< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/08/16

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثانی والثمانون: القول الثاني عنوانا الغوص وما يخرج من البحر

كلٌ منهما موضوعٌ مستقلٌ عن الآخر، لعدم الموجب لتقييد أحدهما بالآخر.

وقد اختار هذا القول السيد أبو القاسم الخوئي[1] ـ ره ـ .

ويمكن أن يستدل عليه بأن المقتضي موجود والمانع مفقود.

أما بالنسبة إلى المقتضي وهو الأخذ بإطلاق كلٍ من القسمين من الروايات المعتبرة التي دلّ بعضها على وجوب الخمس في كل ما أخرج الغوص سواء كان من البحر أو من غير البحر، ودلّ بعضها الآخر على وجوب الخمس في كل ما أخرج من البحر سواء كان بواسطة الغوص أو بغيره. ولا تنافي بينهما لأنهما مثبتان، فلا وجه لرفع اليدّ عنهما وإرجاع كل منهما إلى الآخر أو إرجاع أحدهما إلى الآخر.

فالإطلاق والتقييد إنما يكون في الدليلين الذين يكون أحدهما مثبتاً والآخر نافياً فكما لو قال: أكرم العالم، ثم قال: لا تكرم الفاسق، فإنها يتنافيان في العالم الفاسق.

فأكرم العالم يقتضي وجوب إكرامه، ولا تكرم الفاسق يقتضي حرمان إكرامه، فهنا يقع التقييد، فيقال: أكرم العالم إلا الفاسق منه، أما لو قال: أكرم العالم، ثم قال: أكرم الهاشمي، فهنا لا يوجد تخصيص بحيث يجب إكرام خصوص العالم الهاشمي، ولا يجب إكرام العالم غير الهاشمي، بل يؤخذ بإطلاقهما معاً فيجب إكرام كل عالم ويجب إكرام كل هاشمي سواء كان عالماً أم لم يكن عالماً.

وفي موطن بحثنا عندنا دليلان:

الأول يقول: يجب الخمس في الغوص.

والثاني يقول: يجب الخمس في كل ما أخرج من البحر.

وكلاهما مثبتٌ فنأخذ بإطلاقهما معاً من دون تقييد أحدهما بالآخرة، فنقول: يجب الخمس في الغوص مطلقاً سواء أخرج من البحر أو غيره كالنهر، ويجب الخمس فيما أخرج من البحر مطلقاً سواء كان بواسطة الغوص أو بواسطة غيره كالصيد مثلاً، فمقتضى صناعة الإطلاق هو الأخذ بكلا الإطلاقيين من دون تقييد كل منهما بالآخر أو تقييد أحدهما بالآخر كـتقييد الغوص بخصوص ما أخرج من البحر أو تقييد ما أخرج من البحر بخصوص الغوص.

هذا تمام الكلام فيما يمكن أن يستدل عليه ـ على القول الثاني ـ عن طريق تحقق المقتضي.

وأما الثاني وهو ما يمكن أن يشكل مانعاً وأنه المانع مفقود فيكون المقتضي فعلياً يمكن أن يدعى تحقق المانع بأحد دعويين، وكلاهما ليس بتامٍ بنظر السيد الخوئي ـ ره ـ .

الدعوى الأولى دعوى انصراف المطلق إلى الفرد الغالب واختصاصه به، فيقال: إن الغالب في الغوص في خصوص البحر دون غيره، كما أن الغالب في ما أخرج من البحر أن يكون بالغوص، فنرفع اليدّ عن كلا الإطلاقيين، ويقييد كل منهما بالآخر، وتندفع الدعوى الأولى للمانع بجوابين:

الجواب الأول إن المطلق يشمل الفرد النادر ولا مانع من شمول وعموم المطلق للفرد النادر، وإنما المانع هو اختصاص المطلق بالفرد النادر، لا أن المانع هو شمول المطلق للفرد النادر، هذا كبروياً.

الجواب الثاني صغروي وهو أن الندرة غير مسلمةٍ، فإن الغوص في الأنهار العظيمة لاستخراج ما أودعه الله تبارك وتعالى فيها من الجواهر والنفائس أمرٌ شائق ومتعارف كما أن المتعارف هو إخراجها من الأنهار ومن البحار بالآلة، كذلك متعارف أن الجواهر تستخرج عن طريق الغوص سواء كان في النهر أم البحر.

إذاً الدعوى الأولى للمانعية غير تامةً بنظر السيد الخوئي ـ ره ـ .

الدعوى الثانية من المانعية، مفادها إن المترائى من النصوص الشريفة هو انحصار ما يجب فيه الخمس في خصوص الخمسة، وهي: الغنيمة، والكنز، والغوص، والمعادن، وما ذكرته الروايات الشريفة هذه الخمسة.

إذاً ما نحن فيه وهو الغوص أو ما أخرج من البحر إنما هو عبارة عن عنوانٍ واحد يشكل أحد العناوين الخمسة، فما نحن فيه عنوانٌ عديلٌ ومقابلٌ للغوص والمعدن والكنز والأرض التي يشتريها الذمي من المسلم، الخامس الغوص.

فلو أخذ بكلا العنوانين بشكلٍ مستقل صار المجموع ستة لا خمسة، وهذا منافٍ للحصر.

وقد تقدم جواب السيد الخوئي على إشكال الحصر في الجواب الأول عن القول الأول، ومفاده إن بعض هذه الروايات كـصحيحة ابن أبي عمير وإن كانت ظاهرةً في الحصر إذ جاء فيها وفي غيرها كـصحيحة البزنطي <الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز، والمعادن، والغوص، والمغنم الذي يقاتل عليه>.

وقد جاء في صحيحة ابن أبي عمير ما نصّه: <ونسي ابن أبي عمير الخامس> فهي ظاهرةٌ في الحصر، إلا أنه لا مناص من رفع اليدّ عن هذا الظهور، لأن ما يخرج من البحر بغير الغوص يجب فيه الخمس قطعاً إما من جهة صدق عنوان ما يخرج من البحر، وإما من جهة صدق عنوان الفائدة ومطلق الربح، ولا فرق بينهما في أصل الوجوب، وإنما الفرق بينهما من جهة استثناء مؤونة السنة الثابت لعنوان مطلق الفائدة ولم يثبت لعنوان ما أخرج بالغوص، مع أن هذا العنوان عنوان مطلق الفائدة غير داخلٍ في العناوين الخمسة المذكورة.

ودعوى أن عنوان الغنيمة الوارد في الصحيحة شاملٌ لعنوان مطلق الفائدة كما ذكره صاحب الوسائل بعيدٌ جداً، إذ لو حملنا عنوان الغنيمة على مطلق الفائدة لا على خصوص غنيمة دار الحرب للزم دخول بقية العناوين كـالمعادن والكنوز في عنوان الغنيمة مع أن العناوين الأربعة الأخر ذكرت كـعديل وقسيم لعنوان الغنيمة.

وما قيل: من أنه يمكن انتزاع عنوان واحد لكلا الأمرين: الغوص وما يخرج من البحر، فيقال: عنوان ما يخرج من الماء، هذا يشمل الغوص، ويشمل ما يخرج من البحر، وبالتالي يندفع عدم الحصر.

ففيه: إن انتزاع العنوان الواحد يستلزم رفع اليدّ عن كلا عنواني الغوص وما يخرج من البحر، وهذا خلاف الفرض.

نحن الآن نفترض إما نقيد كل منهما بالآخر مع الحفاظ على العنوانين كما في القول الأول، أو نحتفظ بكل العنوانين بنحو الاستقلال من دون أن نقيد أحدهما بالآخر أو نقيد كل منهما بالآخر، ففرض المسألة في القول الأول هو الحفاظ على كلا العنوانيين مع تقيدهما، وفرض المسألة بالقول الثاني هو الحفاظ على كلا العنوانيين مع استقلالهما ومن دون تقييدهما.

هذا بالنسبة إلى الأدلة.

وأما دعوى أن مقتضى الأصل الجاري في المقام هو أصالة البراءة كما ذكر المحقق المدقق آقا رضا الهمداني في مصباح الفقيه[2] فليس بتامٍ بنظر السيد الخوئي ـ ره ـ إذ أن أصل الوجوب محرزٌ فما أخرج من الماء إما واجبٌ بعنوان الغوص وإما واجبٌ بعنوان ما أخرج من البحر، فالخمس متعلقٌ بما أخرج، غاية ما في الأمر هل يجب تخميسه فوراً؟! إذا كان بعنوان الغوص، أم يجب تخميسه بعد مضي سنة إذا دخل تحت عنوان أرباح المكاسب ومطلق الفائدة؟!

فهنا تجري قاعدة <الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني> ولا تجري قاعدة <أصالة البراءة> هذا تمام الكلام فيما يمكن أن يستدل به على القول الثاني الذي ذهب إليه السيد الخوئي ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ .

لكن الحقّ والإنصاف أن هذه الوجوه قابلة للمناقشة بأجمعها، وقد تصدى شيخنا الأستاذ سماحة آية الله الشيخ مسلم الداوري للإجابة عليها بأجوبةٍ خمسة، في كتابه الخمس في فقه أهل البيت[3] ، وتفصيل المناقشات الخمسة كما يلي:

المناقشة الأولى استدل السيد الخوئي ـ ره ـ على استقلال عنوان الغوص وعنوان ما أخرج من البحر بوجود المقتضي.

وفيه إنما يتم الاستدلال به فيما إذا احتمل تعدد ملاك الوجوب كما إذا ورد الأمر مثلاً بإكرام الهاشمي ثم الأمر بإكرام العالم ففي مثل هذا المورد حيث يحتمل أن يكون لكلٍ من الحكمين موضوعٌ مستقل أمكن القول بالأخذ بإطلاق كل من الأمرين، وأما إذا لم يحتمل ذلك بل كان الظاهر من النصوص بحسب الفهم العرفي وكذا ظاهر فتاوى الأصحاب أن الحكم واحد وموضوعه واحد، وهو إما الغوص وإما ما يخرج من البحر كما ورد في الروايات، وهما لفظان أريد منهما معنى واحد والاختلاف إنما هو من جهة التعبير لا من جهة تعدد الحكم والموضوع فلا يتم ما ذكره ـ قده ـ من الأخذ بهما كما فيما نحن فيه.

فإن ظاهر ما يدل على وجوب الخمس فيما يخرج من البحر، وكذا ما يدل على وجوب الخمس في الغوص في نظر العرف أنه حكمٌ واحد لموضوعٍ واحد وردا بتعبيرين مختلفين.

هذا استظهارٌ وله مؤيدات:

المؤيد الأول ما ورد من الروايات الدالة على أن الخمس في خمسة أشياء، المستفاد منها الحصر.

المؤيد الثاني ظاهر الفتاوى فإنه لم يرد فيها ما يدل على تعدد الموضوع أو عدهما عنوانين مستقلين.

هذا تمام الكلام في المناقشة الأولى لشيخنا الأستاذ الداوري لأستاذه البارع السيد الخوئي ، وهي تامةٌ بنظرنا.

المناقشة الثانية ما ذكره السيد الخوئي ـ ره ـ من لزوم رفع اليدّ عن ظهور الرواية في حصر ما يجب فيه الخمس في خمسة تمسكاً بالنسبة إلى ظهور أرباح المكاسب فلو سلمنا به فهذا لا يقتضي رفع اليدّ عن أصل الظهور وإنما الضرورات تقدر بقدرها، فنبقي على أصل ظهور صحيحة ابن أبي عمير وغيرها الظاهرة في الحصر، والتي دلّت على أن الخمس في خمسة أشياء، ونرفع اليدّ عن هذا الظهور في مورده الذي دلّ عليه الدليل، فرفع اليدّ مقصورٌ على مقدار ما دلّ عليه الدليل دون رفع اليدّ عن أصل الظهور في الحصر.

فالضرورات تقدر بقدرها ومنافاة الدليل الدال على وجوب تخميس أرباح المكاسب يقتضي إضافة عنوان سادس وهو أرباح المكاسب ولا يقتضي رفع اليدّ عن أصل حصر وجوب الخمس في خمسة أشياء.

المناقشة الثالثة ما ذكره السيد الخوئي في الدعوى الأولى من جهة المانع، إذ قال ـ قده ـ إن الإطلاق يشمل الفرد النادر ولا مانع من ذلك، وإنما الإشكال في اختصاص الإطلاق وحمله على خصوص الفرد النادر.

وفيه: إن مورد بحثنا هو إدعاء انصراف العنوان إلى الفرد الغالب فبطبيعة الحال يتحقق للفظ ظهور في خصوص الفرد الغالب، فلا يشمل الفرد النادر، فضلاً عن اختصاص اللفظ بخصوص الفرد النادر، لأن أصل الدعوى هي دعوى الانصراف أي أن اللفظ ينصرف وينطبق على خصوص الفرد الغالب وهو أن يكون الغوص في البحر لا النهر.

فإذا ادعينا الانصراف فحينئذٍ لفظ الغوص لا يشمل ما أخرج من النهر.

فأصل الكلام في أصل دعوى الانصراف، اللهم إلا أن يمنع أصل الانصراف كما ورد في ذيل كلام السيد الخوئي، فإذا منعنا أصل دعوى الانصراف حافظنا على إطلاق اللفظ، وإطلاق لفظ الغوص يشمل الغوص في البحر والغوص في النهر، فتكون دعوى السيد الخوئي تامة.

إذاً تكون المناقشة صحيحة لو ناقشنا أصل دعوى الانصراف وأما إذا ثبتت دعوى الانصراف فحينئذٍ سيختص باللفظ بخصوص الفرد الغالب ولا يشمل الفرد النادر.

المناقشة الرابعة ما ورد في مناقشة السيد الخوئي لـ الدعوى الثانية، ويندفع بما ذكر من لزوم الاقتصار على المقدار المتيقن من العناوين الخارجة عن الخمسة، وهو خصوص ما دلّ عليه الدليل كـوجوب تخميس أرباح المكاسب، ولا يتعدى إلى غيره، على أن عنوان أرباح المكاسب يمكن أن يدخل تحت العنوان الأول، وهو الغنيمة.

هذه المناقشة الرابعة هي تقريباً مثل المناقشة الثانية لكن المناقشة الثانية ناظرة إلى المقتضي والمناقشة الثالثة ناظرة إلى المانع.

المناقشة الخامسة والأخيرة وهي المهمة، وهي ما ذكره السيد الخوئي من أصل الجاري في المقام على فرض الشكّ هو الاشتغال دون البراءة.

وفيه إن المتيقن هو تعلق الخمس بالمال، وأنه حقّ لأربابه، وأن هذا المال يجب فيه الخمس إما لعنوانٍ خاص كـعنوان الغوص أو عنوان ما أخرج من البحر، وإما لعنوان عام وهو مطلق أرباح المكاسب ومطلق الفوائد، فأصل الوجوب محرزٌ لكن يقع الشكّ إما أنه يجب أداء الخمس فوراً، أو يجب أداء الخمس بعد مضي سنة، فهو موردٌ للشكّ.

وقد ذهب السيد الخوئي إلى أن المورد من موارد قاعدة <الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني>.

والصحيح أنه موردٌ لجريان أصالة البراءة، كما ذهب إليه الفقيه الهمداني[4] وذهب إليه شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري مخالفاً لأستاذه السيد الخوئي[5] فإنه وإن أحرزنا أصل الوجوب لكننا نشكّ في وجوب الفورية، فتجري البراءة الشرعية عن الوجوب الفوري للخمس، فلو رجعنا إلى مقتضى الأصل العملي نجد أن أصالة البراءة تجري في وجوب الفورية.

مضافاً إلى النوبة لا تصل إلى الأصل العلمي من براءة أو اشتغال، بل يوجد لدينا في المقام أصلٌ لفظي حاكمٌ على الأصل العملي، وهو إطلاق أن الخمس بعد المؤونة، وهذا العنوان أن الخمس بعد المؤونة يشمل جميع الموارد إلا ما استثني من الغنيمة والمعدنٍ مثلاً.

وهذا المورد مورد الغوص أو ما أخرج من البحر مشمولٌ لتلك الإطلاقات، وقد اعترف السيد الخوئي في غير هذا المقام وهو بحث الغوص بوجود هذا الأصل اللفظي العام وهو أن الخمس بعد المؤونة[6] .

فالظاهر أنما أفادة السيد الخوئي من أن المورد مورد أصالة الاشتغال لا أصالة البراءة ليس بتام، والصحيح أن المورد هو مورد جريان أصالة البراءة الشرعية لو نظرنا إلى الأصل العملي، على أن هذا الأصل العملي محكومٌ بعموم فوقاني وهو أن الخمس بعد المؤونة.

هذا تمام الكلام في القول الثاني، واتضح أن القول الثاني كـالقول الأول ليس بتام، القول الثالث يأتي عليه الكلام.


[1] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص109 إلى 110.
[2] ج14، ص87.
[3] ج1، ص474.
[4] مصباح الفقيه، ج14، ص84.
[5] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص449.
[6] المستند في شرح العورة الوثقى، كتاب الخمس، ص46.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo