< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/11/09

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس التاسع والتسعون: حكم ما إذا كان حقّ الغير ثابتاً في الذمة

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى المسألة واحد وثلاثين:

<إذا كان حقّ الغير في ذمته لا في عين ماله فلا محل للخمس، وحينئذ فإن علم جنسه ومقداره ولم يعلم صاحبه أصلاً أو علم في عددٍ غير محصورٍ تصدق به عنه بإذن الحاكم أو يدفعه إليه.

وإن كان في عدد محصول ففيه الوجوه المذكورة ـ أي الأربعة المتقدمة ـ والأقوى هنا أيضاً الأخير> يعني التقسيم الذي ذهب إليه، وقد ذهبنا إلى إرضاء الجميع.

<وإن علم جنسه ولم يعلم مقداره بأن تردد بين الأقل والأكثر أخذ بالأقل المتيقن ودفعه إلى مالكه إن كان معلوماً بعينه، وإن كان معلوماً في عدد محصور فحكمه كما ذكر، وإن كان معلوماً في غير المحصور أو لم يكن علمٌ إجمالي أيضاً تصدق به عن المالك بإذن الحاكم أو بدفعه إليه.

وإن لم يعلم جنسه وكان قيمياً فحكمه كصورة العلم بالجنس إذ يرجع إلى القيمة ويتردد فيها بين الأقل والأكثر وإن كان مثلياً ففي وجوب الاحتياط وعدمه وجهان> انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

تكلمنا في المسائل السابقة في المال المختلط بالحرام إذا كان عيناً فعين المال الحلال قد اختلطا بعين المال الحرام، في المسألة الحادية والثلاثين يتطرق صاحب العروة فيما لو كان المال ديناً في الذمة ولم يكن عيناً، وقد اختلط الحلال بالحرام الذي في ذمة الشخص، فهل يجب التخميس أو لا؟

يقع الكلام في هذه المسألة في ثلاثة مقامات:

المقام الأول صور المسألة.

المقام الثاني هل تدخل هذه المسألة في مسائل الخمس أو أنها من ملحقات الخمس؟

المقام الثالث بيان حكم كل واحدة من الصور المختلفة.

المقام الأول صور المسألة، وهي أربعة:

الصورة الأولى أن يكون المالك والمال كلهما معروفين.

الصورة الثانية عكس الصورة الأولى أن يكون المالك والمال كلاهما مجهولين.

الصورة الثالثة أن يكون المال معلوماً والمالك مجهولاً.

الصورة الرابعة عكس الثالثة أن يكون المالك مجهولاً والمال معلوماً، ولم يتطرق السيد اليزدي ـ رحمه الله ـ إلى الصورة الأولى وهي معلومية المالك والمال نظراً لوضوح حكمها فإنه يجب إيصال المال المعلوم مقداره إلى مالكه الأصلي.

وأما الصورة الثانية أن يكون المال والمالك كل منهما مجهول فقد تقدم الكلام والحديث عن حكم هذه الصورة.

وأما الصورة الثالثة أن يكون المال معلوماً والمالك مجهولاً، فهنا المالك غير معلوم ومجهول إما لأنه في عدد محصور، وإما في عدد غير محصول، وإما لأنه غير معلوم أصلاً فهذه احتمالات ثلاثة في الصورة الثالثة.

وأما الصورة الرابعة وهي أن يكون المال مجهولاً والمالك معلوماً فالجهل بالمال له صور:

الصورة الأولى أن يجهل بمقدار المال بأن لا يعلم أنه دينار أو خمسة دينار.

الصورة الثانية أن يجهل جنس المال، سواء كان قيمياً أو مثلياً، قيمياً كما إذا كان لا يعلم أنه شاة واحدة أو بقرة واحدة هنا جهل بجنس المال القيمي، أو كان مثلياً كما إذا كان لا يعلم بأنه دينار أو درهم عشرة دينار أو عشرة دراهم أو حنطة أو شعير أو شكّ في كونه مثلياً أو قيمياً كالمردد بين الحنطة والشعير.

هذا تمام الكلام في المقام الأول صور المسألة.

المقام الثاني هل تدخل هذه المسألة تحت مسائل الخمس أم أنه خارجة عن مسائل الخمس ومن ملحقاتها؟

ذكر السيد الماتن السيد اليزدي ـ رحمه الله ـ أن هذه الصور ليست من مسائل الخمس، إذ قال ما نصّه:

<فلا محل للخمس>.

والوجه في ذلك: أنه لا محل لها إذ لا موضوع للخمس إذ لا يتصور الاختلاط في الأموال إذا كانت متعلقة بالذمة فلا تشملها روايات الخمس، وتكون هذه المسألة ليست من مسائل الخمس بل من ملحقات الخمس.

وهنا اختلف الفقهاء فذهبوا إلى اتجاهين:

الاتجاه الأول يرى أن تعلق المال بالذمة يشمله أيضاً عنوان المال المختلط بالحرام إذا اختلطا، فذهب إلى اتجاه الشمول الشيخ محمد حسن النجفي[1] ، والشيخ مرتضى الأنصاري[2] ، والسيد أبو القاسم الخوئي[3] ـ رحمه الله ـ، وفي مقابل ذلك وهو اتجاه عدم الشمول ذهب إليه السيد محمد كاظم اليزدي مسألة واحد وثلاثين، والشيخ آقا رضا الهمداني[4] .

فما هو وجه الشمول، ووجه عدم الشمول، وما هو الفارق والمائز بين المبنيين؟

وقد وضح السيد أبو القاسم الخوئي الفارق بينهما في كتابه[5] قائلاً:

<وهذان الوجهان مبنيان على أن الخمس في هذا القسم> أي المال المختلط بالحرام <هل هو كسائر الأقسام كالكنز والمعدن وأرباح المكاسب والكل من سنخ واحد؟ في أن هذه الموارد السبعة التي يجب تخميسها إنما هي ملك فعلي لأرباب الخمس، فالقسم الأول سهم الإمام، والقسم الثاني سهم السادة، فيملك الإمام النصف ويملك السادة النصف في جميع هذه الموارد السبعة، ولا فرق بين الكنز والمعدن وبين المال المختلط بالحرام، فإذا ثبت الخمس ثبتت الملكية الفعلية لأرباب الخمس> هذا مبنى السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ والشيخ الأنصاري وصاحب الجواهر.

المبنى الثاني لآغا رضا الهمداني وهو أن هذا القسم وهو خمس المال الحلال المختلط بالحرام يختلف عن بقية موارد الخمس كالكنز والمعدن والغنيمة، إذ أن المال المختلط بالحرام من سنخ آخر، والمناط في إثبات تخميس المال الحلال المختلط بالحرام هو تفريغ ذمة المكلف وتطهير المال الذي اختلط بالحرام، ومتى يطهر المال الحلال المختلط بالحرام؟ إنه لا يطهر بمجرد ثبوت وجوب الخمس بل يطهر متى ما تصدى لإخراج الخمس، فخارجياً إذا تصدى من بيده المال وأخرج خمس المال الحلال المختلط بالحرام يطهر المال بتعبدٍ من صاحب الشريعة وإلا فالحرام الواقعي ملكٌ لمالكه ولا شرك ولا يدخل أرباب الخمس كالسادة أو الإمام بنسبة في ملكية المال الحرام الذي هو باقٍ على ملكية مالكه الواقعي، زاد هذا المال على الخمس أو نقص.

فخمس المال الحلال المختلط بالحرام ليس ملكاً للسادة بمجرد الخلط، وليس ملكاً لهم بمجرد ثبوت وجوب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام وإن كان في موارد الغنيمة والكنز والغوص وأرباح المكاسب بمجرد ثبوت وجوب الخمس تثبت الشركة وتثبت نسبة عشرين في المئة من المال لأرباب الخمس إلا أنه في المال المختلط بالحرام مع تحقق الاختلاط ومع ثبوت وجوب الخمس يبقى وتبقى ملكية المال الحلال على ملكية مالكه، وتبقى ملكية المال الحرام يعني مال الغير على ملكية ذلك الغير، متى يتشخص الخمس؟ إذا أخرجه خارجاً عند الإخراج خارجاً تثبت ملكية أرباب الخمس.

إذاً في سائر الموارد كالكنز والمعدن والغنيمة تثبت ملكية أرباب الخمس بمجرد ثبوت وجوب الخمس لكن في خصوص المال الحلال المختلط بالحرام لا تثبت ملكية أرباب الخمس بمجرد الاختلاط بل تثبت ملكية أرباب الخمس متى ما تصدى المالك للتطهير وإخراج الخمس خارجاً.

فعلى المبنى الثاني للشيخ آقا رضا الهمداني لا يثبت الخمس لأنه ما لم يستخرج الخمس خارجاً لا خمس، والمال في الذمة، وبالتالي لا يثبت الخمس، لأنه ـ هذا الخمس ـ لم يستقر في الذمة قبل التصدي للأذى، ولم تكن الذمة مشغولة به في حال عدم الأداء، فلا يجب عليه إلا الخروج عن واقع ما اشتغلت به الذمة، وهذا بخلاف المبنى الأول الذي يرى أن خمس المال الحلال المختلط بالحرام ملاكه وسنخه كملاك سائر الموارد فالجميع من سنخٍ واحد، فالشارع جعل الخمس ملكاً لأرباب الخمس لتطهير المال، فبمجرد ثبوت الخمس في الموارد السبعة تثبت ملكية أرباب الخمس لتطهير الخمس بالولاية الشرعية.

وبالتالي لو اتلف الكنز أو الغوص أو المعدن أو المال المختلط بالحرام بعد أن ثبت فيه الخمس ففي هذه الحالة يبقى الخمس ووجوبه على ما هو عليه فإذا استظهرنا ما ذهب إليه صاحب الجواهر والشيخ الأنصاري والسيد الخوئي من أن الملاك في جميع الموارد واحد، نقول: توجد صورتان:

الصورة الأولى ما لو كان المال من البداية في الذمة، ومن الواضح حينئذٍ لا يثبت الخمس.

الصورة الثانية ما لو كان المال عينياً، واختلط بعينٍ محرمةٍ فثبت وجوب المال المختلط بالحرام ـ وجوب تخميسه ـ ثم تلف المال ووجب عليه الضمان فأصبح المال الحرام الذي اختلط بماله الحلال مضموناً عليه وفي ذمته، ففي مثل هذه الحالة يجب عليه تخميس ما في الذمة، وما ذهب إليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وجملة من الأعلام ليس ببعيد خلافاً لصاحب العروة ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ .

إذاً الصحيح هو التفصيل بين كون المال في الذمة من أول الأمر فلا يجب تخميسه وبين كون المال عيناً خارجيةً وقد اختلطت ثم تلفت وأصبحت في الذمة فحينئذٍ لا شكّ في ثبوت الخمس، والله العالم.

هذا تمام الكلام في المقام الثاني، واتضح أن المال إذا كان في الذمة يثبت فيه الخمس كما إذا كان عيناً خارجيةً.

المقام الثالث في بيان حكم الصور المذكورة.

أما حكم الصورة الأولى وهي ما إذا كان المالك والمال المتعلق بالذمة كلاهما معلومين فهذا واضح وقد تقدم الكلام عنه في وجوب إيصال المال المتشخص إلى مالكه المتشخص.

وأما الصورة الثانية وهي أن يكون المالك مجهولاً والمال أيضاً مجهولاً فقد تقدم الحديث عنه من أنه يتصدق عنه يتصدق نيابة عن صاحب المال هذا من مصاديق المال المجهول مالكه، وبالتالي يجب التصدق به نيابة عن صاحبه، والأولى الرجوع إلى الحاكم الشرعي وأخذ الإذن منه بالتصدق.

الصورة الرابعة إلى هنا أخذنا الصورة الأولى والثانية.

الصورة الثالثة إذا كان المال معلوم المقدار غير معلوم المالك هنا توجد ثلاثة فروض:

الفرض الأول تارةً يعلم به إجمالاً في عدد محصور.

الفرض الثاني يعلم به في عدد غير محصور.

الفرض الثالث لا يعلم به أصلاً ولو في عدد غير محصور.

إذا كان في عدد غير محصور فحينئذٍ يعلم باشتغال ذمته لواحدٍ منهم كما لو علم أن المال لواحد من أهل البلد الفلاني أو العائلة الفلانية أو العشيرة الفلانية ولم يعرف شخصه.

وأما صورة وفرض أنه لا يعلم به ولو في عدد غير محصور فمثاله: أن يعلم باشتغال ذمته لواحد من الناس أو واحد من البشر من دون أن يعلم أن هذا البشر من أي بلد، من أي قبيلة، فدائرة الثالث أوسع من دائرة الثاني، ودائرة الثاني أوسع من دائرة الأول.

أما الفرض الأول إذا كان المال معلوم المقدار فيجري فيه ما تقدم من الوجوه الأربعة لأن المال معلوم المقدار والعدد محصور في هذه الحالة إما أن نلتزم بالتقسيم بينهم كما ذهب إليه صاحب العروة أو نلتزم بالقرعة كمذهب إليه السيد محسن الحكيم في المستمسك أو نلتزم بالتصدق بالمال كما نسب إلى بعضهم أو نلتزم بإرضاء الجميع كما ذهب إليه المشهور، وذهب إليه السيد الخوئي، وهو ما ذهبنا إليه.

فالسيد اليزدي ـ رحمه الله ـ قوى التقسيم عملاً بقاعدة العدل والإنصاف، وقد ناقشنا ذلك، وقلنا: إن مورد قاعدة العدل والإنصاف ما لو كان المال المتنازع عليه في أيدي المتنازعين أو في يدّ واحدٍ منهم، وفي مورد بحثنا المال في يدّ أجنبية عن العدد المحصور الذين تدور ملكية المال بينهم فلا يكون مورداً لقاعدة العدل والإنصاف على مبنانا ومبنى شيخنا الأستاذ الداوري.

وأما على مبنى السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ فإن القاعدة لا تجري من أساس إلا في موارد خاصة وليس هذا من مواردها.

لكن شيخنا الأستاذ الداوري في هذا المورد ذهب إلى التفصيل بينما إذا كان المال أخذ بالعدوان وخلط بالعدوان فحينئذ يجب إرضاء الجميع ولو بالخسارة من كيسه إلا أن يبلغ درجة شديدة وكبيرة من الحرج في هذه الحالة تصل النوبة إلى القرعة لأن قاعدة لا حرج ترفع في هذه الحالة ترفع وجوب الإرضاء تصل النوبة إلى القرعة هذا الفرض الأول.

وعلى الفرض الثاني والثالث يلزم التخلية بينهم وبين المال وبهذا تتحقق براءة ذمته على تفصيل ذكره[6] .

هذا تمام الكلام في الفرض الأول.

وأما الفرض الثاني والثالث فالحكم فيهما وجوب التصدق ولا يوجد خلاف في وجوب التصدق إذ أن أقرب طرق الإيصال إيصال المال إلى مالكه وصاحبه الأصلي هو إيصال نفعه إليه، ويدل على ذلك روايتان: وهما صحيحة يونس بن عبد الرحمن، ورواية معاوية بن وهب يأتي عليهما الكلام.


[1] جواهر الكلام، ج16، ص76.
[2] كتاب الخمس، ص269.
[3] كتاب الخمس، ص155.
[4] مصباح الفقيه، ج14، ص161.
[5] المستند في شرح العروة الوثقى، ص155.
[6] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص544 و 545.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo