< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/10/23

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الواحد والتسعون: الصورة الثانية إن علم مقدار المال المختلط بالحرام ولم يعلم المالك

 

انتهينا بحمد الله عز وجل من الصورة الأولى بكلا جهتيها، والصورة الأولى ما إذا كان مقدار المال مجهولةً وأيضاً يكون المالك مجهولة، فالجهة الأولى وهو حكم المسألة وجوب التخميس، والجهة الثانية مصرف الخمس هو وجوه مصرف الخمس الاصطلاحي.

الصورة الثانية إذا كان مقدار المال معلوماً لكن مالكه مجهولاً، فما هو الحكم؟ توجد أقوال ثلاثة[1] على ما نقله صاحب الحدائق الناظرة ـ رحمه الله ـ :

القول الأول التصدق مطلقاً بكل ما يعلم من قليل أو كثير، وقد استظهر الشيخ الأعظم الأنصاري أن وجوب التصدق مورد اتفاق الأصحاب من غير خلاف[2] .

ولا شبهة في أن التصدق هو رأي المشهور كما ورد في عبارة المحقق الثاني الشيخ علي بن عبد العال الكركي[3] ـ رحمه الله ـ.

القول الثاني التخميس مطلقاً سواءً كان المعلوم أقل من الخمس أو أكثر من الخمس وهو مختار الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناظرة[4] .

القول الثالث التخميس ثم التصدق بالباقي إن كان المال المعلوم أكثر من مقدار الخمس.

هذا تمام الكلام في بيان الأقوال في المسألة.

تحقيق المسألة وبيان الرأي المختار وسيتضح إن شاء الله تعالى أن الصحيح ما ذهب إليه المشهور المنصور من وجوب لتصدق مطلقاً وهو موافق لعبارة صاحب العروة الوثقى إذ قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ ما نصّه:

<وأما إن علم المقدار ولم يعلم المالك تصدق به عنه>.

ولنشرع في ردّ القول الثالث ثم الثاني وننصر القول الأول.

أما القول الثالث وهو التخميس والتصدق بالزائد فلا يمكن الالتزام به بل لم نعرف قائلاً به وإن نسب الشيخ يوسف البحراني وحكى هذا القول عن بعضهم.

لأننا إن قلنا إن أدلة وجوب تخميس المال المختلط بالحرام تشمل مورد بحثنا وهو المال المعلوم لكن المجهول صاحبه ففي هذا الحال يجب تخميس هذا المال ويحل للباقي وهو الأربعة أخماس إذ دلت الروايات على أن المال يحل بإخراج الخمس وهذا صريح موثقة السكوني وظاهر صحيحة عمار بن مروان فلا معنى للتصدق بالزائد عن الخمس بعد أن حل الزائد عند إخراج خمس المال الحلال المختلط بالحرام.

وإن قلنا إن أدلة وجوب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام مختصة بخصوص المال المجهول والمالك المجهول كما هو الحال في الصورة الأولى ولا يشمل الصورة الثانية فيما إذا كان المال معلوماً ومتشخصاً فحينئذ لا معنى للقول بوجوب الخمس في هذا المال إذ أن أدلة وجوب الخمس لا تشمله.

فهذا القول لا دليل عليه كما أن القائل به مجهول لدينا فيدور الأمر بين القول الأول وهو التصدق مطلقاً وهو مذهب المشهود وبين القول الثاني وهو التخميس مطلقاً وهو قول الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناظرة.

وقد ذكر الشيخ يوسف البحراني ـ رحمه الله ـ في الحدائق أن نصوص التصدق تختص بالمال المجهول المالك المعين والمميز ولا تشمل المال المختلط فلو علم أن عشرة دنانير من مئة دينار ليست له وإنما لغيره فهذا يعني أن ماله قد اختلط بمال غيره، ويرى الشيخ يوسف ـ رحمه الله ـ أنه في هذه الحالة هذه العشر الدنانير بما أنها متميزة ومتشخصة تشملها أدلة وجوب التصدق لأن أدلة وجوب التصدق واردة في خصوص المال المتميز والمعلوم والمتشخص دون المال المختلط الذي لا يعلم فيه مقدار الحلال من الحرام.

وما ذكره صاحب الحدائق ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ ليس ببعيد فإذا رجعنا إلى روايات التصدق سنجد أن أكثرها واردٌ في خصوص المال المتميز والمتشخص فأغلب هذه الروايات وردت في الدين أو الأمانة التي تبقى عنده ويذهب المالك ولا يرجع ولا شكّ أن المال متميز حينئذٍ أو كان الشخص أجيراً قد مضى ولا يعرفه وهنا الأجرة متشخصة ومتميزة[5] .

كما أن بعض الروايات وردت فيمن وجد متاع شخص عنده قد ذهب إلى بلده ولا يعرفه كما هو مورد صحيحة يونس بن عبد الرحمن التي تضمنت الأمر ببيعه والتصدق بثمنه[6] .

نعم، هناك رواية واحدة لا يبعد إطلاقها فهي تشمل المال والمال المختلف وهي رواية علي بن أبي حمزة الواردة في رجلٍ كان يعمل عند بني أمية وأصاب مالاً كثيراً منهم قد أغمض في مطالبه، وقال له الإمام ـ عليه السلام ـ : <إذا أمرك تطعني؟> قال: نعم. قال: <أخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم، ورد المال الذي تعرفه إلى من تعرف صاحبه، وأما المال الذي لا تعرف صاحبه فتصدق به عنه>[7] .

فإنه من البعيد جداً أن يكون هذا الشخص عارفاً بجميع أمواله وأصحابها الأصليين بحيث يعرف شخص الأموال التي تكون لغيره فبطبيعة الحال أكثرها نقود مختلطة فبعضها يعرف مالكه وبعضها لا يعرف مالكه لكن الإمام ـ عليه السلام ـ أعطى له الولاية بإعطاء من يعلم بمقدار ما يعلم والتصدق بالمال الذي لا يعلم صاحبة ولا يعرفه.

لكن هذه الرواية ضعيفة السند جداً ففي سندها إبراهيم بن إسحاق النهاوندي وهو ضعيفٌ فلا يعتمد عليها فتكون العبرة بغيرها من الروايات وأهمها صحيحة يونس وهي خاصة بخصوص المال المتميز ولا تشمل المال المختلط.

إذاً دعوى صاحب الحدائق الناظرة ـ رحمه الله ـ من أن روايات التصدق بالمال المجهول مالكه عن صاحبه الأصلي خاصة بخصوص المال المتميز ولا تشمل المال المختلط تامةٌ لا غبار عليها إلا أن اختصاص روايات التصدق بخصوص المال المتميز أو تعميمها للمال المتميز والمال المختلط لا أثر له في مورد بحثنا لأننا نسأل هل روايات وجوب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام كصحيحة عمار بن مروان وموثقة السكون تشمل المال المتميز أو لا تشمل المال المتميز؟ فهنا صورتان:

صورة الشمول وصورة عدم الشمول.

فإذا بنينا على أن روايات تخميس المال المختلط بالحرام تشمل صورة بحثنا وهي صورة العلم بالمقدار فلا يفرط في ذلك بين كون نصوص روايات وجوب التصدق مطلقة أو خاصة.

فإن قلنا بما قاله صاحب الحدائق ـ رحمه الله ـ من أن روايات وجوب التصدق خاصة بخصوص المال المتميز وهو مورد بحثنا، وقلنا إن روايات وجوب التخميس تشمل موردنا ففي هذه الحالة يثبت وجوب التخميس، وروايات وجوب التصدق لا تنفي وجوب التخميس.

وإن قلنا إن روايات وجوب التصدق مطلقة تشمل المال المتميز والمال المجهول فغايته تكون روايات وجوب التخميس مقيدة لهذا الإطلاق سنلتزم بأنه المال المجهول مالكه يجب التصدق عن صاحبه مطلقاً إلا في خصوص المورد الذي يكون المال قد علم مقداره لكن جهل صاحبه ففي هذه الحالة يجب التخميس تصبح أدلة ووجوب تخميس المال بالحرام مقيدة لإطلاق روايات وجوب التصدق.

إذاً كون روايات وجوب التصدق مطلقة وقد أنكر الإطلاق صاحب الحدائق أو خاصة بخصوص المال المتميز والمعلوم لا يغير من نتيجة البحث لأن أصل البحث في أن أدلة وجوب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام هل هي مطلقة تشمل المال المتميز والمال المختلط غير المتميز؟ أو هي تختص بخصوص المال المختلط غير المتميز ولا تشمل المال المتميز؟ هذا هو لبّ البحث.

ومن الواضح والظاهر أن أدلة وجوب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام لا تشمل المال المتشخص والمعلوم، وقد ذكر السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ مثالاً وجدانياً واضحاً[8] إذ قال ـ قدس سره ـ ما نصّه:

<إذ لا يكاد يحتمل وجوب التخميس على من يعلم بوجود دينارين محرمين في ضمن عشرة آلاف من دنانيره المحللة كما لا يكاد يحتمل الاكتفاء بالتخميس> لمن يعلم طبعا هذا يكاد عبارة الشهيد مرتضى البروجردي أفغاني أو قريبين من الأفغان عندهم ولكن السيد الخوئي في تقرير السيد مجتبى الرودباري ما موجود.

عموماً <كما لا يكاد يحتمل الاكتفاء بالتخميس لمن يعلم بوجود دينار أو دينارين محللين قد اختلطا في ضمن عشرة آلاف من الدنانير المغتصبة بحيث يحله الباقي بعد أداء خمس المجموع ولا سيما إذا كان متعمداً في الخلط للتوصل إلى هذه الغاية فإن هذا لعله مقطوع البطلان بضرورة الفقه، ولو لم يكن مدلولاً للرواية بوجه>.

إنصافاً هذا مثال عرفي واحد عنده مليون دينار حرام يجعل معاها دينار واحد حلال، ثم يقول: أنا أخمس المليون دينار اطلع المئتين ألف حتى يحل المليون أو بالعكس مليون دينار حلال وفيه دينار واحد معلوم أنه حرام لابدّ أن يخمسه هذا مقطوع البطلان.

فالأقوى عدم شمول أدلة وجوب تخميس المال المختلط بالحرام، وهذه الأدلة في حدّ أنفسها قاصرة عن الشمول للمال المتميز والمتشخص بل الظاهر من معتبرة السكوني ومعتبرة عمار بن مروان أن مقدار الحلال والحرام مشكوك من أول الأمر فلا يدري مقدار الحلال من مقدار الحرام، مما يعني أن الشخص في جهل مطبق ومطلق من حيث المقدار.

إذا معلوم المقدار غير مشمول لأخبار التخميس بوجههٍ.

إلى هنا بحثنا أدلة وجوب التخميس واتضح أن أدلة وجوب التخميس لا تشمل مورد بحثنا فهي خارجة تخصصاً لا تخصيصاً.

ثم يأتي البعض في أدلة وجوب التصدق فإما أن نقول أنها عامة ومطلقة تشمل المال المتميز والمعلوم والمال غير المتميز، وإما أن نقول أنها تختص بخصوص المال المتميز كما ذهب إلى ذلك صاحب الحدائق ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ .

ومن الواضح في هذه الروايات أن الإمام المعصوم قد أعطى المالك ولاية التصرف بحيث يتصدق عن صاحبه، وقد دلّ على ذلك ما جاء في صحيحة يونس <بعه وتصدق بثمنه على أهل الولاية>[9] .

وجاء في رواية داوود ابن أبي يزيد <فأقسمه في إخوانك>[10] .

فإذا كان المال للغير فكيف يجوز له أن يقسمه في إخوانه بدون إذن الغير وبدون ولاية فهذه الروايات دلت على أن ولي الأمر وهو الإمام المعصوم قد أجاز تقسيم المال وأجاز إيصال المال إلى صاحبه ولو بالتصدق ببدله وهو الثمن.

على أنه لو قطعنا النظر عن ذلك وقلنا بأن روايات وجوب التصدق تختص بخصوص المال المتميز دون المال غير المتميز إلا أنه أيضاً يمكن تعيين المخلوط بالرجوع إلى الحاكم الشرعي وهو الفقيه العادل الجامع للشرائط أو وكيله ولا أقل عدول المؤمنين فلهم ولاية على المال المجهول المالك، إذ أنه لا يمكن أن نلتزم أنه بمجرد الاختلاط لا يجوز التصرف في المال لأنه يدور الأمر بين أمرين:

الأول ترك المال على حاله، وهذا يجعله في معرض التلف بمرور الزمن.

المورد الثاني أن يتملك أو يتصدق به، وحيث لم يدل الدليل على جواز تملكه كما دلّ في بعض موارد الصدقة إذا كانت قليلة وأنه يجوز تملكها فإذا لم يدل الدليل على جواز التملك يتعين وجوب التصدق عن صاحب المال لأنه يدور الأمر بين إتلاف المال أو تملكه أو التصدق به عن صاحبه.

ولا شكّ ولا ريب أنه يجب إيصال المال إلى مالكه ولا ريبّ أن أقرب طرق وصول المال إلى مالكه هو التصدق نيابة عنه بإذن الحاكم الشرعي فما ذكره المشهور من وجوب التصدق هو الأقوى.

هذا تمام الكلام في الصورة الثانية واتضح أن الصحيح فيها هو مذهب المشهور من وجوب التصدق لا مذهب الشيخ يوسف البحراني ـ رحمه الله ـ من وجوب التخميس.

نعم، هل وجوب التصدق يشترط فيه إذن الحاكم الشرعي الجامع للشرائط أم لا؟ هذا ما سيأتي عليه الكلام.

 


[1] الحدائق الناظرة، ج12، ص364.
[2] كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، من ص248 إلى ص252.
[3] جامع المقاصد، ص15 و 16.
[4] ج12، ص364.
[5] وسائل الشيعة، ج26، ص296، الباب6 من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه.
[6] وسائل الشيعة، ج25، ص450، الباب7 من كتاب اللقطة، الحديث 2.
[7] وسائل الشيعة، ج17، ص199، الباب47 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.
[8] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ج25، ص136.
[9] الوسائل، ج25، ص450، الباب7 من كتاب اللقطة، الحديث 2.
[10] الوسائل، ج25، ص450، الباب7 من كتاب اللقطة، الحديث 1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo