< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/07/07

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس السبعون: أدلة القول الثاني وهو وجوب تخميس الكنز المستخرج من الأراضي الموات

أدلة القول الثاني وهو وجوب تخميس الكنز المستخرج من الأراضي الموات التي عليها أثر الإسلام، ويمكن أن يستدان للقول الثاني أربعة أدلة:

الدليل الأول التمسك بأصالة عدم الوارث لمالك الكنز فمقتضى الأصل وإن كان هو أصالة الاحترام التي تقتضي عدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه إلا إذا ثبت الدليل الخاص الدال على الجواز إلا أن أصالة احترام مال الغير محكومة بأصل موضوعي يقدم عليها وهو أصالة عدم وجود وارث للمال ويحرز بهذا الأصل أن الكنز من الأنفال ويكون ملكا للإمام ـ عليه السلام ـ تبعاً لتبعية الكنز للأرض، وقد أباح الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ لشيعته الأراضي الموات والأنفال فهي لمن أحياها فيكون الكنز ملكاً لواجده على أن يخرج منه مقدار الخمس.

فإذا تمسكنا بأصالة عدم الوارث خرجنا عن أصالة عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنٍ فلا يجري على المال حكم اللقطة أو حكم مجهول المالك إذ أن أصالة عدم الوارث حاكمة وأصالة احترام مال الغير محكومة.

تفصيل ذلك:

إذا علمنا أن الكنز لمسلمٍ أو لشخصٍ محترم المال كالذمي أو احتملنا ذلك كما لو كان على المال أثر الإسلام كما لو كان سكة مضروبة من سكك بني أمية أو بني العباس أو الدولة العثمانية أو الدولة الصفوية سواءً كان صاحبه موجوداً أو كان الموجود وارثه كأن يكون الكنز مدفوناً منذ عهدٍ قريب ولم تمضي عليه مدة زمنية طويلة فمقتضى أصالة احترام مال الغير عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنه أو إذن وارثه، وحينئذ لابدّ من التعريف به هذه الصورة الأولى.

إذا دفن منذ عهدٍ قريب وعلمنا بالمالك أو وارثه.

الصورة الثانية إذا علمنا أنه مدفون منذ زمن بعيد كان يرجع إلى مئات السنين كما هو الغالب في الكنوز بحيث لا نحتمل بقاء صاحبه حياً بل يقطع بموته وقد خرج عن ملكه، فحينئذ إن علمنا بوجود وارثٍ محترمٍ للمال كمسلمٍ أو ذمي وقد انتقل المال إليه نسلاً بعد نسل إلى زماننا فلابد من الفحص عن مالكه ووارثه، ويكون حكم المال حينئذ حكم المال المجهول فيكون مجهول المالك والتصرف فيه منوط بإذن الحاكم الشرعي، ولا يجوز تملكه لأن وارثه لأن هذا المال معلوم المالكية وإن جهل شخص المالك.

وأما إذا لم يحرز وجود مالك له كما هو الغالب في الكنوز إذ لا وجود فعلاً للوارث إما لعدم الوارث من الأساس يمكن صاحب الكنز ليس له وارث أو لانقراضه فمقتضى القاعدة أصالة عدم الوارث والمال ينتقل تبعاً للأرض إلى ملكية الإمام المعصوم لأن الكنز لا مالك له والإمام المعصوم وارث من لا وارث فيكون تابعاً للأرض المدفون فيها ويكون فيئاً للإمام ـ عليه السلام ـ .

وقد أباح الإمام ـ عليه السلام ـ لشيعته الفيء والأنفال فيتملكه واجد الكنز بإذن الإمام ويجب عليه إخراج خمسه، وهذا ما دلت عليه الروايات الشريفة.

ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال (من مات وليس له وارث من قرابته ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله من الأنفال).

وفي مرسلة حماد (الإمام وارث من لا وارث له).

وسائل الشيعة، الجزء ستة وعشرين، صفحة مئتين وستة وأربعين، الباب الثالث من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، الحديث الأول والحديث الخامس وغيرهما عدة روايات.

إذا الأصل عدم وجود وارث لهذا الميت وقد فرض أن الميت محترم المال فيدخل في موضوع من مات وليس له وارثٌ فيكون للإمام ـ عليه السلام ـ الذي أباح التصرف فيه لكل أحدٍ من شيعته كالأراضي التي لا ربّ لها فإنها تكون للإمام ـ عليه السلام ـ وقد أباحها للمسلمين فيملكه الواجب ويجب عليه خمسة.

هذا البحث أن الأئمة أباحوا الأرض لكل من أحياها مسلماً كان أو لا سيأتي إن شاء الله في نهاية تقرير الخمس للسيد الخوئي.

موسوعة الإمام الخوئي، الجزء خمسة وعشرين، صفحة ثلاثمئة وسبعين إلى ثلاثمئة وسبعة وسبعين.

كما يمكن مراجعة هذا البحث في موسوعة الإمام الخوئي، الجزء خمسة وعشرين، صفحة أربعة وثمانين، المستند في شرح العروة الوثقى تقرير الشيخ مرتضى البروجردي، وأيضاً يمكن مراجعة الواضح في شرح العروة الوثقى تقرير الشيخ محمد الجواهري الجزء السادس كتاب الخمس صفحة مئة واثنين، ومئة وثلاثة.

هذا الكلام في الدليل الأول التمسك بأصالة عدم الوارث.

الدليل الثاني..

مداخلة..

الأصل أصيل حيث لا دليل.

يعني كأنما لا يقين بحبه بعدم الوارث الذي باستصحاب العدم الأزلي ايش هذا الأصل؟ صارت عالم استصحاب العدم.

اصبر قليلاً شيخنا نأخذ الدليل الثاني يصير توضيح أكثر.

الدليل الثاني التمسك بالسيرة العقلائية بل سيرة المتشرعة فالثابت بالسيرة العقلائية والعرفية بل سيرة المتشرعة خلفاً عن سلف أنهم يعتبرون الكنز لا مالك له، إذ الملكية أمرٌ اعتباري عقلائي وبمرور القرون تنقطع العلاقة أي علاقة الملكية بين المال وصاحب المال.

فمرور القرون يوجب قطع العلاقة بين المال وصاحبه فقطع العلاقة قد يحصل بأمر اختياري كما لو أعرض صاحب المال عن ماله وقد يحصل بشكل قهري كما في الأرض الخربة التي مرّ عليها وعلى خرابها زمن طويل بحيث لا تضاف ولا تنسب إلى مالكٍ مخصوص فيقال هذه دور باد أهلها وليس لها مالك إما لهلاكه وإما لضياع النسبة، فيحصل انقطاع للصلة بين المال وصاحبه، وهنا يرى العرف المال من المباحات الأصلية وعليه جرت العادة.

واستقرت سيرة العقلاء بل المتشرعة على حيازة الآثار الباقية في البلدان القديمة المعلوم كونها للمسلمين ففي الكوفة إلى الآن وفي النجف موجودة آثار لبني العباس وهكذا في دمشق توجد آثار لبني أمية وهكذا توجد آثار في الأردن وغيرها إلى الدولة البيزنطية أو الرومان وإن كان الرومان ليسوا مسلمين كلامنا فعلاً عن ما عليه أثر الإسلام.

فإن العرف يرى أن الصلة قد انقطعت بين المال وصاحبه بمرور القرون ولا يتردد أحدٌ من المتشرعون ولا يتوقف في تملك ما بقي من آثارهم وكنوزهم ومدخراتهم عند العثور عليها.

والخلاصة إن المال الذي ليس له مالك معروف على قسمين:

القسم الأول ما يعده العرف بلا مالك بحيث لو سئل عن مالكه لقال إنه لا مالك له.

القسم الثاني ما ينسبه العرف إلى مالك إلا أن المالك مجهول وغير معروف.

هذا القسم الثاني الذي ينسب العرف إلى مالك إلا أن المالك غير معروف إما أن يكون لقطة إذا كان المال ضائعاً من مالكه وإما أن يكون مجهول المالك وحكمه وجوب التعريف به فإن لم يعثر على مالكه يتصدق نيابة عنه في اللقطاة وأيضاً يتصدق بإذن الحاكم الشرعي أيضاً في مجهول المال.

هذا بالنسبة للقسم الثاني إذا نسب العرف المال إلى مالك معين لكن هذا المالك مجهول وغير معروف فهنا إما المال ضائع فهو حكمه حكم اللقطة وإما المال ليس بضائع لكن صاحبه مجهول يصير حكمه حكم مجهول المالك.

وأما القسم الأول الذي لا ينسب إلى مالك فيدخل في المباحات الأصلية ومقتضى الأصل جواز التصرف فيه ويجوز تملكه بالحيازة لأنه من المباحات الأصلية فالحيازة من الأسباب المملكة للمباحات.

أقول هذه السيرة قابلة للتشكيك فمن جزم بها استطاع الاستدلال بها ومن شكك في ثبوتها واستحكامها لم تنهض بالدلالة إذ أن ملاك سيرة المتشرعة هو كشفها عن الدليل الشرعي عن طريق الإن إن المعلول يكشف عن العلة وإن سيرة المتشرعة معلول تكشف عن العلة وهو النصّ الشرعي أو الدليل الشرعي كما أن ملاك حجية سيرة العقلاء هو إمضاء المعصوم، ولكن ثبت العرش ثم النقش ثبت وجود سيرة مستحكمة جرى عليها العقلاء حتى يثبت الإمضاء.

إذا هذه السيرة قابلة للمناقشة.

الدليل الثالث التمسك بدلالة صحيحتي محمد بن مسلم المتقدمتين:

الصحيحة الأولى عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال سألته عن الدار يوجد فيها الورق، فقال (إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم وإن كانت خربة قد جلى عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به).

وسائل الشيعة الجزء خمسة وعشرين، صفحة أربعمئة وسبعة وأربعين، الباب الخامس من أبواب اللقطة، الحديث الأول.

الصحيحة الثانية محمد بن مسلم عن أحدهما ـ عليهما السلام ـ في حديثٍ وسألته عن الورق يوجد في دار، فقال (إن كانت معمورة فهي لأهلها وإن كانت خربة فأنت أحق بما وجدته).

وسائل الشيعة الجزء خمسة وعشرين، صفحة أربعمئة وسبعة وأربعين، الباب الخامس من أبواب اللقطة، الحديث الثاني.

فإن المذكور في الروايتين والصحيحتين أن الورق الذي يوجد في الدار الخربة وقد انجلى عنها أهلها يكون ملكاً للواجد وإن وجدهم فهو لهم.

والروايتان واضحتا الدلالة على أن المراد بالورق هو الكنز إما أن نقول المراد بالورق خصوص الكنز أو نتمسك بإطلاق الورق فيشمل ما على الأرض ويشمل الكنز المدفون في الأرض، وليس المراد بالورق خصوص اللقطة فهذا معنى بعيد.

وسيأتي في ختام البحث أن العمدة هو الدليل الأول والثاني العمدة هو التمسك بأصالة عدم الوارث والتمسك بالنصّ وهو صحيحتا محمد بن مسلم.

الدليل الرابع والأخير التمسك بما دلّ من الروايات على وجوب الخمس في الكنز وهذه الروايات لم يصرح في أكثرها بأن واجد الكنز يملك الكنز لأنها ليست في مقام بيان الملكية بل هذه الروايات في مقام بيان الموارد التي يجب فيها الخمس فهي في مقام بيان وجوب الخمس فقط وليست في مقام بيان كيفية تملكه لكن كأنه قد فرغ عن ملكية الشيء إذا الخمس فرع الملكية.

لكن بعض الروايات يمكن أن نستفيد منها ملكية واجد الكنز لما وجده من كنز بشكل أوضح، منها روايتان:

الرواية الأولى صحيحة عمار بن مروان وهو اليشكر الثقة قال سمعت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس.

وسائل الشيعة الجزء التاسع، صفحة أربعمئة وأربعة وتسعين، الباب الثالث من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث السادس.

هذه الرواية تامة من ناحية السند فهي صحيح كما عبر عنها السيد الخوئي ومعتبرة كما عبر عنها شيخنا الأستاذ الدواري كتاب الخمس الجزء الأول صفحة ثلاثمئة وأربعة وتسعين.

ومن ناحية الدلالة فإن الرواية في مقام بيان موارد وجوب الخمس وإذا لاحظنا هذه الموارد فإن مستخرجها يملكها فيما يخرج من المعادن يعني مستخرج المعدن يملك المعدن والبحر يعني مستخرج الغوص من البحر يملكه والغنيمة يعني غانم الغنيمة يملك والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحب هو يملك الحلال الذي اختلط به الحرام والكنوز.

إذا من قرينة السياق نفهم بحسب الفهم العرفي أن الكنز لواجده أيضاً كما أن المعدن لمستخرجه والغنيمة لمن وضع يده عليها والغوص ملكه لمن استخرجه من الماء غاية ما في الأمر أن عليه الخمس ويملك أربعة أخماس، وهذه الرواية مطلقة لم تذكر أن عليها أثر الإسلام أو ليس عليها أثر الإسلام فنستفيد من إطلاقها أن الكنز لواجده مطلقاً سواء كان عليه أثر الإسلام أو لم يكن عليه أثر الإسلام فيجب عليه تخميسه.

الرواية الثانية صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال (الخمس على خمسة أشياء على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة).

وسائل الشيعة، الجزء التاسع، صفحة أربعمئة وأربعة وتسعين، الباب الثالث من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث سبعة.

وهذه الرواية صحيحة من ناحية السند ومعتبرة ودلالتها كدلالة الرواية السابقة إذ أنها في مقام بيان موارد وجوب الخمس وبحسب الفهم العرفي نفهم أن هذا الشخص يملك الأربعة الأخماس مما أخرجه من المعدن ومن الكنوز والغوص.

وهذه الرواية أيضاً مطلقة فهو يملك الكنز مطلقاً سواء كان عليه أثر الإسلام أو لا.

هذه الأدلة الأربعة بعضها قابلٌ للمناقشة مثل الدليل الرابع كما لو قيل إن الرواية في مقام بيان موارد وجوب الخمس وليست في مقام بيان الملكية، والتمسك بالإطلاق فرع كون الإمام في مقام البيان من هذه الجهة فيخدش أو يناقش في هذا الدليل فهو قابل للتأمل.

كذلك الدليل الثاني التمسك بالسيرة العقلائية والعرفية والمتشرعية فإنها قابل للمناقشة.

فيتضح أن العمدة في الدليل هو الدليل الأول التمسك بأصالة عدم الوارث وأبرزه وأبرز مصداق له استصحاب العدم الأزلي منذ الأزل لم يكن له وارثٌ نستصحب عدم وجود الوارث.

والدليل الثاني صحيحتا محمد بن مسلم وإلى هذا القول وهو وجوب تخميس الكنز إذا وجد في الأرض الموات وعليه أثر الإسلام ذهب أكثر المتأخرين واختاره السيد الماتن صاحب العروة وقواه سيد وأساتذتنا السيد الخوئي في المستند في شرح الوثقى جزء خمسة وعشرين صفحة أربعة وثمانين، وقواه شيخنا الأستاذ الشيخ الداوري الخمس في فقه أهل البيت الجزء الأول صفحة ثلاثمئة وخمسة وتسعين.

وهو الصحيح هذا تمام الكلام في الصورة الأولى وهي إذا وجد الكنز في الأراضي العامة كالأراضي الموات وكان عليه أثر الإسلام فالأقوى وجوب تخميس هذا الكنز.

الصورة الثانية إذا وجد الكنز في ملكٍ شخصي واحتمل كونه للغير وفيه عدة فروض يأتي عليها الكلام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo