< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/08/18

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثالث والثمانون: القول الثالث التمسك بعنوان الغوص والحمل علی مورد الغالب

 

القول الثالث التمسك بعنوان الغوص، وحمل عنوان ما يخرج من البحر على مورد الغالب

 

كان الكلام في الجهة الثانية وهي تنقيح موضوع وجوب ما يخرج من البحر أو الغوص، فما هو موضوع الحكم؟

قلنا: توجد خمسة أقوال:

القول الأول تقييد كلا العنوانين، فنقيد الغوص بما يخرج من البحر، ونقيد ما يخرج من البحر بعنوان الغوص، فلا بدّ من تحقق كلا العنوانين حتى يثبت وجوب الخمس.

وهذا القول قال به جمعٌ من الأعلام نذكر منهم خمسة:

الأول المحقق الحلي[1] .

الثاني المحقق آقا رضا الهمداني[2] .

الثالث السيد حسين البروجردي[3] .

الرابع المحقق السيد محمد الداماد[4] .

الخامس أستاذنا المرحوم الشيخ محمد الفاضل اللنكراني[5] .

فهؤلاء الأعلام ذهبوا إلى ما ذهب إليه المحقق الحلي في شرائع الإسلام.

وقد أجبنا عن هذا القول، بأن التقييد وحمل المطلق على المقييد فرع وجود التنافي بين الدليلين، والحال إن الدليلين في المقام مثبتان:

الأول يثبت وجوب الخمس للغوص.

والثاني يثبت وجوب الخمس لما يخرج من البحر.

فالصناعة لا تقتضي حمل المطلق على المقييد ولا تقتضي تقييد كل منهما بالآخر، نظراً لكونهما مثبتين وليسا متنافيين.

القول الثاني كون كل من العنوانين مستقلٌ عن الآخر، فعندنا عنوان الغوص، وعندنا عنوان ما يخرج من البحر، ويكفي الأخذ بأحد العنوانين من دون تقييد أحدهما بالآخر، وهو قول السيد أبو القاسم الخوئي[6] وذكره أيضاً الشيخ محمد الجواهري[7] .

وقد ناقشنا هذا القول في الدرس السابق، وقلنا: إن ظاهر الدليل والأدلة أن الحكم واحد، وما دام الحكم واحد فعنوانه واحد وليس له عنوانان متعددان، وهذا التعدد خلاف حصر موارد وجوب الخمس في خمسة بل يلزم منه أن تكون ستة أو أكثر.

والعمدة في المناقشة أن التمسك بالعناوين في ما لو احتملنا تعدد الحكم، والحال أننا لا نحتمل تعدد الحكم في موطن بحثنا.

القول الثالث التمسك بعنوان الغوص، وحمل عنوان ما يخرج من البحر على مورد الغالب، وقد ذهب إلى ذلك السيد محسن الحكيم[8] والشيخ محمد تقي الفقيه[9] .

على أن السيد محسن الحكيم وكذلك الشيخ محمد تقي الفقيه، قد تأملا فيما يخرج من الأنهار، فتكون نتيجة ما ذهبا إليه موافقة أو قريبة للقول الأول، والفارق بين القول الأول للمحقق الحلي والقول الثالث للسيد الحكيم أن المحقق الحلي جزم بعدم ثبوت وجوب الخمس فيما يخرج من النهر حتى لو كان بالغوص، لكن السيد الحكيم تأمل واحتاط في ثبوت الخمس بالنسبة إلى ما يخرج من الأنهار.

وخلاصة كلام السيد الحكيم ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ :

أن النصوص المشتملة على ذكر الغوص واردة في مقام الحصر، ولا كذلك نصوص ما يخرج من البحر، فيتعين أن تكون مقيدةً لإطلاق غيرها.

هذا نصّ كلامه[10] .

وفيه: أننا حتى ولو التزمنا بأن النصوص التي ورد فيها عنوان الغوص واردة في مقام الحصر كـصحيحة الحلبي إلا أن نفس الغوص لم يكن متعلقاً للخمس لكون الغوص حرفةً وعملاً وإنما المتعلق ما يحصل من الغوص، ما يحصل بالغوص، أي ما يخرج من البحر، وهو عين العنوان الآخر.

فلنا أن نلتزم بالكبرى وهي حصر موارد الخمس في خمسة، ومنها الغوص، فنلتزم بالحصر، ولكن المحصور ليس هو خصوص عملية الغوص التي هي فعل وحرفة، وإنما المحصور نتيجة الغوص وما يحصل من الغوص، والذي يحصل من الغوص هو ما يخرج من البحر، وهو عين العنوان الآخر، ولا يفهم العرف خصوصية لنفس عملية الغوص.

وسيأتي إن شاء الله مزيد بيانٍ لهذه النكتة عندما نتطرق إلى القول الخامس المنصور، الذي نرفع فيه اليدّ عن كلا العنوانين، ونحملهما على مورد الغالب.

بل إن أردنا أن ندغدغ قليلاً في التمسك بعنوان الغوص فإننا نرجع إلى نفس صحيحة الحلبي، فقد ورد فيها عنوانان أحدهما غوص اللؤلؤ، والثاني عنوان العنبر.

فقد جاء في صحيحة الحلبي قال: <سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن العنبر وغوص اللؤلؤ. فقال ـ عليه السلام ـ : عليه الخمس>.

وإذا تأملنا في سؤال الحلبي فإنه لم يسأل عن غوص العنبر لأن العنبر في الغالب لا يستخرج بالغوص، وإنما يطفوا على سطح الماء، ومن الواضح أن السائل يسأل عن شيءٍ واحد لا عن شئين، وهذا يظهر من مراجعة صحيحة الحلبي الطويلة التي يسأل فيها الحلبي عن موارد متعددة إلى أن يصل إلى هذا المورد، والذي يظهر منه أنه يسأل عن مورد واحد، وفي هذا المورد الواحد خصّ الغوص بخصوص اللؤلؤ أي اللؤلؤ الذي غالباً يستخرج بالغوص، وكذلك العنبر الذي لا يستخرج بالغوص.

فهذا السؤال ناظر إلى ما يخرج من البحر أو الماء فلا خصوصية للغوص، وإن ذهب السيد الإمام الخميني ـ رضوان الله عليه ـ في حاشيته على العروة الوثقى إلى ذلك، فقد قال في الحاشية: <المتعارف خروجه بالغوص> والكثير من الفقهاء والفحول تمسكوا بعنوان الغوص.

إذاً القول الثالث لا يمكن المساعدة عليه.

القول الرابع التمسك بعنوان ما يخرج من البحر، وحمل عنوان الغوص على مورد الغالب، وهو ما ذهب إليه شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري[11] ، وذهب إليه أيضاً ويفهم منه ذهب إليه الشيخ مرتضى الحائري[12] ابن الشيخ عبد الكريم الحائري مؤسس الحوزة.

تقريب استدلال شيخنا الداوري ـ حفظه الله ـ :

إن التعبير بالغوص غالبي لأن التصدي لإخراج الجواهر من البحر غالباً بل دائماً لم يكن إلا بالغوص لأنه كان الحرفة الوحيدة والطريق المنحصر في استخراج الجواهر البحرية به، ولذلك جاء عنواناً وموضوعاً في بعض الروايات، وإلا فلا خصوصية له، فلو أخرجت الجواهر بالآلة لكانت أولى بتعلق الخمس بها مما أخرج بعملٍ شاقٍ وخطير وهو الغوص.

ومما يؤيد هذا القول أن نفس الغوص لم يكن متعلقاً بالخمس لكونه حرفة وعملاً وإنما المتعلق هو ما يحصل بالغوص أي ما يخرج من البحر وهو عين العنوان الآخر.

ومن ذلك يظهر أن المعتبر هو عنوان ما يخرج من البحر وإن كانت روايات الغوص أكثر، وأما التصرف في قيد البحر بأن يقال: إنه من باب الغلبة أيضاً، وأن المراد به ما يخرج من الماء فإنه خلاف ظاهر الجمود على العنوان، مضافاً إلى أن الإمام ـ عليه السلام ـ كان يمكنه أن يجعل العنوان هو ما يخرج من الماء ليكون شاملاً لغير البحر، مع أنه لم يرد في شيء من النصوص ما يشعر بالأعمية، وهذا مما يوجب التحفظ على العنوان والالتزام به.

ثم قال في الختام[13] ـ حفظه الله ـ :

<فالأقوى هو القول الخامس> هذا بنظره الخامس التمسك بعنوان ما يخرج من البحر وحمل عنوان الغوص على الغالب، <والأحوط هو الثاني> قول السيد الخوئي كون كل من العنوانين مستقل عن الآخر.

انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

أقول: حمل ما يخرج من البحر على ما يخرج من الماء خلاف ظاهر الجمود على العنوان كذلك أيضاً حمل عنوان الغوص على مورد الغالب خلاف ظاهر الجمود على العنوان، وبالتالي لا بدّ من بحث النكتة في كلا العنوانين فهل توجد نكتة في عنوان الغوص وعنوان ما يخرج من البحر توجب رفع اليدّ عن ظاهر العنوان أم لا؟! والأصل في العناوين هو الاحترازية لا التوضيحية، وظاهر العنوان هو الموضوعية لا الطريقية، والحمل على الطريقية يحتاج إلى دليل.

ومن هنا تمسك السيد الخوئي ـ ره ـ في القول الثاني بكلا العنوانيين جموداً على ظاهر العنوان والدليل لأنه لم تنهض لديه نكته توجب رفع اليدّ عن ظاهر العنوان، وهذا ما سنبحثه في القول الخامس، إذ سيتضح وجود نكته أو نكات في كلا العنوانيين توجب رفع اليدّ عن ظاهرهما.

القول الخامس والأخير وهو الصحيح، وهو رفع اليدّ عن عنوان الغوص وعنوان ما يخرج من البحر وحملهما على الجواهر الثمينة التي تستخرج من الماء، وإذا تأملنا في الروايات الحاصرة للخمس في خمسة سنراها تشير إلى الجواهر الثمينة وموقعها وموطنها فـموطنها إما أن يكون غنيمة في دار الحرب، وإما معدناً ثميناً يستخرج من الأرض، وإما كنزاً ثميناً قد أودع في الأرض، وإما جوهراً ثميناً أخرج من الماء.

فالجوهر الثمين إما موطنة باطن الأرض أو اغتنم في المعركة أو معدن في جوف الأرض أو كنز أودع في الأرض أو يستخرج من الماء.

هذا الماء قد يكون بحراً وقد يكون نهراً، وقد يستخرج هذا الجوهر الثمين بالغوص أو بغير الغوص، وفي زمن النصّ كان في الغالب الجوهر الثمين يستخرج من البحر لا من النهر، لأن البحر عميق وغزير، وعادة تقبع الجواهر في قعره دون النهر الذي في الغالب لا يكون عميقاً وعريضاً كالبحر، وفي الغالب أيضاً تستخرج الجواهر بواسطة الغوص في ذلك الزمان دون الأسماك التي تستخرج من البحر بالمصائد نظراً إلى أن الجواهر قابعة في أعماق البحار.

ففي صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحدٍ عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: <الخمس على خمسة أشياء على الكنوز والمعادن والغوص> لاحظّ مقتضى المقابلة، يعني الأمور الثمينة التي هي إما كنز مودع في الأرض أو معادن أودعها الله في الأرض أو الغوص يعني الجواهر التي تستخرج من الماء بواسطة الغوص.

وفي معتبرة عمار بن مروان، قال: <سمعت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ يقول فيما يخرج من: المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام والكنوز الخمس>.

وقد ذهب إلى هذا القول الكثير من المعاصرين، نذكر ستةً منهم:

الأول سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي في كتابه[14] .

الثاني الشيخ المنتظري[15] .

الثالث الشيخ محقق الكابلي[16] .

الرابع شيخنا الأستاذ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي[17] .

الخامس الشيخ جعفر السبحاني[18] .

السادس السيد محمد اليثربي[19] .

وهذا القول موافقٌ أقوال هؤلاء موافقة لقول الشهيد الأول في كتابه[20] إذ قال ما نصّه: <لو أخذ شيءٌ بغير الغوص> فالظاهر أنه كـحكمه ولو كان مما ألقاه البحر إلى الساحل.

وكلام الشهيد الثاني ينسجم مع حمل ما يخرج من البحر على المبني للفاعل لا المبني للمفعول، فإذا قرأنا ما يخرج من البحر ولم نقرأها ما يُخرَجُ من البحر، فإنه يصدق على الجوهر فيما إذا طفى على البحر ووصل إلى الشاطئ بأنه قد خرج من البحر، وإن لم يخرَج.

ولكن ردّ عليه السيد الخوئي[21] ـ ره ـ قال ما نصّه :

<والأولى منه في عدم صدق الإخراج من البحر، أخذ ما يلقيه البحر إلى الساحل>.

أقول: لا بدّ من التحقيق والتدقيق في عنواني ما يخرج من البحر والغوص، فإن وجدت نكتةٌ توجب رفع اليدّ عن كلا العنوانيين أو أحدهما فبها ونعمت، وإن لم توجد هذه النكتة الصارفة كان مقتضى الصناعة العلمية أن نأخذ بظهور ودخالت كل من العنوانيين في وجوب الخمس.

فيكون مقتضى الصناعة العلمية هو الأخذ بالقول الأول الذي ذهب إليه المحقق الحلي والمحقق الهمداني.

وإن استشكلنا في أن كلا الدليلين مثبتين فحينئذٍ نأخذ بما ذهب إليه السيد الخوئي ـ ره ـ هذا مقتضى الصناعة العلمية.

ولكن لو قام الدليل..

طبعاً لا يمكن الأخذ بما ذهب إليه السيد الخوئي لأنه لم يقم دليل على تعدد الحكم بل الحكم واحد فلا يكون له عنوانان يكون له عنوان واحد.

ولكن توجد نكات توجب رفع اليدّ عن كلا العنوانين، وهذا البحث يحتاج إلى بسطٍ لكننا نختصره في دقائق.

إذا رجعنا إلى الروايات الشريفة نجدها على ثلاثة أقسام:

قسم ذكر عنوان ما يخرج من البحر.

قسم ذكر عنوان الغوص.

وقسم لم يذكر كلا العنوانين بل ذكر مصاديق كـعنوان العنبر كـصحيحة الحلبي: <سألته عن العنبر وغوص اللؤلؤ>، وهذا العنوان العنبر وإن ورد على لسان الحلبي ولم يرد على لسان المعصوم ـ عليه السلام ـ إلا أن المعصوم أمضاه وقد ورد في روايات أخرى ضعيفة على لسان المعصوم ـ عليه السلام ـ .

ومن الواضح أن العنبر عادةً لا يستخرج بالغوص فإذا نرجع إلى كتب اللغة نجد أن العنبر يطفوا على سطح البحر، هكذا ذكر اللغويين بالنسبة إلى العنبر، قالوا هكذا:

ضربٌ من الطيب معروفٌ، وقيل: العنبر سمكة يتخذ من جلدها التراس والعنبر المشموم، وقيل: أنه يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابة لدسومته فيقذفه رجيعاً فيطفوا على الماء فتلقيه الريح إلى الساحل[22] .

إذاً بالنسبة إلى العنبر لا يستخرج بالغوص عادةً.

ومن هنا نجد أن صاحب الوسائل قد ذكره في عنوان الباب السابع، ومن الواضح أن صاحب الوسائل يعنون أبواب وسائله بفتواه، قال في الباب السابع ما نصّه:

باب وجوب الخمس في العنبر، وكل ما يخرج من البحر بالغوص، من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وغيرها إذا بلغت قيمته ديناراً فصاعداً.

أي أن صاحب الوسائل لحظ أن الوارد في لسان الروايات عنوانين:

الأول عنوان العنبر.

الثاني جمع بين العناونيين حينما قال: وكل ما يخرج من البحر بالغوص.

فلا بدّ من ملاحظة النكتة الواردة في العنبر والغوص وما يخرج من البحر.

ولقد أجاد وأفاد سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي[23] ـ ره ـ إذ قال: <إلغاء العرف لكلتا الخصوصيتين والقيدين في المقام، وإرجاعهما إلى جامع واحد هو المال والجوهر المستخرج من قاع البحار والأنهار، مما أودعه الله فيه كثروات طبيعية للإنسان>.

النقطة الأولى أما إلغاء خصوصية الإخراج بالغوص فبقرينتين لفظية ولبية:

أما اللفظية فهي ذكر العنبر وعطف غوص اللؤلؤ عليه في صحيح الحلبي، مع أنه غالباً لا يؤخذ بالغوص، بل يكون على سطح الماء أو عند الساحل، لأن الظاهر كونه اسماً لجلد حيوان بحري يقذفه على الساحل ويكون ثميناً وطيباً.

ولا إشكال لمن يراجع الصحيحة أن مراد السائل منه ومن غوص اللؤلؤ مطلب واحد وسؤال واحد عما فيه الخمس لا مطلبان وسؤالان، لأن السائل في هذه الرواية قد جزء مسائله وسأل عن كل منها بسؤالٍ مستقل كما يظهر لمن راجعها في أصلها، خصوصاً مع ظهور الروايات في حصر ما فيه الخمس بعنوانه في الخمسة، فيكون ظاهرها لا محالة أن ما هو موضوع الخمس في الغوص ما يخرج من قاع البحار سواء ما كان بالغوص أم بغيره، بل التعبير بغوص اللؤلؤ بنفسه ظاهرٌ عرفاً في أن النظر إلى المستخرج وهو اللؤلؤ وعنوان الغوص مجرد معرف وطريق للوصول إليه.

هذه النكتة الأولى هذه القرينة اللفظية.

وأما القرينة اللبّية فلأن الغوص بالمعنى الجامد المراد في المقام عنوان عرفاً وارتكازاً لما من شأنه الإخراج بالغوص لا لما يخرج بالغوص فعلاً، يعني الشيء الثمين الذي من شأنه أن يغاص له وليس أي شيء يغاص له، يعني الجوهر الثمين الذي يتعنى له الإنسان ويغوص له، وإلا لو راح غاص وطلع ليه سحارة أو خشبة، بعد بالبحراني ما يعرف معنى سحارة! أو حديدة صدئة! هذا ليس المراد ما يخرج بالغوص فعلاً، المراد ما يخرج بالغوص شأناً.

وبالتالي لو أخرجت الآلة بسهولة لؤلؤة ومرجان وزبرجرد، وغاص الغواص وتعنى ولم يخرج إلا أحجار غير كريمة فحينئذٍ لا يقال أن هذا ما أخرج بالغوص يجب فيه الخمس، طبعاً يقولون: الجواهر التي تخرج بالخمس، فليس المراد ما يخرج بالغوص فعلاً، وإنما المراد ما يخرج بالغوص شأناً، يعني الشيء الثمين الذي من شأنه أن يغاص له ويتعنى له.

هذه القرينة اللبية إن لم تتم لا أقل القرينة اللفظية تامة، مما يوجب رفع اليدّ عن عنوان الغوص وإلغاء خصوصية الغوص.

النكتة الثانية وأما إلغاء خصوصية البحر، فباعتبار إطلاقه عرفاً بل لغةً أيضاً على الأنهار الكبيرة كما يشهد بذلك استعمالات القرآن الكريم، وتحكيم نفس الارتكاز المتقدم يعني ما من شأنه.

وغلبة كون الجواهر المذكورة أن تكون مركوزة في البحار لا الأنهار بحيث لا يتشكل ظهور لورود عنوان ما يخرج من البحر ولا يحصل له في لسان الدليل ظهور في الاحترازية والقييد خصوصاً مع لحاظ الغالب في ذلك الزمان، هو ماذا؟ البحار لا الأنهار.

وبالتالي إن تم استظهار هاتين النكتتين بحيث جزمنا بضرس قاطع ففي هذه الحالة ألغينا كلتا الخصوصيتين، ونقول: الموضوع هو الجوهر الثمين الذي يستخرج من الماء، سواءً كان الماء بحراً أو نهراً أو بحيرة، وسواء كان الاستخراج بواسطة الغوص أو بغيره من الآلات.

هذا إن جزمنا بإلغاء الخصوصية.

إن لم نجزم ففي هذه الحالة نتمسك بكلا العنوانيين، والاحتياط حسنٌ على كل حال، ومقتضى الاحتياط هو القول الخامس، لا القول الثاني كما ذهب إليه شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ وأشكل على القول الخامس الذي ذهبنا إليه بإشكال مفادة: أنه في النتيجة يلتقي مع رأي السيد الخوئي، إذ قال ـ حفظه الله ـ شيخنا الأستاذ الداوري[24] .

إنه لا فرق بين هذا القول، وبين القول الثاني المتقدم في النتيجة، وإذا لم يكن ثمة فرقٌ في النتيجة فلا وجه لرفع اليدّ عن كلا العنوانيين والأخذ بالجامع الانتزاعي مع صلاحية الأخذ بكل منهما مستقلاً وبلا محذور.

أقول: يوجد فارق كبير في النتيجة، فلو استخرج جوهرٌ من بحيرةٍ أو نهرٍ بآلةٍ فإنه على قولنا يجب فيه الخمس لأنه جوهرٌ قد أخرج من الماء، وأما على قول السيد الخوئي فلا يجب فيه الخمس لعدم تحقق أحد العنوانيين لا عنوان الغوص قد تحقق ولا عنوان ما يخرج من البحر قد تحقق.

والخلاصة:

القول الخامس إن لم يكن أظهر فهو أحوط، والله العالم.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية الموضوع، الجهة الثالثة في متعلق الخمس يأتي عليها الكلام.

 


[1] شرائع الإسلام، ج1، ص52.
[2] مصباح الفقيه، ج14، ص86.
[3] رسالته التي أوردها تلميذه الشيخ الفاضل اللنكراني في كتابه تفصيل الشريعة، في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الخمس، ص381.
[4] كتاب الخمس، تقرير الشيخ عبد الله جوادي آملي، ص454.
[5] تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، ص98.
[6] المستند في شرح العروة الوثقى، ج25، ص111.
[7] تقريره الواضح في شرح العروة الوثقى، ج6، ص132.
[8] مستمسك العروة الوثقى، ج9، ص483.
[9] مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى، ج11، ص46.
[10] المستمسك، ج9، ص483.
[11] الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص453.
[12] كتاب الخمس، ص141.
[13] ج1، ص454.
[14] بحوث في الفقه، كتاب الخمس، ج1، ص265 و 271.
[15] كتاب الخمس، ص100.
[16] المباحث الفقهية، كتاب الخمس، ص170.
[17] أنوار الفقاهة، كتاب الخمس والأنفال، ص184.
[18] الخمس في الشريعة الإسلامية الغراء، ص175.
[19] المدارج الفقهية، ج6، ص121.
[20] البيان، ص345.
[21] الواضح في شرح العروة الوثقى، ج6، ص132.
[22] لسان العرب، ج3، ص2775، مادة عنبر.الصحاح، ج7، ص759.النهاية في غريب الحديث، ج3، ص306.مجمع البحرين للطريحي، ص415 و 416.
[23] كتاب الخمس، ج1، ص271.
[24] الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص450.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo