< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/08/19

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الرابع والثمانون: الجهة الثالثة متعلق الخمس

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى:

<الرابع الغوص: وهو إخراج الجواهر من البحر مثل اللؤلؤ والمرجان وغيرهما معدنياً كانا أو نباتياً لا مثل السمك ونحوه من الحيوانات>.

يقع في متعلق الخمس، ومن الواضح أنه يختص بخصوص الجواهر الثمينة لا مطلق ما في البحر من أسماك وحيوانات، فهل متعلق الخمس في الغوص مطلق ما يتكون في البحر ويخرج منه من الجمادات والنباتات النفيسة والأسماك والحيوانات وغيرها؟ أم أن متعلق الخمس يختص بغير الأسماك والحيوانات الموجودة في قاع البحر؟

المشهور هو الثاني وهو أن متعلق الخمس في الغوص خصوص الجواهر الثمينة الموجودة في قاع البحر من غير الأسماك والحيوانات، بل لم يعرف القائل بالأول وهو أن الخمس يتعلق بمطلق ما يُخرَج من الماء غير ما حكاه الشهيد الأول في البيان عن بعض معاصريه[1] ، والمحكي عن الشيخ الطوسي في التذكرة[2] ، ومنتهى المطلب للعلامة الحلي[3] من تعلق الخمس بما يخرج من البحر لو أخذ غوصاً.

ولكن هذا القول ضعيفٌ جداً لأمرين:

الأول عدم المقتضي فإن ظاهر النصوص الواردة في المقام وهو ما يخرج من البحر أو الغوص ظاهر هذين العنوانين ينصرف قطعاً إلى ما يتكون في البحر من المعادن والنباتات الثمينة التي من شأنها أنها تستخرج بالغوص.

ومن الواضح أن عنوان الغوص أو ما يُخرَج يعني ما يتعنى له ويستخرج من قاع البحر لا يصدق على الأسماك والحيوانات التي يصدق عليها عنوان صيد السمك أو اصطياد الحيوان، ولا يصدق عليها عنوان الغوص لاستخراج السمك أو ما تستخرج من البحر.

خصوصاً إذا لاحظنا النصوص الشريفة التي كانت بصدد ذكر موارد وجوب الخمس وقرنت الإخراج من البحر بالمعادن التي تستخرج من باطن الأرض، ومن الواضح أن هذه الموارد كالكنوز المركوزة في الأرض والمعادن التي أودعها الله في قعر الأرض، والغوص الذي هو وسيلة لاستخراج ما يوجد في قاع البحار والمحيطات، إنما يكون للأمر الثمين الذي يتعنى له، ومن الواضح أن شأن الأسماك والحيوانات البحرية أنها تؤخذ بالاصطياد لا بالغوص.

وقد أفاد المحقق الخوئي[4] ـ رحمه الله ـ : أن عنوان البحر لا يطلق على خصوص الماء وإنما عنوان البحر يطلق على القاع العميق فليس صرف الماء يطلق عليه أنه بحر وإنما يطلق لفظ البحر على القاع العميق الذي فيه ماءٌ.

فإذا قيل: ما يخرج من البحر أو ما يستخرج من البحر يعني ما يتعنى له ويبحث عنه في قعر البحر فلا يشمل هذا العنوان ما يطفو على سطح ماء البحر، ولا يشمل هذا العنوان ما يلقيه البحر على الساحل.

إذا المقتضي غير متوفر بالنسبة إلى الأسماك والحيوانات التي تصطاد من البحر فلا يشملها عنوان الغوص أو عنوان ما يخرج من البحر.

الثاني التمسك بالسيرة القطعية التي جرت على عدم إخراج الخمس من الأسماك بعنوان ما يخرج من البحر أو بعنوان الغوص، ولو كانوا واجباً لشاع وذاع لكثرة الابتلاء به. نعم، يجب إخراج الخمس من الأسماك والحيوانات إذا لم تصرف في المؤونة بعنوان مطلق الفائدة لا بعنوان الغوص بخصوصه.

ومنه يظهر أن ما يؤخذ من سطح الماء أو من سطح البحر لا يصدق عليه أنه أخرج من البحر، فإن الأخذ من وجه الماء غير الإخراج من الماء وأولى بذلك ما يلقيه البحر على الساحل والشاطئ ففي مثل هذين الموردين يجب الخمس فيهما بعنوان الفائدة والربح لا بالعنوان الرابع وهو الغوص في البحر، وإن كان الأحواط إخراج خمسهما بعنوان الغوص.

ووجه الاحتياط: احتمال أن نقرأ ما يخرج من البحر بنحو الـ المبني للفاعل لا المبني للمفعول فنقول ما خرج من البحر لا ما أخرج من البحر، وما خرج من البحر أو ما يَخرُج من البحر بالمبني الفاعل لا ما يُخرَج المبني للمفعول يشمل ما يطفو على سطح البحر ويشمل ما يلقيه البحر على الساحل والشاطئ.

ولكن هذا يتم في كلمة ما يَخرُج تحتمل الاثنين ما يخرَج بالمبني لمفعول وما يخرُج من مبني للفاعل ولا يحتمل في لفظة ما أخرج فإنه ما تقرأه بعد ما أَخرَج من البحر إلى أن يقال إذا تقول الرواية ما أخرجه البحر والرواية لم تصرح بذلك.

هذا تمام الكلام في الجهة الثالثة واتضح أن متعلق الخمس هو خصوص الجواهر الثمينة سواء كانت معدنية كاللؤلؤ أو نباتية كالمرجان، ولا يشمل الأسماك وسائر الحيوانات التي تصطاد.

الجهة الرابعة مقدار النصاب

قال صاحب العروة ـ رحمه الله ـ : <فيجب فيه الخمس بشرط أن يبلغ قيمته ديناراً فصاعداً، فلا خمس فيما ينقص عن ذلك>. انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

المشهور نقلاً وتحصيلاً كما في جواهر الكلام للشيخ محمد حسن النجفي[5] شهرة كادت أن تكون إجماعاً أن النصاب في خصوص الغوص هو بلوغ قيمته ديناراً، وهو الظاهر من تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي[6] ، ومنتهى المطلب للعلامة الحلي[7] ، والتنقيح الرائع بمختصر الشرائع للمقداد السيوري[8] ، والحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة الشيخ يوسف البحراني[9] .

ولم ينقل الخلاف إلا عن الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ في كتابه المسائل الغرية فإنه اعتبر بلوغ النصاب قيمة عشرين ديناراً، ولم يعرف له مأخذ كما اعترف به غير واحدٍ[10] .

أما مشهور الفقهاء فقد استدلوا بما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن محمد بن علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسن ـ عليه السلام ـ قال: <سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة هل فيها زكاة؟ فقال: إذا بلغ قيمته ديناراً، ففيه الخمس>[11] ، وروى الصدوق هذا الحديث مرسلاً[12] .

فبناء على حجية مراسيل الصدوق كما عليه شيخنا الأستاذ الداوري تكون هذه الرواية صحيحة إلا أننا لا نقبل مبنى حجية جميع مراسيل الصدوق فضلاً عن حجية خصوص المراسيل الجازمة للصدوق ـ رحمه الله ـ .

وهذه الرواية ورد في سندها محمد بن علي بن أبي عبد الله وهو مجهولٌ ولم يرد فيه توثيق إلا أنه يكفي في توثيقه أحدٌ مبنيين:

الأول رواية البزنطي عنه، والبزنطي أحد الثلاث الذين لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة كما نصّ على ذلك الشيخ الطوسي في كتاب العدة، والثلاثة هم أحمد بن محمد بن أبي نصر البيزنطي وصفوان بن يحيى بياع السابري ومحمد بن زياد وهو محمد بن أبي عمير.

وهذا المبنى تام عندنا، وعند شيخنا الأستاذ الداوري إلا أنه ليس بتام عند سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي.

المبنى الثاني وقوع محمد بن علي في إسناد كتاب نوادر الحكمة[13] .

وشيخنا الأستاذ الداوري يقبل مبنى أن وقوع الرجل في سند نوادر الحكمة يقتضي توثيقه ما لم يستثنى، ونحن نقبل هذا المبنى فكتاب نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي نظر إليه السيرافي واستثنى منه قرابة ثمانية وعشرين مورداً، واختلف الشيخ الطوسي والنجاشي في ذكر هذه الموارد بعضهم ذكر ثمانية وعشرين مورد وبعضهم ذكر قرابة ثلاثين مورد، ثم جاء أستاذ محمد بن الحسن بن الوليد محمد بن الحسن بن الوليد استثنى هذه الموارد، وجاء تلميذه محمد بن علي بن الحسين الصدوق واستثنى قبل استثناء أستاذه، والسيرافي قَبِل هذا الاستثناء.

ونحن نبني على أن وقوع الشخص في أسناد نوادر الحكمة أمارة الصحة ما لم يستثنى، و محمد بن علي بن أبي عبد الله وقع في أسناد نوادر الحكمة ولم يستثنى فتكون الرواية صحيحة على هذا المبنى.

إلا أن سيد أساتذتنا السيد الخوئي لا يقبل هذا المبنى أيضاً وتبقى إشكالية وهي احتمال كون محمد بن علي إنه أبو سمينة المشهور بالكذب، ولكن هذا الاهتمام بعيد في نفسه، إذ لم يذكر بهذا العنوان في كتب الرجال. مع أنه لو سلم فلا يضر ذلك باعتبار الرواية بناء على نظرية تعويض الأسانيد فإن للشيخ الطوسي كما في الفهرس صفحة مئة وستة وأربعين طرقاً معتبرة إلى جميع روايات وكتب.. إلى جميع رواياته وكتبه مما ليس فيه غلو أو تدليس أو تخليط أو ما ينفرد به ولا يعرف من غير طريقٍ.

أي أنه يمكن تصحيح المروي لا الراوي فحتى لو تم الطعن في الراوي لكن إذا روى رواية ليس فيها غلو أو تخليط ولم ينفرد بها فإن بعض أسناد الشيخ الطوسي في الفهرس تشمل هذا المورد ونلتزم بتصحيح الرواية.

إلا أن يقال: إن هذا الذي وردت فيه هذه الأسانيد هو غير أبي سمينة كما استظهره السيد الخوئي في معجم رجا[14] ل الحديث، كما يبعد أيضاً احتمال سقوط كلمة عشرين من الرواية بقرينة وحدة السياق حيث اشتملت الرواية على ذكر معادن الذهب والفضة عقب ما يخرُج من البحر كما في صحيحة عمار بن مروان المتقدمة.

ويحتمل أيضاً أن مستند الشيخ المفيد في فتواه هو وجود كلمة عشرين التي سقطت أمام لفظة دينار.

والوجه في ضعف ذلك:

أن وحدة السياق لا توجب وحدة النصاب، كما أن الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ بنفسه قد روى هذه الرواية في المقنعة[15] من دون إيراد كلمة عشرين. فالدعوة بأن مستند المفيد هذه الرواية وفيها لفظ عشرين بعيدٌ جداً.

والخلاصة:

هذه الرواية صالحة للاستناد إليها وقد عمل بها المشهور واستندوا إليها في بلوغ النصاب ديناراً وإن اختلفوا في المعدن، أنه نصابه دينار أو عشرين دينار.

فالرواية تامةٌ على مبنانا إما على مبنى رواية البيزنطي عنه أو وروده في كتاب نوادر الحكمة لكن لا تكون تامة بناءً على مبنى السيد الخوئي.

فإذا التزمنا بضعف الرواية كما التزم به السيد الخوئي وأن عمل المشهور ليس جابراً لضعف الرواية كما عليه مبنى السيد الخوئي أيضاً فحينئذ نقول: إن تم الإجماع المحصل على اعتبار بلوغ النصاب ديناراً فهو، وإن لم يتم الإجماع فلابدّ من الأخذ بالإطلاقات الدالة على وجوب الخمس في الغوص أو ما يخرج من البحر سواء كانت قيمته ديناراً أو أقل من دينار أو أكثر، وقد اختار ذلك السيد الخوئي[16] .

مسائل:

المسألة الأولى تنوع جنس المخرج وتعدد دفعات الإخراج.

قال السيد محمد كاظم اليزدي في العروة ما نصّه:

<ولا فرق بين اتحاد النوع وعدمه فلو بلغ قيمة المجموع ديناراً وجب الخمس، ولا بين الدفعة والدفعات فيضم بعضها إلى بعض>.

مسائل:

المسألة الأولى تنوع جنس المخرج وتعدد دفعات الإخراج

تنوع جنس المخرج:

لا فرق في اعتبار النصاب المذكور بين اتحاد الجنس كما لو كان لؤلؤاً أو زبرجداً، فلو كان جميع المخرج لؤلؤاً لا فرق في ذلك بينه وبين اختلافه كما إذا كان لؤلؤاً ومرجاناً لإطلاق الغوص عليها.

وكذا لا فرق بين الدفعة والدفعة إذا كانت متعاقبة بحيث تعد عرفاً غوصاً واحداً.

وأما إذا كانت متباعدة بحيث عدها العرف دفعات كمرة في اليوم الأول ومرة في اليوم الثاني بحيث لا يعد غوصاً واحداً عرفاً فالظاهر عدم ضمّ إحداها إلى الأخرى بل لا بدّ من بلوغ كل منهما النصاب.

قال صاحب العروة ـ رحمه الله ـ :

<كما أن المدار على ما أخرج مطلقاً وإن اشترك فيه جماعة لا يبلغ نصيب كل منهم النصاب>.

تقدم أنه لا فرق في إخراج المعدن، وكذلك هنا لا فرق بين كون الغائص واحداً أو اثنين أو جماعةً على نحو الاشتراك فظاهر الأدلة هو الاعتبار بما أخرج في غوصٍ واحد لا الانحلال بلحاظ كل غائص، سواء هذا الغوص الواحد تحقق بشخص واحد أو أكثر كجماعة كثيرين كما هو الغالب.

نعم، إذا لم يكن الغوص بنحو الشركة اشتراك جماعة بل كان إخراج كل واحد منهم لنفسه بمعزلٍ عن غيره، فلابد من اعتبار النصاب في نصيب كل واحدٍ منهم.

المسألة الثانية النصاب واستثناء المؤونة.

قال صاحب العروة ـ رحمه الله ـ :

<ويعتبر بلوغ النصاب بعد إخراج المؤن كما مرّ في المعدن>.

هل يعتبر بلوغ النصاب قبل استثناء المؤن أو بعده؟

قد تقدم الخلاف في ذلك في مبحثي المعدن والكنز، واستظهرنا من الأدلة هناك أن الظاهر منها هو اعتبار النصاب قبل إخراج المؤونة، المهم يتحقق مقدار النصاب، إذا تحقق مقدار النصاب بعد ذلك تستثني مقدار المؤونة، فإذا بلغ الغوص ديناراً وجب فيه الخمس، وإذا كانت مؤونة الغوص نصف دينار يجب إخراج الخمس من النصف دينار فقط.

خلافاً للمشهور الذين قالوا باستثناء المؤونة قبل النصاب، فإذا استثنينا النصف دينار وكان مقدار الغوص دينار فإنه يبقى بعد الاستثناء نصف دينار فلا يجب فيه الخمس بناء على مبنى المشهور.

فإذا بلغ المخرج من البحر ديناراً وكانت المؤون نصف دينار وجب الخمس في النصف الآخر بناءً على مبنانا لا على مبنى المشهور، فعلى مبنى المشهور لا يجب الخمس لعدم بلوغ النصاب بعد استثناء المؤونة.

وقد تقدم الكلام في ذلك في بحث المعدن والكنز وهنا نفس البحث هنا في بحث الغوص.

المسألة الثالثة أنحاء الإخراج من البحر يأتي عليه الكلام.

 


[1] البيان، ص345.
[2] تذكرة الفقهاء، العلامة الجلي، ج5، ص420.
[3] ج8، ص536.
[4] المستند شرح العروة الوثقى، ج25، ص112.
[5] ج16، ص40.
[6] ج5، ص419.
[7] ج8، 551.
[8] ج1، ص383.
[9] ج12، ص344.
[10] يراجع جواهر الكلام، المحقق النجفي، ج16، ص40.
[11] وسائل الشيعة، ج9، ص493، الباب الثالث من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
[12] من لا يحضره الفقيه، ج2، ص21، الحديث 1646.
[13] يراجع كتاب أصول علم الرجالي بين النظرية والتطبيق، الشيخ الداوري، ج1، ص238.
[14] ج17، ص321 إلى 322.
[15] ص283.
[16] في المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص114.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo