< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/11/25

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مئة وأربعة: حكم ما لو كان الحلال المختلط بالحرام مما تعلق به الخمس

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ ـ رحمه الله ـ ـ في العروة الوثقى، المسألة ستة وثلاثين :

<لو كان الحلال الذي في المختلط مما تعلق به الخمس وجب عليه بعد التخميس للتحليل خمسٌ آخر للمال الحلال الذي فيه>.

هذه المسألة تتضمن حكمين، وهما محل خلافٍ:

الحكم الأول إذا كان المال الحلال الذي اختلط بالحرام قد تعلق به خمسٌ آخر كما إذا كان غنيمةً أو معدناً أو كنزاً أو من أرباح المكاسب والفوائد بعد المؤونة فهل يتعلق به خمس واحد أو يتعلق به خمسان أحدهما لتطهير المال الحلال المختلط بالحرام والآخر للعنوان الآخر والثاني؟

المشهور تعدد الخمس بتعدد العنوان، وحكي عن بعضهم كما في الحواشي النجارية الاكتفاء بخمس واحد[1] .

الحكم الثاني بناءً على لزول تعدد الخمس توجد ثلاثة احتمالات بل أقوال ثلاثة:

القول الأول تقديم خمس التحليل على خمس العنوان الآخر كما هو رأي صاحب العروة وغير واحد من الفقهاء.

القول الثاني تقديم تخميس الآخر على تخميس التطهير، كما هو ظاهرٌ من السيد الخوئي[2] ـ رحمه الله ـ .

القول الثالث التخيير بينهما كما يظهر من الشيخ الأعظم الأنصاري[3] ـ رحمه الله ـ .

إذاً يقع بحثنا في تحقيق كلا الحكمين.

تحقيق الحكم الأول وهو هل يجب خمس واحد أو خمسان؟

ذهب المشهور إلى تعدد الخمس بتعدد العنوان وما ذهب إليه المشهور للقاعدة إذ الأصل تعدد الأسباب والمسببات فتعدد موجبات الغسل أو الوضوء يوجب تعدد الغسل أو الوضوء إلا إذا دلّ الدليل على التداخل، والأصل عدم تداخل الأسباب والمسببات.

كما أن مقتضى إطلاقات أدلة الخمس ودليل كل واحد من العناوين الموجبة للخمس هو تعدد الخمس بتعدد أسباب الخمس، ولا دليل على سقوط أحد العناوين بامتثال العناوين الأخرى.

إذاً ما ذهب إليه المشهور موافق لأصل القاعدة والإطلاقات.

ويمكن الاستدلال على الاكتفاء بتخميسٍ واحد بأحد أمرين:

الأول التمسك بإطلاق قوله ـ عليه السلام ـ في معتبرة السكوني <وسائر المال لك حلال>[4] .

فإن هذا الإطلاق يشمل ما إذا كان المال قد تعلق به خمس آخر فسواءً وجد عنوان آخر يوجب الخمس أم لم يوجد يشمله عنوان وإطلاق <وسائر المال لك حلال>.

وأجيب عن هذا الوجه بأنه واضح الضعف لأن الحكم بالحلية في بقية المال ناظرٌ إلى جهة مخصوصة وهي خصوص جهة اختلاط المال الحلال بالحرام لا من جميع الجهات فالتحليل إضافي وليس التحليل مطلقاً، فالتحليل بالإضافة وبالنسبة إلى المال الحلال الذي اختلط بالحرام.

ولذلك لو كان المال زكوياً فإن الزكاة لا تسقط بإخراج خمس المال الحلال المختلط بالحرام.

الثاني التمسك بما ذكره المحقق الهمداني[5] ـ رحمه الله ـ من أن حمل خبر السكوني على خصوص خمس المال الحلال المختلط بالحرام فقط لا يخلو عن بعدٍ، لأن خبر السكوني قد ورد فيه أن هذا المال اجتمع بالكسب في أزمنة سابقة وقد أمر الإمام ـ عليه السلام ـ بالتصدق بخمس المال، فحمل الخمس على خصوص الخمس الاصطلاحي، وفي خصوص مورد خاص وهو تخميس المال الحلال المختلط بالحرام فقط من دون نظرٍ إلى بقية موارد وجوب الخمس هذا بعيدٌ جداً.

خصوصاً ما ورد في خبر السكوني من التعليل بأن الله رضي من الأشياء بالخمس، وقياس الخمس على سائر الحقوق المالية مثل الزكاة، وهناك تغاير بين الخمس والزكاة وسائر الحقوق المالية نوعاً ومستحقاً هذا قياس مع الفارق.

إذاً ظاهر خبر السكوني تحليل الباقي من المال المختلط بالحرام إذا تم التخميس، وإن ثبت فيه خمسٌ لعنوان آخر لأن الله رضي بهذا التخميس وطهر هذا التخميس بقية الماء.

وأجيب عن هذا الوجه بأن هذا الاستبعاد إنما يكون في محله إذا كان السؤال عن مطلق المال من الحقوق الشرعية، لكن مورد رواية السكويني ليس هو مطلق المال وليس مطلق المال الذي يخمس فيه، وإنما مورد السؤال في خبر السكوني كيفية التخلص عن محذور المال المختلط بالحرام لكي يكون سائر المال له، فتطبيق جواب الامام ـ عليه السلام ـ على السؤال هو حلية خصوص المال من هذه الجهة أي من جه اختلاطه بالحرام.

إذاً مقتضى تحقيق الحكم الأول هو ماذا؟ تعدد الخمس بتعدد موجباته وأسبابه هذا على مقتضى القاعدة العقلية ومقتضى إطلاقات أدلة الخمس في موارده المختلفة.

تحقيق الحكم الثاني وهو تقديم أي الخمسين، فهل يقدم تخميس المال المختلط بالحرام على الثاني كما هو ظاهر العروة الوثقى أو تقديم الخمس الآخر على تخميس المال المختلط بالحرام كما هو ظاهر السيد الخوئي أو التخيير بينهما كما هو ظهر الشيخ الأنصاري.

وتوجد ثمرة عملية بين القولين الأول والثاني ذكرها السيد الخوئي[6] ، ونقلها شيخنا الأستاذ الداوري ووسعها[7] .

وقد فرضها هذه الفرضية إذا فرض مجموع المال مئة وخمسة وعشرون ديناراً مثلاً، فعلى طريقة الماتن ـ قدس سره ـ يخرج خمس المجموع أولاً وهو الخمسة والعشرون دينار فتبقى المئة دينار، ثم يخمس مرة ثانية المئة دينار من جهة خمس أرباح المكاسب فيبقى له ثمانون ديناراً.

وأما على الطريقة الثانية وهي طريقة السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ فإنه يخرج خمس الأرباح أولاً ثم خمس المال الحلال المختلط بالحرام ثانياً.

ويبقى السؤال في كيفية إخراج الخمس الأول، وتوجد أربعة احتمالات، والاحتمال الأول هو الصحيح وهو الذي أشار إليه السيد الخوئي فقط دون بقية الثلاثة.

الاحتمال الأول أن يلاحظ المقدار المتيقن من الحلال ويخرج خمسه ثم يخرج خمس الباقي للتطهير، ففي المثال السابق لو كان مجموع المال مائة وخمسة وعشرون ديناراً، إذا كان المقدار المتيقن من الحلال خمسة وسبعون ديناراً مثلاً فيخرج من خمسة عشر ديناراً وهي خمس أرباح المكاسب فيبقى مئة وعشرة دنانير، وخمسها للتحليل اثنان وعشرون ديناراً فيبقى ثمانية وثمانون ديناراً فتكون الزيادة والنقصان على هذه الطريقة مرتبطة بالمقدار المتيقن من المال الحلال.

إذاً بناءً على أنه في هذا المثال تخميس المال المختلط بالحرام أولاً بقي ثمانون ديناراً، وبناءً على تخميس العنوان الثاني كأرباح المكاسب مثلاً بقي له ثمانية وثمانون ديناراً لو كان القدر المتيقن والحدّ الأقل هو خمسة وسبعون ديناراً، فهنا تشخيص مقدار الحدّ الأقل يلعب دوراً في الزيادة والنقيصة.

هذا الاحتمال الأول وهو تعيين الحدّ الأقل والقدر المتيقن وتخميسه.

الاحتمال الثاني تعيين الحدّ الأكثر وتخميس الحدّ الأكثر فيقدر للمال الحلال الحدّ الأكثر ويخرج منه الخمس ثم يخرج الخمس من المخلوط.

فمثلاً لو كان الحدّ الأكثر للمال الحلال في المثال السابق مئة وعشرون ديناراً فإذا أخرج خمسها وهو أربعة وعشرون ديناراً وجمعنا الباقي مع الحرام المحتمل فيكون مئة وواحد فيخرج خمس الجميع للتطهير وهو عشرون ديناراً وخمس الدينار فيبقى له ثمانون ديناراً أو أربعة أخماس الدينار.

وهذا الاحتمال وهو الأخذ بالأكثر وإن كان أحواط إلا أنه لا دليل عليه، ومن الواضح إذا دار الواجب بين الأقل والأكثر اقتصر على الحدّ الأقل وجرت البراءة الشرعية عن الأكثر فلا يتعلق الخمس بالمقدار الزائد ولا يتعلق إلا بالمقدار المتيقن من ماله.

الاحتمال الثالث الأخذ بالمقدار المتيقن من الحرام وتخميس الباقي للفائدة.

ولو تأملنا في الاحتمال الثالث لوجدنا أنه يرجع إلى الاحتمال الثاني فهو عبارة أخرى عن الأخذ بالحدّ الأكثر من الحلال، مما يعني الأخذ بالقدر المتيقن من الحرام.

الاحتمال الرابع الأخذ بالمقدار الأكثر من الحرام وتخميس الباقي للفائدة.

وإذا تأملنا في الاحتمال الرابع سنجد أنه يرجع إلى الاحتمال الأول إذ أنه عبارة عن الأخذ بالحدّ الأقل من الحلال مما يرجع ويعني الأخذ بالمقدار الأكثر من الحرام.

إلى هنا بينا الثمرة، يبقى الكلام في الدليل الذي يمكن أن يقام على قول المشهور أو صاحب العروة، والوجه فيه واضح فإنه لابدّ من تخميس المال للتحليل حتى يتضح ويتبين ماله الحلال ولا يكون متحيراً وشاكاً فيه ثم يخرج خمسه بالعنوان الآخر من الفائدة أو الكنز أو المعدن أو غيرها فإنه من المعلوم عدم تعلق الخمس بالعنوان الآخر بجميع المال، والأخذ بالقدر المتيقن وإجراء الأصل إنما يصح إذا لم يكن طريقٌ من علمٍ أو علمي إلى تشخيص المال الحلال، والمفروض إمكان الطريق بواسطة الشارع بحلية المال بعد إخراج خمس المال الحلال المختلط بالحرام وتطهيره وتحليله.

وناقش السيد الخوئي[8] ـ رحمه الله ـ في هذا الوجه من أن ظاهر الأخبار ووجوب تخميس المال الحلال المخلوط بالحرام، وموضوع هذا الوجوب هو المال الحلال المخلوط بالحرام فالموضوع هو المركب من صنفين: حلالٌ لصاحب المال وحرامٌ لغيره، وأما المشتمل على صنفٍ ثالث ليس له ولا هو من المال الحرام فهو غير مشمولٍ لتلك الأخبار، إذ أنه اشتمل حينئذٍ على صنف ثالث وهو ملك الإمام ـ عليه السلام ـ والسادة ـ زاد الله في توفيقهم ـ .

مضافاً إلى ذلك أنه لو التزمنا بتقديم تخميس المال الحلال المختلط بالحرام أي لزم تخميس جميع المال، ومنه المال الذي يجب تخميسه بعنوان المعدن أو أرباح المكاسب أو الكنز أو الغوص أو الغنيمة الموجود ضمن المجموع، والخمس لا يخمس، فكيف يخمس مرتين؟!

إذاً ما ذهب إليه المشهور أو صاحب الغروة لا يمكن المساعدة عليه.

والصحيح ما ذهب إليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من أنه يجب تخميس الآخر كالغنيمة أو الكنز أو المعدن أو أرباح المكاسب ثم بعد ذلك يجب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام لأن موضوع تخميس المال الحلال المختلط بالحرام هو المال المؤلف من صنفين: أحدهما حلال والآخر حرام، ومن الواضح أن المكلف لا يحل له أن يتصرف في هذا المال لثبوت الخمس فيه بعنوان الغنيمة أو الكنز فيكون بمقدار الخمس ملكاً للإمام ـ عليه السلام ـ والسادة.

فالمال المشتمل على صنف آخر لا يكون له ولا يكون من المال الحرام الذي لا يعرف صاحبه فهو خارجٌ عن أدلة المال المختلط، والمقام من هذا القبيل.

فإن الخمس الذي تعلق بحصته من مجموع المال ليس له ولا هو منه المال الحرام بل هو ملك لللإمام ـ عليه السلام ـ وللسادة، فلابدّ من استثنائه وإخراجه أولاً ليكون المال حلالاً مخلوطاً بالحرام فقط، ولا يوجد صنف ثالث ثم يخمس بعد ذلك للتحليل وبعنوان الاختلاط[9] .

وقد يشكل ويقال: كيف يتصرف في المال الحلال المخلوط بالحرام والحال إنه لا يجوز له التصرف إلا بعد التخميس؟

والجواب إن مخرج الخمس لا يتصرف في المال وإنما يعزل المال لا أنه يخرج المال، يعزل المال ثم يحسب خمس المال الحلال مختلط بالحرام ثم كلا الخمسين، لا أنه يخرج أولاً خمس المال الثابت بعنوان آخر كعنوان أرباح المكاسب أو عنوان.. ثم بعد ذلك يوصل هذا الخمس ثم بعد ذلك يخرج خمس المال الحلال المختلط بالحرام ليس هذا هو المراد.

المراد أنه يحسب ويعزل الخمس الثابت بالعنوان الآخر ثم يحسب خمس المال الحلال المختلط بالحرام.

هذا تمام الكلام طبعاً بناءً على أنه مجرد العزل أو أنه مجرد الحساب هنا يصير بعد تخيير لأنه لم يتصرف يصير مبنى الشيخ الأنصاري لم يتصرف، لا مانع من الحساب يحسب هذا ويحسب هذا، إذا كان مجرد ماذا؟ إذا كان مجرد حساب. نعم، ربما العزل أو الإخراج يحقق الثمرة بين الوجهين.

هذا تمام الكلام في المسألة ستة وثلاثين.

مسألة سبعة وثلاثين يأتي عليها الكلام.


[1] جواهر الكلام، المحقق الشيخ محمد حسن النجفي، ج16، ص76.
[2] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص169.
[3] كتاب الخمس، ص263.
[4] وسائل الشيعة، ج9، ص506، الباب10، من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
[5] مصباح الفقيه، ج14، ص163.
[6] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص170.
[7] الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص573.
[8] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص169.
[9] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص169.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo