< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/07/09

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الواحد والسبعون: الصورة الثانية إذا وجد الكنز في ملك شخصي واحتمل كونه للغير.

وفيها عدة فروض:

الفرض الأول أن يكون الكنز في ملكه والملك قد انتقل إلى الواجد بناقل شرعي كالبيع أو الهبة أو الإرث وغير ذلك.

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى ما نصّه:

ولو كان في أرضٍ مبتاعة مع احتمال كونه لأحد البائعين عرفه المالك قبله فإن لم يعرفه فالمالك قبله وهكذا، فإن لم يعرفه فهو للواجد وعليه الخمس.

الأقوال أو الاحتمالات في المسألة:

القول الأول ذهب المشهور إلى أنه لا بدّ من الرجوع إلى البائع فإن عرفه وإلا فلا بدّ من الرجوع إلى المالك الذي قبله وهكذا، فإذا حصل اليأس من العثور على مالكه فهو مجهول المالك وحكمه أن يتصدق به نيابة عن مالكه.

هذا هو قول المشهور كما ذكره السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، صفحة ستة وثمانين.

ويمكن التفصيل في قول المشهور وهو أن يعرف إلى المالك فالمالك الذي قبله وهكذا، فإن لم يصل إلى مالكه فإن لم يكن عليه أثر الإسلام فهو لواجده وإن كان عليه أثر الإسلام فيأتي فيه الخلاف المتقدم في الصورة الأولى إما أن يكون لقطة وإما أن يكون للواجد.

هكذا فصل في قول المشهور شيخنا الأستاذ آية الله الشيخ مسلم الداوري، كتاب الخمس في فقه أهل البيت، الجزء الأول، صفحة ثلاثمئة وستة وتسعين.

والسيد الماتن صاحب العروة الوثقى نصّ عبارته موافقه لقول المشهور وهو أنه لو وجد الكنز في أرض مبتاعه مع احتمال كونه لأحد البائعين عرفه للبائع فإن لم يعرفه عرفه للبائع الذي قبله وهكذا فإن لم يعرفه فهو ملكٌ لواجده.

هذا القول نسب إلى المشهور وفي جواهر الكلام للمحقق النجفي، الجزء ستة عشر، صفحة واحد وثلاثين، لم أجد فيه خلافاً بيننا.

وعن العلامة في المنتهى دعوى الإجماع عليه، منتهى المطلب، الجزء الثامن، صفحة خمسمئة وستة وعشرين.

القول الثاني نسب إلى جماعةٍ كما في المستند في شرح العروة الوثقى للسيد الخوئي، كتاب الخمس، صفحة ستة وثمانين، القول بأن هذا الكنز يدفع إلى البائع من غير سؤالٍ ومن غير تعريف فلا يلحظ البائعين السابقين وإنما يعطى للبائع الأخير من دون سؤالٍ لأن يده كانت على الأرض وقاعدة اليدّ تقتضي ثبوت الملكية من دون حاجة إلى سؤال.

القول الثالث أو الاحتمال الثالث وهو ما ذهب إليه السيد الخوئي من أنه مقتضى القاعدة إذا لم تنهض قاعدة اليدّ والروايات بالدلالة على دليلٍ أو رأي مخالف لهذه القاعدة ومفادها التفصيل.

فقد فصل السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ فيما إذا احتمل أن يكون له مالك فلا بدّ من التعريف بلا فرقٍ بين البائع وغيره، ومع اليأس يتصدق به، وبين صورة أخرى وهي إذا لم يحتمل أن يكون هذا الكنز لمالكٍ معينٍ فهو لواجده وعليه خمسة.

المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، صحفة سبعة وثمانين.

هذا تمام الكلام في الأقوال في المسألة.

وخلاصتها:

إما أنه يجب الرجوع إلى المالك السابق وتعريفه بالكنز فإن لم يعرفه يتعامل مع الكنز معاملة مجهول المالك كما عليه المشهور، وإما أن يرجع إلى المالك السابق ويعطى الكنز من دون تعريف كما عليه القول المنسوب إلى جماعة، وإما أن نلتزم بالتفصيل إن احتمل المالك فحينئذٍ يبحث عن المالك فإن لم يجده تصدق عنه، وإن لم يحتمل وجود مالك له في هذه الحالة جاز تملكه ويثبت فيه الخمس.

أدلة المسألة:

والعمدة هو قول المشهور فلا بدّ من ملاحظة الأدلة التي أقيمت على قول المشهور ومن خلالها سيتضح القول الثاني والقول الثالث.

واستدل لقول المشهور بدليلين:

الدليل الأول قاعدة اليدّ.

الدليل الثاني الروايات الخاصة.

الدليل الأول قاعدة اليدّ، تقريب الاستدلال:

إن اليدّ التي كانت على هذا المال وهذه الأرض أمارة على الملك، وبالتالي يجب الرجوع إلى ذي اليدّ، فإن عرف المال فهو له وإن لم يعرفه سقطت يدّه عن الحجية باعترافه أن المال ليس له، وتحيى عند إذٍ اليدّ السابقة إذ أن اليدّ السابقة قد سقطت عن الأمارية لمكان اليدّ اللاحقة فإذا سقطت اليدّ اللاحقة سلمت السابقة ورجعنا إلى اليدّ السابقة.

وقد نوقش هذا الدليل بعدة مناقشات أهمها ثلاث:

المناقشة الأولى للمحقق صاحب المدارك، مدارك الأحكام، الجزء الخامس، صفحة ثلاثمئة واثنين وسبعين، ومفادة:

إن قاعدة اليدّ لو دلت على كون الكنز لذي اليدّ لثبت الكنز له من دون حاجة إلى تعريف ضرورة أن اليدّ أمارة الملكية من غير إناطة بالتعريف إلا إذا اعترف ذو اليدّ بالخلاف ونفى الملكية عن نفسه.

وهذا الإشكال قواه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، صفحة ستة وثمانين، وكذلك شيخنا الأستاذ الداوري، كتاب الخمس، الجزء الأول، صفحة ثلاثمئة وسبعة وتسعين، فقد قال:

إن القاعدة لو تمت فهي حجة مطلقاً بلا توقفٍ على الدعوى من ذي اليدّ بل هي حجة حتى مع الشك والجهل من قبل ذي اليدّ بالملكية، ولأجل ذلك يدفع المال إلى وارثه لو كان ميتاً من دون حاجة إلى اعترافه بذلك، بل لا بدّ وأن يدفع إلى ذي اليد ابتداءً ولا تصل النوبة إلى الأيدي السابقة، لأن ظاهر أدلة اليدّ هو اليدّ الفعلية لا الأيدي السابقة.

المناقشة الثانية للسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، صفحة ستة وثمانين وسبعة وثمانين.

إن قاعدة اليدّ إنما تتصف بالحجية وأنها أمارة على الملكية فيما إذا كانت اليدّ فعلية فتكون اليدّ القائمة على الأرض يداً أيضاً على ما في بطنها من الكنز بالتبع وأما اليدّ السابقة الزائلة فعلاً بالتمليك إلى شخص آخر فهي خارجة عن درجة الاعتبار ولا أمارية لها بوجهٍ، بل لعل العادة قد جرت بجهالة ذي اليدّ عما في الأرض من الكنز وإلا لو كان ذو اليدّ عالماً بالكنز فكيف يبيع الأرض ولا يستخرج الكنز بنفسه؟!

وقد يستكشف سقوط حجية اليدّ السابقة بما ورد في ذيل صحيحتي محمد بن مسلم المتقدمتين، حيث قال ـ عليه السلام ـ فيهما:

الرواية الأولى (وإن كانت خربة قد جلى عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به).

وسائل الشيعة، الجزء خمسة وعشرين، صفحة أربعمئة وسبعة وأربعين، الباب الخامس من أبواب اللقطة، الحديث الأول.

وجاء في الصحيحة الثانية (فإن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت).

وسائل الشيعة، الجزء خمسة وعشرين، صفحة أربعمئة وسبعة وأربعين، الباب الخامس من أبواب اللقطة، الحديث الثاني.

فإنهما دالتان على سقوط اليدّ عن الملكية بالجلاء والإعراض وإذا سقطت اليدّ بالإعراض فسقوطها للانتقال بالبيع ونحوه بطريق أولى.

الإشكال الثالث أو المناقشة الثالثة ما ذكره المحقق الهمداني ـ قدس الله نفسه الزكية ـ في مصباح الفقيه، الجزء الرابع عشر، صفحة سبعة وستين.

من أنه بناءً على حجية اليدّ وأماريتها على الملكية فمقتضاها عدم الترتيب المذكور للتعريف بالنسبة إلى الأيدي السابقة، نظراً إلى تساوي الجميع في عدم اليدّ لهم وقت التعريف، كمساواتهم فيها قبله وقرب زمان يدّ أحدهم من يدّ المعرف لا يقتضي ترجيحه على غيره.

إذاً تساوي أمارية جميع الأيدي على الملكية لا يقتضي تقديم ملكية الأخير على السابقين، بل قد يستظهر أن الملكية تثبت للمالك الأول لا المالك الأخير.

وقد يجاب عن هذه المناقشات بوجهين:

الوجه الأول ما ذكره سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله ـ وأجاب عنه في الجزء الأول من كتابه في بحوث في الفقه، كتاب الخمس، الجزء الأول، صفحة مئتين وتسعة وثلاثين.

وقد ذكره شيخنا الداوري من دون إشارة إلى المصدر، ذكره الشيخ الداوري كتاب الخمس، الجزء الأول، صفحة ثلاثمئة وخمسة وتسعين.

الوجه الأول أن يقال إن الذي انتقل عن البائع إنما هو الأرض فقط وأما المال أي الكنز فهو باقٍ تحت يده ولم يبعه فهو نظير من باع داره وكان فرشه باقياً فيها فإنه لا إشكال في بقاء فعلية يده على الفرش وأماريتها على ملكية الفرش ما لم يبعه.

هكذا أورد سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي هذا الإشكال، وأجاب عنه وقال إن الصحيح إنكار أصل اليدّ على الكنز فإن يدّ البائع كانت على الأرض وقد باعها وأما كون يدّه على المال فلم يثبت ولا دليل على أن مجرد وضع اليدّ على الأرض أمارة على ملكية ما في جوف الأرض فإن أدلة حجية اليدّ سواءً كانت لفظية أو لبية لا يستفاد منها ذلك والعمدة هي الأدلة اللبية كالسيرة العقلائية ولا يستفاد منها أن من ملك الأرض ملك ما في جوفها.

كتاب الخمس للسيد محمود الهاشمي الشاهرودي، الجزء الأول، صفحة مئتين وتسعة وثلاثين.

وقد أشكل شيخنا الأستاذ الداوري على أصل هذا الإشكال الذي أورده السيد محمود الهاشمي وعلى جواب السيد محمود الهاشمي، فقال شيخنا الأستاذ الداوري، كتاب الخمس، الجزء الأول، صفحة ثلاثمئة وثمانية وتسعين وصفحة ثلاثمئة وتسعة وتسعين:

ولا يخفى وضوح الإشكال على أصل الوجه والجواب عنه.

أما أصل الإشكال ففيه أن يدّ البائع على الكنز إنما هو بتبع يده على الأرض ولا معنى لبقاء التابع مع زوال المتبوع وقياسه على بيع الدار مع وجود الفرش والأساس فيها قياسٌ مع الفارق لأن يدّ المالك على الفرش والأثاث على نحو الاستقلال لا التبع، لكن يدّ المالك على الأرض وما في جوفها إنما هو بالتبع.

وبهذا يتم الجواب عن أصل الإشكال الذي أورده السيد محمود الهاشمي ـ حفظه الله ـ مضافاً إلى أنه بناءً على هذا الإشكال يلزم تقديم البائع الأول على الثاني أي على العكس مما ذهب إليه المشهور إذ على هذا الفرض لم يكن البائع الأول قد باع الكنز على البائع الثاني وإنما باع الأرض فقط فلا بدّ من إعطاء الكنز للأول دون البائع اللاحق هكذا أشكل شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ بل قد يقال إنه لا يلزم إرجاعه إلى البائع الأول لأن البائع الأول ملك الأرض ولم يملك ما في جوفها فتعود الأرض ملكاً للإمام ـ عليه السلام ـ ولا ترجع إلى البائع الأول.

هذا جواب شيخنا الأستاذ عن أصل الإشكال الذي أورده أستاذنا السيد محمود الهاشمي.

وأما جواب شيخنا الأستاذ الداوري عن جواب سيدنا الأستاذ الهاشمي الشاهرودي فمفاده أن اليدّ أمارةٌ على ملكية كل ما كان تحت يدّه وتصرفه سواءً كان على ظاهر وجه الأرض أو تحتها فكل ما أحاطت به اليدّ عرفاً فاليدّ أمارة على ملكية ذي اليدّ له.

ومما يوضح ذلك أنه لو كان المدفون غير الكنز من سائر الأموال كالحنطة والشعير والألبسة ونحوها فهل يتوقف في الحكم ويشكل بإمارية اليدّ على ملكيتها؟! وبناءً على ذلك فأصل إنكار أمارية اليد على ما في جوف الأرض إن لم تكن خارجه عن العرف والعادة في غير محله.

أقول الحقّ والإنصاف إن مناقشة شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ لجواب سيدنا السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله ـ في محله، فاليدّ أمارة على الملكية والعمدة في دليل أمارية اليدّ على الملكية هي السيرة العقلائية والعقلاء يرون أن صاحب اليدّ إذا كان مالكاً للأرض فإن هذه اليد أمارة على ملكية الأرض وما يعد من توابع الأرض عرفاً.

بيان ذلك بتحقيق أنيق ورشيق ما أفادة الشيخ محمد الجواهري في تقريره الواضح في شرح العروة الوثقى الجزء السادس، كتاب الخمس، صفحة مئة وتسعة، في الحاشية حينما ناقش سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ووصل إلى نفس النتيجة التي توصل إليها شيخنا الأستاذ الداوري إلا أن بيان الشيخ محمد الجواهري أدق من بيان شيخنا الأستاذ الداوري وبيانه صناعي.

وخلاصة الكلام في بيان معنى اليدّ، فما هو معنى اليدّ تدل على الملك؟

الجواب المراد هو كون الشيء تحت سلطته واستيلاءه وتكون اليدّ حجة وأمارة على الملكية حين الشك، فحينما يقال (فلانٌ له يدٌّ على الدار) أي أن فلان له سلطنة على التصرف في الدار، فإذا لم يعلم أن يده يد أمانة أو يده يد خيانة كما لو تصرف تصرفاً غصبياً فإن هذه اليدّ كاشفة عن الملكية، وليس معنى اليدّ ملكيته للكنز الموجود فيها ما لم يخرجه وإنما معناها عدم جواز مزاحمته من أحدٍ في الإخراج وإذا أخرجه هو ـ أي صاحب اليدّ ـ ملكه ما لم يعلم أو يحتمل أنه لمالكٍ محترم المال موجود هو أو وارثه.

إذاً ليست هذه اليدّ نظير اليدّ التي على الفرش والأثاث، اليدّ التي على الفرش والأثاث يعني هو مالكٌ للفرش والأثاث ويدّه عليها، المراد باليدّ أن له سلطنه فإذا ثبت سلطنة يدّ إنسان على ملك ما ولم تثبت أن هذه اليدّ يدّ خيانة أو يدّ أمانة وشككنا في أنه مالكٌ لهذا المال فحينئذٍ يرى العقلاء أن اليدّ أمارة على ملكيته.

هذه اليدّ التي هي أمارة على ملكية الأرض تثبت له الملكية على الأرض وما يعد من توابع الأرض عرفا.

فإذا أخرج الكنز من باطن الأرض وعدّ من توابع الأرض عرفاً عدت يده أمارة على ملكية الكنز.

فمثلاً لو اكتشفت مدينة تحت أرضه فهل يرى العرف أن الكنز الذي وجد في المدينة الموجودة في أعماق الأرض بعد كذا قشرة من القشرة الأرضية هل يرى العرف أن هذا الكنز تابع لأرضه؟!

كلا، لا يرى العرف فهنا لا نتمسك بأمارية اليد، فيده على الفرش والأثاث ليس كيده على الأرض وتوابع الأرض فالمراد بكون اليدّ أمارة على الملكية يعني سلطنته على الأرض التي لم تثبت أن هذه السلطنة كعارية أو إيجار أو رهن أو غصب عند الشك أنه مالك أم لا؟!، نقول اليد أمارة على الملكية.

ومن هنا يتضح أن الصحيح أن اليدّ التي تثبت الملكية هي خصوص اليدّ الفعلية دون اليدّ السابقة، فمقتضى القاعدة أولاً عدم لزوم التعريف للبائع الأول فضلاً عن الثاني أو الثالث لأن اليدّ بنفسها تثبت الملكية من دون حاجة إلى التعريف كما يقول السيد الخوئي، وثانياً لو رجعنا إلى المالك الأخير فإنه لا توجد حاجة إلى الرجوع للمالكين السابقين لأن يدهم سابقة وليست فعلية.

فالصحيح ما ذهب إليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من أن قاعدة اليدّ لا تثبت لزوم التعريف ولو رجعنا إلى المالك الأخير فإن قاعدة اليدّ لا تثبت لزوم الرجوع إلى الأيدي السابقة على اليدّ الأخيرة.

هذا تمام الكلام في الوجه الأول الذي يمكن أن يورد على الإشكالات الثلاثة، الوجه الثاني يأتي عليه الكلام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo