< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/10/24

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثاني والتسعون: اشتراط إذن المجتهد الجامع للشرائط في التصدق بالمال الذي علم مقداره ولم يعلم مالكه

 

ذكرنا في الصورة الثانية وهي المال الحلال المختلط بالحرام الذي علم مقداره لكن لم يعلم ولم يشخص مالكه أن الصحيح في هذه الصورة الثانية هو التصدق لا التخميس، فهل يجوز التصدق نيابة عن صاحب المال مباشرة أم أنه يشترط إذن الحاكم الشرعية في هذا التصدق إذ أن صاحب المال الحلال الذي اختلط بالحرام لا ولاية له على مال الغير فكيف يتصرف في معنى الغير بتقسيمه وإخراجه صدقة عن مالكه من دون إذن صاحبه الأصلي.

الأقوى اشتراط إذن الحاكم الشرعي في التصدق بهذا المال نيابة عن صاحبه لأن الظاهرة من بعض الروايات أن المال الذي لم يعرف صاحبه يرجع أمره إلى الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ كما في معتبرة داوود ابن أبي يزيد عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ قال:

<قال: رجلٌ إني أصبت مالاً وإني قد خفت فيه على نفسي ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلصت منه.

قال: فقال أبو عبدالله ـ عليه السلام ـ : والله لو أصبته كنت تدفعه إليه؟.

قال: أي والله. قال: فأنا والله ما له صاحبٌ غيري.

قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره.

قال: فحلف.

فقال: فاذهب فاقسمه في إخوانك ولك الأمن مما خفت منه.

قال: فقسمته بين إخواني>[1] .

والمستفاد من هذه الرواية أن المال الذي لا يعرف صاحبه يكون صاحبه نفس الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ لا بمعنى أنه ملكٌ شخصي للإمام المعصوم ولو كان ملكاً شخصياً للإمام المعصوم لقبض واستلمه، وإنما المراد أنه يؤول التصرف في مثل هذا المال إلى الإمام المعصوم من جهة مقام الولاية.

وهناك قرائن في هذه الرواية تدل على أن المال يرجع إلى الإمام المعصوم من جهة ولايته على المال لا من جهة أنه المالك الحقيقي والشخصي للمال الذي لا يعرف صاحبه.

فمن القرائن تأمين الإمام له حينما قال له: <ولك الأمن مما خفت منه> أي أن الإمام حينما يتصرف ويأذن بمقتضى ولايته تفرغ ذمة المكلف الذي وقع المال الذي لا يعلم صاحبه بين يديه.

ومن القرائن استحلاف الإمام للرجل أن يدفع المال إلى صاحبه ولو كان ملكاً للإمام ـ عليه السلام ـ لما استحلفه وما كان لزوم أن يستحلفه.

فباعتبار أن أمر المال بيد الإمام المعصوم لمكان ولايته جاز التصرف في هذا المال بعد إذن الإمام ـ عليه السلام ـ فإذا كان المال المتميز والمتشخص إذا لم يعرف صاحبه فأمر المال بيد الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ فكيف بالمال الذي لم يتشخص ولم يعرف صاحبه فهذا من باب أولى.

اذا الرواية تامة الدلالة على اشتراط إذن الإمام المعصوم أو نائبه وهو الحاكم الشرعي في التصرف في المال.

هذا تمام الكلام من جهة دلالة الرواية.

وأما من جهة سند الرواية فقد بطريقين:

الأول طريق الكليني وفيه موسى بن عمر وهو مشترك بين موسى بن عمر بن يزيد وموسى بن عمر بن بزيع، وكل منهما مشهورٌ وله كتاب.

أما ابن بزيع فقد وثقة الشيخ النجاشي[2] .

لكن ابن يزيد لم يرد فيه توثيق وقد وثقة السيد أبو القاسم الخوئي بناءً على وروده في كتاب كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه[3] ، والسيد الخوئي يبني على وثاقة مشايخ ابن قولويه في كامل الزيارة لكننا لا نقبل هذا المبنى فلا يمكن توثيق موسى بن عمر بن يزيد بناءً على كبرى كامل الزيارة.

نعم، يمكن توثيقه بناءً على أنه من مشايخ محمد بن أحمد بن يحيى في كتاب نوادر الحكمة ولم يستثنى فهو ثقة[4] وقد وثقة شيخنا الأستاذ مسلم الداوري[5] ونحن نقبل مبنى نوادر الحكمة كما قبله شيخنا الأستاذ الداوري فيمكن تصحيح هذا الطريق الأول للرواية.

والظاهر من حيث الطبقة بقرينة رواية سعد أن المراد به موسى بن عمر بن يزيد وهذا الطريق فالرواية معتبرة بهذا الطريق لكن قد يضعفها البعض إذا لم يقبل مبنى كامل الزيارات ومبنى نوادر الحكمة.

الطريق الثاني طريق الشيخ الصدوق وقد رواها بإسناده عن الحجال عن داوود ابن أبي يزيد لكن الشيخ الصدوق الذي بدأ السند بالحجال لم يذكر سنده إلى الحجال في مشيخة من لا يحضره الفقيه فيكون طريق الصدوق إلى الحجال مجهولاً في مشيخة الفقيه.

والحجال هو الله بن محمد الأسدي الثقة.

نعم، ذكر الصدوق طريقه إلى داوود ابن أبي يزيد الذي روى عنه الحجال، وهذا الطريق لا يثبت أنه طريق الصدوق إلى الحجال.

ولكن إذا رجعنا إلى كتاب الفهرست للشيخ الطوسي[6] نجد أن الشيخ الطوسي ذكر طريق الصدوق إلى كتاب الحجال فالصدوق روى كتاب الحجال عن أبيه عن علي بن حسن بن علي الكوفي عن أبيه عن الحجال وهذا الطريق معتبر فيمكن تصحيح الرواية بناءً على طريق الصدوق إلى الحجال الوارد في فهرست الشيخ الطوسي وإن لم يذكر الشيخ الصدوق طريقه إلى الحجال في مشيخة الفقيه.

نعم، يظهر من النجاشي ـ رحمه الله ـ أن كتاب الحجال من الكتب المعروفة المشهورة[7] .

وشيخنا الأستاذ الداوري يبني على أنه إذا كان الكتاب مشهوراً ومعروفاً بين الطائفة فإنه لا يحتاج إلى الطريق لأن معرفة الطريق إنما هي لإثبات صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه فمثلاً كتاب الاختصاص للشيخ المفيد اختلف في نسبته إلى الشيخ المفيد، ولكي نثبت نسبة كتاب الاختصاص إلى الشيخ المفيد فإننا نحتاج إلى الطريق، وأما كتاب الإرشاد وأن الشيخ المفيد قد كتب كتاب الإرشاد أو المقنعة فهذا مشهور ومعروف فلا نحتاج إلى طريق وسندٍ إلى الكتاب لكي نثبت أن كتاب المقنعة أو كتاب الإرشاد هو للمفيد.

ولكننا لا نقبل مبنى شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ فشهرة الكتاب لا تعني شهرة نسخ الكتاب فقد يكون الكتاب مشهوراً إلا أن نسخه متعددة فنحتاج إلى طريق لإثبات النسخ المتعددة دونك ترجمة العلاء بن رزين في كتاب الفهرست للشيخ الطوسي فعلى الرغم من شهرة كتاب العلاء بن رزين إلا أن الشيخ الطوسي قد ذكر أربع طرق لأربع نسخ من كتاب العلاء بن رزين.

فشهرة الكتاب لوحدها لا تغني عن السند إلا إذا بلغ من الشهرة مبلغاً كبيراً كالكتب الأربعة بحيث أن حتى النسخ المختلفة أصبحت مشهورة فحينئذٍ لا نحتاج إلى الطريق.

والظاهر أن الشيخ الصدوق نقل الرواية من نفس كتاب الحجال فمن هذه الجهة يحكم باعتبار الرواية سنداً كما أنها ظاهرة دلالةً.

هذا تمام الكلام في الرواية الأولى التي دلت على اشتراط إذن الإمام أو نائبه في جواز التصدق بالمال المجهول مالكه نيابة عن صاحبه الأصلي.

الرواية الثانية صحيحة يونس بن عبد الرحمن قال: <سئل أبو الحسن الرضا ـ عليه السلام ـ وأنا حاضر. قال: إذا كذا ـ أي لم يعرف صاحبه ـ فبعه وتصدق بثمنه. قال له: على من جعلت فداك؟ قال: على أهل الولاية>[8] .

وظاهر هذه الرواية يدل على إذن الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ في التصرف في مال الغير ببيعه والتصدق بثمنه على أهل الولاية وهذا الإذن إنما هو من مقام ولاية الإمام ومقام الإمامة.

إذاً قول المشهور وهو التصدق مع إذن الحاكم الشرعي هو الصحيح وهو الأقوى.

ولو تنزلنا وقلنا لم ينهض دليل على اشتراط اعتبار الإذن لكننا نقول أنه أحوط بلا إشكال لأنه تصرف في مال الغير بدون إذنه والأصل عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنه إلا مع إذن الولي وهو الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ فمع عدم التمكن من تحصيل إذن المالك الأصلي يرجع في تحصيل الإذن إلى الإمام المعصوم وإن لم يتوفر فنائبه وهو الحاكم الشرعي هذا هو مقتضى الاحتياط.

وقد ذهب السيد الماتن إلى الاحتياط قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ ما نصّه:

<وأما إن علم المقدار ولم يعلم المالك تصدق به عنه والأحوط أن يكون بإذن المجتهد الجامع للشرائط> هذا احتياط وجوبي.

هذا تمام الكلام في الصورة الثانية.

واتضح أنه في الصورة الأولى إذا لم يعلم مقدار المال ولم يعلم صاحب المال وجب التخميس ومصرفه موارد الخمس، واتضح في الصورة الثانية أنه إن تشخص مقدار المال لكن لم يعرف صاحب المال وجب التصدق بإذن الحاكم الشرعي، يبقى الكلام في الصورة الثالثة وهي عكس الصورة الثانية.

الصورة الثالثة إذا علم بصاحب المال وجهل بمقدار المال، فما هو الحكم؟

قال السيد محمد كاظم اليزدي ما نصّه:

<ولو انعكس بأن علم المالك وجهل المقدار تراضيا بالصلح ونحوه، وإن لم يرضى المالك بالصلح ففي جواز الاكتفاء بالأقل أو وجوب إعطاء الأكثر وجهان، الأحوط الثاني والأقوى الأول إذا كان المال في يدّه>.

تفصيل المسألة:

الصورة الثالثة إذا كان المالك معلوماً ومقدار ما له مجهولاً إما مجهول بشكلٍ مجمل، وإما بشكلٍ مفصل فهنا حالات:

الحالة الأولى أن يكون المال في يده.

الحالة الثانية أن يكون المال في يدّ أجنبي.

الحالة الثالثة أن لا يكون المال في يدّ أحد.

وفي الحالة الأولى أن يكون المال في يده، توجد ثلاث صور:

الصورة الأولى أن يكون من موارد الاشتباه بين الأقل والأكثر بالامتزاج كامتزاج السمن في السمن والدهن في الدهن.

الصورة الثانية أن يكون الاشتباه بالاختلاط كاختلاط الدينار بالدنانير ولا يتعين شخص ديناره.

الصورة الثالثة أن يكون الاختلاط بالتباين كاشتباه الشاة مع المعز، فهل له شاة أو ماعز؟.

ففي هذه الصور الثلاث لما إذا كان المال بيده إما أن يمكن إيقاع المصالحة بينهما وإما لا، فإن أمكن التصالح بين صاحب المال ومن كان المال بيده فهذا هو المطلوب، وإن لم يتصالحا فما هو الحكم؟ توجد أقوال أربعة:

القول الأول وجوب دفع الأقل مطلقاً، وهو المنسوب إلى جماعة منهم ظاهر السيد محمد العاملي في مدارك الأحكام[9] .

الثاني وجوب دفع الأكثر مطلقاً، ونسب إلى جماعة منهم المحقق آقا رضا الهمداني[10] .

الثالث وجوب دفع الخمس فقط وإن احتمل الزيادة أو النقيصة، وهو قول العلامة الحلي في تذكرة الفقهاء[11] .

الرابع ووجوب التصالح ولو إجباراً كما في جواهر الكلام عن جماعة[12] ، بأن يعطى المتيقن لصاحبه ويعين المشكوك بالقرعة أو غير ذلك.

وقد ذهب السيد الماتن وهو السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى إلى القول الأول وأن الأقوى أنه إذا كان المال بيديه أن يكتفي بدفع الأقل وإن كان دفع الأكثر أحواط استحباباً.

هذا تمام الكلام في بيان الأقوال الأربعة.

إلا أن السيد أبو القاسم الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى[13] قد ذهب إلى التفصيل بينما إذا كان المال في يده وكان الاشتباه بين الأقل والأكثر فما ذكره السيد الماتن هو الصحيح من وجوب دفع الأقل، وبينما إذا كان الاختلاط من جهة المتباينين أو كان المال ليس تحت يده فيرجع حينئذ إلى القرعة.

هذا تمام الكلام في بيان الأقوال الأربعة في المسألة.

يبقى الكلام في بيان أدلة الأقوال الأربعة وتشخيص الصحيح منها، وهذا ما يأتي عليه الكلام.

 


[1] وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج25، ص450، الباب7 من أبواب اللقطة، الحديث 1.
[2] الفهرست، ص409، الترجمة 1089.
[3] ص20.
[4] الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج3، ص206، الحديث 525.أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق، الشيخ الداوري، ج1، ص241.
[5] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص501.
[6] ص293، ترجمة 439.
[7] رجال النجاشي، ص526، ترجمة 595.
[8] وسائل الشيعة، ج25، ص450، الباب7 من أبواب اللقطة، الحديث 2.
[9] ج5، ص388.
[10] مصباح الفقيه، ج14، ص178.
[11] ج5، ص422.
[12] جواهر الكلام، ج16، ص75.
[13] كتاب الخمس، ج25، ص145.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo