< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/11/07

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثامن والتسعون: تحقيق الأقوال في حكم ما لو علم قدر المال ولم يعلم صاحبه بعينه ولكن علمه في عدد محصور

 

تطرق السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في المسألة الثلاثين من العروة الوثقى إلى أربعة احتمالات بل أقوال:

القول الأول وجوب التخلص وإرضاء من يحتمل ملكيته بأي وجهٍ كان، ولو كان بدفع المال من كيسه لكلٍ منهم، من أجل تحصيل فراغ الذمة من عهدة الضمان الذي علم إجمالاً.

القول الثاني وجوب التصدق نيابة عن المالك، كما هو الحال في مجهول المالك.

القول الثالث القرعة أخذاً بإطلاق أدلتها.

القول الرابع التوزيع بين العدد المحصور بالسوية، استناداً إلى قاعدة العدل والإنصاف، وقياساً للمقدمة العلمية على المقدمة الوجودية.

واختار السيد اليزدي ـ رحمه الله ـ القول الرابع، واختياره هنا في كتاب الخمس ينافي ما اختاره في كتاب الزكاة، ففي ختام الزكاة تطرق السيد محمد كاظم اليزدي إلى مسألة ما لو علم باشتغال ذمته بمالٍ مردد بين الخمس والزكاة، فقال:

<يجب الاحتياط بالخروج عن العهدة على وجه اليقين>[1] .

لكن المحقق الخوئي ـ رحمه الله ـ ناقش صاحب العروة في تبنيه لهذا القول الرابع وانتصر للقول الأول[2] .

المناقشة الأولى للسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ للسيد اليزدي عدم تمامية قاعدة العدل والإنصاف إذ لم تثبت السيرة العقلائية ولا الشرعية، والروايات خاصة بمواردها فلا يمكن التعدي.

لكن هذا الوجه قابلٌ للمناقشة إذ أننا نقبل قاعدة العدل والإنصاف وقد تمت عندنا كما تقدم لكن مورد قاعدة العدل والإنصاف ما لو كان المال في يدّه وفرض المسألة الثلاثين أن المال ليس في يدّ العدد المعلوم إجمالاً والمحصور، وإنما المال في يدّ طرفٍ آخر فلا يكون مورداً لقاعدة العدل والإنصاف.

إذاً لا تجري قاعدة العدل والإنصاف لا لأنها ليست تامة كما أفاد المحقق الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى، بل لأن المورد ليس من مواردها فلا تجري.

المناقشة الثانية على تقدير التسليم فإنما تتم فيما لا ضمان فيه كالدرهم المردد بين شخصين في مثال الودعي ونحوه دون مثل المقام مما استقر فيه الضمان على تمام المال فإن ضمان أحد النصفين باقٍ على حاله لعدم الموجب لسقوطه بعد عدم الوصول إلى مالكه وإن كان ذلك مقدمة لإحراز وصول النصف الآخر إلى المالك، بل يجب إيصال تمام المال إلى مالكه في فرض استقرار الضمان حتى لو احتاج إلى مقدمة خارجية كأجرة الحمل فضلاً عن المقدمة العلمية.

إذاً الاحتمال هذا الاحتمال الرابع ضعيف، والعمدة فيه أن هذا المورد ليس من موارد جريان قاعدة العدل والإنصاف.

وأما القول الثاني وهو التصدق بالمال نيابة عن مالكه لاندراجه تحت عنوان مجهول المالك فهذا القول أضعف الأقوال لأن روايات مجهول المالك تختص بالمجهول المطلق الذي لا يمكن إيصال المال إليه بوجهٍ كما لو لم يكن يعرفه، أو كان يعرفه لكن لا يمكن إيصال المال إليه كما ورد فيمن وجد بضاعة شخصٍ في متاعة في طريق مكة بعد الانفصال وعدم إمكان إيصال المال إليه، فقد ورد الأمر بالتصدق عنه[3] .

فروايات التصدق بالمال المجهول مالكه لا تشمل مثل المقام، أولاً الشبهة محصورة، وثانياً يمكن إيصال المال إليهم، فهنا ما دام يمكن إيصال المال إليهم ولو بالتسوية أو الاحتياط لا تصل النوبة إلى ماذا؟ إلى التصدق بمجهول المالك.

وأما القول الثالث وهو وجوب القرعة، فإن روايات القرعة لا تشمل المقام لاختصاص موضوع روايات القرعة بالأمر المشكل أي الحكم الذي لم يتضح فيه التكليف الواقعي أو الظاهري، فإذا لم يتشخص لا التكليف الواقعي ولا التكليف الظاهري تكون القرعة لكل أمرٍ مشكل، وفي مورد بحثنا وإن لم يتشخص الواقع لكن يمكن تشخيص الحكم الظاهري فبعد العلم بوجوب الضمان وتردد المالك بين محصورٍ فبمقتضى العلم الإجمالي يجب الخروج عن العهدة بإرضاء المالك المعلوم ولو في ضمن عددٍ محصور.

إذاً العلم الإجمالي بوجود المالك ضمن عدد محصور يقتضي وجوب الاحتياط بإرضاء هذه الأطراف المحصورة، لإفراغ الذمة من وجوب الضمان، ومع إمكان الإرضاء ومع إمكان إيصال المال إلى العدد المحصور لا يكون الأمر مشكلاً حتى تجري قاعدة القرعة.

وقد أشكل على ذلك بأن الاحتياط بإرضاء جميع الأطراف يستلزم الضرر على من بيده المال فلا يجب الإرضاء بمقتضى دليل نفي الضرر، إذ أنه لو لم يرضى من دارت بينهم الشبهة بحيث كل واحد طلب مالاً كثيراً بحيث هذا الدافع يدفع من كيسه ما يوجب خسارته فهذا ضررٌ يدخل عليه فتشمله قاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.

لكن قاعدة لا ضرر لا تجري في هذا المورد إذ أن مورد جريان قاعدة لا ضرر نفي الضرر الواقعي لا الظاهري وهنا يوجد حكمٌ واقعي وهو يجب على المكلف الضامن إيصال المال إلى مالكه وهذا الحكم الواقعي وهو الحكم بوجوب إيصال المال إلى مالكه ليس فيه ضررٌ إنما الضرر يترتب على إحراز الوصول إلى المالك، والعقل حينئذٍ يحكم بوجوب الاحتياط نظراً لتنجيز العلم الإجمالي، فالحكم بوجوب إرضاء جميع الأطراف منشأه عقلي وهو منجزية العلم الإجمالي، وهذا حكمٌ ظاهري وليس حكماً واقعياً وقاعدة لا ضرر إذ تقول: لا ضرر أي لا يوجد حكمٌ ضرري في الإسلام أي لا يوجد حكمٌ واقعي في الإسلام يلزم منه الضرر.

ثم نظر السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ مثالاً لتقريب المطلب، قال:

لو كان عنده أواني عديدة وفيها الدهن والعسل والزيت ونحوها من الأموال الثمينة وقد علم بنجاسة إحدى الأواني إجمالاً، فإنه لا ريب أن الاجتناب عن الجميع موجبٌ لضرر ولكن هذا الضرر إنما نشأ عن الاحتياط اللازم من أجل حكم العقل بتنجيز العلم الإجمالي، وأما الاجتناب عن نفس النجس الواقعي الموجود في البين فلا ضرر فيه، بل الموجب له ضم سائر الأفراد فما هو الحكم الشرعي لا ضرر فيه، وما فيه الضرر لم يكن حكماً شرعياً، وعليه فقاعدة الضرر لا مجال لها في المقام أبداً.

وإن احتمل شيخنا الأستاذ الداوري بل جزم أن قاعدة لا ضرر كما تجري في الحكم الواقعي تجري أيضاً في الحكم الظاهري.

لكن لعله الظاهر من لسان روايات قاعدة لا ضرر أنها ناظرة إلى الحكم الواقعي لا الحكم الظاهري، لا ضرر في الإسلام، لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، أي الإسلام الواقعي.

إلى هنا تم الكلام في أدلة القول الثاني والثالث والرابع واتضح أنها ليست تامة، يبقى الكلام في القول الأول وهو لزوم إرضاء من يحتمل ملكيته بأي وجهٍ تام ولو بإعطاء كل واحدٍ المقدار المعلوم، فهذا القول هو الصحيح خصوصاً إذا كانت اليدّ يدّ عدوان وغصب، فإن الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال، فإذا كانت يده يدّ عدوان وغصب وجب عليه أن يرضيهم ولو كان بأن يدفع من كيسه.

وأما إذا لم تكن يده يدّ عدوانيه وكانت يده يدّ أمانيه فاختلط المال أو كان الذي خلطها يدٌّ ثالثة ولا دخل له في ذلك فحينئذٍ يسعى لإرضائهم ولو بإدخال الحكم الشرعي وتوسيطه لإرضاء الجميع، والله العالم.

طبعاً مقتضى الاحتياط هو إرضاء الجميع، هذا تمام الكلام في المسألة الثلاثين وقد أطال في بحثها شيخنا الأستاذ الداوري ولا داعي لإطالة الكلام فيما أفادة ـ حفظه الله ـ ويكفي ما ذكره السيد الخوئي[4] ـ رحمه الله ـ .

المسألة واحد وثلاثين يأتي عليها الكلام.


[1] شرح العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي، موسوعة الإمام الخوئي، ج24، ص309.
[2] المستند في شرح العروة الوثقى، ج25، من موسوعة الإمام الخوئي، كتاب الخمس، ص151.
[3] وسائل الشيعة، ج25، ص450، الباب7، من كتاب اللقطة، الحديث 2.
[4] المستند في شرح العروة الوثقى، ص150 إلى ص153.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo