< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الخمس/الجهة الثانية متعلق الخمس/

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى:

سواء كانت أرض مزرع أو مسكن أو دكان أو خان أو غيرها، فيجب فيها الخمس[1] .

البحث في وجوب خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، ولكن ما هو المراد بالأرض؟ هل المراد مطلق الأرض؟ أو خصوص الأرض الزراعية؟ أو خصوص الأرض الخالية التي لا شجر فيها ولا بناء؟

الأقوال في الأرض التي اشتراها الذمي

الأقوال ثلاثة:

القول الأول مطلق الأرض.

وهذا يظهر من المحقق النجفي في الجواهر والشيخ مرتضى الأنصاري والسيد محمد كاظم يزدي في العروة والسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وغيرهم[2] .

القول الثاني خصوص أرض الزراعة، وهو قول الفاضلين المحقق الحلي صاحب الشرائع وابن أخته العلامة الحلي صاحب التبصرة، والمحقق الثاني الشيخ علي بن عبد العالي الكركي، وغيرهم[3] .

القول الثالث الأرض الخالية غير المشغولة بالبناء أو الأشجار، وهو قول المحقق آقا رضا الهمداني والسيد محسن الحكيم وغيرهما[4] .

هذا تمام الكلام في عرض الأقوال الثلاثة.

 

أدلة الأقوال الثلاثة:

دليل القول الأول

التمسك بإطلاق صحيحة أبي عبيدة الحذاء بعد صدق الأرض على الجميع بمناط واحد فسواء كانت الأرض زراعيه أو فيها مسكن أو فيها دكان أو خالية تماماً فإن عنوان الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم يصدق عليها حيث إن الأرض في جميع هذه الموارد مورد للشراء والانتقال للذمي فلا وجه لتقييد الأرض بالزراعة أو الخلو من البناء أو الأشجار وما شاكل ذلك.

دليل القول الثاني

تقييد هذا الإطلاق من جهة أن المتبادر من إطلاق الأرض هو خصوص أرض الزراعة في مقابل الدار والبستان أو الأرض الخالية فحينما يقال: اشترى فلانٌ أرضاً، فإن المقصود بها الأرض القابلة للزراعة في مقابل الدار، فهنا إطلاقان للأرض:

الإطلاقان للأرض

الإطلاق الأول الأرض في مقابل السماء.

الإطلاق الثاني الأرض في مقابل الدار والبستان.

والشائع في الاستعمال هو الإطلاق الثاني فيراد بالأرض ليست دار وليس البستان بل الأرض الزراعية التي هي قابلة للزراعة.

وقد ورد ذلك في السنة الروايات كقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ : من أحيا أرضاً مواتاً فهي له[5] .

وقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ : قبالة الأرض العشر ونصف العشر وأمثال ذلك[6] ، والمراد بقبالة الأرض تقبل الأرض وحرثها وزراعتها.

نكتة

المراد بالأرض الموات يعني الأرض الموات القابلة للإحياء والقابلة للزراعة، لا يصير اشتباه فرق بين البستان وبين الأرض الزراعية، البستان يعني الأرض المزروعة بالفعل بخلاف الأرض الزراعية يعني الأرض التي قابلة للزراعة، والبستان يعبر عنه في الروايات بالحائط يعني ما يكون له سور ومسوراً، أما الزراعة لا تكون مسورة فالأرض الزراعية قد يكون فيها زرعٌ بالفعل وقد لا يكون فيها زرع لكنها قابلة للزراعة إلا أنها غير مسورة

دليل القول الثالث

تقييد إطلاق صحيحة أبي عبيدة الحذاء أيضاً لأن ظاهر النص أن الشراء قد تعلق بالأرض وهي ملحوظة تبعاً وليست ملحوظةً بالذات فلا نظر إلى الأرض في مقام الشراء بالذات بل الأرض تابعٌ للبنيان والأشجار فإذا اشترى بستاناً أو داراً أو بناءً فإنه لا يقال اشترى أرضاً بل يقال اشترى داراً أو بستاناً أو بناءً، فالأرض ملحوظة بالتبع في شراء الدار والبستان والبناء.

وأما إذا قيل: اشترى أرضاً، فإن المراد هو لحاظ الأرض بالذات لا بالتبع كما في مثل شراء الدكان والحمام والبستان.

وبالتالي نحمل الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم على الأرض الخالية.

المناقشة في الأقوال الثلاثة

وجميع هذه الأقوال الثلاثة قابلة للمناقشة، ولنشرع بمناقشة القول الثاني والثالث ثم نعرج على الأول.

المناقشة في القول الثاني

أما القول الثاني الذي تمسك فيه بالتبادر، وأن المتبادر من الأرض هو الأرض الزراعية.

ففيه إن الأرض كما تطلق على الأرض الزراعية كذلك تطلق على أرض البستان وأرض الدار بلا تسامح، فتارةً يقال الأرض ويراد منها الأرض الخالية، وتارةً يقال الأرض ويراد منها الأرض الزراعية، وتارةً يقال الأرض ويراد بها أرض البستان، فهذا التبادر المدعى لم يثبت لدينا.

مناقشة دليل القول الثالث

إنما ورد في بعض الأخبار وفهم منه أن الأرض خالية كقول ـ عليه السلام ـ : من أحيا أرضاً مواتاً فهي له أو من سبق إلى أرض فهي له فإنما فهمنا أن الأرض خالية لوجود قرينة في الرواية لأن الإحياء والسبق والتقبل لا يكون إلا في الأرض الخالية، فالأرض التي فيها قباله وفيها سبق وفيها إحياء عادة تكون خالية.

ادعاء التبيعة غير صحيح

وأما ما أدعي من التبعية وأن الأرض في البناء وفي البستان تابعة للأشجار وتابعة للبناء فهذا غير صحيح لأنه في تقويم البيع يقسط جزءٌ من الثمن للأرض وجزء من الثمن للعقار والأشجار.

وهذا متعارف في العقارات إذا تشتري أرض خالية يكون المتر أغلى من الأرض المبنية لأن الأرض الخالية تستطيع أن تبنيها على مزاجك من دون تهديم بينما الأرض المبنية أو الأرض التي فيها أشجار تحتاج إلى ميزانية لقلع الأشجار وقلع البناء فالمعروف في سوق العقار أن الأرض في نفس المنطقة الواحدة إذا خالية قيمة المتر من الأرض أغلى من قيمة متر الأرض المبنية أو المزروعة بحثنا ليس في العقارات بحثنا في الخمس.

إذاً حينما تقوم العقارات فإن جزء من الثمن في مقابل في الأرض وجزء من الثمن في مقابل البناء أو الأشجار أو الدكان أو البستان أو الحمام، فإذاً الأرض ليست ملحوظة بالتبع بل هي ملحوظة بالذات. نعم، الأرض تابعة لعنوان البستان وتابعة لعنوان الدار، ولكن الثمن ليس في مقابل عنوان الدار وليس في مقابل عنوان البستان بل الثمن في مقابل الأجزاء الثمن في البيع في مقابل جزء الأرض وجزء الأشجار المقومة للبستان، الثمن في مقابل الأرض ومقابل البناء الذين هما جزئان مقومان للدار.

فالمبلغ ليس في مقابل المسمى والعنوان كعنوان البستان وعنوان الدار حتى تقول إن الأرض تابعة للبستان وملحوظة بالتبع في الدار، بل المدار كل المدار على أن الثمن في البيع والشراء في مقابل ماذا؟ ومن الواضح أن الثمن في مقابل الأجزاء ومنها الأرض فالأرض ملحوظة بالأصالة وبالذات وليست ملحوظة بالتبع.

والشاهد على ذلك أنه يقسط الثمن عليها في البيع وتتبعض الصفقة فيما لو انكشف أن الأرض لغير البائع فيصح البيع في خصوص البناء والأشجار إذا كانت ملكاً للبائع، ويبقى البيع فضولياً بالنسبة إلى الأرض إذا لم تكن الأرض له وقد زرعها بالتصرف الفضولي فيصح البيع بالنسبة إلى البنيان والأشجار ولا يصح بالنسبة إلى الأرض ويظل موقوفاً على إذن المالك الأصلي في البيع الفضولي.

كما أنه قد يصح بالعكس يصح في الأرض ولا يصح في الأشجار أو البنيان، وقد يكون أحدهما ملكاً لشخص والآخر ملكاً لآخر فالأرض ملكٌ لشخص والبناء أو الأشجار ملكٌ لشخص آخر لذلك يصح أن يقال: اشترى الأرض أو البناء بدون أي عناية.

وبذلك يظهر أن النص بمفاده وهو اشتراء الذمي الأرض من المسلم صادق على المقام فلابد من تخميسها.

هذا تمام الكلام في مناقشة القول الثالث واتضح أنه لم ينهض دليلٌ على التخصيص فنتمسك بالإطلاق.

والصحيح أن ظاهر الرواية هو خمس نتاج الأرض لا خمس رقبة، وهذه الأقوال الثلاثة مبنية على أن يكون الخمس قد تعلق برقبة الأرض وأصلها لا نتاجها، ونظراً للروايات الشريفة وتتبع كلمات الشيخ الطوسي في الخلاف وغيره من الفقهاء، وملاحظة تاريخ المسألة منذ عمر بن الخطاب إلى زمن بني أمية وبني العباس يظهر جلياً أن إطلاق لفظ الخمس على ضعف العشر كان متداولاً فنحمل لفظ الخمس في صحيحة أبي عبيدة الحذاء على خمس نتاج الأرض لا خمس رقبة الأرض.

وبالتالي يكون المراد بالخمس ليس الخمس الاصطلاحي بل المراد خمس نتاج الأرض، وبالتالي يكون مصرفه هو مصرف الأرض الخراجية وليس مصرف الخمس المصطلح، فلا تصل النوبة إلى هذه الأقوال الثلاثة المتعلقة بخمس رقبة الأرض.

ولو تنزلنا وشككنا في ظهور لفظ الخمس في نتاج الأرض فلا أقل من الاحتياط والله العالم.

إذاً الصحيح عندنا هو حمل لفظ الخمس في صحيحة الحذاء على خمس نتاج الأرض وفاقاً لسيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي[7] ـ رحمه الله ـ ووفاقاً لشيخنا الأستاذ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي[8] .

فقد استظهر بحق أن الخمس يراد به نتاج الأرض لا رقبة الأرض خلافاً لسيد أساتذتنا السيد أبو الخوئي وشيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري فقد استظهر أن المراد بالخمس هو الخمس الاصطلاحي أي خمس رقبة الأرض[9] .

ولكن لو تنزلنا وسلمنا بأن الخمس يراد به الخمس الاصطلاحي المتعلق برقبة الأرض لا خمس نتاج الأرض على مبنانا فما هو الصحيح من بين هذه الأقوال الثلاثة؟

فلنتأمل في صحيحة الحذاء ومرسلة المفيد ـ رضوان الله عليه ـ ولنعرض هذه الرواية على الذوق العرفي لنرى المتبادر منها.

جاء في صحيحة الحذاء قال: <سمعت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ يقول: أيما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإن عليه الخمس>[10] .

وجاء في مرسلة المفيد عن الصادق ـ عليه السلام ـ قال: <الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس>[11] .

الحق والإنصاف: لإننا لو رجعنا إلى الاستعمالات العرفية فإن المراد بالأرض هو خصوص الأرض الخالية لا مطلق الأرض، تقول: فلان اشترى أرض أو اشترى بيتـ لا هذا ولا ذاك اشترى زراعة أو اشترى دكان أو اشترى حمام.

فبحسب الاستعمالات العرفية عادةً حينما يقال: اشترى أرضاً، يراد بها الأرض الخالية لا الأرض المشغولة.

فيكون بناءً على هذا الاستظهار الصحيح هو القول الثالث وهو قول السيد الحكيم ـ رضوان الله عليه ـ هذا لو تأملنا ونظرنا بنظر ساذج بدوي.

ولكن لو دققنا النظر في الرواية الشريفة ولاحظنا مناسبات الحكم والموضوع وأن الذمي لماذا يجب عليه دفع الخمس؟

واتضح أن السرّ في ذلك: هو عدم تمكين الذمي من بلاد المسلمين وأراضي المسلمين ومقدرات المسلمين، فبحسب ملاحظة مناسبة الحكم والموضوع نلغي الخصوصية فتكون الأرض ظاهرة في مطلق الأرض، سواء كانت أرضاً خالية أو كانت بستاناً، وسواء كانت أرضاً زراعية أو أرضاً قاحلة لأنه لا يراد تمكين الذمي من أراضي المسلمين فالذمي يتخوف اشتري أرض أو عقار أو بستان أو حمام ويقول: واويلاه يفرض علينا ضريبة الخمس.

وبحسب قرينة مناسبة الحكم والموضوع يلحظ أيضاً أنه لا خصوصية للشراء فسواء اشترى الذمي أو قام بمعاوضة غير الشراء كالمصالحة أو انتقلت إليه بالهبة من دون معاوضة فإنه يجب عليه الخمس.

فالصحيح وفاقاً لسيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ أن المراد بالأرض مطلق وجه الأرض الذي انتقل إلى الذمي، وأن المراد بالانتقال مطلق الانتقال، وقرينة مناسبة الحكم والموضوع حاكمة على الظهور البدوي الساذج، هذا لو التزمنا بأن المراد بالخمس هو الخمس الاصطلاحي فإننا نحمل الأرض على مطلق الأرض ونتمسك الإطلاق وتؤيده قرينة مناسبة الحكم والموضوع وتدفع التقييد الثاني والتقييد الأول.

إلا أننا لا نستظهر من الخمس الوارد في صحيحة الحذاء خصوص الخمس الاصطلاحي بل نستظهر خمس نتاج الأرض فنحمل الأرض على خصوص الأرض الزراعية لا مطلق الأرض لأن خمس نتاج الأرض لا يكون إلا في الأرض زراعية ولا يكون في الحمام أو أرض البناء أو الدار.

النتيجة النهائية: الصحيح حمل الخمس على خمس نتاج الأرض فيكون المراد بالأرض خصوص الأرض الزراعية الخراجية ومصرف الخمس هو الخراج لا مصرف الخمس الاصطلاحي والله العالم.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية.

الجهة الثالثة مصرف خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم يأتي عليها الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo