< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/10/22

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس التسعون: القول الثاني عدم وجوب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام

 

ويمكن أن تدل عليه بوجهين:

الأول التمسك بالأصل، وهو أصالة البراءة الشرعية، مع عدم نهوض الروايات المتقدمة لرفع اليدّ عن الأصل، فإذا لم يمكن التمسك بالروايات الدالة على وجوب نخميس المال الحلال المختلط بالحرام إما لضعفها سنداً أو دلالةً أو سنداً ودلالةً فحينئذ إذ إذا لم ينهض الدليل الاجتهادي تصل النوبة للدليل الفقاهة وهو أصالة البراءة الشرعية ومقتضاها عدم ووجوب تخميس المال الحلال بالحرام.

وفيه الأصل أصيل حيث لا دليل وحيث قد قام الدليل فإلى الأصل لا نميل، وقد أن بعض الروايات تامة سنداً ودلالةً فلا تصل النوبة إلى التمسك بأصالة البراءة، وعمدة الأدلة روايتان:

الأولى صحيحة عمار بن مروان، والثانية موثقة السكوني، فهاتان الروايتان هما العمدة في الاستدلال على وجوب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام.

الوجه الثاني قد ورد في مقابل الروايات الدالة على التخميس روايات تدل على نفي وجوب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام فهي تدل على جواز التصرف في المال إذا لم يعرف الحرام بعينه، ونذكر ثلاث روايات:

الرواية الأولى صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: سألته عن الرجل منا يشتري من السلطان من إبل الصدقة، وغنم الصدقة، وهو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم. فقال: <ما الإبل إلا مثل الحنطة والشعير وغير لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه>[1] .

الرواية الثانية موثقة إسحاق بن عمار قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل وهو يظلم، قال: <يشتري منه ما لم يعلم أنه ظلم فيه أحدا>[2] .

الرواية الثالثة ما ورد المال المخلوط بالربا كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ قال: أتى رجل إلى أبي ـ عليه السلام ـ فقال: إني ورثت مالاً، وقد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي، وقد عرف أن فيه رباً واستيقن ذلك، وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه، وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز، فقالوا: لا يحل أكله من أجل ما فيه. فقال له أبو جعفر ـ عليه السلام ـ : <إن كنت تعلم بأن فيه مالاً معروفاً رباً وتعرف أهله فخذ رأس مالك ورد ما سوى ذلك، وإن كان مختلطاً فكله هنيئاً فإن المال مالك واجتنب ما كان يصنع صاحبه>[3] .

وقد ناقش شيخنا الأستاذ الداوري[4] في هذه الروايات بمناقشتين.

أما رواية الشراء ممن يجب الزكاة ففيها:

أولاً أنها أجنبية عن محل الكلام لعدم العلم الإجمالي بوجود الحرام فيما يشتريه من العامل أو السلطان لاحتمال أن يكون ما اشتراه حلالاً لا ظلم فيه.

وثانياً على فرض الإطلاق وشموله لموارد العلم الإجمالي فيمكن تقييدها بهذه الروايات الدالة على وجوب الخمس فلا تنافي بينها.

وما ذكره شيخنا الداوري ـ حفظه الله ـ تامٌ لا ريب فيه، ويضاف إليه أن هذه الروايات ليست في مقام بيان وجوب الخمس من عدمه حتى نستدل بها على نفي وجوب تخميس المال المختلط بالحرام بل هذه الروايات في مقام بيان جواز الشراء وجواز التصرف فيما يشتريه من العامل وهو يظلم فالروايات لا إطلاق لها لمورد بحثنا فهي خارجة تخصصاً فلا تصل النوبة إلى التخصيص كما ورد في المناقشة الثانية لشيخنا الأستاذ الداوري.

ففي صحيحة أبي عبيدة <سألته عن الرجل يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنم الصدقة وهو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم> فالسائل يسأل عن الجواز ولا يسأل عن الخمس حتى نستدل بجواب الإمام ـ عليه السلام ـ على نفي وجوب الخمس، الإمام أجاب قال: <ما الإبل إلا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك لا بأس به حتى تعرف الحرام بعيني> يعني يجوز أن تشتري منه ربما كل ما تشتريه حلال وليس مخلوطاً بالحرام إذا هذا المورد خارج تخصصاً.

وهكذا في الرواية الثانية موثقة إسحاق بن عمار قال: <سألته عن الرجل يشتري من العامل وهو يظلم>، وظلم العامل لا يعني أن ما اشتراه منه فيه حرام ربما يكون كله حلال ربما يكون كله حرام ربما يكون مخلوطاً بالحرام، قال ـ عليه السلام ـ : <يشتري منه ما لم يعلم أنه ظلم فيه أحداً> يعني إذا أحرز أن هذا المال كله ظلم كله حرام هذا ما يجوز له يشتري وأما إذا لم يعلم جاز له.

إذا المورد هذا أجنبي عن مورد بحثنا هنا.

وأما رواية الإرث فقد ناقش فيها أيضاً شيخنا الأستاذ الداوري بمناقشتين[5] :

المناقشة الأولى ما تقدم من الاحتمال الأول إذ لعل المال الذي ورثه كان خالياً عن الربا وأن المراد من قوله ـ عليه السلام ـ <وإن كان مختلطاً فكله هنيئاً> هو كونه مختلطاً عند صاحبه وهو المورث فتكون الرواية أجنبية عن المقام خارجة تخصصاً ليس موردها المال المختلط بالحرام الذي تجزم أنه مختلط بالحرام، المال الذي تظن أو تشك أنه مختلط بالحرام.

فإذا أحرزت أنه حرام مشكل أما إذا لم تعلم جاز الرواية خارجة تخصصاً.

وثانياً أنه على فرض كون المراد به الاختلاط عند الوارث فلابدّ من القول بتخصيص هذا المورد، إما لتسهيل الأمر على العباد في خصوص المال المختلط بالربا وهو حكم خاصٌ بمورده يعني تكون هذه الرواية دليل خاص يدل على جواز أكل المال المختلط بخصوص الربا، وأنه وإن كان يتعلق به الخمس لكن الإمام ـ عليه السلام ـ

أو إما نلتزم هكذا أنه وإن كان يتعلق به الخمس لكن الإمام ـ عليه السلام ـ بمقتضى ولايته أحل ذلك المال للوارث.

وتأتي المناقشة التي ذكرناها الرواية ليست في مقام بيان وجوب الخمس من عدم وجوبه الرواية في مقام بيان جواز التصرف في هذا المال المورث لكن فيها قيد وهو العلم بأن صاحبه كان يربيه هذه الكبرى، والصغرى وأن هذا المال فيه ربا واستيقن ذلك.

الإمام ـ عليه السلام ـ أجاب بالتفصيل: إذا تعلم عين المال الحرام يجب أن ترجعه إلى أهله، واذا لم تعلم جاهز لك.

هذا تمام الكلام في الجهة الأولى وهي حكم المال المختلط بالحرام، واتضح أن الصحيح هو القول الأول وهو وجوب تخميس المال المختلط بالحرام.

الجهة الثانية في مصرف خمس المال الحلال المختلط بالحرام، وقد اختلفت كلمات الأعلام في مصرف خمس المال الحلال المختلط بالحرام توجد ثلاثة أقوال:

القول الأول ما ذهب إليه المشهور وهو أن مصرفه مصرف الخمس من التقسيم ستة أقسام[6] .

القول الثاني مصرف هذا الخمس مصرف الزكاة وهم الفقراء، وهو قول صاحب المدارك[7] .

القول الثالث التخيير بين مصرف الخمس ومصرف الزكاة، وهو قول المحقق الهمداني آقا رضا[8] .

ومنشأ الخلاف بين الفقهاء ما ورد في الروايات فلابدّ من ملاحظة ما يستفاد من الروايات، وهي على طائفتين:

الأولى ظاهرة بل بعضها صريح في أن مصرف خمس المال المختلط بالحرام هو مصرف الخمس المصطلح، كصحيحة عمار بن مروان فإنها واضحة الدلالة على ذلك، وهكذا سائر الروايات كرواية ابن أبي عمير التي ورد فيها <ونسي ابن أبي عمير الخامس> فهي في مقام بيان موارد الخمس المصطلح بل جميع الروايات عدا رواية السكوني بناءً على نقل الكليني والشيخ الطوسي إذا ورد فيها <يتصدق بخمسه> لكن رواية السكوني بناءً على نقل الشيخ الصدوق في الفقيه لا دلالة فيه على الصدقة ورد فيها عنوان التخميس دون التصدق.

الطائفة الثانية ما يظهر منها أن مصرفه مجهول المال فيتصدق به على الفقراء كرواية السكون بناءً على نقل الكليني والشيخ الطوسي فقد قال ـ عليه السلام ـ <فيها: <تصدق بخمس مالك> وظاهر لفظ التصدق أن مورد الصدقة ومصرفها هو الفقراء ونحوهم ممن تجوز الزكاة عليهم كما في الآية الشريفة إنما الصدقات للفقراء والمساكين.

ويؤيد هذا القول بل يدل عليه الروايات الواردة في اللقطة أو مجهول المالك الدالة على أنه إذا يئس من الظفر بالمالك تصدق به عنه وأن التصدق هو أقرب طرق إيصال النفع إلى صاحب المال فيدور الأمر بين قوة ظهور الطائفة الأولى أو قوة ظهور الطائفة الثانية فإن كان ظهور الطائفة الأولى أقوى رجحنا قول المشهور وإن كان ظهور الطائفة الثانية أقوى رجحنا قول صاحب المدارك وهو التصدق.

وإن لم نرجح الظهورين قلنا بالتخيير كما ذهب إليه المحقق الهمداني، ولا يبعد القول بظهور الطائفة الأولى فظهورها في الخمس المصطلح أقوى، وذلك لوجوه:

الوجه الأول ذكر في الروايات رواية الطائفة الأولى المال الحلال المختلط بالحرام في عداد ما يجب فيه الخمس المصطلح فذكرت موارد وجوب التخميس كالمعدن والكنز وغيرهما مما يقوي ظهور الخمس في معناه المصطلح فهو كالصريح ولا يقاومه ظهور التصدق في معناه الاصطلاحي فيحمل التصدق على معناه العام في اللغة وهو الإحسان، ومن أبرز مصاديق التصدق والإحسان الخمس المصطلح.

الثاني إن التصدق قد أطلق في لسان الأدلة على الخمس أيضاً، وقد ذكرنا مجموعة من الروايات استخدمت مفردة الصدقة على الخمس المصطلح مما يوجب ظهور مما يوجب ضعف ظهور لفظ التصدق الزكاة الاصطلاحية والصدقة الاصطلاحية بل يحتمل أن يراد بالتصدق المعنى الجامع وهو كل مالٍ أو عملٍ يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا يشمل الخمس المصطلح.

الثالث قد ورد في ذيل هذه الرواية قوله ـ عليه السلام ـ : <فإن الله قد رضي من الأشياء بالخمس> ولم يعهد أن الله تعالى قد أوجب الخمس فيما عدا هذه الموارد المعروفة من الغنيمة والكنز والمعادن والغوص وغيرها مما هو معلوم، فكأن الإمام ـ عليه السلام ـ أراد تطبيق كبرى الخمس بمعناه المصطلح على هذا المورد وهو المال الحلال المختلط بالحرام.

هذا كله مع أن أصل وجود لفظة التصدق غير معلوم فهي موجودة بناءً على نسخة الكافي للكليني ونسخة الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، وأما بناءً على نسخة الفقيه فهذه العبارة غير موجودة.

وبمجموع ذلك يظهر قوة قول المشهور وضعف القول الثاني.

يبقى الكلام في القول الثالث للمحقق آقا رضا الهمداني إذ ذهب إلى التخيير بين الأمرين: إما التصدق وإما مصرف، فقد قال في وجه ذلك:

<إن المستفاد من رواية السكوني ومرسلة المفيد هو أن المراد بثبوت الخمس في الحلال المختلط بالحرام هو أن الشارع جعل تخميسه بمنزلة تشخيص الحرام، وإيصاله إلى صاحبه في كونه موجباً لحل الباقي لقوله ـ عليه السلام ـ : <إن الله قد رضي الأشياء بالخمس وسائر المال لك> فليس ثبوت الخمس فيه كثبوته في الكنز ونحوه في كونه بالفعل مملوكاً لبني هاشم، وإن كان قد يوهمه خبر ابن مروان.

والذي يتحصل من مجموع النصوص والفتاوى بعد إرجاع بعضها إلى بعض إنما هو شرعية الخمس لتحليل المال الممتزج بالحرام لا كون المال مشتركاً بينه وبين أرباب الخمس>.

إلى أن يقول:

<وليس الأمر بالخمس والصدقة في مثل المقام ظاهراً في الوجوب العين> هذا من سهو قلمه الشريف المفروض أن يقول: التعييني.

<كي يكون وجوب كل منهما منافياً للآخر بل هو مسوقٌ لبيان ما به تتحقق براءة الذمة من مال الغير ويباح له التصرف فيما عداه فالأمر بإخراج خمس ذلك المال خصوصاً مع اقترانه بما في الأخبار من التعليل بأن الله قد رضي من الأشياء بالخمس ليس إلا بمنزلة ما لو قال: لو أخرجت خمس ذلك المال يحل لك الباقي، لا أنه يجب عينا عليك إخراج خمسه تعبداً>.

إلى أن يقول:

<كما أن لو قلنا بظهور خبر السكوني بالتصدق بالخمس لا الخمس المصطلح كما يقضيه الإنصاف لكان مقتضى الجمع بينه وبين غيره مما ظاهره إرادة الخمس المعروف هو الالتزام بجواز كل منهما، وكون المكلف مخيراً بين التصدق بخمسه أو صرفه في مصرف الخمس المصطلح فالقول به غير بعيد إن لم ينعقد الإجماع على خلافه فليتأمل>[9] .

انتهى كلامه زيد علو مقامه.

وقد أطال السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في مناقشته[10] .

ولكن كل ما ذكره المحقق آقا رضا الهمداني مبني على أن مفردة التصدق وردت في رواية السكوني بناءً على نقل الكليني ونقل الشيخ الطوسي، ولكن لو تمسكنا برواية السكوني بناءً على نقل الصدوق لا يأتي كل هذا الكلام.

ومن الواضح أن روايات وجوب التخميس أكثر عدداً وأقوى سنداً وأقوى دلالةً فلا تصل النوبة إلى معارضتها برواية السكوني بناءً على نقل الكليني والشيخ الطوسي، فروايات وجوب تخميس المال المختلط بالحرام وصرفه في موارد صرف الخمس المصطلح أقوى ظهوراً، وعليها العمل، فالصحيح ما عليه المشهور المنصور.

هذا تمام الكلام في الجهة الأولى والثانية حكم المال المختلط بالحرام ومورد صرفه.

العلم بالمقدار والجهل بصاحب المال يأتي عليه الكلام.

 


[1] فروع الكافي، الكليني، ج5، ص227، كتاب المعيشة، الباب136، الحديث 2.تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج6، ص326، الحديث 1094.وأيضاً نفس تهذيب الأحكام، ج7، ص119، الحديث 579.وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج17، ص219، الباب52، من أبواب ما يكسب به، الحديث 5.
[2] الكافي، ج5، ص228، كتاب المعيشة، الباب136، الحديث 3.تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج6، ص326، الحديث 1093.ونفس تهذيب الأحكام، ج7، ص119، الحديث 577.وسائل الشيعة، ج17، ص221، الباب53، من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.
[3] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج7، ص21، الحديث 70.وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج18، ص129، الباب5، من أبواب الربا، الحديث 3، مع اختلاف يسير.
[4] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص489.
[5] الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص487.
[6] المستند في شرح العروة الوثقى، السيد الخوئي، كتاب الخمس، ص124.
[7] مدراك الأحكام، السيد محمد العاملي، سبط الشهيد الثاني، ج5، ص388.
[8] مصباح الفقيه، ج14، ص158 إلى 160.
[9] مصباح الفقيه، ج14، ص158 إلى 160.
[10] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص129 إلى 133.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo