الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه
45/03/30
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: كيفية استيفاء خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم
قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى: <وإنما يتعلق الخمس برقبة الأرض دون البناء والأشجار والنخيل إذا كانت فيه، إذا ثبت وجوب تخميس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، فهل يثبت الخمس في العين أو يثبت الخمس في ذمة الذمي؟ وإذا ثبت في العين هل يثبت في خصوص الأرض دون ما فيها من أشجار وبناء وما شاكل ذلك أو يثبت في خصوص الأرض دون ما فيها من أشجار وأبنية>.[1]
الصحيح أن الخمس يتعلق بعين الأرض لا بذمة الذمة وهذا ظاهر الرواية ففي صحيحة أبي عبيدة الحذاء ورد عنوان الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، وهكذا في مرسلة المفيد فكلتاهما ناظرتان إلى الأرض الظاهر في العين كما أنهما قد نصتا على خصوص عنوان الأرض دون ما ثبت فيها من أشجار وأغصان وأبنية.
فعلى مبنى مشهور المتأخرين من حمل الخمس على الخمس الاصطلاحي من الواضح أن الخمس يثبت في خصوص رقبة الأرض دون ما عليها من أشجار وردية، وعلى مبنانا من حمل الخمس على ضعف الزكاة وهو عبارة عن الخراج والضريبة التي تضرب على الذمي فمن الواضح أنها تثبت على زراعية التي فيها نتاج لكن الرواية التي أوجبت الخمس ذكرت خصوص الأرض دون ما فيها من زراعة وأغصان، وبالتالي يثبت الخمس والضريبة في خصوص الأرض.
وخالف في ذلك المحقق الشيخ ضياء الدين العراقي ـ رحمه الله ـ في شرح تبصرة المتعلمين[2] واستظهر من الصحيحة تعلق هذا الخمس بذمة الذمي للتعبير فيها بقوله: <عليه> الظاهر في الحكم الوضعي والذمة كما يقال في آية الحج ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً﴾[3] أي أن وجوب الحج يثبت في ذمة المكلف إذا تحقق الاستطاعة.
وناقشه بحق سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي[4] إذ قال: <وفيه إن التعبير بذلك يناسب مع تعلق الخمس بالعين أيضاً فلا موجب لرفع اليد عن الظهور في التعلق بالعين بناءً على إرادة خمس نفس الأرض لأن ملك العين كملك الذمة حكم وضعي على المكلف أيضاً>.
وخلاصة مناقشة سيدنا الأستاذ الهاشمي ـ رحمه الله ـ :
إن تعبير الرواية بلفظ كما يشمل الخمس في الذمة يشمل خمس رقبة الأرض أيضاً فإن خمس عين الأرض على الذمي أيضاً فتعبير الروايات يشمل كلا الحملين الذمة ورقبة الأرض لكن الرواية صرحت بلفظ الأرض الظاهر في عينها فنرجح ما استظهره المشهور من أن الرواية ظاهرها عين الأرض دون ما عليها من أشجار وأبنية فضلاً عن ذمة الذمي.
خمس نتاج الأرض الزراعية يعني تارة أنت تنظر إلى الأرض التي فيها زراعة بالفعل، وتارة خمس الأرض الزراعية يعني بالقوة التي من شأنها ماذا؟ أن تزرع، والبعض يستظهر من الأرض الزراعية يعني الأرض التي من شأنها أن تزرع فليس المراد من خمس النتاج يعني ما ينتج منها الخمس ثابت إلى الأرض لكن أي أرض الأرض التي تنتج الأرض الزراعية التي تنتج.
يعني قد يكون في التعبير مسامحة صحيح ولكن هكذا يقال يقال خمس الأرض الزراعية المنتجة التي من شأنها أن تنتج لأن الرواية ما نظرت إلى ماذا؟ ما نظرت إلى النتاج الرواية نظرت إلى الأرض.
إذا مدركنا في الخمس هو الرواية الرواية ما نظرت إلى النتاج الرواية ناظرة إلى الأرض لاحظ الرواية صحيحة الحذاء <سمعت ابا جعفر ـ عليه السلام ـ يقول: أيما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإن عليه الخمس>[5] ، مرسلة المفيد عن الصادق قال: <الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس>[6] مرسلة المفيد أصح في أن ماذا؟ في أن الخمس يتعلق بالأرض.
قال صاحب العروة: <ويتخير الذمي بين دفع الخمس من عينها أو قيمتها>.[7]
وهذا الحكم لا يختص بمورد دون مورد بل يشمل جميع الموارد التي تعلق بها الخمس فالظاهر جواز دفع الخمس بدفع نفس خمس الأرض أو بدفع بدله وهو قيمة الأرض التي ثبت فيها الخمس.
قال صاحب العروة ـ رحمه الله ـ ما نصّه: <ومع عدم دفع قيمتها يتخير ولي الخمس بين أخذه وبين إجارته وليس له قلع الغرس والبناء بل عليه إبقاؤهما بالأجرة>.[9]
إذا لم يؤدي الذمي خمس الأرض لم يدفع العين ولم يدفع قيمة الخمس، فهل يجوز لولي الخمس أن يؤجر الأرض عليه؟ وأن يقول له ادفع إيجار الأشجار والزرع الموجود في أو لا؟
جملةٌ من الأصحاب نصّ على الجواز[10] .
الأرض إما أن تكون خالية وإما أن تكون مشغولة بالبناء أو الغرس.
وخالف في ذلك السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ [11] ، وفصل ـ رحمه الله ـ وتبعه شيخنا الأستاذ الداوري[12] فقالا بالتفصيل بين سهم وسهم السادة.
أما بالنسبة إلى سهم الإمام فمتى ما أحرز ولي الخمس رضا صاحب العصر والزمان جاز له أن يؤجر مقدار الخمس فإنه نائبه ويعمل بما فيه رضاه، والتصرف منوط برضا صاحب العصر والزمان.
ولو تنزلنا وقلنا أن الخمس ليس لمنصب الإمام بل ملك للسادة فهنا يأتي التفصيل هل هو ملك لجهة السادة؟ أو هو ملك لأشخاص السادة؟
من هنا ذهب المشهور إلى أنه يجوز لولي أن يؤجر الأرض مطلقاً سواء كانت من حصة سهم السادة أو من حصة سهم الإمام ـ عليه السلام ـ أكثر الفقهاء على ذلك عدا السيد الخوئي وبعض تلامذته كشيخنا الأستاذ الداوري.
أما بالنسبة إلى الأمر الأول وهو قلع البناء أو الغرس فلا يجوز لولي الخمس أن يقلع ما فيها فإنه إنما يملك الأرض ولا يملك الأعيان التي فيها من أشجار وبناء فالمراد أن يأخذ الأرض من يدّ الذمي التي اشتراها يأخذ الخمس لا أن تكون له سلطنة على قلع ما فيها من أغصانهم وأبنية فإنها إنما تكون ملكاً للذمي ولا تكون ملكاً لولي الخمس إذا لا يجوز له أن يقلع ذلك.
يبقى الكلام في جواب السؤال الثاني هل يجوز له أن يأخذ المال على كون الأرض مشغولة بالأغصان والأشجار أو لا؟
ذهب المحقق العراقي إلى أنه لا يأخذ المال على كون الأرض مشغولة بالأغصان والأشجار[14] .
وقد أفاد في وجهه أن الذي انتقل إلى صاحب الخمس إنما هو خمس الأرض المشغولة زرع أو البناء للغير بالحقّ فيكون لصاحب البناء أو الزرع حقّ إبقاء زرعه أو بنائه إلى أمده في الأرض ما هو الشأن في كل مورد تنتقل الأرض إلى الغير بوصف كونها مشغولة للغير عن حق.
وناقشه سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي بحق فقال ما نصّه: <وفيه إنه وقع خلطٌ بين كون الإشغال عن حقّ وبين حقّ استيفاء منفعة الأرض مجاناً>.[15]
إن الذمي حينما اشترى الأرض وهي مشغولة بالزرع أو البناء فهو أخذ أرض مشغولة بحقه وهذا واضح، ولكن كونها مشغولة بحق والحال أن خمس هذه الأرض قد انتقل إلى ولي الخمس فحينئذ هو يأخذ منفعة الأرض من ولي الخمس ويستفيد منها فكيف يكون مجاناً، فحينئذ لا منافاة جمعاً بين الحقين حقّ الذمي وحقّ ولي الخمس لا منافاة بين حقّ الذمي وحقّ ولي الخمس.
لذلك قال شيخنا الأستاذ الدوري[16] : <الظاهر المتسالم عليه أن له ذلك فيما إذا رضي صاحب الغرس أو البناء> يعني له ذلك أن يقلع إذا رضي <وأما إذا لم يرضى فليس له ذلك وله أخذ الأرض مع الأجرة على شغلها بالزرع أو البناء>.
الأمر الرابع لو دفع القيمة يأتي عليها الكلام.