< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/07/24

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس السابع والسبعون: حكم المال الذي وجد في جوف دابّة

قال السيد الماتن السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى المسألة (18):

«إذا اشترى دابّة ووجد في جوفها شيئاً فحاله حال الكنز الذي يجده في الأرض المشتراة في تعريف البائع وفي إخراج الخمس إن لم يعرفه ولا يعتبر فيه بلوغ النصاب».

ذكر صاحب العروة الوثقى ـ ره ـ أحكاماً ثلاثة للمال الذي يوجد في جوف الدابّة:

الأول وجوب إخراج الخمس.

الثاني عدم اشتراط النصاب في وجوب الخمس.

الثالث وجوب تعريفه للبائع.

وقد جرى مشهور الفقهاء في الكتب الفقهية على هذا الحكم وتطبيقه على القواعد مشكلٌ، إذ لو كان المال الذي عثر عليه في جوف الدابّة ملحقاً بالكنز وجب فيه اعتبار بلوغ النصاب، وإن كان لقطةً أو مجهول المالك فحينئذٍ يجب تعريف هذا المال وبعد اليأس من وجدان مالكه يجب أن يتصدق به عن صاحبه ولا يجب الخمس.

ولكن أفتى مشهور الفقهاء بوجوب الخمس، وننقل بعض كلمات الفقهاء القدامى:

الأول قال الشيخ الطوسي في النهاية:

«إن ابتاع بعيراً أو بقرة أو شاة فذبح شيئاً من ذلك فوجد في جوفه شيئاً له قيمة عرفه من ابتاع ذلك الحيوان منه. فإن عرفه أعطاه وإن لم يعرفه أخرجه منه الخمس وكان له الباقي. فإن ابتاع سمكة فوجد في جوفها درة أو سبيكة أو ما أشبه ذلك أخرج منه الخمس وكان له الباقي»[1] .

الثاني قال سلار في المراسم:

«فما وجده في بطن شيءٍ فإن كان انتقل إليه بميراث أو من بحرٍ وماء أخرج منه خمسة والباقي ملكه، وإن انتقل إليه بالشراء عَرفَ ذلك إلى البائع، فإن عرفه ردّه إليه وإلا أخرج خمسة والباقي له»[2] .

الثالث قال القاضي ابن البراج في المهذب:

«وإذا ابتاع شيئاً من الإبل والبقر والغنم فذبحه فوجد في جوفه مالاً أو ما له قيمة فعليه أن يعرفه للبائع، فإن عرفه دفعه إليه، وإن لم يعرفه كان عليه إخراج الخمس منه ثم يتصرف في الباقي فهو له. وإذا ابتاع سمكةً ووجد في جوفها سبيكةً أو صرةً وما أشبه ذلك أخرج من ذلك الخمس وكان الباقي له»[3] .

الرابع وقال يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ما نصّه:

«وإن اشترى حيواناً كالإبل والغنم والخيل والسمك فوجد في جوفه جوهراً أو مالاً عرف بائعه، فإن عرف بائعه وإلا فهو له»[4] .

الخامس أفتى بذلك المحقق الحلي[5] ، وكذلك أفتى الشهيد الثاني في المسالك، وسبطه السيد محمد العاملي في مدارك الأحكام.

ويمكن أن يستدل على ذلك بصحيحة عبد الله بن جعفر الحميري، قال:

«كتبت إلى الرجل[6] أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن يكون ذلك؟

فوقع ـ عليه السلام ـ : عرفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك الله إياه»[7] .

تحقيق المسألة، في مقامين:

المقام الأول وجوب الخمس.

المقام الثاني وجوب التعريف للبائع.

ونتكلم أولاً في المقام الأول وهو وجوب الخمس، ووجوب تخميس ما يعثر عليه في جوف الدابّة من مالٍ هو المعروف بل المشهور بين الأصحاب كما ذكره المحقق في شرائع الإسلام[8] ، وقد ألحقه بعضهم بالكنز، ولكن هذا الحكم غير ظاهرٍ لعدم وروده في شيءٍ من النصوص المعتبرة أو غيرها، فلم تدل النصوص على وجوب التخميس، حتى صحيح عبد الله بن جعفر الحميري فهي نصّت على المقام الثاني «عرفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك الله تعالى إياه»، بل قد يستظهر من صحيح الحميري عدم وجوب الخمس لأن الإمام ـ عليه السلام ـ في مقام بيان حكم المال الذي وجد في جوف الدابّة فذكر أولاً وجوب التعريف وذكر ثانياً أنه رزقٌ رزقه الله لمن وجده إن لم يعرف مالكه وإن لم يعرفه البائع.

إذاً لا دليل على وجوب الخمس، ولا دليل على إندراج هذا المال تحت عنوان الكنز، فإن تم إجماعٌ محصلٌ فبه ونعمت وهو ليس بتامٍ قطعاً، وبالتالي لا يجب تخميس هذا المال لا بعنوان الكنز ولا بعنوان الملحق بالكنز، وإنما يدخل في عنوان مطلق الفائدة وما يستفيده الرجل يوماً فيوماً.

فإن قلنا بوجوب الخمس في مطلق الفائدة لا في خصوص ما يحصل عليه من أرباح المكاسب كالتجارات والصناعات والإيجارات فحينئذٍ نلتزم بوجوب تخميس المال الذي وجد في جوف الدابّة من باب وجوب تخميس مطلق الفائدة لا من باب وجوب تخميس الكنز، إذ لا يصدق عليه عنوان الكنز ولم يدل دليلٌ خاصٌ على وجوب تخميسه، ومنه يتضح أنه لا يشترط فيه النصاب، فما ذكره صاحب العروة ـ ره ـ من عدم اشتراط واعتبار بلوغ النصاب في هذا المال متينٌ وفي محله لكن يوجد تأمل في أن هذا المال حاله حال الكنز إذ قال ـ قده ـ في المسألة (18):

«إذا اشترى دابّة ووجد في جوفها شيئاً فحاله حال الكنز الذي يجده في الأرض المشتراة في تعريف البائع وفي إخراج الخمس إن لم يعرفه، ولا يعتبر فيه بلوغ النصاب».

فكون هذا المال حاله حال الكنز في تعريف البائع أولاً وإخراج الخمس ثانياً فيه تأمل، إذ لو كان حاله حال الكنز لاشترط واعتبر فيه بلوغ النصاب، فالصحيح أن حاله حال مطلق الفائدة والمنفعة فيجب فيه الخمس من باب مطلق الفائدة، ولا يعتبر فيه بلوغ النصاب، والله العالم.

هذا تمام الكلام في المقام الأول.

المقام الثاني وجوب التعريف للبائع، وقد دلّ على ذلك الدليل، فالتعريف واجبٌ بالنسبة إلى خصوص البائع دون غيره بمقتضى صحيحة عبد الله بن جعفر الحميري، قال ـ عليه السلام ـ فيها: «عرفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك الله تعالى إياه»[9] .

وظاهر الصحيحة اختصاص التعريف بصورة احتمال كون الصرة للبائع على ما تقتضيه العادة دون ما لم يحتمل ذلك، وإن إدعاها البائع فلو عرف الواجد أن البائع إدعى دعوى باطلة وهو أن هذا المال ماله والحال أن الواجد يقطع أن ما في جوف الدابّة ليس ملكاً للبائع ففي هذه الحالة لا يجب التعريف للبائع مع القطع بالعدم بل لا يسلمها إليه، فالتعريف فرع احتمال أن يكون المال ملكاً للبائع.

كما أن ظاهر الصحيحة اختصاص التعريف بخصوص البائع فقط فلا يجب التعريف لغير البائع كـبائع البائع والأيدي السابقة على بائع البائع وإن احتمل كون المال لهم فالرواية نصّت على تعريف خصوص البائع، قال ـ عليه السلام ـ : «عرفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك الله تعالى إياه».

هذا بمقتضى الدليل الخاص، ولو نظرنا إلى مقتضى القاعدة لوجدنا أن مقتضى القاعدة يدل على أن هذا المال مجهول المالك، وحكم المال المجهول مالكه هو وجوب تعريفه سواء كان البائع أو غير البائع فإن يأس من العثور على مالكه وجب التصدق عنه فمقتضى القاعدة وجوب التعريف مطلقاً لا لخصوص البائع خلافاً للصحيحة هذا أولاً.

وثانياً مقتضى القاعدة أن الواجد إذا يأس من العثور على المالك تصدق نيابة عنه، لا أن الواجد يتملك ما وجده.

إذاً إما أن نلتزم بالتخصيص وإما أن نلتزم بالتخصص.

الوجه الأول:

أن نلتزم بالتخصيص، بأن نقول: عندنا دليلٌ عام وهو أدلة مجهول المالك التي نصّت على وجوب التعريف وعند اليأس وجوب التصدق عن صاحب المال، لكن في موارد خاصة دلّ الدليل على جواز التملك، من هذه الموارد الخاصة: المال الذي يجده في جوف الدابّة، ومن هذه الموارد الخاصة: المال الذي يجده في جوف السمكة، ومن هذه الموارد: المال الذي يدفعه البحر إلى الشاطئ من السفينة التي غرقت وانكسرت، فيلزم بالتخصيص، فنقول:

المال مجهول مالكه يجب تعريف مطلقاً فإن يأس من العثور على مالكه وجب التصدق عن مالكه إلا في موارد، ومنها: المال الذي يوجد في جوف الدابّة بمقتضى صحيحة عبد الله بن جعفر الحميري، ففي خصوص هذا المقام نلتزم بمقتضى هذه الصحيحة تخصيصاً لأدلة مجهول المالك.

الوجه الثاني:

أن نلتزم بالتخصص، بأن يكون هذا المورد خارجاً عن موضوع مجهول المالك، ولو بمعونة النصّ لانصراف دليل مجهول المالك عن مثله لأن المال المجهول مالكه مالٌ وليس بتالفٍ بينما الصرة التي أكلتها الدابّة تعد عرفاً بمنزلة التالف، وهكذا المال الذي كان في السفينة التي غرفت وانكسرت في قعر البحر فإن العرف يعد هذا المال تالفاً، وهكذا الحال في الدابّة التي أكلت مال الغير كـدراهمه ودنانيره وأمواله، ومن المتعارف في ذلك الوقت أن الدابّة تسافر وتنتقل من مكان إلى مكان وخصوصاً إذا كان المال أُكِلَ ضمن قطيع ولم تستطع أن تشخص الغنمة أو البقرة أو الجمل الذي أكل المال، فإن العرف يرى أن هذا المال بمنزلة التالف، وهكذا في المال الذي يستخرج بالغوص من السفينة التي انكسرت في قعر البحر فهو رزقٌ من الله لا أنه مالٌ لمالكٍ مجهول، ولأجل ذلك عومل معاملة التلف.

إذاً قد يدعى أن الموردين من بابٍ واحد، المورد الأول ما أكلته الدابّة، المورد الثاني المال الذي كان في السفينة التي انكسرت وغرقت في جوف البحر، وهذا هو السرّ في عدم إجراء حكم مجهول المالك عليهما، إذ أن أدلة مجهول المالك منصرفه عن مثل هذين الموردين الذين يعد العرف أن المال فيهما تالف.

وبالتالي نلتزم بالتخصص لا التخصيص، أي أن موردنا وهو المال الذي عثر عليه في جوف الدابّة وكذلك المال الذي كان في السفينة الغارقة ووجدناه على شاطئ البحر خارجٌ موضوعاً عن أدلة مجهول المالك.

وقد ذكر المحقق المدقق سيد أساتذتنا السيد الخوئي في كتاب الخمس[10] هذا الأمر، وقال ما نصّه:

«ولا يبعد أن يكون هذا التخصيص بمنزلة التخصص بأن يكون هذا المورد خارجاً عن موضوع مجهول المالك ولو بمعونة النصّ الموجب لانصراف دليل مجهول المالك عن مثله، نظراً إلى أن الصرة بعدما أكلتها الدابّة تعد عرفاً بمثابة التالف» انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

أقول:

الجزم بهذا التخصص مشكلٌ جداً، خصوصاً إذا دققنا وتأملنا في مفردات صحيحة عبد الله بن جعفر الحميري فإننا نفهم منها بأن المال ليس بتالفٍ مع أن موردها المال الذي وجد في جوف الدابّة، قال ـ عليه السلام ـ : «عرفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك الله تعالى إياه» وهل يرزقك الله التالف؟! وهل يعرف الشيء التالف؟!

إذاً قد يفهم من هذه الصحيحة أن المال لا يزال على ماليته وليس بتالفٍ. نعم، قد يتوهم العرف أن المال قد تلف حينما تنكسر السفينة أو تأكل البقرة هذا المال فيقال لصاحبها: قد تلف مالك، ولكن إذا عثر على المال في جوف البقرة أو على شاطئ البحر، قيل لصاحب المال: بخٍ بخٍ لك لقد عثر على مالك، فلا يرى العرف أن هذا المال بمنزلة التالف، ومع بقاء المالية يشمله عموم أدلة مجهول المالك.

إذاً الصحيح هو أن نلتزم بالتخصيص، فنقول: هذا المورد يشمله أدلة مجهول المالك، ونرفع اليدّ عن وجوب التصدق بمقتضى أدلة مجهول المالك ببركة التخصيص المستفاد من صحيحة عبد الله بن جعفر الحميري، والله العالم.

إذاً النتيجة النهائية:

أولاً يجب الخمس من باب مطلق الفائدة لا من باب وجوب تخميس الكنز.

وثانياً لا يشترط النصاب في ذلك.

وثالثاً يجب التعريف لخصوص البائع فإن لم يعرفه جاز له تملكه، والله العالم.

هذا تمام الكلام في حكم المال الذي يجده في جوف الدابّة.

قال صاحب العروة:

«وكذا لو وجد في جوف السمكة المشتراة» يأتي عليه الكلام.


[1] النهاية، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، ص323، كتاب اللقطة.
[2] المراسم، سلار، ص209.
[3] المهذب، القاضي ابن البراج الطرابلسي، ص568.
[4] الجامع للشرائع، ص356، كتاب اللقطة.
[5] شرائع الإسلام، كتاب الخمس، ج1، ص206.
[6] الإمام الكاظم ـ سلام الله عليه ـ.
[7] وسائل الشيعة، ج17، عشرين مجلد تحقيق: عبد الرحيم، الباب9 من أبواب اللقطة، الحديث 1 و 2.
[8] شرائع الإسلام، ج1، ص206.
[9] وسائل الشيعة، ج25، ص452، كتاب اللقطة، الباب9، الحديث 1، من موسوعة ثلاثين مجلد تحقيق مؤسسة آل البيت.
[10] المستند في شرح العروة الوثقى، ج25، ص101.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo