة إلى عهد الصادقين لم يذكرا خمس أرباح المكاسب ولم يجلباه إلا أن هذا ينسجم مع مبنى تدريجية الأحكام وجواز تأخير التبليغ عن عصر التشريع بإيداع بيانه من النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى الإمام المعصوم ليظهره في ظرفه المناسب، وذلك بحسب المصالح الوقتية الباعثة على ذلك.

وهذا مبنى نبني عليه وبنى عليه سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ يراجع المستند في شرح العروة الوفق كتاب الخمس تقرير الشهيد مرتضى البروجردي جزء خمسة وعشرين من موسوعة الإمام الخوئي مئة وسبعة وتسعين ومئة وثمانية وتسعين. [1]

بعض الأحكام حتى الآن لم تنشر

بل قد يظهر من بعض النصوص أن جملة من الأحكام لم تنشر لحد الآن وأنها مودعة عند صاحب العصر والزمان الإمام المهدي ـ عجل الله تعالى خرجه الشريف ـ وهو المأمور بتبليغها متى ما ظهر وملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن تملأ ظلماً وجوراً.

نجاسة الحديد

فالأمر على هذا المبنى الحاسم لمادة الإشكال ظاهر لا سترة عليه كما يقول السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ فمثلاً بعض الروايات تشير إلى نجاسة الحديد وأن الحديد نجس لكن نجاسته ليست فعلية في عصر الغيبة ولكن إذا ظهر صاحب العصر والزمان ستكون نجاسته فعلية تراجع جملة من الأحكام التي يظهر منها أنها غير فعلية في زمن الغيبة وأن بعض الأحكام سيظهرها ـ روحي فداه ـ إمام زماننا الإمام المهدي ـ عليه السلام ـ .

عدم اخذ الخمس لا يدل على عدم وجوبه

الجواب عن المناقشة-ثالثاً لو سلمنا أن النبي والأئمة إلى عهد الصادقين لم يبعثوا العمال لأخذ الأخماس فهذا لا يكشف عن عدم الوجوب فقد دلت الروايات على وجوب الخمس في الركاز وهذا مما اتفقت عليه العامة ورووا فيه روايات كثيرة يراجع عمدة القارئ في شرح البخاري الجزء التاسع صفحة تسعة تسعين باب ما يجب فيه الخمس الركاز.[2]

ومع ذلك لم ينقل ولا في مورد واحد أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أو ومن جاء من بعده بعث أحداً لجباية خمس الركاز فعدم البعث والحث للأخذ لازم أعم لعدم الوجوب فلا يكشف عنه أبداً.

الزكاة ملك للفقراء والخمس حق للنبي ص وذريته

الجواب عن المناقشة-رابعاً فلو سلمنا أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ والأئمة من بعده إلى عصر الباقرين ـ عليهما السلام ـ لم يذكرا خمس أرباح المكاسب ولم يجبياه فإننا نلتزم بوجود فرقٍ بين الخمس والزكاة نظراً لأن الزكاة ملكٌ للفقراء وحقّ يصرف في مصالح المسلمين والنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قد أمره الله بأخذ الصدقة قال تعالى: ﴿خذّ من أموالهم صدقة﴾[3] وظاهر الأمر الوجوب سورة التوبة الآية مئة وثلاثين.

الخمس يشبه الملك والحق الشخصي على ما أفاد السيد الخوئي (قدس)

فمقدمة للأخذ الواجب عليه لا محيص للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ من بعث العمال لجباية الزكاة وهذا بخلاف الخمس فهو حقّ للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ولذريته الأشراف السادات زادهم الله علواً وشرفاً فيشبه الملك والحقّ الشخصي حيث فائدته لا تعود لعامة المسلمين ومن ثم لم يؤمر مورده إلا بمجرد التبليغ كما في سائر الأحكام من الصلاة والصيام دون الأخذ فلم يكن ثمة باعث على جبايته، بل قد لا يناسب ذلك شأنه وجلالته فلا مجال لقياس الخمس على الزكاة.

هكذا أفاد السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في المستند في شرح العروة الوثقى جزء خمسة وعشرين صفحة مئة وثمانية وتسعين.

تأمل في ما أفاد –رحمه الله-

وهذا الجواب يختلف باختلاف المباني في الخمس من أن الخمس هل هو ملك شخصي للإمام أو للمنصب فيكون لعامة المسلمين؟ وبالتالي هذا الجواب قابل للتأمل.

ورد خمس أرباح المكاسب في منابع العامة

الجواب عن المناقشة-خامساً قد روى العامة خمس أرباح المكاسب عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ فقد ورد في صحيح البخاري والترمذي أن رجلاً من بني عبد قيس إلى النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ فلما أراد الانصراف أمره النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بالصلاة والصيام والزكاة وإعطاء الخمس مما غنم.

صحيح البخاري الجزء الثاني صفحة مئة وواحد وستين،[4] سنن الترمذي الجزء الخامس صفحة ثمانية حديث ألفين وست مئة وأحد عشر. [5]

ومن الواضح عدم إرادة خمس غنائم دار الرحب لعدم فرض قتال أو غزو آنذاك بل المراد خمس الأرباح والمتاجر.

هذا تمام الكلام في أربعة إيراد ذكرها السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ أربعة أجوبة ذكرها السيد الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى تقرير الشهيد البروجردي كتاب الخمس من صفحة مئة وسبعة وتسعين إلى مئة وتسعة وتسعين.[6]

ويمكن مراجعة الواضح في شرح العروة الوثقى الشيخ محمد الجواهري تقرير بحث السيد الخوئي فقد ذكر خمسة في الواضح الجزء السادس من صفحة مئتين وتسعة عشر إلى صفحة مئتين واثنين وعشرين.[7]

لكننا نكمل بقية الأجوبة مما ذكره شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري الخمس في فقه أهل البيت الجزء الأول صفحة اثنين وخمسين إلى ستة وخمسين.

الخمس يوجب دعم اميرالؤمنين آنذاك

الخمس فيه جنبة سياسية واقتصادية

الجواب عن المناقشة على الإستدلال بالآية-سادساً على فرض التنزل والقبول بصحة تلك الدعوة وهي أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ لم يبلغ خمس أرباح المكاسب فإن ذلك لا يوجب وهنا في الحكم لأنه إنما يلزم إذا لم يكن الحكم سياسياً أو اقتصادياً موجباً لدعم طائفة ضد طائفة أخرى، والخمس يوجب دعم أمير المؤمن وشيعته في مقابل السلطة التي كانت متسلطة على الحكم آنذاك منذ أن رحل الرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله ـ .

فالخمس فيه جنبة سياسية واقتصادية وهو يختلف عن تشريع الصلاة والصيام الذين هما محض عبادة فإذا كان مثل الخمس مختصاً ببني هاشم المدافعين عن الحقّ وعن ولاية أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ .

لذلك يشترط في سهم السادة أن يكون السيد إمامياً ما يجوز صرف سهم السادة على السيد الهاشمي غير الإمامي كما لو كان سنياً أو مسيحياً بخلاف سهم الإمام يجوز صرفه إذا أوجب رضا صاحب العصر والزمان.

أول من منع الخمس هو الخليفة الأولى

وبالتالي لا عجب ألا يكون ذكر لروايات خمس المكاسب وأن لا يكون لهذا الخمس عين ولا أثر في الروايات، وقد ثبت أن أول من منع الخمس هو الخليفة الأول.

يراجع صحيح البخاري الجزء الرابع صفحة مئتين واثنين وخمسين الحديث ثلاثة آلاف وسبع مئة وأحد عشر ثلاثة آلاف وسبع مئة واثنا عشر.[8]

مسند الإمام أحمد بن حنبل الجزء الأول صفحة تسعة الحديث خمسة عشر.

شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ستة عشر صفحة مئة وتسعة وخمسين ومئة وستين.

وتبع الأول في المنع الخليفة الثاني والثالث واستمر منع الخمس طوال مدة الدولة الأموية إلى زمان عمر بن عبد العزيز الأموي الذي منع سب أمير المؤمنين على ورد أرض فداك إلى بني هاشم وقسم الخمس على بني هاشم ثم عاد الأمر بعد عمر بن عبد العزيز كما كان حتى جاءت دولة بني العباس ولعلها أسوأ حال من دولة بني أمية.

هيهات ما فعلت بني أمية فيهم معشار ما بلغ ما فعلت بنو العباسي

الأئمة يطالبون بالخمس كلما اقتضت المصلحة

مع أن الأئمة ـ عليهم السلام ـ كانوا يطالبون بفدك ويطالبون بالخمس كلما اقتضت المصلحة فليس العجيب أن لا يكون للخمس ذكر في الروايات بل العجيب أن يذكر في الروايات فوجود مقدار يدل على وجوب خمس أرباح المكاسب هو العجيب لا أن عدم ذكره والعجيب خصوصاً ما فعله معاوية بن أبي سفيان والدولة الأموية من إخفاء الكثير من الحقائق العقائدية والأحكام الشرعية مثل زكاة الفطرة.

روى أبو داوود في سننه عن ابن عباس أنه خطب في البصرة وذكر زكاة الفطرة فلم يعرفوها حتى أمر من معه أن يعلم الناس.

سنن أبي داوود صفحة ثلاث مئة وأربعة الحديث ألف وست مئة واثنين وعشرين. [9]

ومثل أن الوضوء على من أحدث.

كنز العمال الجزء التاسع صفحة أربع مئة وسبعين الحديث سبعة وعشرين ألف وأربعة. [10]

والجاهل بهذا الحكم الكثير الابتلاء كان جيشاً بأكمله يفترض فيه أن يكون هذا الجيش حاملاً لأحكام الإسلام لأنه كان من جيوش الفتح.

يقول الزهري دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: لا اعرف مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت.[11]

صحيح البخاري الجزء الأول صفحة مئة واثنين وخمسين الحديث خمس مئة وثلاث.

فإذا كان هذا حال الصلاة وزكاة الفطرة فما بالك بخمس الرسول والرسول؟!

الجواب عن المناقشة على الإستدلال بالآية-سابعاً وأخيراً ولا نطيل يمكن الإطالة ما ذكره صاحب الجواهر جواهر الكلام جزء خمسة وصفحة أربع مئة وستة وتبعه عليه السيد الخوئي المستند في شرح العروة الوثقى الزكاة الجزء الثاني صفحة مئة وتسعة وسبعين.

من أنه لا خلاف بيننا وبين العامة في عدم جواز دفع الزكاة لبني هاشم وأن الصدقة عليهم حرام لدرجة أنه لو استعملت بني هاشم في جمع الصدقات لا يجوز لهم أخذ الصدقة والزكاة من حصة العاملين عليها.

وهذا متفق عليه عند السنة والشيعة وقد رووا في ذلك روايات متواترة من الطرفين فكيف يعيش بنو هاشم والحال إن الحرب ليست مستمرة؟!

ولنذكر رواية من الخاصة ورواية من العامة:

فمن الخاصة قوله ـ عليه السلام ـ : (وإنما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات الناس تنزيها لهم من الله لقرابتهم من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وكرامة لهم عن أوساخ الناس فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل والمسكنة)[12] .

تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي الجزء الرابع صفحة مئة واثنا عشر الحديث ثلاث مئة وخمسة وستين، وسائل الشيعة للحر العاملي الجزء التاسع صفحة خمس مئة وثلاثة عشر الباب الأول من أبواب قسمة الخمس الحديث الثامن.

ومن العامة أن عبد المطلب ابن ربيعة ابن الحارث قال: (اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين، قالا لي وللفضل بن العباس اثنينهم أولادهم، (قالا لي) له الحارث بن عبد المطلب أكبر أبناء عبد المطلب والفضل بن العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وسلم فكلماه فأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصاب مما يصيب الناس إلى أن قال ثم قال أن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ادعوا لي محمية وكان على الخمس ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، قال: فجاءه، فقال لمحميه: انكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن العباس فانكحه، وقال: لنوفل بن الحارث انكح هذا الغلام ابنتك لي فانكحني.

وقال لمحميه: أصدق عنهما من الخمس وكذا وكذا.[13]

صحيح مسلم الجزء الثاني صفحة سبع مئة واثنين وخمسين الحديث ألف واثنين وسبعين.

صحيح مسلم النبي دفع الصداق من الخمس فأي خمس هذا والحرب لم تكن قائمة بين المسلمين والموارد الأخرى للخمس قليل بل نادرة وأين يحصلون ذاك الوقت كنز أو غنيمة؟!

فلو كان الخمس مقصوراً على الغنائم الحربية بلا تعلق له بما له دوام واستمرار من أرباح التجارات والمكاسب فكيف يعيش الفقراء من بني هاشم في عصر الهدنة الذي هو عصر طويل والمفروض تسالم الفريقين على منع بني هاشم من الصدقة والمراد الزكاة الواجبة وليس المراد الصدقة والزكاة المستحبة فلا مناص من الالتزام بتعلق الخمس بما له دوام واستمرارا وثبات في جميع الأعصار وهو خمس أرباح المكاسب.

هذا الوجه ذكره السيد الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى كتاب الخمس صفحة مئتين،[14] وأيده شيخنا الأستاذ الداوري الخمس في فقه أهل البيت الجزء الثاني صفحة خمس مئة صفحة خمسة وخمسين.

قال شيخنا الأستاذ الداوري:

وهذا الوجه لا بأس به وهو مؤيد قوي ومؤكد لأصل الحكم ويظهر ما في بقية كلام السيد الأستاذ ـ قدس سره ـ مما ذكرناه.

هذا تمام الكلام في ردّ الإشكال الأول وهو إشكال النقضي مفاده أن الآية الكريمة لو كانت توجب الخمس فيما يفضل عن مؤونة السنة لذكر ذلك ـ صلى الله عليه وآله ـ وأمر بجبايته.

والعمدة في الأجوبة السبعة هو الجواب الأول وهو إثبات أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قد أمر وارسل إلى القبائل خمس أرباح المكاسب فهذا الإشكال ليس بتام.

الإشكال الثاني على الاستدلال بالآية الكريمة تمسكاً بالمعنى اللغوي من دون النظر إلى الروايات المفسرة يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo