< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/07/06

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس التاسع والستون: الکلام فی الدلیل الخامس وهو التمسک بموثقة محمد بن قیس

الصحيح وجوب تخميس الكنز إذا عثر عليه في الأراضي العامة وكان عليه أثر الإسلام وعدم إجراء حكم اللقطة عليه، قلنا يوجد قولان:

القول الأول إجراء حكم اللقطة.

القول الثاني إجراء حكم التخميس على الكنز الذي يعثر عليه في الأراضي لكن كان عليه أثر المسلمين كما لو كان الذهاب مسكوك بسكة الأمويين أو العباسيين أو الدولة العثمانية أو الدولة الصفوية مما يعني سبق يدّ المسلم عليه.

قلنا توجد خمسة أقوال قد أقيمت على إجراء حكم اللقطة عليه، ناقشنا الأدلة الأربعة الأول وبقي الدليل الخامس وهو التمسك بموثقة محمد بن قيس عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال قضى علي ـ عليه السلام ـ في رجلٍ وجد ورقاً في خربة أن يعرفها فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها.

وسائل الشيعة الجزء خمسة وعشرين صفحة أربعمئة وثمانية وأربعين، الباب الخامس من أبواب اللقطة الحديث الخامس.

وحمل الورَق أو الورِق على الكنز إما بالتمسك بإطلاق الرواية الذي يشمل ما كان مطروحاً على الأرض وما كان مذخوراً في الخربة وإما التمسك بقرينة قوله ـ عليه السلام ـ أن يعرفها فإن التعريف ممكن إذا كان الورق مذخوراً تحت الأرض وعليه علامة بحيث يمكن تعريفه بخلاف ما إذا كان على وجه الأرض.

وعلى كلا التقديرين فالرواية تدل على أنه لا يجوز تملك الورِق بل لابد من تعريفه وإجراء حكم اللقطة عليه.

وفيه أولاً عدم وضوح دلال الموثقة على أن الورِقة كنزٌ بل الظاهر منها أنه ورِقٌ مطروحٌ على الأرض وليس مدفوناً في جوفها، ففي الرواية (في رجلٍ وجدَ ورقاً في خريبة أن يعرفها) فلعلها ظاهرة في وجدان الورِق في الخربة لا في باطن وجوف الخربة، ولا أقل من الإجمال في الرواية فلا تصلح دليلا على المدعى.

وثانيا لو سلمنا أن الورق في الموثقة ظاهرٌ في الكنز لكن لعل الخربة كانت لمالكٍ معروف فيحمل قوله ـ عليه السلام ـ (أن يعرفها) أي يعرفها لمالكها المعروف يعني تعريف الورِق لمالك الخربة.

إلا أن هذا الحامل يتنافى مع قوله ـ عليه السلام ـ (فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها).

ولكن هذه الرواية تتعارض مع روايتين صحيحتين لمحمد بن مسلم فلابد من الجمع بينهما إذا حملنا موثقة محمد بن قيس على الكنز.

الرواية الأولى صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال سألته عن الدار يوجد فيها الورِق، فقال (إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم وإن كانت خريبةً قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به).

الكافي للكليني، الجزء الخامس، صفحة مئة وثلاثة وثلاثين، كتاب المعيشة، الباب واحد وثمانين، الحديث خمسة.

تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي الجزء السادس صفحة ثلاثمئة وأربعين، الحديث ألف ومئة تسعة وستين.

رواه الحرّ العاملي جزء خمسة وعشرين، صفحة أربعمئة وسبعة وأربعين، الباب الخامس من أبواب اللقطة، الحديث الأول.

ومثلها صحيحة محمد بن مسلم الثانية عن أحدهما ـ عليهما السلام ـ في حديث طويل قال: وسألته عن الورِق يوجد في دارٍ، فقال: (إن كانت معمورة فهي لأهلها وإن كانت خريبة فأنت أحق بما وجدته).

تهذيب الأحكام، الجزء السادس، صفحة ثلاثمئة وتسعة وثلاثين، الحديث ألف ومئة وخمسة وستين.

رواه الحرّ العاملي في وسائل الشيعة الجزء خمسة وعشرين، صفحة أربعمئة وسبعة وأربعين، الباب الخامس من أبواب اللقطة، الحديث الثاني.

وبهاتين الصحيحتين لمحمد بن مسلم تقيد موثقة محمد بن قيس المتقدمة وتحمل على ما إذا كانت الخربة لمالكٍ معروف لذلك يعرفها لمالكها المعروف أو لمن يعرفه أو لورثته ومع عدمه فما يوجد في جوفها فهو لواجده.

ولو سلمنا أن التعارض مستقر ولا يمكن التقييد كما أشكل سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي على جمع السيد الخوئي لهاتين الروايتين، فيراجع بحوث في الفقه كتاب الخمس الجزء الأول للسيد محمود.

وردّ عليه الشيخ محمد الجواهري في تقريره الواضح في شرح العروة الوثقى، الجزء السادس، كتاب الخمس، صفحة تسعة وتسعين وصفحة مئة.

فقد تطرق إلى أدلة سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي وردّه على السيد الخوئي وانتصر للسيد الخوئي وردّ إشكالات السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله ـ ، ولا داعي لإطالة الكلام في التعرض لما أفاده سيدنا وردّ الشيخ الجواهري عليه. ن

قول لو سلمنا جدلاً أنه لا يمكن التقييد النتيجة يحصل التعارض المستقر فنلتزم بالتساقط، إذا سقطت الروايتان موثقة محمد بن قيس وصحيحتا محمد بن مسلم نرجع إلى الأصل في المسألة والأصل هو جواز الاستملاك بمقتضى أصالة عدم وضع يدٍّ محترمة على المال مسبقاً، الأصل عدم سبق يدٍّ محترمةٍ على المال وبمقتضى هذا الأصل يجوز التصرف في هذا الكنز فيتملكه ويخرج خمسه.

لكن هذا الأصل وهو أن الأصل في المال جواز التصرف فيه لعدم سبق يدٍّ محترمة عليه كالمسلم أو الذمي وقع محلاً للاعتراض والإشكال من جملةٍ من الأعلام أبرزهم المحقق المدقق آقا رضا الهمداني في مصباح الفقيه الجزء أربعة عشر صفحة ستين وواحد وستين.

فأشكل هو وتبعه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في مستند العروة الوثقى بما مفاده إن مقتضى الأصل عدم جواز التصرف في مال أحدٍ ما لم يثبت جوازه فإن أخذ المال والتصرف فيه ظلمٌ وتعدٍ وهو قبيح إلا ما ثبت جوازه بدليل كـ مال الكافر الحربي فلا بد من إحراز ذلك.

إذا لا نسلم أن الأصل في المال هو جواز التصرف فيه لعدم سبق يدّ محترمةٍ عليه بل العكس يا أخي يا أخي عندنا ثلاثة أمور يحتاط فيها الشارع الدم والمال والعرض، والمال أحد الثلاثة التي يحتاط فيها الشارع المقدس فنحن نلتزم بأصالة الاحترام، الأصل هو أن الدم محترم والعرض محترم والمال محترم إلا إذا دلّ الدليل الخاص على عدم الاحترام.

يا أخي هذا لأنه كافر يجوز تقتله؟! يجوز تنتهك عرضه؟! يجوز تسلب ماله؟! كلا وألف كلا، الأصل احترام هذه الثلاثة الدم والعرض والمال إلا إذا دلّ الدليل الخاص على عدم الاحترام كالدليل الذي دلّ على عدم احترام مال الناصبي وعدم احترام مال الكافر الحربي بل هدر دمّ الكافر الحربي.

وبالتالي إذا شككنا أن المال لمسلم أو لحربي فمقتضى الأصل عدم جواز التصرف في المال لا أن الأصل هو الجواز إلا إذا ثبت أنه لمحترمٍ كمسلم أو ذمي.

إذاً أصالة جواز التصرف في المال إلا إذا ثبت سبق يدٍّ محترمة عليه لا نسلم بهذه الأصالة بل الأصالة المسلمة هي أصالة الاحترام الأصل إن المال محترم إلا إذا دلّ دليلٌ على عدم احترامه وجواز التصرف فيه.

وكمنبه وجداني يوضح هذه الأصالة لو وجدنا شخصاً في البادية هذا المثال ضربه السيد الخوئي ونقله شيخنا الأستاذ الداوري الخمس في فقه أهل البيت الجزء الأول صفحة ثلاثمئة وواحد وتسعين.

وشككنا في أنه مسلم أو ذمي محقون الدم أو كافر حربي، فهل يجوز لنا أخذ أمواله تمسكاً بأصالة عدم إسلامه؟ كلا وألف كلا.

إذا أولاً عندنا أصالة الاحترام.

ثانياً عندنا سيرة عقلائية العقلاء يحترمون دم الإنسان وعرضه وماله ما لم يثبت العكس.

وثالثاً عندنا حكومة العاقل القطعية القاضية بقبح الظلم، ومن الواضح أن الاستيلاء على مال إنسانٍ بمجرد عدم العلم بإسلامه ظلمٌ قبيح.

والأمر الثالث نتمسك بما ورد في التوقيع الشريف من قوله ـ عليه السلام ـ (فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه).

وسائل الشيعة، الجزء التاسع، صفحة خمسمئة وأربعين، الباب الثالث من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ـ عليه السلام ـ في الحديث السادس.

ودلالة التوقيع الشريف واضحة لا غبار عليها ففيها عموم إذ قال ـ عليه السلام ـ (فلا يحل لأحدٍ) والتنكير يفيد العموم سواء كان مسلماً أو كافراً (أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه) وعنوان الغير كما يصدق على المسلم يصدق على الكافر.

فيتضح من هذا التوقيع الشريف أن الأصل عدم جواز التصرف في مال الغير إلا مع الإذن من المالك.

وأما أصالة عدم وضع يدّ المسلم على المال فهي مما لا أساس لها.

وقد ذهب شيخنا الأستاذ الشيخ الداوري ـ حفظه الله ـ إلى صحة واعتبار هذا التوقيع الشريف فإن الشيخ الصدوق قد روى هذا الحديث عن أربعة من مشايخه وهم محمد بن أحمد السناني وعلي بن أحمد بن محمد الدقاق سبحان الله على اسم أبوي ـ رحمه الله ـ والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق جميعاً عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي والأسدي من الوكلاء الممدوحين الثقات، وأما مشايخ الصدوق فإنهم لم يرد فيهم توثيق إلا أن الشيخ الصدوق قد ترضى عليهم.

وقد ذهب شيخنا الأستاذ الداوري إلى أن ترضي الصدوق على شخص أمارةٌ على وثاقته فيراجع كتابه الرجالي علم الرجال بين النظرية والتطبيق، الجزء الثاني، صفحة ثلاثمئة وسبعة عشر.

إلا أننا لا نلتزم بما ذهب إليه شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري من التفرقة بين ترحم الصدوق والقول بأن الترحم لا يفيد التوثيق وبين ترضي الصدوق والقول بأن ترضي الصدوق يفيد التوثيق فلا فرق بين الترحم والترضي.

نعم كثرة الترضي قد توجب الاطمئنان بوثاقة الشيخ الذي لم يصرح بوثاقته إلا أن مجرد الترضي لا يفيد التوثيق.

وعليه يكون هذا التوثيق ضعيف السند كما ذهب إلى ذلك السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ فتكون هذه الرواية مؤيداً وليست دليلاً.

كما أن السيرة العقلائية قابل للتأمل والمناقشة إذ أن العمدة في السيرة العقلائية هو إمضاء المعصوم ـ عليه السلام ـ .

وقد يتأمل في استحكام هكذا سيرة حتى يقال بإمضاء المعصوم ـ عليه السلام ـ لها.

إذاً العمدة هي أصالة الاحترام المؤيدة بالرواية الشريفة بل العمدة أصالة الاحترام وحكومة العقل القاضي بقبح الظلم.

إلى هنا لاحظ التسلسل إلى هنا رددنا الأدلة الخمسة التي أقيمت على أن حكم اللقطة يجري على الكنز الذي يعثر عليه في الأراضي الموات إذا كان عليه أثر الإسلام، وعند التسليم جدلان بالتساقط أي يوجد تعارض بين موثقة محمد بن قيس الدالة على إجراء حكم اللقطة وبين صحيحة محمد بن مسلم الدالة على إجراء حكم التخميس للكنز قلنا المسلك الأول المرجع هو أصالة الحل وجواز التصرف ما لم يعلم سبق يدّ مسلم، واتضح أن هذه الأصالة ليست تامة.

ثم ذكرنا القول الثاني وهو الالتزام بأصالة الاحترام وأن الأصل في المال أن يكون محترماً سواء كان لمسلمٍ أو كافر إلا إذا دلّ دليلٌ خاص عدم احترامه بمقتضى القول الأول أصالة الحل ما لم يسبق يدّ المسلم ما لم يعلم أنه لمسلم يجوز تصرف في الكنز ويجوز تملكه، بمقتضى القول الثاني أصالة الاحترام لا يجوز التصرف في الكنز لأن الأصل في المال أنه محترم.

وهناك أصالة ثالثة سنتطرق إليها في الدرس القادم إن شاء الله هذه الأصالة تثبت حكماً موضوعياً حاكماً على أصالة الاحترام وهي أصالة عدم وجود الوارث.

نحن الآن نعلم أن عليه أثر الإسلام وأنه لمسلم والأصل في المال أنه محترم، ولكن هل صاحب هذا المال المحترم له وارث أو ليس له وارث؟ الأصل ليس له وارث فلابد من الفحص فإن عثرنا على وارثه فهو لوارثه وإن لم نحصل على وارثه يكون المال تابعاً للأرض، وبما أن الأرض أرض موات تأتي روايات التحليل (مالنا لشيعتنا) فيجوز تملكه ويجب إخراج خمسه.

إذاً عمدة ما سنصل إليه من أدلة وجوب تخميس الكنز في الأرض الموات وعدم إجراء حكم اللقطة هو التمسك بأصالة عدم الوارث التي توجب إلحاق الكنز بالأرض فنجري حكم الأرض والأرض موات فهي للإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ وقد حلل الامام ـ عليه السلام ـ الأنفال لشيعته فيجوز تملكه.

إذاً لولا الأصالة والنصّ يعني أصالة عدم الوارث والنصّ الوارد في التحليل لما صح أن نلتزم بأن حكم هذا المال حكم الكنز ووجوب تخميسه بل ربما نلتزم أن حكمه حكم اللقط أو مجهول المالك لأننا علمنا أنه لمالك محترم عليه أثر الإسلام فإما مال ضائع فيصير حكمه حكم اللقطة وإما مال مجهول المالك يرجع فيه إلى الحاكم الشرعي ومصرفه الصدقة على الفقراء بإذن الحاكم الشرعي.

الخلاصة الأدلة التي أقيمت على أن حكم المال الذي عثر عليه في الأرض الموات وكان عليه أثر الإسلام لا تنهض بالدلالة على أن حكمه حكم اللقطة.

نعم صحيحة موثقة محمد بن قيس قد يستظهر منها ثبوت حكم اللقطة للكنز لكن يجب تخصيصها بمفاد صحيحة محمد بن مسلم.

إذا لا تنهض الأدلة على إثبات حكم اللقطة للمال الموجود في الأرض الموات إذا كان عليه أثر الإسلام، إذاً القول الأول إجراء حكم اللقطة لم تنهض أدلته الخمسة، ويقع الكلام في الأدلة التي أقيمت على أن حكمه حكم وجوب تخميس الكنز، ويمكن إقامة أربعة أدلة يأتي عليها الكلام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo