< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/11/18

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مئة وواحد: قيام الحكم فيما إذا لم يعلم جنس المال وتردد بين مثليين أو مثلي وقيمي

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي في نهاية المسألة الحادية والثلاثين من كتاب الخمس من العروة الوثقى ما نصّه:

<وإن كان مثلياً ففي وجوب الاحتياط وعدمه وجهان>.

مثال ذلك ما لو علم أنه إما اتلف طناً من شعير أو طناً من حنطة، والشعير والحنطة مثليان أو علم أنه إما اتلف طناً من حنطةٍ أو شاةً.

والاختلاف بينهما في القيمة لا يوجب التردد بين الأقل والأكثر إذ أن القيمي كالشاة أو البعير وإن انتقل إلى القيمة في الذمة إلا أن المثلي كالحنطة أو الشعير لا ينتقل إلى دينٍ في الذمة بل تشتغل الذمة بمثل الحنطة أو الشعير أو الأرز فإذا تردد المال بين المثليين كالحنطة والشعرية أو المثلي والقيمي كالحنطة والشاة تردد الأمر بين المتباينين، ومن هنا يذكر وجهان: وجهٌ لوجوب الاحتياط، ووجهٌ لعدم وجوب الاحتياط.

الوجه الأول وجه وجوب الاحتياط وهو تردد اشتغال الذمة بين المالين المثليين أي بين المتباينين فيتنجز العلم الإجمالي فيجب عليه الاحتياط وإبراء ذمته من الواقع المجهول بدفع الأغلى والأكثر لإفراغ ذمته من الواقع المجهول.

الوجه الثاني وجه عدم وجوب الاحتياط، وهو البناء على قاعدة العدل والإنصاف المقتضية للتوزيع فيعطيه نصف طن من الحنطة ونصف طن من الشعير، والبناء على قاعدة العدل والإنصاف في صورة معلومية المالك وجهالة جنس المال كما هنا في المثليين أو لا من البناء على قاعدة العدل والإنصاف في مورد تردد المالك بين عدد محصور، وتردد المالك هو مورد النصوص الواردة في قاعدة العدل والإنصاف.

ووجه الأولوية: أنه مورد معلومية المالك وتردد جنس المال بين المتباينين يصل تمام الطن إلى المالك الأصلي فيصله نصف طن شعير ونصف طن حنطة فلا ضياع في قاعدة العدل الإنصاف عند التنصيف على المالك بل المالك يحصل على طن كامل وتام بخلاف مورد تردد المالك كما لو تردد بين عدد محصور فإن كل واحد منهم سيحصل على حصته أو نصف حصته بمقتضى قاعدة العدل والإنصاف فالمالك يحصل على بعض ملكه ويحرم من بعضه الآخر.

وقد يقال إن جريان قاعدة العدل والإنصاف تعتضد بما ورد في ميراث الخنثى فإنه يعطى نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى أي يحصل على ثلاثة أرباع الرجل ويزيد على ميراث المرأة بربعٍ إلا أن السيد الحكيم ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ قد استشكل في ما ورد في ميراث الخنثى فضلاً عن جريان قاعدة العدل والإنصاف في المقام، وذهب إلى وجوب الاحتياط.

إلا أنه استشكل أيضاً في وجوب الاحتياط نظراً لما فيه من الضرر والضرر منفي بقاعدة لا ضرر فتصل النوبة إلى القرعة، فانتهى السيد محسن الحكيم[1] إلى جريان القرعة فيما لو علم المالك وتردد جنس المال بين مثليين أو مثلي وقيمي فذهب إلى جريان القرعة.

وهكذا استشكل السيد أبو القاسم الخوئي ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ في جريان قاعدة العدل والإنصاف، وقال: إنها ليست ثابتة، وبالتالي إن تنجز العلم الإجمالي قلنا بالاحتياط وإن لم يتنجز العلم الإجمالي فالحكم هو إرضاء المالك إن أمكن، وإن لم يمكن إرضاء المالك فحينئذ تصل النوبة إلى قاعدة القرعة، إذ أن القرعة لكل أمرٍ مشكل.

إذاً ذهب السيد الحكيم والسيد الخوئي ـ رضوان الله عليهما ـ إلى أن هذا المورد من موارد جريان القرعة[2] .

إلا أن الصحيح بنظرنا هو جريان قاعدة العدل والإنصاف فإذا جرت قاعدة العدل والإنصاف حكمنا بالتنصيف فيدفع له نصف طن من الحنطة ونصف طن من الشعير فيحصل على طن كامل إلا أن هذا فيما لو لم تكن يده يدّ عدوانية وأما إذا كانت يده يدّ عدوانية فإنه يؤخذ بأشق الأحوال.

فتكون النتيجة النهائية: أنه إذا كانت يده يدّ عدوانية كما لو خلط المالين فحينئذٍ يؤخذ بالأشد حالاً فيدفع الأغلى وإن لم تكن يده يدّ عدوانية ففي هذه الحالة الحكم هو التنصيف، والله العالم.

وهذا ما ذهب إليه المرحوم الشيخ حسين المنتظري[3] إذ قال ـ رحمه الله ـ ما نصّه:

<الأقوى هو التفصيل فإن كان اشتغال ذمته بسبب العدوان كالإتلاف عن عمدٍ وجب الاحتياط وإلا فالأظهر تنصيف المثلين المتردد بينهما، فيعطى مثلاً نصفٌ من الحنطة ونصفٌ من الشعير كما نظيره في ميراث الخنثى المشكل حيث يعطى نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى، وبهذا يراعى الاحتياط بالنسبة إلى الطرفين معاً>.

وهذا أيضاً ما ذهب إليه شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري[4] وذكره كقولٍ سادس التفصيل بينما إذا كانت يده عدوانية فعليه أن يعطي الأعلى منهما وإلا فينصف الجنسان.

وقد أطال ـ حفظه الله ـ في ذكر الأقوال الستة، وبيان مداركها، ومناقشة الأقوال والأدلة فيها، وذكر ما ذكره السيد الخوئي من أمرين وناقشهما إلا أننا لا نجد حاجة للإطالة لوضوح الأمر بناءً على المبنى الذي ترجح عندنا، والله العالم.

هذا تمام الكلام في المسألة الحادي والثلاثين.

المسألة مئة واثنين وثلاثين:

قال السيد اليزدي ـ رحمه الله ـ :

<الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك كما في سائر أقسام الخمس فيجوز له الإخراج والتعيين من غير توقف على إذن الحاكم، كما يجوز دفعه من مال آخر وإن كان الحقّ في العين>.

تطرق صاحب العروة ـ رحمه الله ـ إلى مسألتين في هذه المسألة:

المسألة الأولى هل إخراج خمس المال الحلال المختلط بالحرام مشروط بإذن الحاكم الشرعي والفقيه الجامع للشرائط أو لا؟

المسألة الثانية هل يجوز أن يخرج الخمس من مال آخر أم أنه يتعين أن يخرج الخمس من عين المال الحلال الذي اختلط بالحرام؟

المسألة الأولى والحكم فيها مبني على القول بأن تخميس المال الحلال المختلط بالحرام هل هو من سنخ بقية الموارد كتخميس الغوص والكنز والغنيمة وأرباح المكاسب فجميعها يتحد في سنخ واحد من الخمس، فإن قلنا إن جميع موارد الخمس السبعة أو الأكثر تشترك في سنخٍ واحد ففي جميع هذه الموارد لا حاجة له إلى إذن الحاكم الشرعي بل يكفي إخراج الخمس خارجاً.

وأما إذا بنينا على القول الثاني وهو أن تخميس المال الحلال المختلط بالحرام سنخٌ مختلف عن سنخيت تخميس الغوص والغنيمة والكنز وأرباح المكاسب ففي تلك الموارد لا يشترط إذن المحاكم الشرعية، ولكن في خصوص خمس المال الحلال المختلط بالحرام هذا المال يحتاج إلى تطهير، وفي التطهير تحتاج إلى إذن ولي الخمس وأرباب الخمس فلا بدّ من اشتراط الإذن.

إلا أن الصحيح أنه حتى لو بنينا على أن خمس المال الحلال المختلط بالحرام يختلف في السنخية عن المال عن بقية الموارد إلا أننا نلتزم أيضاً بعدم الحاجة إلى إذن الحاكم الشرعي.

إذ أنه يمكن الاستدلال بإطلاق الروايات الدالة على إخراج الخمس بلا تقيد بالإذن فالروايات التي وردت في المال الحلال المختلط بالحرام خسائر الموارد لم يذكر فيها لزوم أخذ الإذن من الحاكم الشرعي.

إذاً المسألة الأولى اتضح فيها أنه لا يشترط أخذ إذن الحاكم الشرعي في وجوب إخراج الخمس أو إخراجه خارجاً.

المسألة الثانية هل يجوز إخراج الخمس من مال آخر؟

الجواب: نعم، وهذا كما يجوز في المال الحلال المختلط بالحرام أيضاً يجوز في بقية الموارد.

أما بناء على القول الأول وهو السنخية الواحدة بين جميع الموارد ففي هذه الحالة، نقول: إن الأدلة التي دلت على وجوب الخمس دلت على وجوب الخمس بمناط واحد، ولا يشترط أن يكون الإخراج من عين المال الذي ثبت فيه وجوب الخمس بل يجوز نقل المال من العين إلى الذمة كما يجري في المداورة.

الآن إذا تذهب إلى المرجع أو وكيله وافترض مثلاً عليك تخميس بيت هذا البيت بمليون دينار أنت ما تملك مليون دينار، يأتي بالمليون دينار، هو ما عنده مليون دينار، افترض مئة ألف دينار، مئة ألف دينار يعطيك المئة ألف كقرض من بيت المال، ثم يقول: أعطني إياها كخمس، فيعطي المخمس المئة ألف دينار عشر مرات إلى ولي الخمس وهو المرجع أو وكيله، فإذا أعطى مئة ألف دينار عشر مرات يكون قد دفع تماما ما عليه من دين، والمرجعة والوكيل يعطي المكلف المكلف المخمس مئة ألف دينار عشر مرات فيكون قد أقرضه مليون دينار من بيت المال.

فهنا انتقل الخمس وهو مقدار مليون دينار من عين خارجية يجب تخميس البيت إلى كلي في الذمة إلى دين، فيكون أفرغ ذمته وأدى الخمس، وانتقل إلى ماذا؟ إلى دين، صار دين، وليس خمساً، هذا صورة من صور الانتقال من العين إلى الذمة.

وأما بناء على المسلك الثاني وهو أن وجوب تخميس المال الحلال المختلط حرام يختلف في السنخية بينه وبين بقية الموارد فحينئذ، نقول: دلت بعض الروايات على جواز دفع الخمس من مالٍ آخر، وقام الدليل على ذلك، ويمكن استفادة جواز دفع الخمس من مال آخر من مثل صحيحة يونس بن عبد الرحمن التي أمر فيها الإمام ـ عليه السلام ـ بالبيع والتصدق بالقيمة، مما يعني أن التصدق لا يشترط أن يكون بعين الشيء الذي وجده، بل يجزي التصدق ببدله، وهو والثمن.

نعم، هذه المسألة ينبغي تأخيرها إلى المورد السابع لأنها ليست خاصة بخصوص تخميس المال الحلال المختلط بالحرام، والفقهاء يختلفون في مبانيهم، فمبنى الشيخ المنتظري[5] ـ رحمه الله ـ، وكذلك مبنى الشيخ جعفر السبحاني في كتابه هو لزوم أخذ إذن الحاكم الشرعي في إخراج الخمس.

وهذا ما يبحث في نهاية المورد نهاية كتاب الخمس عند التطرق إلى المورد السابع وجوب تخميس أرباح المكاسب.

هذا تمام الكلام في المسألة اثنين وثلاثين.

المسألة ثلاثة وثلاثين يأتي عليها الكلام.

 


[1] مستسمك العروة الوثقى، ج9، ص501.
[2] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص158 و 159.
[3] كتاب الخمس، ص128.
[4] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص550.
[5] كتاب الخمس، ص129.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo