< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/07/22

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الخامس والسبعون: وجدان الكنز في أرضٍ مستأجرة أو مستعارة

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في المسألة الرابعة عشر من العروة الوثقى:

لو وجد الكنز في أرضٍ مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفهما وتعريف المالك أيضاً فإن نفياه كلاهما كان له وعليه الخمس، وإن إدعاه أحدهما أعطي بلا بينة وإن إدعاه كل منهما ففي تقديم قول المالك وجهٌ لقوة يدّه، والأوجه الاختلاف بحسب المقامات في قوة إحدى اليدين.

انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

وجدان الكنز له فروض قد تقدم بعضها:

الفرض الأول وجدان الكنز في ملك نفسه.

الفرض الثاني وجدان الكنز في ملك غيره.

الفرض الثالث وجدان الكنز في أرضٍ مستأجرة أو مستعارة وكان الواجد هو شخصٌ غير المالك والمستأجر والمستعير، وهذا هو فرض مسألتنا في المسألة الرابعة عشر، فهل هذا الكنز الذي عثر عليه الواجد يكون لمالك الأرض أو لمستأجرها أو لمن استعارها؟ أقوال في المسألة:

القول الأول ما نسب إلى المشهور وهو تقديم قول المالك، واختاره الشيخ الطوسي في المبسوط، الجزء الأول، صفحة مئتين، وسبعة وثلاثين، وفي نسخة طبعة جماعة المدرسين، الجزء الأول، صفحة ثلاثمئة وثمانية وعشرين.

القول الثاني ما ذهب إليه الشهيد الثاني في المسالك، الجزء الأول، صفحة أربعمئة وتسعة وستين، ونسب إلى الخلاف للشيخ الطوسي والمختلف للعلامة الحلي، وهو تقديم قول المستعير أو المستأجر.

القول الثالث ما اختاره السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى هنا وجماعة، ومنهم السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ من اختلاف الحكم باختلاف أقوائية اليدّ، فقد تكون يدّ المالك أقوى فتقدم وقد تكون يدّ المستأجر أو المستعير أقوى فتقدم.

مثال ذلك:

ما لو كانت الأرض مدة مديدة قد سكنها المالك وفي ظرف يوم أو يومين أعارها أو أجرها فوجد الواجد الكنز فيها، فمن الواضح أن يدّ المالك أقوى من يدّ المستأجر أو المستعير.

ولو كانت الأرض والدار للمالك إلا أنه لم يسكنها منذ أن اشتراها ومنذ أن اشتراها قد أجرها أو أعارها فمكث فيها المستأجر مدة مديدة ثلاثين سنة مثلاً، ووجد فيها الكنز، فمن الواضح في هذا الفرض أن يدّ المستأجر أقوى من يدّ المالك إذ المراد باليدّ اليدّ الفعلية أي من له سلطنة فعلية أي من يتصرف فعلاً في الأرض أو الملك.

وسيتضح إن شاء الله أن الصحيح من هذه الأقوال هو القول الثالث الذي ذهب إليه السيد الخوئي والسيد الماتن ـ قدس الله نفسيهما الزكية ـ .

وقبل تحقيق المسألة لا بأس أن نشير إلى ما تقدم وهو أن كل ما كان كنزاً بالمعنى المصطلح والمراد به ما يظهر من القرائن أنه مدفون منذ عهد قديم ولم يعلم له مالك ولا وارث بالفعل ولم تقم عليه يدٌّ فعلية بحيث يعد خارجاً من المال الذي لا صاحب له، ففي مثل هذا المورد جرى عليه حكم الكنز من جواز تملكه أولاً ووجوب تخميسه إذا بلغ النصاب ثانياً، من غير فرق بين أنواع الأراضي من كونها أراضي مفتوحة عنوة أو أنفال أو أراضي عامة أو أراضي خربة أعرض عنها أصحابها، أو أراضي مشترات انقطعت علاقة المالك بها ففي هذه الحالة لا يرجع إلى المالك السابق، في هذه الحالة يجوز له تملكها إذا صدق عليه عنوان الكنز القديم.

وأما لو علم أن لها مالك إلا أنه جهل ذلك المالك ترتب عليها حكم مجهول المالك، من التعريف بهذا الملك فإن عثر على مالكه أعطاه إياه وإن لم يعثر على مالكه تصدق نيابة عنه وقلنا إن موثقة محمد بن قيس تخصص القاعدة العامة لمجهول المالك فيجوز له أن يتمتع بها وأن يتملكها إن فقد المالك الأصلي.

ومن هنا يتضح أن المسألة الرابعة عشر أجنبية عن الكنز المعهود والمعروف إذ المراد بالكنز عند إطلاقه ما كان كنزاً بالمعنى المصطلح كما أشار إلى ذلك السيد أبو القاسم الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى، الجزء خمسة وعشرين، صفحة خمسة وتسعين، قائلاً:

أي الذي يظهر من القرائن أنه مدفونٌ منذ عهدٍ قديم ولم يعلم له مالك ولا وارث بالفعل ولم تقم عليه يدٌّ فعلية.

وموطن بحثنا في المسألة الرابعة عشر هو الكنز الذي وجد في أرضٍ مستأجرة أو مستعارة ولها مالك، فإذاً هذه المسألة خارجة عن الكنز المصطلح والمتعارف إلا في بعض الفروض الضيقة وهو ما لو وجد الكنز القديم في هذه الأرض فهنا يأتي الكلام في الأقسام الثلاثة التي تقدمت:

القسم الأول وهو الكنز المصطلح الذي له مالكٌ قديمٌ جداً.

القسم الثاني المال المدخر الذي له مالكٌ معلومٌ محترمٌ فعلاً كالدار التي يسكنها أهلها.

القسم الثالث المال المدخر الذي له مالكٌ معلومٌ بالفعل إلا أنه مجهول عندنا فيعامل معاملة المال المجهول المالك.

إذاً في مسألتنا تحتمل هذه الاحتمالات الثلاثة، والأقرب هو الاحتمال الثاني لأنه مالك معلوم بالفعل إما أن يكون مالك الدار والأرض وإما أن يكون المستعير أو المستأجر، فالاحتمال الثاني أقرب من الثالث مجهول المالك والاحتمال الثالث أقرب من الاحتمال الأول، ولا بدّ من بحث المسألة على ضوء الاحتمالات الثلاثة.

الاحتمال الأول إذا كان المال المدفون في الأرض المستأجرة أو المستعارة والذي وجده غير المستعير وغير المستأجر وغير المالك إذا كان من القسم الأول أي كان كنزاً قديماً انقطع عن مالكه، في هذه الحالة كان ملكاً لواجده وليس ملكاً للمالك أو المستأجر أو المستعير ولا يجب عليه تعريفه للمالك أو المستأجر أو المستعير فمجرد وجود مالٍ وكنزٍ في ملك المالك أو المستعير أو المستأجر لا يعني أن هذا المال والكنز ملكاً له فإن المالك أو المستعير أو المستأجر وإن كان مستولياً على الأرض إلا أنه ليس مستولياً على الكنز خصوصاً مع عدم علم أي منهم بما في جوف الأرض.

وبذلك يظهر ضعف ما ذكره السيد الماتن ـ رحمه الله ـ من أنه يجب على الواجد تعريف المستأجر أو المستعير أو مالك الأرض إذ لا وجه لذلك بعد عدم كون كل منهم ذا يدّ على الكنز، نعم المالك أو المستأجر أو المستعير هو ذو يدّ على الأرض وليس ذا يدّ على الكنز القديم.

ولو فرض تنزلاً جريان حكم اليدّ على الكنز فلا بدّ من الإعطاء له من دون حاجةٍ إلى دعوى أو بينة.

هذا تمام ما أفادة المحقق السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في الاحتمال الأول، من تقرير الواضح في شرح العروة الوثقى، الشيخ محمد الجواهري، الجزء السادس، صفحة ثلاثة عشر.

أقول تقدم من السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في المسألة الثامنة التي هي مسألة ألفين وثمانمئة وأربعة وثمانين في موسوعة الإمام الخوئي، الجزء خمسة وعشرين، صفحة ستة وخمسين، أن من استخرج معدناً من أرض الغير الشخصية فإن أخرجه من الطبقات العميقة فهو ليس لصاحب الأرض إذ لا سيرة من العقلاء والمتشرعة على ملكية المالك للطبقات العميقة بالتبعية فيملك الواجد.

وإن كان الواجد قد استخرج الكنز من الطبقات السفلى غير العميقة التي يعدها العرف تبعاً لملك المالك فهو ملكٌ لصاحب الأرض، للسيرة القائمة على التبعية في الملكية وليس للمخرج بل ليس للمخرج حتى نفقات ما صرفه في الإخراج، فما هو الفرق بين المعدن الذي فصل فيه السيد الخوئي، وبين الكنز المخرج من الطبقات السفلى غير العميقة الذي ذهب السيد الخوئي إلى أنه لواجد وليس لمالك الأرض؟!

بل عادة الكنز لا يكون جداً عميق مثل الآبار والنفط والفحم الحجري يكون تحت الأرض بآلاف الأمتار.

إذاً الصحيح هو التفصيل خصوصاً إذا تمسكنا بروايات الركاز وأن العنوان هو الركاز والركاز عنوانٌ يشمل المعدن ويشمل الكنز، فإن وجد الركاز في طبقةٍ عدها العرف تبعاً للملك كان لمالك الأرض وإن وجد الركاز سواءً كان معدناً أو كنز في طبقة عميقة لا يعدها العرف تبعاً للأرض ولرقبة الأرض فهو لواجده.

إذاً اتضح من ذلك أن هذا الكنز ملكٌ لمالك الدار لا للواجد، ولا نقول بذلك تمسكاً بقاعدة اليدّ وأن اليدّ أمارة على الملكية بل نتمسك بالسيرة العقلائية والمتشرعية القائمة على التبعية فسيرة العقلاء ترى أن مالك الأرض كما يملك رقبة الأرض يملك أيضاً ما يراه العرف تبعاً لهذه الأرض والضابط والمعيار في ذلك أن العرف يرى أنه لو لم يحكم بتبعية هذه الطبقة لرقبة الأرض لتضرر المالك.

مثل الحفر بمقدار إرساء قواعد البناء، فمن المتعارف في كل أرضٍ عند بناءها أن يحفر بمقدار مترين إلى خمسة أمتار لوضع قواعد البناء فلو عثر على الكنز بمقدار مترين إلى خمسة أمتار وكان المالك لا يدري أنه يوجد كنز في هذه الأرض من الواضح أن مالك الأرض كما يملك رقبة الأرض يملك أيضاً الطبقات التي يعدها العرف تابعةً لها.

إذاً نلتزم بأن الكنز لمالك الأرض تمسكاً بالسيرة القائمة على التبعية لا تمسكاً بأن اليدّ أمارةٌ على الملكية، ومن هنا يتضح عدم صحة الإشكال الذي توجه به سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي في كتاب الخمس، الجزء الأول، صفحة مئتين وتسعة وأربعين، حينما قال ما نصّه:

إلا أن الإشكال في أصل حجية اليدّ في المقام، لما تقدم من أن اليدّ المباشرة غير متحققة على المال المدفون، واليدّ التبعية لا دليل على حجيتها في إثبات الملكية ولو بضم الدعوى من قبل صاحبها.

وإنما الثابت حصول حقّ له في تعريفه عليه إذا احتمل رجوع المال إليه.

انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

فقد تصدى لمناقشة أمارية اليدّ على الملكية وليس الوجه في ملكية المالك للكنز هو أمارية اليدّ بل الوجه في ذلك السيرة العقلائية القائمة على التبعية.

إذاً ما أفادة الشيخ محمد الجواهري ـ حفظه الله ـ في مناقشة السيد الخوئي والسيد محمود الهاشمي الشاهرودي تامٌ وفي محله، فيرجع إلى حاشيته رقم واحد، من صفحة مئة وثمانية عشر من تقرير الواضح في شرح العروة الوثقى.

هذا تمام الكلام في الاحتمال الأول إذا كان الكنز قديماً.

الاحتمال الثاني إذا كان المال المدخر من قبيل القسم الثاني الذي لا يصدق عليه الكنز كالورق الذي يتعامل به وله مالكٌ معلوم بالفعل إلا أننا لم نشخصه، كالدار التي يسكنها أهلها فأهلها هم أصحاب اليدّ الفعلية الكاشفة عن الملكية فلا بدّ من تسليم المال إليهم حتى لو لم يدعوه حتى لو لم يقيموا البينة والملاك لليدّ الفعلية لأن المال لمالكٍ معلوم بالفعل ونحن لم نشخص المالك الفعلي.

ففي فرض المسألة لا بدّ من تسليم المال إلى المستعير أو المستأجر إذا كانت مدة إجارتهم أو استعارتهم طويلة جداً بحيث كانت فعلية يدهم أقوى من فعلية يدّ المالك.

هذا إن كان للمالك يدٌّ قد لا يكون له يدّ وهناك عموم وخصوص من وجه بين الملكية وبين اليدّ، فقد يكون مالكاً ولا يدّ له كما لو اشترى الأرض ولم يسكنها وأجرها منذ أول يوم، ممكن اشترى البيت ممن أستأجره وواصل الإجارة عليه، فهنا هو مالك ولكنه ليس بصاحب يدّ.

وقد يكون صاحب يدّ ولكن ليس بمالك كما لو كان مستأجراً أو مستعيراً من غيره ولم يكن الملك له.

وقد يكون صاحب ملك وصاحب يدّ كما لو ملك الأرض والبيت وسكن فيه.

فهنا تقدم اليدّ الفعلية الأقوى.

هذا تمام الكلام في الاحتمال الثاني.

وأما الاحتمال الثالث وهو لو كان المال والكنز لمالكٍ إلا أنه مجهول المالك يعني لا يوجد مالك فعلي كما في الفرض الثاني بل هو مجهول المالك ففي هذه الحالة يترتب عليه حكم مجهول المالك، فلا بدّ أن يعرفه فإن لم يجد مالكه تصدق به، وجاز له أيضاً أن يتملكه بمقضى موثقة محمد بن قيس المقيدة بصحيحة محمد بن مسلم.

وقد ذكر نفس هذا التقييد السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في موسوعة الإمام الخوئي، المستند في شرح العروة الوثقى، الجزء خمسة وعشرين، صفحة اثنين وثمانين، حينما قال:

وأما بالنظر إلى النصّ فالموثقة ... إلى آخر كلامه.

إذاً ورد في الموثقة ما نصّه: (فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها) فهنا يعرف هذا المال المجهول المالك فإن لم يجد جاز له أن يتمتع به ويملكه وجاز له أن يتصدق به.

وفي الفرضين والاحتمالين الثاني والثالث، في الاحتمال الثالث إذا تملكه فهنا يجب تخميسه من باب مطلق الفائدة لا من باب الكنز الذي يشترط فيه النصاب عشرين ديناراً، وأما في الفرض الثاني فلا بدّ أن يسلم إلى مالكه.

هذا تمام الكلام في المسألة الرابعة عشر، المسألة الخامسة عشر يأتي عليها الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo