< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: جلسة106.كتاب الخمس- السادس مما يجب فيه الخمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم

 

جهات المبحث السادس

هذا المبحث السادس فيه جهات:

الجهة الأولى
في أصل ثبوت الحكم، ونتطرق فيه إلى نقطتين:

 

النقطة الأولى
الأقوال في المسألة.

النقطة الثانية
أدلة المسألة.

 

أما النقطة الأولى وهي عرض أقوال المسألة

وجب الخمس

فالمشهور بين فقهائنا المتأخرين وجوب الخمس في نفس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، بل أن الشهيد الثاني ـ رضوان الله عليه ـ في الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية نسب القول بتخميس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم إلى الشيخ الطوسي والمتأخرين أجمع، بل ذكر العلامة في منتهى المطلب والتذكرة نسبة هذا القول إلى علمائنا، وذكر السيد ابن زهرة الإجماع على خمس هذا النوع[1] .

عدم وجوب الخمس

وفي مقابل هذا القول نسب إلى كثير من القدماء كابن أبي عقيل العماني، وابن الجنيد الإسكافي، والمفيد، وسلار إنكار ذلك لخلو كلماتهم من التعرض إليه لدى تعداد الأقسام[2] .

ومال إلى عدم وجوب الخمس فيه الشهيد الثاني[3] ، واستشكل في ثبوت الخمس بعض المعاصرين كالشهيد السيد محمد باقر الصدر ـ رحمه الله ـ في تعليقته على منهاج الصالحين[4] ، والشيخ حسين علي المنتظري[5] .

إذاً يوجد قولان في المسألة قولٌ بوجوب الخمس وقولٌ بعدم وجوب الخمس.

نحوان في القول بوجوب الخمس

ولابدّ من التدقيق في القول بوجوب الخمس فإنه على نحوين:

النحو الأول ووجوب تخميس نفس الأرض، فالذمي إذا اشترى أرضاً من المسلم بألف دينار وجب عليه أن يخرج خمس أصل الأرض وهو خمس الألف دينار وهو مئتا دينار.

النحو الثاني أن يقال بوجوب الخمس لكن لا في أصل الأرض وإنما في نتاج الأرض وهذا التخميس ينسجم مع الضريبة الخراجية التي تضرب على الأرض، فالضريبة على الأراضي عشرٌ فإذا قيل بضعف العشر أي عشران، والعشران عبارة عن الخمس أي عشرين في المئة.

الخمس في أصل الأرض أو في نتاج الأرض؟

فإذا قيل أن الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم يجب فيها العشران أي يجب في نتاجها العشران فيكون الخمس في النتاج لا في أصل الأرض لذلك لا بدّ من التأمل في كلمات العامة والخاصة وأنه هل يستفاد من كلماتهم أن الخمس ثابت في أصل الأرض الذي هو موطن بحثنا أو أن الخمس ثابتٌ في نتاج الأرض وهذا خارج عن موطن بحثنا وإنما يبحث في ما يتعلق بالضرائب من أنفال وخراج.

فلنتطرق إلى كلمات بعض الأعلام:

قال السيد ابن زهرة ـ رحمه الله ـ في الغنية ما نصّه في المال الذي لم يتميز حلاله من حرامه وفي الأرض التي يبتاعها الذمي بدليل الإجماع المتردد[6] .

وظاهر كلامه ـ قدس سره ـ ثبوت الخمس في الأرض كثبوته في المال الحلال المختلط بالحرام لا أن الخمس في نتاج الأرض.

ونسب الشهيد الثاني في الروضة البهية هذا القول إلى الشيخ الطوسي ـ رحمه الله ـ [7] وسيتضح أن شاء الله تعالى أن ظاهر كلام الشيخ الطوسي هو النحو الثاني وأن الخمس يثبت في النتاج لا أصل الأرض، كما نسب العلامة الحلي القول بتخميس الأرض في كتابه منتهى المطلب والتذكرة إلى علمائنا أجمع[8] .

ولعل وجه ما ذكره العلامة الحلي ما جاء في كتب الشيخ الطوسي ـ قدس الله نفسه الزكية ـ أن الذمي إذا اشترى من مسلمٍ أرضاً وجب عليه فيها الخمس كما في النهاية[9] والمبسوط[10] .

قال الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف : دليلنا إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في هذه المسألة، وهي مسطورة لهم منصوصٌ عليها [11] .

والتحقيق: أن عبارة الشيخ الطوسي والشيخ المفيد ـ قدس سرهما ـ ليست ظاهرة في الخمس المعهود وهو خمس نفس الأرض، بل عبارة الشيخ الطوسي في الخلاف كالصريح في إرادة النحو الثاني وهو خمس النتاج.

قال الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف ما نصّه: <إذا اشترى الذمي أرضاً عشرية> أي أرض خراجية يثبت فيها العشر <وجب عليه فيها الخمس وبه قال أبو يوسف> من هو أبو يوسف؟ صاحب أبي حنيفة من كبار فقهاء العامة والمذهب الحنفي.

<فإنه قال: عليه فيها عشران> والعشران هو الخمس.

<وقال محمد: عليه عشر واحد، وقال أبو حنيفة: تنقلب خراجية، وقال الشافعي: لا عشر عليه ولا خراج، دليلنا إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في هذه المسألة وهي مسطورة لهم منصوصٌ عليها>[12] .

وواضحٌ أن المراد من الأرض العشرية ما يؤخذ من ناتجها العشر زكاةً أو خراجاً فيكون المنظور إليه الضريبة التي تؤخذ على ناتج الأرض، وأنها فيما إذا اشتراها الذمي تتضاعف، وتصبح خمس الناتج، ويكون نحو جزية عليه، فتكون هذه العبارة دليلاً على أن الشيخ ـ قدس سره ـ يرى إجماع الفرقة على هذا المعنى كما يرى دلالة صحيحة الحذاء عليه لا على الخمس المصطلح في الأصناف الخمسة المتقدمة.

هكذا أفاد وأجاد سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله ـ [13] إذ قال ما نصّه: <وهكذا يتضح عدم وجود من القدماء في المسألة خصوصاً مع عدم ذكر ذلك في عداد ما فيه الخمس المصطلح في كلمات أكثر القدماء، فلو لم يستظهر من ذلك الإجماع على العدم فلا شكّ في عدم الإجماع على الثبوت، وأما إجماع من تأخر عن الشيخ ـ قدس سره ـ فلا قيمة له كما هو واضح، مضافاً إلى أنه لو فرض حصول الإجماع من قبل القدماء فمع وجود رواية معتبرة معروفة في المسألة يقوى احتمال مدركيته>.

لذلك وقع التشكيك في فهم وجوب تخميس الأرض من الروايات التي استدل بها على وجوب تخميس الأرض كصحيحة الحذاء فقد شكك في استفادة ذلك الشيخ يوسف البحراني[14] الحدائق الناظرة، والشيخ حسن صاحب المعالم[15] .

خلاصة النقطة الأولى وهي عرض الأقوال في المسألة أن وجوب تخميس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم موضع خلافٍ بين الخاصة والعامة بين السنة والشيعة كما أن من قال بوجوب تخميس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم بعضهم ناظر إلى تخميس أصل الأرض الذي هو موطن بحثنا وبعضهم ناظرٌ إلى وجوب تخميس نتاج الأرض الذي ينسجم مع الخراج والزكاة.

هذا تمام الكلام في النقطة الأولى.

 

النقطة الثانية الأدلة في المسألة

الدليل الأول
الروايات.

واستدل على قول مشهور المتأخرين من وجوب تخميس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم بصحيحة أبي عبيدة الحذاء قال: <سمعت أبا جعفرٍ ـ عليه السلام ـ يقول: أيما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإن عليه الخمس[16] .

وقوله ـ عليه السلام ـ : <فإن عليه الخمس> قد يراد به عليه الخمس في الأرض، وقد يراد به عليه الخمس في النتاج، فهي ليست ظاهرة في خصوص تخميس أصل الأرض.

لكن صحيحة الحذاء مؤيدة بمرسلة المفيد الظاهرة في تخميس نفس الأرض عن الصادق ـ عليه السلام ـ قال: <الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس>[17] .

لكن هذه الرواية مرسلة وساقطة عن الاعتبار سنداً فلا يصح الاستدلال بها، وتصلح أن تكون مؤيدة لصحيحة الحذاء، كما أنه يمكن الاستدلال بالإجماع وقد اتضح أن الإجماع بين المتقدمين لم يثبت وبين المتأخرين لو ثبت فهو محتمل مدركية، كما أن الشهرة ليست حجة عندنا، إذاً الأصل الأساس في المسألة هو صحيحة الحذاء فينبغي بحثها وملاحظتها من عدة جهات أهمها السند أولاً والجهة ككونها صدرت عن تقية ثانياً، والدلالة ثالثاً.

إذاً نتطرق إلى المناقشات في الاستدلال بصحيحة الحذاء على وجوب تخميس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم.

المناقشة في صحيحة الحذاء

وقد نوقش في صحيحة الحذاء للأمور:

الأمر الأول
ضعف السند، وهو ما نسب إلى الشهيد الثاني في فوائد القواعد، يلاحظ الحدائق الناظرة للشيخ يوسف البحراني[18] ، ومدارك الأحكام للسيد محمد العاملي سبط الشهيد الثاني[19] ، وجواهر الكلام للمحقق الشيخ محمد حسن النجفي[20] .

والإشكال بضعف السند لا وجه لأن جميع من ورد في السند من الآجلاء العدول، ولذا قال السيد محمد في مدارك الأحكام[21] : <أنها في أعلى مراتب الصحة>.

وقد رويت صحيحة الحذاء بطرق ثلاثة أهمها الطريق الأول.

طريق رواية الحذاء-الطريق الأول
ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان عن أبي عبيدة الحذاء، وهذا الطريق صحيحٌ بل سنده أعلائي.

الملاحظتان في السند

وتتضح صحة الطريق من ملاحظة أمرين:

الأول إن أحمد بن محمد الوارد في هذا السند وفي هذه الطبقة مردد بين أحمدين، وهما: أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي أبو جعفر شيخ قم، وبين أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب كتاب المحاسن، وكلاهما يروي عن الحسن بن محبوب، وهذا الترديد بينهما لا يضر بصحة السند إذ كلٌ منهما ثقةٌ ثقة.

على أن الظاهر من أحمد بن محمد هو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي لقرينة، وهي أن الشيخ الطوسي ـ رحمه الله ـ روى عين ونفس هذه الرواية في تهذيب الأحكام في موضعين:

الموضع الأول كتاب الخمس بعنوان أحمد بن محمد وهي موطن بحثنا[22] .

الموضع الثاني رواها بعنوان أبي جعفر الذي هو كنية أحمد بن محمد بن عيسى كما صرح به في كثير من الروايات، والموضع الثاني رواه الشيخ الطوسي روى هذه الرواية في باب الزيارات[23] ، فيعلم أن مراد الشيخ الطوسي من أحمد بن محمد هو نفس أبو جعفر الذي هو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي فتخرج الرواية عن الترديد، وإن كانت صحيحة على التقديرين.

بل ذكر الشهيد الثاني ـ رحمه الله ـ أن هذه الرواية لو لم تكن صحيحة فلا أقل من أنها موثقة، وبالتالي تكون معتبرة لحجية الموثق كالصحيح، نقل الحر العاملي ـ رحمه الله ـ في هامش الوسائل عن الشهيد الثاني أن السند موثق، وتعجب منه لأنه في أعلى مراتب الصحة[24] .

كيف يكون موثق؟َ الموثق أن يكون غير إمامي وهؤلاء كلهم عدول إمامية فكيف تكون الرواية موثقة؟! إلا أن يريد أن يقول ثقات إمامية عدول.

وثانياً أن الشيخ الطوسي ـ رحمه الله ـ له عنده طريق صحيح إلى جميع كتب وروايات الحسن بن محبوب ومنها هذه الرواية[25] .

فإذا أخذنا بنظرية تعويض الأسانيد نقول الشيخ الطوسي في الفهرست عنده سند صحيح إلى جميع كتب وروايات الحسن بن محبوب وهذه الرواية الواردة في التهذيب من مصاديق روايات الحسن بن محبوب فيمكن تعويض السند.

إذاً الطريق الأول صحيحٌ لا غبار عليه.

طريق رواية الحذاء-
الطريق الثاني ما رواه الصدوق بإسناده إلى أبي عبيدة الحذاء، لكن الصدوق لم يذكر سنده إلى أبي عبيدة الحذاء في مشيخة الفقيه، فيكون الطريق مرسلاً ومجهولاً فيسقط السند عن الاعتبار.

إلا أن شيخنا الأستاذ الدوري ـ حفظه الله ـ حاول تصحيح الطريق الثاني والطريق الثالث في كتابه[26] إذ قال ما نصّه: <وهو وإن لم يذكره في مشيخة الفقيه> أي الحذاء <إلا أن له طريقاً معتبراً إلى جميع روايات ابن محبوب ومنها هذه الرواية بشهادة طريق الشيخ فيصبح طريقه أيضاً معتبراً ويخرج عن الإرسال>.

أي أن الشيخ الطوسي عنده سند صحيح إلى جميع كتب وروايات الحذاء، فالشيخ الداوري يعوض سند الصدوق الذي لم سنده إلى الحذاء بسند الشيخ الطوسي لأن الشيخ الطوسي يروي جميع كتب وروايات الصدوق، وأيضاً يروي جميع كتب وروايات الحذاء، وروايات الحذاء ومنها هذه الرواية من جملة روايات الصدوق والشيخ الطوسي عنده سند صحيح إلى جميع كتب وروايات الصدوق فيتم تصحيح السند.

إلا أننا لا نقبل هذا التعويض لكلامٍ لا يسع المجال لبحثه، وهو أن الأصل تعدد النسخ فلربما الشيخ الصدوق روى هذه الرواية في نسخة والشيخ الطوسي لديه سند صحيح إلى كتب الصدوق في هذه النسخة، وأيضاً يوجد سند آخر لروايات الحذاء لكن لنسخة أخرى، وهذا سيأتي تفصيله.

لذلك نحن لا نقبل هذا تعويض والسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ أيضاً لم يقبل هذا التعويض ولم يتطرق إليه أصلاً.

طريق رواية الحذاء-
الطريق الثالث ما ذكره المحقق الحلي في كتابه المعتبر في شرح المختصر عن الحسن بن محبوب[27] ثم يقول شيخنا الأستاذ الداوري في كتابه[28] : <ولا يبعد أن يكون للمحقق طريقٌ معتبر إلى جميع روايات الحسن بن محبوب بواسطة الشيخ الطوسي، فالظاهر صحة جميع هذه الطرق>.

والصحيح عدم صحة الطريق الثالث وهو طريق المعتبار إلى الحسن ابن محبوب لجهالته، وعدم صحة الطريق الثاني وهو طريق الصدوق إلى أبي عبيدة الحذاء لجهالته، ولا يمكن تعويض كلا الطريقين بسند الشيخ الطوسي في الفهرست إلى جميع كتب وروايات الحذاء فلا يصح التعويض أي تعويض سند الشيخ الطوسي في الفهرست إلى روايات الحذاء، وأخذ هذا السند وجعله عوض الشيخ الصدوق إلى رواية الحذاء في الفقيه وسند المحقق الحلي في كتاب المعتبر إلى الحسن بن محبوب.

فالصحيح ما ذكره سيد أساتذتنا المحقق المدقق السيد الخوئي[29] إذ قال ما نصّه: <لكن الطريقين الأخيرين ضعيفان لجهالة طريق الصدوق إلى الحذاء في المشيخة كجهالة طريق المحقق إلى ابن محبوب>.

هذا تمام الكلام في الإشكال الأول واتضح أنه ليس بتام واتضح أن سند صحيحة الحذاء صحيح أعلائي وفقاً للطريق الأول دون الطريق الثاني والثالث.

الإشكال الثاني أو الأمر الثاني يأتي عليه الكلام.


[4] ج1، ص454.
[5] كتاب الخمس والأنفال، ص138.
[7] الروضة البهية، ج1، ص181.
[15] ملتقى الجمان للأحاديث الصحيحة والحسان، ج2، ص443.
[16] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج4، ص124.من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج2، ص42، ح1655.وسائل الشيعة، للحر العاملي، ج9، ص550، الباب9 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح1.
[17] المقنعة، الشيخ المفيد، ج1، ص283.وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص505، الباب9 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح2.
[26] الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص12.
[28] الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص12.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo