< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/04/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: جلسة112. لو أراد الذمي دفع قيمة الأرض دون نفس الأرض

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى:

«وإن أراد الذمي دفع القيمة وكانت مشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء تقوم مشغولة بها مع الأجرة فيؤخذ منه خمسها».[1]

الخمس يثبت في نفس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم فيجب على الذمي أن يسلم خمس الأرض التي اشتراها، ولكن لو أراد تسليم قيمة خمس الأرض لا نفس عين الخمس وهو مخير في ذلك كما تقدم فحينئذ هل يجب عليه دفع قيمة خمس الأرض المجردة من البناء أو الغرس أو يجب عليه دفع قيمة خمس الأرض المشغولة بالغرس أو البناء؟

من الواضح أنه يجب عليه أن يدفع قيمة الأرض المشغولة دون الأرض الخالية لأن الأرض قد انتقلت إلى الذمي وهي مشغولة ومغروسة فيجب عليه تخميسها كما تلقاها عن مالكها الأصلي، حتى لو كانت قيمة الأرض مشغولة أقل من قيمة الأرض خالية، إذ أن الأرض لها منفعة ويجب عليه أن يدفع قيمة منفعة الأرض باشتغالها بزرعٍ أو غرسٍ أو بناء فالذي يدفع القيم مالك الأرض دون مالك الغرس.

نعم، مالك الغرس له حقّ الإبقاء ولا يجوز لولي الخمس أو الحاكم الشرعي أن يقلع الزرع أو الغرس أو البناء لأن خمس الأرض قد ثبت له وهي مشغولة فلا يجوز له أن يقلعها لكن يثبت له خمس نفس الأرض المشغولة وتقوم بما هي مشغولة كما يجوز له أن يأخذ الإيجار على شغل الأرض بالبناء أو الغرس أو الزرع.

هذا تمام الكلام في الأمر الراب

الخامس النصاب في الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم.

قال السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى:

«ولا نصاب في هذا القسم من الخمس».[2]

تقدم في بعض موارد الخمس كالكنز والمعدن نصاب معين فهل يوجد نصابٌ معين في خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم أو لا؟

لا ينبغي الإشكال في عدم وجود نصاب، ولا يراعى نصاب معين، بل ذكر المحقق المدقق الشيخ أحمد النراقي في المستند الإجماع على عدم وجود نصاب[3] .

ومدرك ذلك إطلاق النصّ والفتوى فلو رجعنا إلى الروايات الشريفة وفتاوى الأصحاب لوجدناها مطلقة ولم تقيد وجوب خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم بنصاب معين، بل قد يقال إن التعرض للنصاب بلا وجهٍ لعدم توهمه من أحد، وهذه المسألة مفروغ منها.

السادس نية القربة عند الأخذ من الذمي أو الدفع إلى السادة.

قال صاحب العروة الوثقى ـ رحمه الله:

«ولا يعتبر فيه نية القربى حين الأخذ حتى من الحاكم بل ولا حين الدفع إلى السادة».[4]

يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول نية القربة من الذمي.

المقام الثاني نية القربى من الحاكم الشرعي الذي يأخذ الخمس من الذمي ويسلمه إلى أرباب الخمس كالسادة كثر الله أمثالهم.

المقام الأول

ولا شكّ ولا ريب في عدم اشتراط نية القربة في حقّ الذمي.

أولاً لعدم تأتي قصد القربة من الذمي إذ هو كافر والكافر لا يمكن صدور قصد التقرب إلى الله منه.

ثانياً لو سلمنا جدلاً وتنزلنا وقلنا إن الكافر يمكن صدور التقرب إلى الله منه، فنقول: لا دليل على اعتبار واشتراط قصد القربى في خصوص هذا المورد السادس من موارد وجوب الخمس وهو مورد وجوب تخميس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، لأن هذا المورد يختلف عن الموارد السبعة في عدم صدق الغنيمة عليه فالموارد الستة الأخر من غنائم دار الحرب والمعادن والكسب، وأرباح المكاسب يصدق عليها عنوان الغنيمة بالمعنى الأعم أي المنفعة.

ولكن الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم لا يصدق عليها أنها غنيمة وإنما هي مجرد ضريبة وغرامة جعلها الشارع المقدس على الذمي حتى لا يتمكن أهل الذمة من أراضي المسلمين.

الخلاصة: فأولاً لا يوجد إطلاق في الدليل يدل على أخذ قصد القربة فيها المورد، وثانياً لا يدل دليل خاص يدل على اشتراك القربة في خصوص الذمي.

هذا تمام الكلام في المقام الأول واتضح أنه لا يشترط قصد القربى في الذمي عند دفعه لخمس الأرض التي اشتراها من المسلم.

قد يقال إن خمس الغنيمة عبادة وأنه منزل منزلة الزكاة كما سيأتي إذ بني الإسلام على خمس[5] وذكر منها الزكاة والخمس ملحق بالزكاة وما بني عليه الإسلام لا بدّ أن يكون عبادة يتقرب بها إلى الله عزّ وجل فنشترط قصد القربى في هذه العبادات بني الإسلام على خمس: الصلاة والحج والصوم والزكاة والولاية ولم ينادى بشيء كما نودي بالولاية كما في الرواية عن الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ المروية في أصول الكافي. [6]

الجواب: لكن خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم ليس غنيمة ملحقة بالزكاة، وإنما هو ضريبة أشبه بالخراج وبالتالي لا يشترط فيها قصد القربى.

المقام الثاني

عدم اشتراط قصد القربة من الحاكم الشرعي وولي الخمس،

وقد يقال بوجوب على الحاكم أو ولي الخمس عند أخذ الخمس من الذمي وعند الدفع إلى المستحقين كالسادة النجباء كما عن الشهيد الثاني في مسالك الأفهام حيث إن الخمس أمر عبادي ولابد من صدوره عن قربى[7] .

وقربه الشهيد الأول في الدروس قائلاً: أقربه الوجوب عنهما يعني عن الحاكم وولي الخمس لا عنه يعني لا عن الذمي «عند الأخذ والدفع»[8] .

وفيه: يعتبر قصد نية التقرب إلى الله على الحاكم أو ولي الخمس فإن عبادية الموارد الستة الأخرى للخمس لم تستفد من دليل لفظي يدل على أن الخمس عبادة لكي نتمسك بإطلاق الدليل اللفظي وأن كل خمس عبادة فيشمل الإطلاق اللفظي هذا المورد وهو الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، بل عبادية الخمس مستفادة من الإجماع والارتكاز العقلائي والسيرة القطعية، وجميعها أدلة لبية لا لسان لها لكي نتمسك بإطلاقها.

نعم، يوجد عندنا دليل لفظي وهو حديث المباني[9] الذي يدل على أن الإسلام بني على خمس الصلاة والصوم والحج والزكاة والولاية ولم ينادى بشيء كما نودي بالولاية، وفهمنا أن الخمس ملحق بالزكاة وأنه يقوم مقام الزكاة.

وبالتالي هذا حديث المباني يفهم منه ماذا؟ الخمس الذي هو منفعة وغنيمة والأرض التي اشتراها الذمي من المسلم ليست غنيمة وإنما هي غرامة وضريبة وخراج.

فمن المعلوم أن ما يبنى عليه الإسلام ليس مجرد أخذ وعطاء إذا حملنا الزكاة على أنها مجرد أخذ من أرباب الزكاة وإعطاء للفقراء هذا لا يبنى عليه الإسلام بل ما يبنى عليه الإسلام لا بدّ أن يكون أمراً عبادياً ولا يعم الأرض خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم لأن خمس الأرض نحو ضريبة مالية متعلقة بما يشتريه الذمي من المسلم ولا يشترط فيها قصد القربى.

النتيجة النهائية عدم اشتراط قصد القربة لا من الذمي ولا من الحاكم والله العالم[10] . يراجع ما افاده بحق سيد اساتذتنا السيد ابو القاسم الخوئي وتبعه في ذلك شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري[11] .

بيع الأرض المفتوحة عنوة تبعاً للآثار

قال صاحب العروة المسألة أربعون:

«لو كانت الأرض من المفتوحة عنوة وبيعت تبعاً للآثار ثبت فيها الحكم لأنها للمسلمين فإذا اشتراها الذمي وجب عليه الخمس، وإن قلنا بعدم دخول الأرض في المبيع وأن المبيع هو الآثار، ويثبت في الأرض حقّ الاختصاص للمشتري.

وأما إذا قلنا بدخولها فيه فواضح كما أنه كذلك إذا باعها منه أهل الخمس بعد أخذ خمسها فإنهم مالكون لرقبتها ويجوز لهم بيعها».[12]

هذه المسألة فيها صور ثلاث واضحة، ويمكن أن نصورها بخمس صور، والأفضل أن نذكر الصور الثلاث.

اذا بيع الأرض المفتوحة عنوة ففيه ثلاثة احتمالات

فإن البائع للأرض مفتوحة عنوان وهي المفتوحة بالقوة كأرض العراق وإيران وحكمها أنها لجميع المسلمين بنحو الإشاعة فلو بيعت الأرض المفتوحة عنوة على ذمي فباع بائع عراقي أو إيراني أرضه أو بيته أو مزرعته على ذمي فهنا احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأول أن يكون البائع هو مالك الخمس كما لو كان من السادة النجباء، وقد حصل على حصته وباع حصته، فهنا البائع مالك الخمس وباع مع ملكه.

الاحتمال الثاني أن يكون البائع هو الحاكم الشرعي فهو وإن لم يملك الأرض والحصة لكن له الولاية على التصرف فيها وله أمر البيع فباع ما كان تحت ولايته.

الاحتمال الثالث أن يكون البائع من آحاد المسلمين فليس مستحقاً للأرض كالسادة النجباء ولا له الولاية عليها كالحاكم الشرعي وإنما هو أحد أفراد المسلمين وباع هذه الأرض.

فهذه احتمالات ثلاثة وعليه تكون صور المسألة ثلاثة.

وقد حكم صاحب العروة بثبوت الخمس في هذه الأرض في جميع الصور الثلاث إلا أن الحكم بثبوت الخمس في الصورة الأولى والثانية واضح لكن ثبوته في الصورة الثالثة محل إشكال.

تفصيل ذلك:

الصورة الأولى إذا كان البائع للأرض هو أحد المستحقين كالسادة النجباء، وقلنا بأن الأرض المفتوحة عنوة وبالقوة يتعلق بها الخمس كما هو المشهور بين الفقهاء، ففي هذه الحالة يجب الخمس على الذمي بلا إشكال لأنه اشترى الأرض من مالكها الشخصي وهو السيد الذي له حصة من هذه الأرض، فالذمي قد اشترى الأرض من مالك رقبة الأرض فعلى هذا المبنى يثبت الخمس فيشمله قوله ـ عليه السلام ـ : «أيما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإن عليه الخمس»[13] .

المباني المفروضة في حكم الصورة الأولى

قلنا ملك لجميع المسلمين ولكن قلنا أيضاً أن الخمس يتعلق بها فالسيد يملك سهم السادة من الخمس يعني مبنيين:

المبنى الأول نقول هذه الأرض المفتوحة عنوة ملك لجميع الناس بنحو الإشاعة.

والمبنى الثاني يتعلق بها الخمس، الخمس مكون من سهمين: سهم إمام وسهم سادة يعني السيد له حصة في هذه الأرض من ملاك هذه الأرض لأنه من المستحقين.

إذا لم نقل بوجوب الخمس في الأرض وأنها لم تثبت للمسلمين كشخص خاص وفرد خاص حتى نقول إن السيد ملك هذه الحصة بل ملكية الأرض بنحو الإشاعات جيلاً بعد جيل ولا تقع الأرض متعلقاً بالخمس فحينئذ يكون حكمها حكم الصورة الثالثة التي نستشكل في ثبوت الخمس فيها، لأن السيد لا يملك فيكون قد باع ما لا يملك.

هذا تمام الكلام في الصورة الأولى واتضح أنه يثبت فيها الخمس بناء على مسلك المشهور القائل بتعلق الخمس بالأرض المفتوحة عنوة.

الصورة الثانية إذا كان البائع هو الحاكم الشرعي الذي له الولاية على البيع وباع الأرض لبعض مصالح المسلمين التي تقتضي بيع الأرض فلا إشكال في وجوب الخمس على الذمي لأن الحاكم الشرعي وإن لم يكن مالكاً للأرض ولكنه مالكٌ لأمر البيع المتعلق بالأرض وله الحق في النقل والأرض ملك لعامة المسلمين فيشمله إطلاق دليل الذمي إذا اشترى أرض مسلمٍ، ولا يعتبر في أن تكون الأرض ملكاً شخصياً لمسلمٍ، الملاك أن الذمي يشتري أرض مسلم وليس الملاك أن يشتري أرض شخصية لمسلم فيشملها عموم «أيما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإن عليه الخمس».[14]

إلى هنا اتضح أنه في الصورة الأولى والصورة الثانية يجب على الذمي الخمس والله العالم.

يبقى الكلام في الصورة الثالثة التي أثبت فيها صاحب العروة الخمس على الذمي والحال أن ثبوت الخمس محل إشكال الصورة الثالثة فيها تفصيل وشقوق لذلك جعل سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي للمسألة خمس صور لأنه فصل في الصورة الثالثة ونحن نذكرها كصورة ثالثة وفيها شقوق يأتي عليها الكلام.


[11] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص31.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo