< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/11/24

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مئة وثلاثة: تبين مقدار المال الحرام بعد إخراج الخمس

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى، المسألة أربعة وثلاثين :

<لو علم بعد إخراج الخمس أن الحرام أزيد من الخمس أو أقل لا يسترد الزائد على مقدار الحرام في الصورة الثانية، وهل يجب عليه التصدق بما زاد على الخمس في الصورة الأولى أو لا؟ وجهان، أحوطهما الأول وأقواهما الثاني>.

هذه المسألة توجد فيها ثلاثة فروض:

الفرض الأول أن يعلم بمقدار الحرام تفصيلاً أو إجمالاً قبل إخراج الخمس.

ومن الواضح في هذه الصورة أنه يجب إيصال المال إلى مالكه ولا يجب الخمس.

الصورة الثانية أن لا يعلم المقدار أصلاً إجمالاً ولا تفصيلاً لا قبل الإخراج ولا بعد الإخراج.

ومن الواضح أن هذا هو القدر المتيقن من تخميس المال الحلال المختلط بالحرام.

الصورة الثالثة أن يعلم بالمقدار تفصيلاً أو إجمالاً لكن بعد إخراج الخمس، والفرض الثالث وهو العلم بالمقدار بعد إخراج الخمس له صورتان:

الصورة الأولى أن يكون مقدار الحرام أقل من الخمس.

الصورة الثانية أن يكون مقدار الحرام أكثر من الخمس.

والفرض الثالث بصورتيه هو موطن بحث المسألة أربعة وثلاثين فلنبحث الصورتين كما يلي:

الأولى إذا علم بأن مقدار الحرام كان أقل من مقدار الخمس الذي أخرجه.

والظاهر عدم وجود خلاف في أنه لا يسترد الزائد عن مقدار الخمس، لما ثبت من قول ـ عليهم السلام ـ <إنما كان لله لا يرجع>[1] ، في روايات اللقطة وغيرها ورد هذا المضمون، وإعطاء الخمس والتصدق بمجهود المالك إنما كان بأمرٍ من الشارع والحاكم الشرعي بوجوب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام أو وجوب التصدق بمجهول المالك.

إذاً اجتمع دفع الخمس أو الصدقة مع قصد التقرب ورضا المعطي، وبالتالي هو أعطى عن رضاه فلا يرد ولا يسترجع الزائد عن مقدار الحرام من الخمس الذي أخرجه.

وفي الحقيقة هذا الزائد في مقابل جواز التصرف في المال فإن المال الحلال المختلط بالحرام لا يجوز التصرف فيه من دون إذن صاحب المال الحرام عليه أن يتصرف فيه، وقد أذن له الشارع أن يخرج مقدار الخمس ويطيب له التصرف ويحل له المال الباقي، فهو حينما أعطى وأخرج الخمس في مقابل جواز التصرف في المال الباقي فهو قد أعطى عن رضا، والإعطاء له مقابل وهو جواز التصرف في بقية المال، فالمقدار الزائد الذي دفعه كان واقعاً في مقابل جواز تصرف المعطي في بقية المال.

فبمقتضى منجزية العلم الإجمالي لا يجوز له التصرف في المال الحلال المختلط بالحرام لكي لا يقع في الحرام الواقعي، وبعد دفع الخمس والذي في ضمنه المال الحرام فحينئذ جاز له التصرف.

إذاً دفع خمس في مقابل ارتفاع المنع عن التصرف في المال الباقي، وبعد هذا لا يصح له الاسترداد لأن الزيادة التي دفعها لم تكن بلا عوض بل كان عوضها تحليل بقية المال.

نعم، لو لم يعطي الخمس بإذن الشارع بل دفع الخمس متوهماً أنه يجب عليه أن يخرج الخمس، وبقيت عين الخمس التي دفعها إلى من دفعها إليه، وانكشف الخلاف وأنه لا يجب عليه الخمس المقدار الحرام الذي هو لمالكه الأصلي هذا المال مقداره أقل من مقدار الخمس في حينئذ يجوز له أن يسترجع الخمس ما دام عينه قد بقيت، ويعطيه يعطي المقدار الثابت منه إلى مالكه الأصلي.

هذا تمام الكلام في الصورة الأولى من الفرض الثالث وهي ما إذا مقدار الحرام أقل من مقدار الخمس الذي دفعهم.

الصورة الثانية من الفرض الثالث إذا علم بأن مقدار الحرام كان أكثر من مقدار الخمس فهو قد دفع مئة دينار خمساً واتضح أن مقدار الحرام مئة وخمسين دينار، فهل يكتفي بإخراج المئة أم يجب عليه أن يتصدق بخمسين دينار فوق المئة أو يسترجع المئة ويتصدق بمئة وخمسين دينار، وجوهٌ بل أقوال أهمها ثلاثة:

الأول ما نسب إلى الشهيد الأول ـ رحمه الله ـ من وجوب التصدق في الجميع، فيسترجع الخمس ثم يتصدق بتمام الحرام لأهل الصدقة[2] .

الثاني ما ذهب إليه السيد الماتن تبعاً للشيخ مرتضى الأنصاري ووافقهما السيد محسن الحكيم في المستمسك من الاجتزاء بالتخميس السابق وعدم وجوب شيء عليه[3] .

الثالث وهو الصحيح وهو ما عن صاحب الجواهر والسيد الخوئي ـ رحمة الله عليهما ـ من أن الباقي بعد التخميس موضوعٌ جديد للمال الحلال المختلط بالحرام للعلم بوجود الحرام فيه فتأتي فروظ المسألة الثلاثة:

الأول إن علم مقداره ومالكه دفعه إليه.

الثاني إن علم مقداره ولم يعلم مالكه تصدق به بعنوان مجهول المالك.

الثالث إن لم يعلم مقداره ولا مالكه تعلق به خمس آخر[4] .

مناقشة الأقوال:

أما القول الأول وهو استرداد جميع المبلغ والتصدق به فهو واضح الضعف وذكره الشهيد الأول بنحو الاحتمال لا الجزم، فإن المكلف إذا دفع المال بأمر الشارع، وكان المكلف المعطي راضياً فلا وجه للاسترجاع لأن المدفوع كان خمساً لا صدقةً لكي ترجع، فالقول بالتصدق مخالفٌ لظاهر الدليل الذي يقضي بلزوم التخميس.

مضافاً إلى أنه لا دليل على حرمة التصدق على بني هاشم بغير الزكاة الواجبة فالدليل دلّ على حرمة التصدق على الهاشمي بخصوص الزكاة الواجبة كزكاة الفطرة أو زكاة الغلات أو الأنعام.

وأما غيرها كمجهول المالك والصدقة المستحبة فلا دليل على حرمة التصدق على بني هاشم فعلى أي أساس يسترجع الخمس من بني هاشم ثم يدفع الصدقة لأهلها؟.

والعمدة في المناقشة هو الوجه الأول وهو أنه بعد أن دفع المال برضاه لا موجب للاسترجاع.

هذا تمام الكلام في مناقشات القول الأول.

وأما القول الثاني وهو الاكتفاء بالخمس المدفوع ولا يجب عليه شيء زائد وإن علم أن مقدار الحرام أكثر من مقدار الخمس، ويمكن الاستدلال له بإطلاق الروايات فإن المستفاد منها كفاية عدم العلم بالمقدار عند التخميس وهي مطلقة، فإذا كان حين التخميس لا يعلم بمقدار الحرام يكفي هذا الخمس للتحليل سواءً علم بعد ذلك بزيادة الخمس أم لم يعلم.

كما أن الحكم بحلية بقية المال بعد التخميس مع بقاء الجزء الحرام فيه خلفٌ.

كما أننا لو قلنا بعدم الإجزاء وأن الموضوع في الروايات مقيدٌ بعدم العلم بالخلاف فلا وجه للفرق بين العلم بالنقيصة أو الزيادة فكما أنه يقال بعدم الاسترداد في صورة العلم بالزيادة كذلك يقال بعدم وجوب شيء في صورة النقيصة.

لكن الوجه الثاني ليس بتام فبعد ما تصدق المعطي أو خمس بإذن الشارع وكان عن رضاه وقصد القربة لا يصح له أن يسترجع المبلغ، كما أن الإطلاق قابلٌ للمناقشة فمن قال أن ظاهر الروايات هو عدم العلم بمقدار الحرام حين التخميس فقط؟! بل ظاهر الروايات عدم العلم بالمقدار والجهل به على الإطلاق لا خصوص الجهل عند التخميس فقط.

ولو تنزلنا وفرضنا الشكّ يتمسك حينئذ بما دلّ على وجوب التصدق بالمال المجهول إذا علم مقداره.

ولازم ذلك أنه إذا علم تفصيلاً بالمقدار الزائد فلا بدّ من التصدق به بعنوان مجهول المالك، واذا علم إجمالاً بوجود الحرام فيه بعد التخميس الأول تعلق به خمس آخر لتحقق موضوع آخر للمال المخلوط بالحرام.

إذا دفع الخمس وانكشف أن مقدار الحرام أكثر من مقدار الخمس تشكل موضوع آخر للمال الحلال المختلط بالحرام فيتعلق به الخمس وهكذا.

والخلاصة:

لا يبعد دعوى انصراف أدلة وجوب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام بصورة عدم العلم بالمالك وبالمقدار مطلقاً، وأما إذا تبين فهذا حكمه شيء آخر، فيكون مورد بحثنا خارج عن المسألة فهو حينما دفع الخمس كان ضمن المسألة، وبعد أن علم أن المقدار الحرام أكثر من مقدار الخمس تشكل موضوع جديد، والله العالم.

هذا تمام الكلام في المسألة أربعة وثلاثين.

المسألة خمسة وثلاثين:

<لو كان الحرام المجهول مالكه معينان فخلطه بالحلال ليحلله بالتخميس خوفاً من احتمال زيادته على الخمس فهل يجزئه إخراج الخمس أو يبقى على حكم مجهول المالك وجهان، والأقوى الثاني لأنه كمعلوم المالك حيث أن مالكه الفقراء قبل التخيمس>.

هذه المسألة تتطرق إلى خلط المال الحرام المعلوم مقداره المجهول مالكه هذا إذا خلطته بالحلال، توجد في المسألة ثلاثة أقوال:

القول الأول الإجزاء مطلقاً.

وهو قول صاحب الجواهر ـ رحمه الله ـ وإن احتمل قوياً تكليف مثله بإخراج ما يقطع معه بالبراءة إلزاماً له بأشق الأحوال[5] ، ونسبه الشيخ الأنصاري ـ رحمه الله ـ إلى كاشف الغطاء[6] .

القول الثاني عدم الإجزاء مطلقاً بل يجب عليه التصدق.

وهو ظاهر السيد محمد كاظم اليزدي في متن العروة والسيد الخوئي[7] ـ رحمه الله ـ .

القول الثالث التفصيل بين صورة الخلط بالاختيار، فيقال: بعدم إجزاء إخراج الخمس وبين صورة الخلط لا عن اختيار، فيقال: بالإجزاء.

وهو قول شيخنا الأستاذ الداوري[8] وهو الصحيح.

أدلة المسألة ومناقشتها:

استدل للقول الأول بإطلاق الروايات وأن الموضوع فيها هو المال المختلط بالحرام غير المتميز سواء كان عدم التميز والاختلاط عن اختيار أم لا، والغالب في موارد الاختلاط كونه بعد التمييز وتشخيص مقدار الحرام في ظرفه، إما مع معرفة المالك أو بدونها، مثل ماذا؟ مثل المال الربوي أو المشترى من السارق ونحو ذلك من الأمور التي يكسبها الرجل ثم بعد ذلك يتبين إليه.

مقتضى إطلاق الروايات شمولها للمقام، واختصاص هذه الروايات بما كان بلا اختيار حمل على الفرد النادر.

وقد أجيب عن هذا الوجه بإنصراف الروايات عن هذه الصورة فإن الظاهر من روايات التخميس كمعتبرة السكوني[9] ظاهرها النظر إلى التوبة، يقصد التخلص من مشكلة الاختلاط، وهو لا يعلم بأن هذا الخلط موجبٌ للخمس المطهر للمال، لذلك سأل الإمام ـ عليه السلام ـ عن هذه المشكلة، وبالتالي معتبرة السكوني لا تشمل ما إذا كان الخلط عن عمدٍ فراراً عن التخميس، لا تشمل الخلط ما إذا كان الخلط عن عمد فراراً عن إخراج المقدار الأكثر للحرام، فيقال النصّ منصرف عن صورة الخلط عمداً.

كذلك المال المختلط بالحرام إذا كان معلوم المقدار أو معلوم المالك من الأول ثم صار مجهولاً هذا خارج عن إطلاق الروايات لأن حكمه معلومٌ قبل الاختلاط إذ أن صاحبه معلوم أو مقداره معلوم مسبقاً فحكمه يكون التصدق على الفقراء.

فهو في حكم معلوم المالك من جهة معلومية مصرفه، لا أن مالكه الفقراء، فمن الواضح أن المال المجهول المالك باقٍ على ملكية مالكه الأصلي قبل الإعطاء والتصدق، ولا يخرج عن ملكه إلا بالإخراج والتصدق.

وبالتالي ما استدل به السيد الماتن صاحب العروة على القول الثاني تبعاً للشيخ الأنصاري ليس بتام، من قال أن المال مجهول المالك هو ملك للفقراء؟! المال المجهول المالك يكون ملكاً للفقراء إذا دفعه من بيده إلى الفقراء فيكون لهم بعد الإخراج والدافع، وأما قبل الإخراج والدافع والإذن بالتصرف والتصدق يبقى المال مجهول المالك على ملكية مالكه الأصلي الذي نجهله، ولا تثبت له الملكية إلا بعد الدفع إليه.

إذاً القول الثاني وهو الالتزام بالتصدق ووجوب دفعة إلى مالكه وهو الفقراء مالكه قبل التخليط وهو الفقراء ليس بصحيح لأننا لا نسلم أن الفقراء يملكون المال قبل التخليط، وإنما الفقراء يملكون المال المجهول المالك بعد الدفع إليهم، وما قبل الدفع إليهم فهو على ملكية مالكه الأصلي.

إذاً الأقوى هو القول الثالث وهو التفصيل بين الخلط عن عمد أو عن غير عمد لإمكان القول بظهور بعض الروايات في أن الاختلاط وقع بعد العلم بالمقدار أو المالك أو أحدهما خصوصاً معتبرة السكوني لقوله: <وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام، وقد اختلط عليّ> فإنه يظهر منها أنه كان يعلم الحرام ثم اختلط عليه مع ماله الحلال، وهو الآن يريد التوبة فأمره الإمام ـ عليه السلام ـ بالتخميس.

أي أنه كان لا يبالي يعرف هذا حلال وهذا حرام ويخلط الحلال بالحرام، وحينما أراد التوبة رجع إلى الإمام ـ عليه السلام ـ لكي يتخلص من المشكلة، وقال: الآن اختلط عليّ الحلال بالحرام.

فإذاً حمل روايات تخميس المختلط بالحرام على خصوص ما لو كان جاهلاً بالخمس، وأن حملها على صورة العمد أنه حملٌ على الفرد النادر هذا غير صحيح، ظاهر بعضها كان متعمداً.

وبالتالي في مورد بحثنا إذا تعمد الخلط هنا يؤخذ بأشق الأحوال لا يجزئ الخمس الذي يدفعه لأنه كان يعلم مقدار الحرام ويعلم مقدار الحلال وخلطه بالعمد حتى يكون مقدار الخمس أقل من مقدار الحرام الذي يجب عليه أن يدفعه لصاحبه فهنا لا يجزي الخمس في هذه الحالة.

وبالتالي يجب عليه إيصال الزائد إلى صاحبه أو التصدق به إن لم يظفر به، وأما إذا اختلط لا عن اختيار فالخمس ماذا؟ يجزي والله العالم.

المسألة ستة وثلاثين يأتي عليها الكلام.


[1] مستدرك الوسائل، ج1، ص113، الباب12، من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 14.
[2] البيان، الشهيد الأول، ص347.
[3] كتاب الخمس، الشيخ الأنصاري، ص271.مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم، ج9، ص503.
[4] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، تقرير الشهيد مرتضى البروجردي لبحث السيد الخوئي، ص166.
[5] جواهر الكلام، ج16، ص76.
[6] كتاب الخمس، ص266.
[7] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص167.
[8] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص568.
[9] وسائل الشيعة، ج9، ص560، الباب10، من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo