< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الواحد والثمانون: البحث في جهات في خمس الغوص

الجهة الأولى عموم الحكم

ذهب مشهور الفقهاء إلى أن الخمس يتعلق بمطلق الجواهر المستخرجة من البحر بالغوص، سواءً كانت معدناً كـاللؤلؤ وسواءً كانت نباتاً كالمرجان، وخالف في ذلك صاحب المدارك[1] ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ وذهب إلى اختصاص خمس الغوص بخصوص إخراج اللؤلؤ والعنبر.

والسرّ في ذلك: أن اللؤلؤ والمرجان هما المنصوص عليهما في صحيحة الحلبي، وهي تامة السند عند صاحب المدارك، لأنه يرى حجية خصوص خبر العدل الإمامي ويأخذ بالسند الصحيح الأعلائي دون ما سواه، فتكون بقية الروايات المستدل بها على وجوب تخميس الغوص ضعيفة السند بنظر صاحب المدارك، والتعدي من اللؤلؤ والعنبر إلى غيرهما من سائر الجواهر يحتاج إلى دليل، والدليل ضعيفٌ عنده.

وقد أجيب على ما ذهب إليه بأمرين:

أولاً إن اللؤلؤ والعنبر الواردين في صحيحة الحلبي إنما وردا على لسان الحلبي ولم يردا على لسان المعصوم ـ عليه السلام ـ فهما وردا في كلام السائل فلا خصوصية لهما على غيرهما من الجواهر النفسية. نعم، لو وردا في خصوص كلام المعصوم ـ عليه السلام ـ لأمكن الذهاب إلى ما ذهب إليه ـ قده ـ .

وثانياً إنما إدعاه من ضعف أسناد الروايات الدالة على وجوب تخميس الغوص وشموله لغير اللؤلؤ والعنبر ليس بصحيح، فقد اتضح وجود ثلاث روايات صحيحة غير صحيحة الحلبي، وفي بعض هذه الروايات ورد العنوان الأعم كـعنوان الغوص، أو عنوان ما يخرج من البحر.

نعم، هذا الجواب جواب مبنائي وليس جواب بنائياً لأن صاحب المدارك يبني على ضعف الروايات الثلاث الأخر، ونحن نبني على صحتها، فالجواب الثاني جواب مبنائي بخلاف الأول فإنه جواب بنائي.

هذا تمام الكلام في الجهة الأولى، واتضح أن وجوب تخميس الغوص عامٌ ولا يختص بخصوص اللؤلؤ والعنبر بل يعم ويشمل جميع الجواهر المستخرجة من البحر بالغوص.

الجهة الثانية تنقيح موضوع الغوص، وما يجب تخميسه مما يخرج من البحر.

وقد اختلف أن الموضوع هل هو كل ما يخرج من البحر أو ما يخرج بخصوص الغوص؟

ومرد ذلك إلى أن كلا العنوانين قد ورد في الروايات الشريفة، فبعضها نصّ على عنوان الغوص، وبعضها الآخر نصّ على عنوان ما يخرج من البحر، فقد ورد في صحيحة الحلبي وصحيحة ابن أبي عمير عنوان الغوص، لكنه قد ورد في صحيحة عمار بن مروان وصحيحة البزنطي أو معتبرة محمد بن علي بن أبي عبد الله عنوان ما يخرج من البحر.

والنسبة بين العنوانين عموم وخصوصٌ من وجه، فما يخرج بالغوص قد يخرج من البحر وقد يخرج ويستخرج من غير البحر كـالأنهار والبحيرات والبرك، كما أن ما يخرج من البحر قد يخرج بالغوص وقد يخرج بغير الغوص، كما يخرج بالصيد أو بآلات من دون غوصٍ، ويلتقيان فيما يخرج من البحر بواسطة الغوص.

ومن أجل ذلك اختلفت أنظار الأعلام في أن الاعتبار هل يكون بصدق كلا القيدين، فلا بدّ أن يخرج الجوهر من البحر أولاً، وبواسطة الغوص ثانياً فيقيد أحدهما بالآخر، أو أن كلاً منهما عنوانٌ مستقلٌ لوحده فيجب تخميس كل ما يخرج من البحر سواءً كان بالغوص أو لم يكن بالغوص، ويجب تخميس كل ما أخرج بالغوص سواءً كان من البحر أو من الأنهار كـنهر الفرات ودجلة والنيل وغيرها من الأنهار.

وجوهٌ في المسألة بل أقوالٌ خمسة:

القول الأول تقييد ما يخرج من البحر بالغوص فيكون الموضوع ما يخرج من البحر بالغوص، وقد اختاره جماعة كـالمحقق الحلي[2] ، وذهب إليه المحقق الهمداني[3] فيقيد أحد العنوانين بالآخر وفقاً لصناعة التقييد.

القول الثاني كلٌ من عنوان الغوص وما يخرج من البحر عنوانٌ مستقل لعدم الموجب لتقييد أحدهما بالآخر. وقد ذهب إلى ذلك السيد أبو القاسم الخوئي[4] .

القول الثالث إن الاعتبار بالغوص، وأما عنوان ما يخرج من البحر فقد ورد مورد الغالب فالمدار كل المدار على عنوان الغوص، وهذا ما يظهر من صاحب الجواهر[5] ، والسيد محسن الحكيم[6] ، لكن لو رجعنا إلى مستمسك العروة الوثقى[7] لوجدنا أن السيد محسن الحكيم قد تأمل في شمول الغوص للأنهار والشطوط، وأشكل على صاحب العروة في تعميمه الحكم لما يخرج من الغوص من الأنهار والشطوط، وبالتالي يرجع قول السيد محسن الحكيم على هذا إلى القول الأول، وهو تقييد كل منهما بالآخر أي اعتبار كلا القيدين: أن يكون من البحر أولاً وبواسطة الغوص ثانياً.

القول الرابع عكس الثالث إن الاعتبار بعنوان ما يخرج من البحر سواءً كان بالغوص أو بغيره، فيحمل الغوص على مورد الغالب، واعتبار عنوان ما يخرج فقط يظهر من الشهيد الأول[8] ، وجزم به الشهيد الثاني[9] .

القول الخامس كلا العنوانين لا اعتبار بهما، فلا اعتبار بعنوان الغوص أولاً، ولا اعتبار بعنوان ما يخرج من البحر ثانياً، فكلا العنوانين قد وردا مورد الغالب، والموضوع هو ما يخرج من الماء، سواءً كان الماء بحراً أو نهراً، وسواء كان غوصاً أو صيداً، بل حتى لو كان على الساحل أو على سطح الماء فالجواهر التي تستخرج من الماء يجب فيها الخمس.

وهذا ما يظهر من جماعة كـالسيد ابن حمزة[10] .

مداخلة: ما فرقه عن قول السيد الخوئي؟

الجواب الذي يفرق هو هكذا: لو أخرج الجواهر من النهر أو من البحيرة من دون غوصٍ فإنه لا يثبت فيه الخمس بناءً على رأي السيد الخوئي لعدم صدق كلا العنوانين، فأولاً لم يخرج بالغوص وثانياً لم يخرج من البحر، ولكن يثبت فيه الخمس بناءً على رأي ابن حمزة في الوسيلة، هذا الفارق من حيث النتيجة والفتوى.

وأما الفارق من حيث المدرك فالسيد الخوئي يرى الموضوعية لكلا العناونين، وجوب التخميس له عنوانان موضوعيان أخذ كل منهما على نحو الاستقلال لا على نحو المجموع.

العنوان الأول عنوان الغوص، العنوان الثاني عنوان ما يخرج من البحر، فكلا العنوانين أخذ بنحو الموضوعية لا بنحو الطريقية، فهما لم يؤخذا بنحو الغالب.

وأما بناءً على رأي ابن حمزة فكلاهما لا موضوعية لهما بل أخذا بنحو الطريقية لا بنحو الموضوعية، فقد أخذا بنحو الغالب لا بنحو الدائم الذي يشكل موضوعاً للحكم الشرعي.

هذا تمام الكلام في بيان الأقوال الخمسة في الجهة الثانية التي هي تنقح موضوع وجوب الخمس.

ولنشرع في بيان أدلة الأقوال الخمسة ومناقشتها لبيان الصحيح منها:

القول الأول وهو تقييد العنوانين ببعضهما، فقد استدل عليه بدليلين:

الدليل الأول إن الظاهر من النصوص والفتاوى انحصار ما يجب فيه الخمس في خمس أشياء، وواحد منها عنوان الغوص، وواحد منها عنوان ما يخرج من البحر، فإذا أخذنا بكلا هذين العنوانين بنحو الاستقلال يلزم أن تكون العنواين أكثر من خمسة، وظاهر الروايات الشريفة وفتاوى القدماء هو الحصر فالأخذ بكلا العنوانين بنحو الاستقلال منافي للحصر المذكور في الروايات.

فلا محيص عن إرجاعها إلى معنى واحد، إما بتقييد أحدهما بالآخر أو بوجهٍ آخر، بحيث تكون العناوين خمسة، والأشبه بالقواعد هو تقييد أحدهما بالآخر لأن كل واحد منهما صالحٌ لتقييده بالآخر، فنجمع بينهما في المقام، فيكون الموضوع هو ما يخرج من البحر بخصوص وسيلة الغوص.

وفيه: إن بعض هذه الروايات كـصحيحة ابن أبي عمير وإن كانت ظاهرةً في الحصر إلا أنه لا مناص من رفع اليدّ عن هذا الظهور، فلو تأملنا في الروايات التي نصت على عنوان الغوص سنجدها ظاهرة في الحصر لكن الروايات التي ذكرت عنوان ما يخرج من البحر فليست ظاهرةً في الحصر كما يقول السيد محسن الحكيم[11] ـ ره ـ ومن هنا قد نصّ ـ ره ـ على أن العنوان عنوان الغوص، وما يخرج من البحر فهو ظاهرٌ مظهر الغالب.

وعلى الرغم من ذلك لو نظرنا إلى الروايات التي ظاهرها الحصر فإنه لا مناص من رفع اليدّ عن هذا الظهور في الحصر لأن ما يخرج من البحر بغير الغوص يجب فيه الخمس قطعاً. إما من جهة عنوان ما يخرج من البحر، وإما من جهة أنه داخلٌ في عنوان مطلق الفائدة والربح، ولا فرق بين العنوانين من جهة أصل وجوب الخمس.

نعم، الفرق بينهما من جهة استثناء مؤونة السنة إذا كان وجوب التخميس من جهة أرباح المكاسب ومطلق الفوائد، وعدم استثناء مؤونة السنة إذا قلنا بوجوب التخمس من جهة عنوان ما يخرج من البحر، مع أن هذين العنوانيين غير داخلين في العناوين الخمسة المذكورة، إذاً لا مناص من رفع اليدّ عن ذلك.

نعم، ذهب صاحب الوسائل[12] ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ إلى أن ما يخرج من البحر يدخل تحت عنوان الغنيمة.

وما استظهره صاحب الوسائل بعيدٌ جداً لأن عنوان الغنيمة المذكور في الأمور الخمسة المنصوص عليها في الرواية الحاصرة لما يجب فيه الخمس إنما هي ناظرة إلى خصوص عنوان غنيمة دار الحرب لا مطلق الغنيمة بمعنى مطلق الفائدة وأرباح المكاسب.

والدليل على ذلك: إننا لو حملنا الغنيمة على الغنيمة بالمعنى الأعم مطلق الفائدة لا الغنيمة بالمعنى الأخص وهي خصوص غنائم دار الحرب، للزم دخول المعادن والكنوز وغيرها من بقية الأمور الخمسة تحت عنوان الغنيمة، والحال إن الإمام ـ عليه السلام ـ قد جعل عنوان الغنيمة في مقابل عنوان المعدن وفي مقابل عنوان الغوص والأصل في العناوين هو الموضوعية لا الطريقية.

هذا تمام الكلام في بيان الدليل الأول واتضح أنه ليس بتام.

الدليل الثاني لو تنزلنا وافترضنا الشكّ في وجوب الخمس في غير مورد الجمع بين العنوانيين أي عنوان الغوص وعنوان ما يخرج من البحر، فحينئذٍ تصل النوبة إلى الأصل العملي، والمرجع حينئذٍ هو أصالة البراءة عن الوجوب، لأن مجمع العنوانيين الغوص وما يخرج من البحر يجب فيه الخمس قطعاً، وأما غيره وهو ما توفر على أحد العنوانيين فقط، إما عنوان الغوص من دون عنوان ما يخرج من البحر، أو خصوص عنوان ما يخرج من البحر من دون عنوان الغوص فهذا موردٌ للشكّ في التكليف، فتجري فيه أصالة البراءة الشرعية.

النتيجة: يجب الخمس قطعاً في خصوص ما توفر على كلا العنوانيين، وأما الحائز على عنوانٍ واحد فقط فهو مجرى للبراءة الشرعية فلا يجب فيه الخمس.

وقد أجاب على ذلك: المحقق الخوئي[13] وتبعه شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري[14] ومفاد الجواب: إن مقتضى الأصل العملي الذي يجري في المقام هو أصالة الاشتغال لا أصالة البراءة فالاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني لأننا نقطع ونتيقن باشتغال الذمة بوجوب تخميس ما يخرج من البحر وأنه ملكٌ لأربابه، لأن ما يخرج من البحر إما يجب تخميسه تحت عنوان ما يخرج من البحر أو الغوص، وإما يجب تخميسه من جهة مطلق أرباح المكاسب أو مطلق الفوائد، فوجوب الخمس قطعيٌ وثابتٌ على أي حال.

نعم، هناك شكٌّ في العنوان الذي أوجب حصول الملكية أولاً ووجوب الخمس ثانياً، فالعنوان الذي أوجب الخمس مشكوكٌ لكن أصل ثبوت وجوب الخمس قطعيٌ.

وبالتالي نحرز ملكية الإمام ـ عليه السلام ـ لمقدار الخمس فيما يخرج من البحر والتصرف فيه يفتقر إلى الإذن من المعصوم ـ عليه السلام ـ فلا يجوز التصرف بالمال ويجب إخراج خمسة بمجرد تملكه وحيازته، يعني إذا حازه ونوى التملك، أما إذا لم ينوي التملك لا يجب عليه إخراج خمسة فالعنوان الموجب للتملك واضح من حاز ملك، الشكّ في العنوان الموجب للخمس. إذاً هذا المورد ليس من موارد أصالة البراءة الشرعية فلا يقال إن هذا من موارد الشكّ في التكليف أصل التكليف ثابتٌ وهو وجوب الخمس.

إذاً الدليل الثاني على القول الأول ليس بتام.

يبقى الكلام في القول وهو ما ذهب إليه السيد الخوئي من تقييد أحدهما بالآخر والدليل عليه، يأتي عليه الكلام.

 


[1] مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام، للسيد محمد العاملي، ج5، ص375.
[2] شرائع الإسلام، ج1، ص180.
[3] مصباح الفقيه، ج14، ص87.
[4] المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي، ج25، ص109.
[5] جواهر الكلام، ج16، ص41.
[6] مستمسك العروة الوثقى، ج9، ص483.
[7] ج9، ص486.
[8] البيان، ص345.
[9] مسالك الأفهام، شرح شرائع الإسلام، ج1، ص463.
[10] الوسيلة إلى نيل الفضيلة، كتاب الخمس، ص136.
[11] مستمسك العروة الوثقى، ج9، ص483.
[12] وسائل الشيعة، ج9، ص486، الباب2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، في ذيل الحديث 1.
[13] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص110 و 111.
[14] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص446.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo